كـتـاب ألموقع

أغنية لكاظم الساهر نشيدنا الوطني؟// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

 

أغنية لكاظم الساهر نشيدنا الوطني؟

علاء اللامي

 

تركوا أشعار فطاحل العراق كالجواهري والسياب وجمال الدين وراحوا يروجون نصا عاديا لكاتب أغان غير معروف لكاظم الساهر كنشيد وطني.

يروِّج بعض السياسيين والإعلاميين هذه الأيام نصا شعريا ركيكا كتبه شخص لم يسمع باسمه كثيرون، هو أسعد الغريري ومع احترامي لشخصه وتجربته، ولكنه كاتب أغانٍ عادية ولا تتميز عن سواها بشيء من الناحية الفنية، قدَّم عددا منها للمغني العراقي المعروف كاظم الساهر. أيا يكن رأينا بغناء الساهر، فالأمر متعلق بالذائقة الشخصية، فهو لا علاقة له بالموضوع إلا على سبيل تلحينه للنص المقترح نشيدا وطنيا للعراق وترويجه وتبنيه للأغنية بوصفها نشيدا وطنيا مقترحا ودخوله طرفا مع أحد الزعماء السياسيين في مفاوضات لجعل هذه الأغنية نشيدا وطنيا كما قرأت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي. وحتى قبل ذلك، فلم يخلُ الأمر من الكذب والفبركة فقد زعم الزاعمون، قبل أكثر من عام، أن هذا النص ومطلعه (سلام عليك على رافديك ...) هو للشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري، وهذا كذب رخيص ومحاولة ساذجة لاستعمال اسم الشاعر الكبير كسلم إعلامي لهذا النص وقد كتبت مقالة حول هذه الحدث في وقته. شخصيا لا استثني حتى العامل الطائفي والرثاثة الثقافية والفنية كدوافع لهذا الترويج وهذا الاختيار ولكنني أتساءل فقط لماذا يهمل هؤلاء نصا رائعا لشاعر كبير هو مصطفى جمال الدين ويتم ترويج هذا النص الفارغ من أية روح شعرية. هاكم هذا المثال مما قاله جمال الدين:

بغدادُ ما اشتبكتْ عليكِ الاعصرُ

إلا ذَوَتْ ووريقُ عمركِ أخضرُ

مرّتْ بكْ الدنيا وصبحُكِ مشمسٌ

ودجتْ عليكِ ووجهُ ليلكِ مقمرُ

وكأن عيدَكَ بعدَ ألفِ محولةٍ

عيدُ افتتاحكِ وهوَ غضٌّ مثمرُ

 أما الجواهري فله الكثير من الجوهر الخالد في مملكة الشعر العراقي ويكفي التذكير مثلا بـ:

برغمِ الإِباءِ ورغمِ العُلى       ورغمِ أُنوفِ كِرامِ المَلا

ورغم القلوبِ التي تستفيضُ  عُطفاً تَحوطُكَ حَوْطَ الحِمى

وإذْ أنتَ ترعاكَ عينُ الزمانِ  ويَهْفُو لجِرْسِكَ سَمْعُ الدُّنى

وتلتفُّ حولَكَ شتَّى النُّفوسِ    تَجيشُ بشتَّى ضروبِ الأسى

وتُعرِبُ عنها بما لا تُبين       كأنَّك من كلِّ نفسٍ حشا

فأنتَ مع الصبحِ شَدْوُ الرعاةِ  وحلمُ العذارى إذا الليلُ جا

سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ   وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى

على النَّخْلِ ذي السَّعَفاتِ الطوالِ    على سيّدِ الشَّجَرِ المُقتنى

على الرُّطَبِ الغَضِّ إذ يُجتلَى كوَشْيِ العروسِ وإذ يُجتنى

ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ   تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى

سلامٌ على قَمَرٍ فوقَها    عليها هَفا وإليها رَنا

تُدغدِغُ أضواؤهُ صَدْرَها       وتَمسحُ طيَّاتِها والثِنى

كأنَّ يداً طرَّزَتْ فوقَها   من الحُسن مَوشِيةً تُجتلى

أو قصيدته :

حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحَييني

يا دجلة الخير، يا أمَّ البساتين ِ

حييتُ سفحَك ظمآناً ألوذ به

لوذ الحمائِم بين الماءِ والطين

إني وردتُ عُيون الماءِ صافية

نَبعاً فنبعاً فما كانت لتَرْويني

يا دجلة الخير:يا أطياف ساحرةٍ

يا خمرَ خابيةٍ في ظلَّ عُرجونِ

وثمة أيضا هذا النص الشعري الجميل لبدر شاكر السياب:

الشمسُ أجملُ في بلادي من سواها، والظلام

حتى الظلام-هناك أجمل، فهو يحتضن العراق

يا أخوتي المتناثرين من الجنوب الى الشمال

بين المعابر والسهول وبين عالية الجبال

خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء،

الشمس نور الله، تغمرها بصيف أو شتاء.

وأخيرا، وعلى الصعيد العملي، ففي البرلمان السابق، تم اختيار ثلاثة نصوص من بين النصوص أعلاه ليتم التصويت لاختيار واحد منها نشيدا وطنيا، ولكن تمت عرقلة العملية بالشرط الذي وضعه الطرف السياسي الكردي والذي طالب بوجوب ترجمة بعض أبيات النشيد الوطني إلى اللغة الكردية، وهذا طلب مضحك ولا سباق له في تاريخ البشرية، وهو يدل على استهتار واضح من الساسة الكرد ودونية أوضح من الساسة الشيعة الذين تحالفوا معهم لتأمين الأغلبية الدائمة والنكاية بغريمهم الطائفي " العرب السنة"! إن المطالبة بأن يكون هناك نشيد وطني بأكثر من لغة هو إجبار ملايين العرب وغير العرب والكرد من العراقيين على إنشاد جزء من النشيد الوطني لبلادهم بلغة أخرى غير لغتهم الأم والسائد في حال كهذه أن يكون النشيد الوطني باللغة الوطنية الأولى ويترك للقوميات الأصغر إن وجدت أن تترجم النشيد كله إلى لغتها أو تكتفي بالنشيد عزفا موسيقيا. وكانت النتيجة أن تم تجميد مشروع النشيد الوطني مثلما تم تجميد العلم الوطني والشعار الجمهوري والإحصاء السكاني فنحن نعيش في دولة مؤقتة بمعنى الكلمة!

وأخيرا وبصراحة فإن نظاما رجعيا ومتخلفا كالنظام اللصوصي القائم اليوم لا تليق به إلا قصيدة رثة وركيكة أو حتى أغنية من نوع "ياعيني الواد بعيط" لتكون نشيدا سياسيا له ولأزلامه!