اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قصة لطيفة عن ثنائية "التخلف والتحضر" في المعجم السياسي المعاصر// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب

قصة لطيفة عن ثنائية "التخلف والتحضر" في المعجم السياسي المعاصر

علاء اللامي

 

قبل عشر سنوات تقريبا، أقل أو أكثر لا أتذكر، تعرفت على الآنسة سين، تلميذتي لتعلم اللغة العربية، وهي من أصول مكسيكية تنوتشكية (Tenochca) "أزتيكية"، وهم من السكان الأصليين المضطهدين والمهمشين في المكسيك. كانت سين يسارية ثورية من طراز خاص، تُعنى باللغات الأجنبية وتجيد عددا منها، وتدافع بشراسة لم أشهد مثلها عن تراث شعبها وحضارته الأزتيكية وديانته الوثنية (ذات مرة ذهبت الرفيقة سين بزيها التقليدي الجميل إلى الجامعة بمناسبة أحد أعيادهم الوطنية الشعبية وكانت محط أنظار واحترام وتشجيع زملائها وزميلاتها ولم يصفها أحد بـ"المتخلفة"! تصوروا لو أن أحد الرفاق العراقيين لبس زيه العربي وراح يتمشى بالعقال واليشماغ في شارع الشنازليزيه الباريسي، ماذا سيحدث!). كانت سين طالبة جامعية تعد أطروحتها في الماجستير وموضوعها يدور حول تطور المعجم السياسي المعاصر في الصحافة والسياسة في دول المتروبول الغربي "الدول الاستعمارية الرئيسية". كانت توضح لي موضوع دراستها بأمثلة وحقائق ومعطيات مهمة ولافتة عن اللغة السياسية وكيف تطورت في أوروبا الاستعمارية ذاتها. فبعد أن كان الغزاة البريطانيون يقسمون السكان والمناطق التي احتلوها بالسلاح الحديث في القارات الأخرى الى قسمين وفق الثنائية الغربية التقليدية هي: مناطق المتوحشين، ويقصدون السكان الأصليين، ومناطق المتمدنين (أبناء عمومة المدنيين اليوم هههه) ويسكنها البريطانيون وأذنابهم المحليون. ثم نُسخت تلك الثنائية بثنائية جديدة هي مناطق مُعَمَّرة أو مستعْمَرة ومناطق متخلفة لأن كلمة "استعمار" (colonization) تعني البناء والإعمار لمناطق الغزاة والتدمير والتفويت حضاري للبلدان المغزوة، ثم نسخت هذه بثنائية أخرى هي مناطق ريفية ومناطق مدينية... الخ.

 

أما في فترة ما بعد الحرب الأوروبية "العالمية" الثانية، فبدأ الأمر بثنائية بلدان متقدمة "في الغرب والشمال" وبلدان متخلفة في الجنوب، وكانت صحف اليسار تستعمل ثنائية "بلدان غنية وأخرى فقيرة" ثم تبخرت هذه الثنائية، لتحل محلها دول العوالم الثلاث بعد مؤتمر باندونغ سنة 1955 وقيام منظومة دول عدم انحياز وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام نظام القطب الواحد ظهرت ثنائية بلدان الشمال وبلدان الجنوب واختفت عبارات البلدان المتخلفة والمتقدمة، واعتبرت شتيمة وسُبَّة من قبل الأجيال الجديدة في الصحافة الغربية السائدة وبمبادرات جاءت في الغالب -كما وثقت العزيزة سين - من قبل الصحافيين والأكاديميين اليساريين والمهاجرين من بلدان الجنوب، وحلت محلها مصطلحات من قبيل بلدان نامية أو سائرة في طريق النمو أو معرقلَة النمو وغير ذلك. أما ثنائيات من قبيل "دول محور الشر ومحور الخير" فهي مصطلحات عدوانية وأيديولوجية يمينية متطرفة تستعمل حصرا في إعلام البيت الأبيض وأجهزة المخابرات الغربية والصهيونية.

 

ما أردت قوله هنا، وقد استخلصته من أطروحة تلميذتي، هو أن اللغة -وبضمها اللغة السياسية - كائن حي، يكبر ويتطور ويتهذب ويتأثر صحة ومرضا بالمحيط الذي يحيا فيه، وهذا أمر لا يدركه المنعزلون والمنغلقون والرافضون لأي احتكاك بالعالم المعاصر، والذين يعبرون عن أفكارهم بلغة بالية وقديمة تعكس مشاعرهم وأحاسيسهم اللاشعورية تجاه ناسهم وأهلهم. وقد نحسن الظن فنقول إنها زلات لسان لا يفلت منها أحد في عصرنا سريع الحركة والتغيير، وتستوجب الاعتذار واستبدال مفردات من قبيل "تخلف ومتخلفة ..." بأوصاف تؤدي الغرض، ومنها مناطق محرومة أو مهملة حكوميا أو تقليدية ومحافظة ...إلخ، ولكن المشكلة ليست مع مَن تزِلُ ألسنتهم فيعتذرون بل في محازبيهم الذين يعتبرون اعتذارهم هزيمة لهم ولمنطقهم الانعزالي المنغلق لذلك يصرون على أن ما نراه على التل (عنزة ولو طارت)! ولو كان الأمر بأيديهم لعاقبوا صاحب الاعتذار واتهموه بالخيانة... خيانة أوهامهم وجهلهم هم طبعا!  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.