اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الديموقراطية الفاسدة ليست ديموقراطية// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

الديموقراطية الفاسدة ليست ديموقراطية

تعقيبا على مقالة الزميل عامر محسن "فساد الديموقراطية".

علاء اللامي

كاتب عراقي

 

إنَّ تعقيبي هذا يناقش مقولة أو فكرة واحدة وردت في مقالة الزميل عامر محسن "حين تفسد الديموقراطية - الأخبار - 19 أيلول 2018" وفيها تطرق إلى الوضع العراقي، وسيكون تركيزي في التعقيب على فكرته عما سماها "الديموقراطية الإجرائية أو الشكلية"، حيث يقول (فإنّ العراق هو بالفعل نظامٌ «ديمقراطي»، والدستور والقوانين رسمها الأميركيون وخبراؤهم. قد لا نحبّ الاعتراف بذلك، أو نصرّ على أنّ الديمقراطية في العراق «ليست حقيقية» (لأنّ البلد تحت الاحتلال، أو بسبب الطائفية، أو الفساد، الخ)؛ الّا أنّ هذا لا يغيّر حقيقة أنّ النّظام، شكلياً وإجرائياً، هو «ديمقراطي»: السلطات تنبثق عن انتخابات، والانتخابات اجمالاً حقيقيّة، وهناك تبادل سلطات، وأحزاب كثيرة، وحكومات محلية، ومليون منظّمة مجتمع مدني، و«هيئات مستقلّة» تتمثّل فيها مصالح مختلفة (في العراق، مثلاً، رغم كلّ شيء، ليس من السهل على السلطة أن تقتل انساناً أو أن «تخفيه» السجون من دون أن يعرف أحد - ولكنّ الميليشيات تقدر على ذلك). في العراق بحسب الدستور الحالي، في وسع ثلاث محافظاتٍ أن تعقد تصويتاً وأن تجعل نفسها، مباشرةً، اقليما فيديرالياً).

 

أختلف تماما مع مفهوم "الديموقراطية الإجرائية والشكلية" في العراق أو ما يقارب هذا المفهوم الذي يطرحه الزميل عامر محسن، والذي عبر عن تجلياته بالعديد مما يمكن اعتبارها أدلة ومنها (السلطات تنبثق عن انتخابات، والانتخابات اجمالاً حقيقيّة، وهناك تبادل سلطات، وأحزاب كثيرة، وحكومات محلية، ومليون منظّمة مجتمع مدني، و«هيئات مستقلّة» تتمثّل فيها مصالح مختلفة (في العراق، مثلاً، رغم كلّ شيء، ليس من السهل على السلطة أن تقتل انساناً أو أن «تخفيه» السجون من دون أن يعرف أحد - ولكنّ الميليشيات تقدر على ذلك-. في العراق بحسب الدستور الحالي، في وسع ثلاث محافظاتٍ أن تعقد تصويتاً وأن تجعل نفسها، مباشرةً، اقليما فيديرالياً)، فكل هذه المظاهر أو التجليات "الإجرائية " التي اقتبستُها حرفيا من مقالة الزميل، وهي من باب أولى مضمونياً "إجرائيات" تكرس طريقة حكم محكومة بأسس لاديموقراطية ورجعية تاريخيا واجتماعيا، ومعبر عنها بالدستور المكوناتي الطائفي والمؤسسات والهيئات التي شكلها الاحتلال الأجنبي وحلفاؤه من لاجئين سياسيين جمعهم من عواصم العالم وأضاف إليهم بعض "المتساقطين" من فلول نظام صدام حسين، وغالبيتهم من بعثيين "شيعة"، تحصلوا على تزكيات أشبه "صكوك الغفران" من جهات دينية معلومة، فعن أية "انتخابات إجمالا حقيقية" يتحدث الزميل، إذا كان الذي يديرها يعترف بأنها مزورة ولا تشارك فيها إلا أقلية ضئيلة قد لا تتجاوز 20% ممن يحق لهم التصويت؟

 

ثم، عن أي تبادل للسلطة يجري الحديث، والسلطة والمناصب العليا في الدولة توزع وفق صفقات سرية وفق منطق التغالب والعصبية بين زاعمي تمثيل الطوائف والوزارات، أما مقاعد البرلمان ورئاساته ولجانه فتسوَّق وتباع في مزادات شبه علنية بين حيتان الفساد. وحتى الذين وصلوا الى المناصب العليا بعد سنة 2005 مباشرة، فلم ينتخبهم أحد، بل أوصلتهم دبابات الاحتلال وأوامر الحاكم المدني الأميركي بول بريمر والتضليل الطائفي المسنود بأقوى سلطة معنوية للطائفة الأكبر في البلاد، أو عن طريق صفقات البيع والشراء العلني للمناصب؟ وفي هذا المضمار، ستكون آخر فضيحة كشفت عنها النائبة الصدرية د. ماجدة التميمي، وهي تذرف الدموع على ما سمته (العراق الذي يذبح من الوريد إلى الوريد) قبل أيام قليلة، وهي بيع الأصوات في انتخابات رئيس البرلمان الجديد، محمد الحلبوسي، وتوثيق عمليات البيع والشراء بالتصوير الهاتفي ذروة فساد الجانب الإجرائي في هذه "الديموقراطية"، ستكون معبرة وكاشفة جدا.

 

هكل هذه الأدلة المضادة، تجعلني أفرق دائما في كتاباتي بين "النظام الديموقراطي" حتى لو ألحقنا به صفات من قبيل: الإجرائي أو التأسيسي او الشكلي، والذي لا وجود له في الأنظمة الطائفية التابعة في العراق ولبنان بل وحتى دولة العدو الصهيوني "إسرائيل"، وبين "النظام الانتخابي" الاستبدادي أو الطائفي أو العنصري. وأخيرا فعن أية أحزاب يجري الحديث وهي ليس أكثر من عصابات للنهب والفساد بلا برامج ولا أنظمة داخلية ومكونة على الأسس الطائفية حتى استحقت الانتفاضة الشعبية المتواصلة في جنوب العراق حيث معاقل الأحزاب الشيعية المهيمنة على الحكم اسم "الانتفاضة ضد أحزاب الفساد الحاكمة"؟ وعن أية مليون منظمة مجتمع مدني وأغلبها منظمات للتجسس وجمع المعلومات ممولة من دول أجنبية ومثالها الأشهر منظمة "صحافة الحرب والسلام" الأكثر نشاطا والأكثر مشبوهية وفساداً، ومنظمات النساء والشباب التي انكشف الكثير منها على حقيقته وتورط بعضها في تهريب الأطفال اليزيديين الى دولة العدو الصهيوني والتطبيع مع هذه الدولة المسخ العنصرية؟

 

أما قول الكاتب (ليس من السهل أن تقتل إنسانا - في العراق - والمليشيات تفعل ذلك )، فليس صحيحا أبداً، وقوائم القتلى والذين تم اغتيالهم أو اختطافهم أو اعتقالهم من قبل أجهزة النظام الرسمية قد يكونون أكثر ممن قتلتهم واختطفتهم واعتقلتهم المليشيات الحزبية، وفي كل مرة يتدخل وزير الداخلية ليطلق سراح بعض المخطوفين، يدلي هؤلاء بشهاداتهم عن أجهزة رسمية قامت باختطافهم ثم تجري لفلفة القضايا قضائيا؟

 

أما حرية تشكيل الإقليم من كل ثلاث محافظات، أو للدقة: من محافظة واحدة فما فوق كما ينص الدستور الذي كتب في ليلة ظلماء في عهد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، فهو أمر يتم بشروط أسهل كثيرا من تشكيل فريق محلة شعبية لكرة القدم أو للعبة "المحيبس" الشعبية العراقية في شهر رمضان، والقصد من إدراج هذه المادة الخاصة بتشكيل الأقاليم في الدستور هو تفكيك البلد إداريا بعد ان تم تفكيكها اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا تمهيدا لتقسيمه. ولعل تجربة أول إقليم "إقليم كردستان" تم تشكيله خير دليل على هذا المآل، حتى صار التهديد بتشكيل إقليم كسيف ديموقليس المسلط على رأس السلطة في بغداد، وبكلمات أخرى "على العراق" في كل خلاف يحدث لها مع أية محافظة. وعمليا فالأقاليم المقصودة هي أقاليم طائفية في جميع الحالات التي طرحت فيها، من إقليم آل الحكيم الشيعي للجنوب والوسط، إلى الإقليم السني في الأنبار والموصل ...الخ.

إنَّ يقيني هو أنَّ المضمون الجوهري لمقالة الزميل عامر محسن لا خلاف عليه، وهو قد لا يقصد بها كيل المديح للديموقراطية في العراق أو لبنان، رغم حَرْفية اقتباساتي عما كتب، بما يضيق من احتمالات سوء الفهم من قبلي أو من قبل أي قارئ يُلِمُّ بعض الإلمام بالشأن العراقي، فهي تجربة يصدق عليها في العراق وصف "ديموقراطية الطوائف المتنازعة على الريع النفطي"، ولكن الزميل عامر، ربما يكون قد أطلق في التفاصيل ما يشبه الحكم المعياري على تجربة النظام في العراق معتمدا على ما ينشر في الإعلام العراقي وغير العراقي السائد وهو إعلام منحاز أساسا إلى ما يسمونه "العملية السياسية" التي أطلقها الاحتلال الأميركي، لتكون الجناح السياسي والعملي التكميلي "الناعم" لعملية الغزو والاحتلال العسكري، تهيئ الظروف لوضع الاحتلال غير المباشر والتبعية المباشرة للولايات المتحدة مع وجود قدر كبير من التوافق والتخادم بينها وبين إيران لدوام استمرار بقاء هذا النظام بدستوره وأحزابه وقوانينه وشخصياته. وهذه الشخصيات هي التي يتكرر "تدويرها" وإعادة إنتاجها على المناصب المهمة ولا يزيد عدد أفرادها على خمسمائة شخص، مقودون بعدد محدود منهم ينتمون إلى عوائل وبيوتات دينية وعشائرية متنفذة، ومدفوعة بطموحات الزعامة السياسية والهيمنة الطائفية والوجاهة الاجتماعية واقتسام عائدات الريع النفطي عليها وعلى الشبكة الزبائنية التابعة لها وتشكل حاضنتها الانتخابية والمليشياوية.

 

إن كلام الكاتب عن انحطاط تجربة النظام الانتخابي في العراق (فقرة تفسير الانحطاط،، تحديدا) لا يترك مجالا للشكل في سلبية وفساد هذا النظام من وجهة نظر الكاتب، ولكنه أيضا، وفي الوقت نفسه، يوقعنا في التشوش وسوء الفهم إذا وضعناه جنبا إلى جنب مع تجليات ما سماه "الديموقراطية الإجرائية" أو التأسيسية الشكلية، تلك التجليات التي لا نصيب لها من الصحة على أرض الواقع. وكما هو معلوم فإنَّ انحطاط هذا النظام الانتخابي واللاديموقراطي بلغ هذه الأيام الدرك الأسفل، حتى أمسى الحاكم الأول ورئيس السلطة التنفيذية "رئيس مجلس الوزراء" يعين بموجب شروط أو تسميات تضعها المرجعية الدينية الشيعية، وتعتبر - تلك الشروط والتسميات - لدى البعض خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ليتم لاحقا على أساسها توافق أميركي إيران غير مباشر، بعد أن عجز كلا الطرفين عن فرض مرشحه لهذا المنصب. وقد بلغ الوضع العام لتجربة "النظام الانتخابي" في العراق درجة من الانحطاط والسوء لا نظير لها، لدرجة أن الأسماء المطروحة إعلاميا حتى الآن هي الأكثر فسادا وتجارب مرة، أسماء فرَّط أحد أصحابها في الماضي بنفط العراق وساوم أو هدد وحدته بصفقاته مع الزعامات الإقطاعية الكردية وغيرها. ومن تلك الأسماء التي يجري الترويج لها مثلا عادل عبد المهدي، وزير المالية في أول حكومة شكلت خلال سنوات الاحتلال الأولى "الحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي" ومن "إنجازاتها" المعروفة رفع حصة الإقليم الكردي من الموازنة العامة العراقية الاتحادية من 13% إلى 17% بإجراء مرتجل يشبه تقديم رشوة سياسية لكسب الحليف المكوناتي ضد مكون آخر. ثم عُين هذا السيد وزيرا للنفط في حكومة نوري المالكي الثانية وهو ميدان لا علاقة للرجل به من قريب أو بعيد، وقد تولى خلال فترة وزارته هذه عقد صفقة خطيرة سُمِحَ بموجبها للزعامة الكردية "البارزانية" تحديدا بتصدير نفط الإقليم بشكل مستقل ووضع عائداته في حسابات مصرفية أجنبية شخصية غير معلنة، إضافة إلى حصة الإقليم المقررة من الموازنة العامة من الموازنة العراقية الاتحادية، إضافة إلى انه عرّاب قانون "شركة النفط الوطنية" المشبوه والذي أقره البرلمان منتهي العهدة بسرعة مريبة ليوقع عليه الرئيس معصوم في اليوم نفسه ويصبح قانونا مع أنه أخطر قانون سُنَّ في عراق ما بعد الاحتلال على الإطلاق، أمر الذي دفع مجموعة من خبراء النفط الوطنيين إلى الطعن فيه لدى المحكمة الاتحادية العليا والتي عقدت أولى جلساتها في هذه القضية قبل أيام قليلة لأنه قانون يفتح الباب على خصخصة الثروات النفطية العراقية ويجعل هذه الشركة دولة داخل الدولة ما يقدح في استقلال وسيادة العراق الناقصة والمنتهكة أصلا، فهل ثمة خراب وانحطاط لتجربة حكم انتخابي رجعي ولا ديموقراطي أبلغ وأكبر من هذا الخراب والانحطاط حين يصل شخص كهذا الى قيادة السلطة التنفيذية في بلد مهم جيوسياسيا كالعراق؟

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.