كـتـاب ألموقع

بين لينين وروزا لوكسمبورغ: هل مات الحزب التقليدي وانتصرت فكرة التنظيم؟// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب 

بين لينين وروزا لوكسمبورغ:

     هل مات الحزب التقليدي وانتصرت فكرة التنظيم؟

علاء اللامي

كاتب عراقي 

 

هل مات الحزب التقليدي وانتصرت فكرة التنظيم؟

حول الخلاف بين لينين وروزا لوكسمبورغ واقتراح للحل من هادي العلوي!

من البديهي القول إن الحزب السياسي "الثوروي" من النمط الستاليني وشبه الستاليني، هو شكل من أشكال التنظيم، وليس العكس، أي أنه ليس كلّ التنظيم كفكرة ومفهوم وتجربة تاريخية، بل هو شكل من أشكالها أو تجسيد من تجسيداتها. التجربة التاريخية العالمية حسمت الخلاف وقالت تكرارا، إن الحزب "الثوروي" السري وشبه السري ذو الضبط الحديدي والتركيب الهرمي والقيادة المحترفة، والذي يجد مبرر وجوده القوي أحيانا في حالة مقاومة احتلال أجنبي أو كفاح شرس ضد نظام حكم مطلق ذي سمات فاشية دموية، قد سقط وولى عهده خارج حالة المقاومة الاستثنائية. ولكن هناك من لا يريد أن يستمع إلى ما يقوله التاريخ!

 

نعم، لقد سقط الحزب الثوروي، وتحول فعلا إلى حزب سلطة مترهل وبدين شكلا ومضمونا، وأمسى "حافر قبر الثورات" المطيع، أو دكان سياسي لمجموعة من الانتهازيين تتاجر بكل شيء قابل للبيع وتتحول الى حليف ومسوِّق لمشروع احتلال أجنبي، وتتفرج على خراب الأوطان والمجتمعات. مثلا: من قرابة خمسة عشر مليون عضو في الحزب الشيوعي السوفيتي، لم يخرج نصف مليون شيوعي مسلح أو أعزل من بينهم ليدافعوا عن الاتحاد السوفيتي حين بدأت عصابة يلتسين غورباتشوف بتدميره وبيعه أسلاباً وخردة إلى البرجوازيين الصهاينة في الداخل والخارج.

 

أما بالعودة إلى البدايات التاريخية، فسنجد أن حزب لينين (حزب العمل الاشتراكي الديموقراطي - جناح البلاشفة "الأغلبية") خضع بعد انتصار أكتوبر 1917 والحرب الأهلية الدموية التي تلته بسنوات قليلة، لأثقال ومتطلبات الواقع الصراعي، حيث أقصى في تلك الفترة جميع الأحزاب حتى العمالية الاشتراكية ومنها شقيقه المنشق الحزب المنشفي. آنذاك، كانت القائدة الماركسية القتيلة روزا لوكسمبورغ محقة في خلافها الحاد مع لينين حول مفهوم الحزب وعلاقته بالطبقة والشعب، لأنها كانت ترى في هذا النوع من الأحزاب شبه عصابة مسلحة تحاول فرض إرادتها بالإرهاب على الطبقة العاملة والشعب كله وتحل محلهما. وقد خاضت روزا في خضم نضالها ضد الرجعية الألمانية تجربة تشكيل تنظيم عمالي ثوري هو "رابطة سبارتيكوس"، كتنظيم ثوري انتفاضي ضمن التنظيمات العمالية وليس كحزب يحتكر تمثيل الطبقة العاملة أو الشعب كله والنطق باسمه وانته محاولتها باغتيالها من قبل الجيش الألماني هي ورفيقها كارل ليبنخت ورفاق آخرين بعد فشل انتفاضتهم المسلحة. بهذا الموقف من موضوعة الحزب الثوري الديموقراطي الذي لا يفرض نفسه على الطبقة أو الحزب أو يصادر إرادتهما كانت روزا أقرب إلى ماركس الذي حلَّ حزبَين شيوعيَّين شارك في تأسيسهما (هما الأمميتان الشيوعيتان الأولى والثانية) لأنهما أصبحا كما قال (عائقا أم تطور النضال العمالي في العالم) منها إلى البلاشفة الروس. فماذا فعل ستالين وخلفاؤه بالحزب كيانا ومفهوما؟

 

لقد صحت توقعات ورصد روزا لتجربة البلاشفة الروس وأعطاها التاريخ الحق في صوابية الرؤية والاستشراف، وخصوصا بعد أن سيطر جوزيف ستالين على كل شيء: فصادر الحزب والدولة وقضى على الشذرات الديموقراطية القليلة التي بقيت خلال فترة قيادة لينين القصيرة بعد انتصار الثورة والتي لم تتجاوز ثلاث أو أربع سنوات (من 1918 وحتى 1922 حين بدأ مرضه متأثرا برصاصة الاغتيال في عنقه ووفاته بداية 1924). وبعد موت لينين بدأت مجازر ستالين وتصفياته الجسدية ضد الحزب وقياداته القديمة من رفاق وتلامذة لينين. ومن هؤلاء القتلى بالرصاص الستاليني أهم ثلاثة قادة في الحزب هم: بوخارين وزينوفيف وكامينيف، كما أعدم سميرنوف هازم كولتشاك في الحرب الأهلية، ومراشكوفسكي وباكاييف وهما من أبطال الحرب الأهلية أيضا. وشاهد الناس مذهولين رئيس محكمة التطهيرات الستالينية أندريه فيشنسكي وهو يصف هؤلاء الرفاق (بكلاب الرأسمالية الكلِبة "المكلوبة" والتي يجب أن نطلق عليها الرصاص كلها بلا استثناء)!

 

ولمن لا يعلم، فقد جاء ستالين بهذا الرئيس "فيشنسكي" لمحكمته، من بقايا الحزب المنشفي المعادي للبلاشفة، والذي لم ينتمِ إلى الحزب البلشفي إلا بعد انتصار البلاشفة في الحرب الأهلية! وانتهت المحكمة المجزرة بأن قتل ستالين غالبية وتلامذة لينين ورفاق دربه، وهناك باحثون يؤكدون أن ستالين نفسه قُتل اغتيالا بالسم أيضا من قبل ساعده الأيمن الدموي ورئيس جهاز الشرطة السرية لافرينتي بيريا. وبيريا نفسه سيعدم بعد موت ستالين رميا بالرصاص بعد أن اتهمه تحالف خروتشوف ومالينكوف بـ (التجسس لمصلحة بريطانيا ومحاولة إعادة الرأسمالية إلى الاتحاد السوفيتي والانحلال الخلقي واغتصاب أكثر من 200 امرأة)!

 

بالمعنى التاريخي، ماتت الطبعة الستالينية من الحزب الثوري، ولكن التنظيم كفكرة وتجربة وأسلوب، تنظيم الناس الأفراد ككائنات وجهود متذررة، يبقى هو الأداة الأهم في عصرنا وفي كل عصر لتغيير المجتمعات. ذلك لأن الجهود الفردية المعزولة هي أشبه بقطرات المياه لا قوة فيها، ولكنها حين تجتمع في تنظيم يأخذ شكل جمعيات ونقابات أو حركات وأحزاب اجتماعية وثقافية وفنية ورياضية وشبكات ومجموعات على الانترنيت تتحول الى سيل هادر يجرف العوائق والمعرقلات أمامه، مهما كانت ثقيلة وراسخة وينطلق نحو المستقبل. إن أروع نصيحة لشباب اليوم في أي مكان في العالم هي: نظموا أنفسهم وجمَّعوا جهودهم في جمعيات ونقابات وحركات اجتماعية وشبكات تواصلية ونواد ثقافية ورياضية وحتى في أحزاب ذات فكر تنظيمي جديد وهيكليات ديموقراطية جديدة، وحاذروا أن تأكلكم الأحزاب وتحولكم إلى أرقام فاقدة القدرة على الإبداع والتمرد والتفكير النقدي ضد كل شيء بما فيه حزبكم وأفكاره وبرنامجه!

 

أعتقد، بهذا الصدد، أن المساهمة - غير المباشرة - التي قدمها الراحل هادي العلوي في موضوع الحزب والتنظيم يمكن اعتبارها مساهمة جدية وجديدة نوعيا وجديرة بالتفكر والتدبر. فهو قد ميَّز بين الحزب السياسي "الاشتراكي أو الشيوعي" والحركة الاجتماعية المشاعية، ولم يكن يعول على الحزب في بناء الاشتراكية أو المساواة المشاعية وإنما على حركات اجتماعية مشاعية. وقد بدأ شخصيا بتأسيس حركة مشاعية عراقية كهذه، وفصَّلَ في التعريف بها في كتابه الأهم، والذي صدر قبل وفاته "مدارات صوفية - تراث الثورة المشاعية في الشرق"، ونشر في صفحاته الأخيرة نظامها الداخلي، ولكن الموت المفاجئ لم يمهله ليمضي بهذه المساهمة قدما. ومن الجدير بالإشارة أنه فضل وجود هذه الأحزاب السياسية الاشتراكية في الحكم لأن ذلك كما قال سيسهل على المشاعيين الاجتماعيين القيام بمهمتهم الطبقية وبناء المجتمع المشاعي المساواتي من القاعدة نحو القمة وليس العكس. إنها محاولة أو مساهمة في البحث عن حلول وليست حلا دوغمائيا نهائيا. وقد مال الراحل العلوي في سنواته الأخيرة إلى موقف روزا لوكسمبورغ في خلافها مع لينين والبلاشفة في موضوع الحزب الثوري، مع أنه كان ينظر الى لينين نظرة تقدير واحترام مبالغ بها ولا تقل كثيرا عن نظرة اللينينيين الدوغمائيين ولكنه كما أرجح كان يحترم لينين القائد الماركسي الثوري وليس "اللينينية" التي علبتها وقدمتها لنا الآلة الإعلامية الستالينية لاحقا، وقد كتب ذات مرة، وفي سياق كلامه عن تدمير وانهيار الاتحاد السوفيتي إن لم تخني الذاكرة معبرا عن انحيازه لروزا لوكسمبورغ (لقد أعطى التاريخُ الحقَّ للبُنيَّة روزا) ... فسلام عليه وعليها وعلى كل الأبدال المناضلين المشاعيين الثوريين في عصرنا وفي كل العصور.

 

*الصورة: يحدد هذا التجميع الصوري الذي أنجز في ثلاثينات القرن الماضي من قبل شيوعيين معارضين لستالين مصير أربعة وعشرين قائدا بلشفيا من رفاق لينين في اللجنة المركزية للحزب البلشفي سنة 1917، وكيف كانت نهاياتهم في عهد ستالين: أعدم ستة منهم بالرصاص، بينهم قادة الخط الأول، بوخارين وكامينييف وزينوفييف، واختفى أو فقد سبعة منهم، وانتحر واحد، وسجن واحد، واغتيل واحد في المنفى هو مؤسس وقائد الجيش الأحمر ليون تروتسكي، ومات الباقون وبينهم لينين بعد الثورة بسنوات قليلة ولم يبق حيا سوى ستالين!

 

*رابط فيديو يتحدث فيه البروفيسور سيرغي خروتشوف ابن الزعيم السوفيتي الراحل نيكيتا خوتشورف عن المرحلة الستالينية ودور والده فيها:

https://arabic.rt.com/prg/telecast/657213-