كـتـاب ألموقع

ملعب كربلاء: القداسة في بلد منتهك السيادة!// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب

ملعب كربلاء: القداسة في بلد منتهك السيادة!

علاء اللامي

كاتب عراقي

 

أثارت الاحتفالية الرياضية التي أجريت في ملعب مدينة كربلاء الدولي بمناسبة افتتاح بطولة غرب آسيا لكرة القدم في 30 من تموز - يوليو الماضي جدلا ولغطا كبيرين في المشهد السياسي العراقي وعَبْرَ منصات التواصل الاجتماعي والصحافة.

 

كانت الاحتفالية المذكورة قد مرت بهدوء ونجاح، وقد حضرها جمهور غفير ملأ مدرجات الملعب الذي اكتمل بناؤه وتم افتتاحه منذ عامين والذي يتسع لثلاثين ألف متفرج. وإنْ كانت هناك من نقاط ضعف وسلبيات تحَدَّث عنها بعض المتفرجين للإعلام فإنها لم تتعدَّ نقد بعض أوجه القصور الإداري في ترتيبات الحفل وإعادة بيع بطاقات الدخول المستعملة عدة مرات بسبب عدم إتلاف المستعمل منها من قبل الجهات المكلفة بذلك.

 

وتابع الجمهور الغفير والذي غلب عليه بشكل مطلق عنصر الشباب فقرات الاحتفالية بحماس وفرح وابتهاج، في أجواء العراق التي تفتقد إلى مظاهر الترفيه والفرح منذ عدة سنوات؛ وشوهدت لقطات مؤثرة للمتفرجين وهم يرافقون بأصواتهم، وقوفا، عازفة الكمان اللبنانية جويل سعادة، التي عزفت النشيد الوطني العراقي "موطني" منفردة في ميدان الملعب. وشارك في عرض افتتاح البطولة القاريِّ هذا مجموعات من الشباب العراقيين من الجنسين الذين أدوا عروضا إيقاعية حركية بسيطة ومعبرة وجميلة.

 

وبعد انتهاء الاحتفالية والمباراة الرياضية التي بدأت بعده، انهالت بيانات الشجب والاستنكار من شخصيات سياسية ودينية "شيعية" بدعوى أن هذه الاحتفالية انتهكت قدسية مدينة كربلاء. وبلغ الأمر ذروته في بيان رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي طالب فيه بفتح تحقيق عاجل (لمحاسبة المقصرين ومن يقف خلف هذا التجاوز الفاضح على حرمة المدينة وهتكا لقدسية مدينة الإمام الحسين عليه السلام).

 

أما الوقف الشيعي فقد أصدر بيانا شديد اللهجة اعتبر فيه ما حصل (فعلًا شنيعاً تجاوز الحدود الشرعية وتعدى الضوابط الأخلاقية) وتردد أن الوقف يعتزم رفع شكوى قضائية ضد وزارة الشباب والرياضة العراقية.

 

مجلس محافظة كربلاء، من جانبه، أعلن إنه تحتفظ على فقرات الحفل والمحافظ نأى بنفسه عنه وتحفظ أيضا مع أنه شوهد مبتهجا ويصفق مبتسما خلال الحفل.

 

المرجعية الدينية "الشيعية" العليا لم يصدر عنها شيء بهذا الصدد حتى الآن، وعلل مراقبون ذلك بأنها تعلم حدود القدسية في المدينة بموجب الفقه الشيعي، والتي لا تتعدى حرم ضريح الإمام، أي ما تحت قبة الضريح؛ وزادها بعضهم حتى محيط الصحن الشريف حول الضريح، أي أنها لا تشمل المدينة أو المحافظة كلها، علما بأن الملعب المذكور يبعد عن مركز مدينة كربلاء أكثر من عشرة كيلومترات تقريبا. ويبدو أن المرجعية العليا لم تشأ أن تزج نفسها في هذا اللغظ والتشنجات، ومن الواضح أن دعاة الدفاع عن قدسية المحافظة أرادوا استغلال الحادثة لإعطاء دفع عملي لتطبيق قانون قدسية كربلاء الذي انتزعوه من المؤسسة التشريعية وواجه تطبيقه بعض التململ والرفض من قطاعات من السكان الذين اعتبروا أنه ينطوي على اعتداء على حرياتهم الفردية ومساس قسري بنمط حياتهم، وأن فيه تجاهلا للفساد المستشري في البلاد عموما وفي محافظتهم التي تغرق في الإهمال والتردي البيئي مقابل المكاسب المادية التي يحوزها المتنفذون من ساسة ورجال دين.

 

مدير إعلام وزارة الشباب والرياضة، موفق عبد الوهاب، قال في حديث صحافي، إن (حفل الافتتاح كان مميزا، ووصلتنا إشادات من جهات عدة، لاسيما أن العراق سعى الى رفع الحظر عن ملاعبه، وكان الحفل نقطة انطلاق لهذا المسعى). وأضاف عبد الوهاب أن ما حصل من حملة ضد الاحتفالية (قد يؤثر الأمر على مسألة رفع الحظر الكلي، إذا ما اتخذت خطوات باتجاه معاكس لما نهدف له). ومعلوم أن الرياضة العراقية تعاني من حظر دولي منذ عدة سنوات على ملاعبها الرياضية. وأوضح عبد الوهاب أن (المسؤول عن تنظيم البطولة هو اتحاد غرب اسيا لكرة القدم، ودور وزارة الشباب واتحاد الكرة هو دور تنسيقي لوجستي، يتمحور بتوفير كل السبل للوصول الى نتائج إيجابية). وحول حقيقة ما جرى في الملعب، نفى عبد الوهاب تقديم أي رقصات غير لائقة، وإن ما قدم هو جزء بسيط من البرنامج المُعَدّ والذي لم يقدم كاملا بسبب ضيق الوقت، واقتصر ما قدم منه على عزف النشيد الوطني من قبل عازفة معروفة وعرض فني لمجموعة من اللوحات بالأداء الحركي فقط لمجموعة من الشباب، نافيا (تضمين اللوحات الفنية أية حركات راقصة، بل إن كل ما تضمنته، كانت حركات حمامة السلام برفرفة أيدي الفتيات).

 

ردود أفعال الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي العراقية جاءت حادة ومختلفة فالذين دافعوا عن قدسية المدينة ركزوا على أن العازفة اللبنانية وعريفة الحفل العراقية الكربلائية والشابات اللواتي شاركن في الاحتفالية لم يكن محجبات، رغم أنهن كنَّ يرتدين ملابس محتشمة. وكانت عريفة الحفل وهي الإعلامية الكربلائية نور الماجد قد قالت لإحدى الفضائيات العراقية أنها تفتخر بكونها عريفة الحفل وأنها لم تنتقص من قداسة الإمام الحسين الذي تجله وتحترمه حين ظهرت كإعلامية كربلائية عراقية في هذه المناسبة الرياضية الدولية المهمة، أما عدم ارتدائها الحجاب فهذا شأن شخصي يعنيها هي فقط.

 

مدونون آخرون ركزوا على مسؤولية رجال الدين والسياسة عن كل ما حصل ويحصل في العراق منذ عام الاحتلال الأميركي 2003 وحتى الآن من فساد وضياع للحقوق وسكوت على انتهاك سيادة واستقلال العراق من قبل الولايات المتحدة ودول الجوار الصغيرة منها والكبيرة، وحتى عن الإهمال وتراكم النفايات وتداعي البنايات والبنية التحتية عموما في مدينة كربلاء نفسها وجرف بساتين وغابات النخيل في محيط المدينة والمتاجرة بها كأراضٍ سكنية، وعن صفقات الفساد في المشاريع العبثية الضخمة كمطار كربلاء الذي تديره جهة دينية والذي يقع على مسافة قصيرة من مطار النجف القريب، في تنافس غير برئ على الكسب المادي بين الجهات المنفذة والتي استولت على المطارين وعلى عائداتهما المالية!

 

وقد نُشرت فضائح معززة بالأرقام والأسماء والصور عن رجال دين وساسة ممن شاركوا في الحملة التحريمية الأخيرة، كانوا قد تورطوا في صفقات فساد وتقاضي عمولات وقومسيونات سحت. ويبدو أن هذه الضجة ستنتهي بعد أن حققت الأطراف التي أثارتها أهدافها منها وخصوصا ترسيخ أجواء التحريم والتكفير في الساحة العراقية ومعرفة الوضع الحقيقي للمزاج الشعبي العراقي ومواقف الرأي العام من المشاريع السياسية الدينية والذي أثبت أن الشعب العراقي لا يختلف عن شعوب العالم في حبه للحياة والفرح مهما عظمت الكوارث التي حلت به وببلاده ولن ينتقص ذلك من إيمان وعقائد الناس الموروثة. ولعل الأكثر إضرارا بالحالة الإيمانية الدينية الموروثة هو الأداء السيّئ للساسة الإسلاميين وأحزابهم ومعهم رجال الدين والهيئات الدينية التي تساندهم وتدافع عنهم.

 

إن الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها الراصد لهذا الحدث الصغير في حجمه والكبير في دلالاته، هي أن الساسة الإسلاميين الشيعة، المهيمنين اليوم على الحكم، يريدون نوعا عجيبا من الدولة: تكون بموجب رغباتهم مستقلة وذات سيادة ولكنها محمية من قبل الولايات المتحدة وبعض دول الجوار، وتكون في الوقت نفسه دولة "مدنية حديثة" فيها برلمان وأحزاب سياسية ونقابات وملاعب رياضية دولية وفرق موسيقية سمفونية ولكنها أيضا دولة تتنفس هواء التحريمات والتكفير الديني لكل من يخالف أوامر وتعليمات رجال السياسة والدين السائدين المهيمنين على الحكم، ومن الواضح أن "خلطة عجيبة" كهذه لن يكون لها مستقبل مهما أوتي القائمون عليها والراغبون بها من قوة لأنها تتناقض وبشكل صميمي مع منطق الحياة والتاريخ، وخصوصا تاريخ الشعب العراقي المحب للحياة والحرية!

 

*كاتب عراقي