اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

دستور دولة المكونات رسخ الطائفية وفتح باب التقسيم!// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب

دستور دولة المكونات رسخ الطائفية وفتح باب التقسيم!

علاء اللامي

كاتب عراقي

 

بدأت عملية كتابة الدستور العراقي النافذ بعد عامين تقريبا على الاحتلال الأميركي من قبل لجنة أطلق عليها "لجنة كتابة الدستور". ففي 8 مايس –أبريل سنة 2005 قامت "الجمعية الوطنية الانتقالية" والتي تم تشكيلها تحت إشراف الحاكم المدني الأميركي، بتشكيل تلك اللجنة من 55 عضوا على أساس المحاصصة الطائفية والقومية وبواقع 28 عضوا من الشيعة و 15 عضوا من الكرد، و8 أعضاء من العرب السنة وما تبقى خُصص للإقليات الصغيرة. وقد ترأس اللجنة همام حمودي وهو رجل دين شيعي يحمل شهادة البكلوريوس في علم النفس. وتقرر لاحقا إضافة 15 عضوا من ساسة العرب السنة بعد احتجاجهم على الإجحاف الذي حاق بهم في هذه المحاصصة، إنما دون أن يكون للأعضاء المضافين حق التصويت. كان أعضاء اللجنة من الساسة الحزبيين والشخصيات التي أيدت الاحتلال ودخلت غالبيتها العراق بعد سقوط النظام السابق. وقبل تشكيل هذه اللجنة، كانت سلطات الاحتلال قد وضعت قيد التطبيق وثيقة تدعى " قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية"، وستكون هذه الوثيقة الأميركية ضمن وثائق أخرى أرضية ومرجعا لمسودة الدستور العراقي الجديد. لم يعرف مِن بين أعضاء لجنة كتابة الدستور مَن كان له إلمام في الفقه الدستوري و الشؤون القانونية، باستثناء عضوين أضيفا لاحقا على "حصة" العرب السنة في اللجنة وهما الأستاذان الجامعيان والقانونيان الدكتور ضامن العبيدي والدكتور مجبل الشيخ عيسى. وقد تم اغتيالهما بعد خلافات حادة في اللجنة حول موضوع الأقاليم والدولة الاتحادية، التي كان الساسة الكرد يصرون عليها إصرارا منقطع النظير. وقد اعتمد الساسة الكرد على الخبير الأميركي النافذ بيتر غالبريث لإمرار مواد دستورية تحقق أهدافهم المعلنة وغير المعلنة. وكنا قد توقفنا عند ما قام به هذا الخبير في مقالة في الأخبار – عدد 10 مايس – آيار 2013 وغيرها. ولعل أخطر مادة دستورية تمكن غالبريث من إمرارها هي المادة 115، والتي يمكن اعتبارها مفتاح تفتيت العراق. وهذا نصها (كل ما لم ينصُّ عليه الدستور في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما). هذه المادة لم تكن واردة أصلا في أفكار ومطالب الزعامات الكردية، بل وضع بذرتها هذا الخبير الأميركي  حين أقنع الزعماء الأكراد بأن يعتمدوا معادلة دستورية معاكسة لما هو معهود دستوريا مفادها: ليست بغداد الاتحادية هي من تمنحهم الصلاحيات بل هم من يطرحون الصلاحيات على بغداد فإن حدث خلاف كان الحق لهم وليس لبغداد بموجب نص دستوري.

 

وإذا ما أضفنا إلى ما تقدم، المواد العديدة الخاصة بتسهيل تشكيل الإقليم من محافظة واحدة فأكثر، إضافة إلى المادة الخاصة بشروط تعديل الدستور والتي تجعل التعديل أقرب إلى المحال تكون الدائرة قد أغلقت تماما وأصبح تقسيم العراق مسألة وقت لا أكثر. لقد وضع الساسة الكرد، عبر وكيلهم غالبريث، وبدعم من سلطات الاحتلال وقانونها المؤقت ثبتوا ما بات يعرف بـ "فيتو المحافظات الثلاث" والذي بموجبه يسقط أي تعديل دستوري إذا رفضه الناخبون في ثلاث محافظات خلال استفتاء شعبي عليه. كل هذا يعني بوضوح أن الزعامة الكردية باتت تمارس ما يمكن أن نسميه  "الدكتاتورية  الدستورية" ضد محافظات العراق العربية الأربعة عشرة الأخرى وكركوك المختلطة باسم محافظاتها الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك، ولم يكن تحقيق ذلك ممكنا لولا تواطؤ الزعامة الإسلامية الشيعية المتحالفة مع الزعامات الكردية لتهميش غريمها الطائفي المقابل "العربي السني". كما ساعد الموقف المتقلب الذي اتخذته قيادة الإخوان المسلمين "الحزب الإسلامي" على إمرار الدستور خلال الاستفتاء حين طلبوا من جمهورهم  التصويت لمصلحة الدستور في الساعات الأخيرة.

 

لقد تم تسهيل وتسفيه عملية تشكيل الأقاليم بموجب الدستور العراقي بشكل مقصود ومفضوح. فقد نصت المادة 119 على الآتي (يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين: أولاً. طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً، بطلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم) ثم يحسم الأمر باستفتاء شعبي يكفي الفوز فيه بالأغلبية البسيطة ليتشكل الإقليم رسميا. ويتمتع الإقليم عند قيامه بصلاحيات دولة شبه مستقلة منها:

أولا: وضع دستور للإقليم / المادة 120.

ثانيا: ممارسة سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء/ المادة 121/ أولاً.

ثالثا: سلطة تعديل تطبيق القوانين الاتحادية/ المادة 121 /ثانياً.

وهناك مواد أخرى تؤكد السياق التفتيتي والتقسيمي للدولة العراقية.

 

كما نجح واضعو هذا الدستور في التلاعب بهوية العراق الحضارية العربية والشطب عليها، وتم اعتبار العراق بلدا "متعدد القوميات والأديان والمذاهب وهو عضو مؤسس وفعال في الجامعة العربية / مادة3". وهذه هي المرة الأولى في التاريخ العالمي التي يتم فيها الشطب على هوية شعب وبلد لأن فيه أقليات لا تتجاوز نسبتها كلها 15% من مجموع السكان، أما فرنسا فتبقى هويتها فرنسية رومانية رغم أن نسبة الباسك والسلت وسكان الجزر والمسلمين المغاربيين تفوق المواطنين غير العرب في العراق، وإيران تبقى هويتها فارسية رغم أن نسبة الفرس قد لا تصل إلى 60 بالمائة وفق بعض التقديرات شأنها شأن تركيا تقريبا.

 

أما بصدد المحاصصة الطائفية وإقامة دولة الطوائف فالواقع أن الدستور خلا من أية مادة ترد فيها كلمة "الطائفة" ومشتقاتها ولكن هذه الكلمة استبدلت بكلمة أخرى لها المعنى نفسه وهي "المكون" ومشتقاتها، ولم ترد في مواده عبارة "محاصصة طائفية" بل استخدمت عبارات أكثر أناقة من قبيل "توازن المكونات". ولم يكن ذلك كرها بكلمة "الطائفية" أو خجلا منها، بل لأن كلمة مكون أدق تعبيرا، فالكرد لا يعتبرون أنفسهم طائفة بل قومية، رغم إنهم في غالبيتهم من المسلمين السنة! وهكذا تكرست مفردة "المكونات" كبديل للطوائف، بوصفها حجر الأساس لدولة المكونات الطائفية التي جاء بها الاحتلال الأميركي ودافع عنها الحكام الجدد. وثانيا، فهذه القضية المتعلقة بالمكونات وضرورة ضمان توازنها عبر حكم المحاصصة ذكرت في الدستور الاحتلالي سبع مرات : مرتين في ديباجة الدستور، وهي ديباجة تقطر طائفية صريحة، وخمس مرات في مواد دستورية تأسيسية ومهمة جدا منها المادة "12" الخاصة بعلم الدولة وشعارها ونشيدها الوطني فهذه المرموزات التأسيسية والسيادية كما يقول الدستور الاحتلالي يجب أن ترمز إلى مكونات الشعب"، والمواد: (9) أولا، و(12)أولاً، و(49)أولاً، و(125) و(142) أولا.

 

لقد أثبتت تجارب الشعوب طوال التاريخ أنه لا يمكن لممثلي طائفة واحدة، حتى لو كانت تشكل أكثر من نصف عدد السكان، كما هي الحال في العراق، أن تحكم أو تهيمن على الحكم بأحزابها ذات الصبغة والبرامج الطائفية الدينية لأنها ستنتج، لا محالة، بنية فوقية وآليات حكم وأيديولوجية دولة طائفية على شاكلتها وتنتج أيضا نقيضها الطائفي المقابل. وها نحن نشهد كيف تحول العراق من مجتمع تعددي ومتنوع إلى بلد طارد للتنوع والتعدد المكوناتي ونابذ لجميع الأقليات القومية والدينية الصغيرة رغم الكلام الإنشائي الجميل الذي يله جبه زعماء الطوائف. وحتى الطائفة الثانية في البلاد أي "العرب السنة"، فقد بدأ الكثيرون منهم يفقدون الأمل في الحياة الطبيعية ويتركون البلاد السائرة نحو الوحدانية الطائفية. ولعل محاولة إقامة إقليم البصرة التي يروج لها هذه الأيام بقوة هي محاولة أخرى ولن تكون الأخيرة على طريق تفتيت وإزالة العراق الواحد الموحد!

نقطة أخرى مهمة وتلعب دورا حافزا ومشجعا لتعميم المطالبة بتحويل المحافظات إلى أقاليم وتتمثل بالمكاسب المادية والسياسية الهائلة التي حصلت وتحصل عليها زعامة الإقليم الكردي، واستجابة حكومات بغداد لطلباتها دون نقاش، وخصوصا في عهد الحكومة الجديدة برئاسة عبد المهدي حيث ارتفعت نسبة الإقليم من الموازنة الاتحادية من 13 بالمائة في عهد العبادي إلى أكثر من 20 بالمائة ودون تسليم ما يجب على الإقليم تسليمه من نفط يستخرج فيه، ويحدث هذا في وقت لا تحصل المحافظات الأخرى - وخصوصا المنتجة الأولى للنفط كالبصرة - حتى على نسبتها المقررة والمنخفضة جدا قياسا لحصة أية محافظة في الإقليم من الموازنة العراقية السنوية. إن إنهاء هذه الطريقة في التعامل بين بغداد وأربيل ستزيل هذا الحافز التقسيمي القوي الذي يدفع المواطنين والزعامات السياسية في المحافظات إلى المطالبة بالأقلمة، ولكن الحل الحقيقي والجذري ليس هنا فقط، بل في إعادة كتابة الدستور الاحتلالي وإطفاء فتائل التقسيم والقنابل الموقوتة الكثيرة الأخرى فيه من قبل مؤتمر تأسيسي في عراق مستقل ومتحرر من القوات العسكرية الأجنبية، خصوصا أن شعار "المؤتمر التأسيسي" ليس جديدا في المشهد السياسي العراقي فقد رفعته قوى وشخصيات وطنية بعد أيام قليلة من الاحتلال الأميركي للعراق وقد منحه ويمنحه الواقع صدقية ونجاعة يوما بعد آخر.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.