كـتـاب ألموقع

تكليف علاوي: اصطفاف جديد لقوى النظام لمواجهة الانتفاضة!// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب 

تكليف علاوي: اصطفاف جديد لقوى النظام لمواجهة الانتفاضة!

علاء اللامي

كاتب عراقي

 

أعلن محمد توفيق علاوي على إحدى الفضائيات العراقية قبل دقائق أن رئيس الجمهورية قد كلفه رسميا بتشكيل الحكومة الانتقالية. علاوي وجه كلمة قصيرة باللهجة العراقية - وهذه بادرة سيئة لا سابقة لها في العراق - قدم فيها وعودا كثيرة وطالب المتظاهرين فيها بالاستمرار بتظاهراتهم لأنه كما قال، لا يستطيع أن يفعل شيئا بدون دعمهم. علاوي قال جملة مهمة في كلمته وهي (إن سلاح الدولة يجب أن يوجه لمن يقتل المتظاهرين السلميين، ويجب أن نطبق قانون من أين لك هذا، ونعيد الهيبة للقوات الأمنية)! هنا مجموعة من المهمات التي أعتقد أنها تمثل الحد الأدنى الذي يجب على رئيس الحكومة الانتقالية أن يقوم به ليكسب ثقة العراقيين أو جزءا منها بعد ان دمرتها الحكومات السابقة والتي بدونها سيكون كلامه ووعوده مجرد ثرثرة في شبك لا جدوى منها:

 

1-توجيه رسالتين عاجلتين الأولى إلى الأمم المتحدة والثانية إلى دول ما يسمى "التحالف الدولي ضد الإرهاب" تعلمهم باسم الحكومة العراقية الجديدة انتفاء الحاجة الى وجود قواتهم البرية والجوية في العراق وضرورة إجلائها خلال فترة زمنية محددة.

 

2-إصدار قرار عاجل بحل كافة المليشيات والفصائل والمنظمات المسلحة غير الدستورية وإغلاق مقارها كافة وتسليم ما بحوزتها من أسلحة خلال فترة زمنية محددة.

 

3- توقيف كافة العناصر والقيادات المدنية والعسكرية المتهمة بقتل المتظاهرين السلميين وتقديمهم إلى المحاكم مع تقديم ضمانات بعدالتها وشفافيتها وحضور ذوي الشهداء فيها.

 

4-تحديد موعد رسمي ثابت للانتخابات المبكرة وإنهاء تشكيل مفوضية الانتخابات العليا ومراجعة ملفات القضاة الذين أثيرت حولهم شبهات حول انتماءاتهم وعلاقاتهم الحزبية وغيرها، وإنهاء صياغة قانون الانتخابات الجديد بما ينسجم مع مطالب المنتفضين.

 

السؤال الخطأ هو: هل تقبل أو ترفض محمد علاوي؟ هذا السؤال يوجه لنائب في البرلمان في جلسة منح الثقة وليس لمتظاهر سلمي ضد النظام ككل وله مطالبه وشعاراته! السؤال الصحيح الذي يوجه للمتظاهر هو: علاوي مرشح النظام لرئاسة الحكومة الانتقالية، لأن الانتفاضة عجزت عن فرض مرشح وطني من خارج هذا النظام، فكيف ستواجه حكومة علاوي الانتقالية وترغمها على تنفيذ مطالب الانتفاضة، وتطبيق التعهدات التي وعد علاوي بها كمحاكمة قتلة المتظاهرين ومحاسبة الأثرياء من المال العام تحت الشعار الذي تبناه "من أين لك هذا؟"...إلخ، وإذا فشلت حكومته في تنفيذ وتطبيق وعودها ماذا سيكون موقفك منه ومنها؟

 

سؤال آخر: أيهما أفضل للانتفاضة الممنوعة من التقدم واختراق الخطوط الحمراء وإسقاط النظام وتشكيل حكومة وطنية انتقالية، هل هو رفض تكليف محمد علاوي واستمرار حالة المراوحة ودوامة القتل والتضحيات أم الاستمرار بالانتفاضة وتحدي الحكومة الجديدة بتطبيق وعودها فإن فشلت يتم التحرك ضدها وإسقاطها؟

 

مأزقان والحل واحد: لنفكر بصوت مسموع وبصراحة فما يهمني ليس الهتاف تأييدا أو رفضا بل محاولة الفهم وتوضيح الفكرة وتعميقها عبر الحوار الرصين حتى لو أزعج هذا الأسلوب بعض الأصدقاء.. وأقول: إن مأزق نظام الحكم في العراق معروف وهو إنه نظام فاسد ميت سريريا وقد تأخر دفنه عدة سنوات! أما مأزق الانتفاضة فهو إنها محاصرة وممنوعة من أن تتطور سلميا لتكنس النظام، فالمرجعية والتيار الصدري اللذان يعلنان تأييدهما لها يريدان إصلاحات شكلية مع بقاء النظام ومرتكزاته ودستوره الاحتلالي.

 

*سواء تشكلت حكومة محمد علاوي أو غيره أو لم تتشكل سيبقى هذان المأزقان قائمين! حكومة علاوي طبخت على نار هادئة منذ لقاء مدينة "قم" وآخر من اعترض على تكليف علاوي أي المالكي سحب تحفظاته. كلام محمد علاوي يعني أنه يكذب على الشعب ويخدعه، وينافق من اختاره فهدف من كلفوه هو تشكيل حكومة تستكمل عهدة عبد المهدي وليس تشكيل حكومة انتقالية تدير انتخابات مبكرة في فترة زمنية محدد وهو يتكلم عن مهمات يستغرق تنفيذها سنوات كما قال هو. التحدي الذي يجب أن يطلق في وجهه هو : حدد سقف زمني لإجراء الانتخابات المبكرة خلال أقل من سنة!

 

*إن بيانات التأييد والدعم المتلاحقة من السفارة الأميركية ومبعوثة الأمم المتحدة ومن تحالف الفتح والسيد الصدر الذي سبق الجميع وقال إن (الشعب هو الذي اختار علاوي)، سترتد على هذه الأطراف ولذلك سيكون فشل تكليف علاوي وتشكيل حكومته فشلا لهؤلاء جميعا. وإن حملة التأييد من هذه الأطراف المتناقضة تؤكد وطنية واستقلالية الانتفاضة التشرينية وإنها مستهدَفة من جميع هذه الجهات إنْ لم يكن بالقمع فبالتمييع والخنق التدريجي ولكن الانتفاضة أثبتت للجميع أنها الرقم الصعب والطرف الأقوى.

 

*سواء فشلت محاولة التكليف، وسحب تكليف علاوي أو تم فرضه فرضا ولم يطبق شيئا من تعهداته، فنحن أمام احتمال قوي لتصعيد حملات القمع الحكومية ضد الانتفاضة وارتكاب المجازر ضد المنتفضين. لهذا وغيره ينبغي أن يتساوق الاستعداد والحذر ولغة الحوار الحريص على الثوابت داخل الانتفاضة مع تصعيدها وفك الحصار حولها لتتمكن من محاصرة النظام محاصرة تامة وإجباره على تشكيل حكومة وطنية انتقالية بشروط المنتفضين!

 

تعهدات محمد علاوي ودس السم في العسل: أعتقد أن مقولة "منح فرصة لمحمد علاوي" خدعة، وإذا أحسنا الظن فهي خطأ كبير في التقدير، لأن المقصود بها عمليا (أتركوا علاوي يصفي الانتفاضة وقفوا أنتم - أيها المتظاهرون - لتتفرجوا على المهاترات والصراع على الغنائم بين أحزاب ومليشيات الفساد). أعتقد أن الموقف الصحيح ليس بمنحه الفرصة في حال تمكن النظام من تعويم هذه الحكومة بل في الوقوف في وجه حكومته وتحديه ومطالبته بتنفيذ الوعود التي بدأ يتخلى عن بعضها في خطابه الرسمي، بعد أن كان قد طرحها بعضها في كلمته باللهجة العامية الى الموجهة الى المتظاهرين ومنها تطبيق شعار (من أين لك هذا؟) حيث لم يرد في الخطاب الرسمي.

 

*إن التعهدات التي قطعها علاوي بتشكيل حكومة بعيدا عن المحاصصة الطائفية وعن ضغوطات الأحزاب ومحاولاتها فرض الأسماء ستنكشف بمجرد الإعلان عن التشكيلة الحكومية، وستُعرف الحقيقة، وقد تم تسجيل أن أول خرق لهذا التعهد هو إيصال علاوي نفسه إلى منصب رئيس الوزراء المحجوز للشيعة بموجب المحاصصة الطائفية!

 

*أما التعهد بتشكيل فريق من المستشارين بينهم ممثلون للمتظاهرين فهو كلام فارغ ولا معنى له وسيكون هذا الفريق مجرد قطعة ديكور لا تحل ولا تربط. ومثله يكون تعهده بتقديم تقرير دوري الى مجلس النواب عن عمل الحكومة فهو كلام مكرر وعديم القيمة وقد تعهد به قبله سلفه الدموي عادل عبد المهدي.

 

*قدم علاوي تعهدا (بتقديم قتلة المتظاهرين ورجال الأمن وفتح ملفات العنف والاعتداء على الملكيات العامة والخاصة) وهذا التعهد تشوبه الشكوك ورائحة الخداع منذ البداية فهذا الخلط بين قتل ستمائة متظاهر سلمي - بموجب أرقام منظمة العفو الدولية وما يقرب من ذلك بموجب أرقام مفوضية حقوق الإنسان التابعة لمجلس النواب العراقي - وعدد قليل من رجال الأمن في ظروف غامضة وخلط كل ذلك بفتح ما سماه "ملفات العنف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة" والذي يعرف الجميع أنه ليس إلا حوادث محدودة ومشبوهة، إن كل هذا يعطي الناس الحق في الاعتقاد أن نوايا علاوي ومن وراءه ليست سليمة وأنهم يحاولون خلط الأوراق للهروب من مواجهة القضاء وتفادي العقاب العادل. يجب إذن المطالبة بتحديد ملفات الشهداء الستمائة وفتح تحقيق خاص بها، ويمكن للأجهزة الأمنية بدورها أن تفتح تحقيقاتها المستقلة حول مقتل أفراد منها. أما ملفات العنف فهي خدعة ومبالغات يحاول النظام من خلالها تشويه الانتفاضة ليس إلا.

 

*التعهد الخامس والذي قال فيه المكلف محمد علاوي إنه يتعهد (بالعمل الحثيث من أجل التهيئة لإجراء انتخابات مبكرة). لن تكون له أية قيمة إذا لم يقترن بتحديد زمن معقول يتراوح بين ستة أشهر ولا يتجاوز العام تنجز خلاله مهمتا قانون الانتخابات الجديد وتشكيل المفوضية العليا للانتخابات مع ضمان العودة الى الانتخابات اليديوية والبسيطة بعيدا عن أجهزة الرقمية لانعدام الثقة بها وبالدول الأجنبية التي تشرف عليها.

 

*النقطة المهمة التي غابت تماما عن تعهدات علاوي في خطابه الرسمي هي قضية وجود القوات الأجنبية، وخصوصا الأميركية، الذي اتضح أنه وجود مفروض وقسري، أي أنها قوات احتلال فعلي للعراق. ويبدو من خلال التعهد العاشر لعلاوي والذي قال فيه (عدم السماح بان يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات والصراعات) يبدو انه لا يفكر بأن يفعِّل قرار مجلس النواب الخاص بإخراج القوات الأجنبية من العراق ليستمر الحال على ما هو عليه بين أميركا وإيران، ومنها نفهم مسارعة ماثيو تولر السفير الأميركي في العراق الى إصدار بيان برقي تأييدا لتكليف علاوي معلنا عن (استعداده للعمل معه فور تشكيل حكومته)! إن التأييد الأميركي السريع لتكليف علاوي من قبل تحالف "الفتح" حليف إيران الأول يعني بوضوح أن هناك توافقا أميركيا إيرانيا غير معلن وهذا التوافق لم يتوقف حتى في أسوأ الفترات التي مرت بها العلاقة بين الدولتين!

 

*أما التعهدات الأخرى والخاصة بتوفير (أكبر قدر ممكن من فرص العمل للمواطنين، ومحاربة الفساد وحل اللجان الاقتصادية للفصائل السياسية وغيرها، وتحقيق الأمن والأمان وحصر السلاح بيد الدولة وأن لا تكون هناك سلطة فوق سلطة الدولة)، فهي مجرد كلام ومكرر، ووعود جوفاء إذا لم تقترن بسقوف زمنية محددة ومعقولة، وإجراءات ملموسة تنفذ وفق خطة طريق معلنة. وبالمناسبة، فهذه التعهدات تؤكد مرة أخرى أن علاوي جاء ليبقى ويكمل عهدة حكومة عبد المهدي ولم يأتِ ليشكل حكومة انتقالية محدودة الفترة الزمنية حتى إجراء الانتخابات المبكرة بدليل أنها - وفي أحسن الأحوال الطبيعية - تحتاج الى عدة سنوات لتطبيق جزء منها وليس كلها.

 

*أما التعهد الأخير والخاص بالمعتقلين فلم يسلم هو الآخر من الخبث والتلاعب حيث قال علاوي غنه يتعهد بـ (حماية المتظاهرين السلمين وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء وفقا للدستور والقانون) أي أنه يفرق بين المعتقلين من المتظاهرين السلمين فيعتبر بعضهم أبرياء وآخرين غير أبرياء، وهذا خلط خبيث فالمعتقلون اعتقلوا خلال تظاهرات سلمية ويجب إطلاق سراحهم فورا ومعهم جميع المخطوفين في السجون السرية التي سكت عنها السيد المكلف وكأنهم من وجه نظره غير موجودين او إنهم ليسوا أبرياء ويسحقون الاعتقال والخطف.

 

وفي حال عدم وفاء محمد علاوي بوعوده التي قدمها كليا أو جزئيا - وهو لن يفي بها كما تشير كل الوقائع وموازين القوى - فيجب الاستمرار بالتصعيد السلمي للانتفاضة والذي بدأ يوم أمس رفضا لتكليف هذا الوزير السابق من قبل أحزاب الفساد ذاتها، مثلما ينبغي الإسراع بتخليص الانتفاضة من وصاية الأوصياء عليها بزعم دعمها وتأييدها ومطالبة محمد علاوي بالاستقالة.

 

*رابط فيديو الخطاب الرسمي لرئيس مجلس الوزراء المكلف محمد علاوي:

https://www.youtube.com/watch?time_continue=413&v=

XTXJexCZ-2s&feature=emb_logo