اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

جائحة كورونا وأفق "الرأسمالية الاجتماعية"// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب 

جائحة كورونا وأفق "الرأسمالية الاجتماعية"

علاء اللامي

كاتب عراقي

 

هل ستؤدي جائحة كورونا الى ولادة "الإمبريالية الصحية" الصحية (health imperialism)؟ وهل سيؤول صراع قوة العمل ورأس المال إلى ولادة "الرأسمالية الاجتماعية"، وما المقصود بهذه الأخيرة؟ في مقالة مكثفة له، نشرها قبل أيام قليلة، وكانت بعنوان (الرأسمالية المركزية: من الصراع الطبقي الى التحول الاجتماعي -رؤية استشرافية لما بعد كورونا)، يجيب الباحث الاقتصادي العراقي د. مظهر محمد صالح، على هذه الأسئلة بالإيجاب بكثير من الثقة. هنا، محاولة لمقاربة هذه الفكرة نقديا وتفسيريا: إن وجهة نظر الباحث تقارب نظريا، وبقلم متخصص وعارف بعموميات وجزئيات وميكانيزمات الاقتصاد العالمي المعاصر تداعيات أزمة جائحة كورونا، ولكنها تتبقى من الناحية السياسية الطبقية والتاريخية محافظة، تستلهم استشرافاتها لما بعد الأزمة الوبائية العالمية الحالية من الذخيرة اللبرالية في طورها التقليدي واليميني ضمن اجتهادات الاشتراكيات الديموقراطية في عصر أفولها.

 

يرى د. صالح أن الصراع الراهن في معسكر رأس المال المركزي ينحو (نحو انتزاع الأرباح وتدويرها بمعدلات تراكم عالية صوب تعاظم رأس المال الصحي الاحتكاري، وتوجهاته الحالية بالاستحواذ على فرص الربح أو الفائض ذلك بالسعي الحثيث في تكوين بيئة عمل واستهلاك ومعيشة مستقبلية لتحويل الفائض الرأسمالي في القطاعات المنتجة الأخرى). ويعتبر هذه السيرورة بمثابة (قمع لفرص التراكم المادي في تلك القطاعات وتقييد فرص الربح فيها وامتصاصه كقوى تراكم تحويلية باستمرار كي لا يصب في مصلحة القطاعات غير الصحية المحتكرة). واضحٌ أن هذا الاستشراف مبكر جدا، وينطوي على الكثير من الجدة المشوبة بالعجالة، فمازال العالم ومؤسساته الصحية الصناعية والعلاجية يعيش حالة الاضطراب والصدمة، ولم تبزغ بعد إشارات ولادة صناعات طبية وعلاجية استحواذية واسعة النطاق حتى الآن، وعليه يمكن اعتبار هذا الكلام سابقا لأوانه بكثير رغم أنه جدير بالتفحص والتأمل.

 

يشخص د. صالح صراعين رئيسيين في المشهد الطبقي العالمي في مجالين صراعيين هما قوى الانتاج وعلاقات الإنتاج، وهما يمثلان أساس ما يسميه "البنية التحتية للمادية التاريخية (historical materialism ) لمرحلة ما بعد الازمة الصحية (كورونا)، وهما كما يكتب (صراع قوة العمل مع المرض من أجل البقاء وحقوقه في تعظيم الأجر التعويضي عن خسارة ساعات العمل وارتفاع تكاليف العيش ضد الوباء، وصراع آخر هو اشد خطورة داخل معسكر راس المال نفسه يتمثل بالصراع من أجل البقاء على تقاسم الفوائض التي تتراكم في مرحلة الحرب ضد كورونا). ويمضي الباحث قدما في تحليل مستوى الصراع داخل معسكر رأس المال المركزي ويجعله في مرحلتين محتملتين: المرحلة الأولى للصراع / نشوء النظام الامبريالي الصحي ويعرفها بالآتي (هي مرحلة مبكرة ابتدأت فيها قطاعات رأسمالية جديدة تتمحور حول ملاذات شديدة الكثافة الربحية والعائد على رأس المال لإنتاج الفائض الرأسمالي السريع على حساب خسارة وركود قطاعات أمست ضحية لمرض كورونا وتعطل النشاط الإنتاجي فيها وتولدت لديها محددات وقيود تنظيمية وعمالية وأجرية جديدة لمصلحة استرخاء وبزوغ رأسمالية محتكرة رابحة جديدة يمكن تسميتها بالإمبريالية الصحية (health imperialism) "..." لتصبح تلك الإمبريالية نمط إنتاج رأسمالي مختلف لعالم جديد متفوق في إنتاج سلاسل دوائية لا تنتهي وأنماط تغذية تتسع مع تراكم فوائض وأرباح الإمبريالية الصحية نفسها). وهنا يهدر الباحث الواقع الدقيق للاقتصاد العالمي الدولاري وحين نقول الدولاري فنحن نحيل إلى هيمنة الاقتصاد الأميركي وزعامته الهشة لاقتصادات العالم المعاصر كله، وبالضرورة والمآل فالباحث يهمل واقع سيطرة الرأسمالية المالية لا الرأسمالية الصناعية وغيرها ولا يهتم بضعف الاقتصاد الحقيقي أو الفعلي في الولايات المتحدة، بل ينظر إلى هذا الواقع بعيدا عن واقعه الحقيقي المثقل بالديون الهائلة بعد انتهاء مغامرة "برايتن وودز1944" وتحول الدولارات التي تصدرها منظومة الاحتياط الفيدرالي الأميركي إلى أوراق لا قيمة فعلية لها أو هي بتعبير فالنتين كاتاسونوف (فقاعات اقتصادية هائلة شديدة الخطورة جعلت الاقتصاد الأميركي أشبه بعملاق يقف على قواعد من طين).

 

وبالعودة الى تحليل الباحث، نجده يشرح المرحلة الثانية من ذلك الصراع، مستشرفا أنه ستنتهي إلى (نشوء الرأسمالية الاجتماعية) معللا ذلك كالآتي: فحيث أن (رأس المال المركزي، سينتقل ويتوزع مباشرة بين سياسات الحكومة والقوى العاملة العاطلة والرأسمالية الخاسرة من جهة، وتحوله إلى صراع داخلي مع الرأسمالية الصحية الاحتكارية والقطاعات الواسعة الملحقة بها من جهة أخرى، ما سيولد جهة صراع اجتماعي قوية تتحالف فيها القوى العاملة والرأسمالية الحقيقية المتضررة من الاحتكارات الرأسمالية الصحية). والمعنى واضح هنا: فالباحث يجعل الاقتصاد الأميركي والعالمي ككل، مؤلف من قطاعين، يسمي الأول الرأسمالية الحقيقية والآخر هو الاحتكارات الرأسمالية الصحية، أما الانقسام الفعلي بين الاقتصاد الحقيقي في الرأسمالية الفعلية والاقتصاد المضارب والشبحي في الرأسمالية المالية فمشطوب عليه في تحليل د. صالح؛ إضافة إلى أنه يجعل الصناعات الصحية خارج الرأسمالية الفعلية المنتجة وهي في الواقع جزء حقيقي منها، في سياق توقعاته بانها ستتحول إلى رأسمالية احتكارية.

 

ولكن ما المقصود بالرأسمالية الاجتماعية التي سيؤول إليها الوضع العالمي، وما حقيقة وإمكانية تحقق هذا الاستشراف؟

 

تنطلق نظرية "الرأسمالية الاجتماعية"، وهي ليست نظرية جديدة كما يعتقد البعض، من موقف وسطي يقوم على ترويج فكرة أن العداء الرأسمالي الجذري والمتأصل لأهداف الاشتراكية هي فكرة غير صحيحة، ولذلك يمكن التعويل على عملية مصالحة تجمع الرأسمالية التقليدية مع الأهداف الاجتماعية ومنها تقليل نسب الفقر في المجتمعات الرأسمالية، على افتراض أو رهان يقول إن (الرأسمالية الاجتماعية في أن الأسواق تعمل بشكل أفضل والإنتاج يكبر من خلال إدارة الدولة للاقتصاد الكلي إدارة سليمة. وتفترض الرأسمالية الاجتماعية أن وجود شبكة دعم اجتماعي قوية تعزز إنتاج رأس المال. ومن خلال خفض نسبة الفقر، تزيد نسبة المشاركة في سوق رأس المال. كما أن التنظيم الحكومي، وحتى رعاية الأسواق، يمكن أن يؤديا إلى نتائج اقتصادية أفضل، كما يتضح في رعاية الحكومة للإنترنت أو تنظيم سندات الضمان الأساسي...).

 

تعود هذه الفكرة تأسيسا إلى رئيس الوزراء الأسترالي كيفين رود الذي دعا في أوائل عام 2009، إلى اتباع نهج اقتصادي جديد سماه "الرأسمالية الاجتماعية" والذي يشمل "نظاماً من الأسواق المفتوحة، وهو نظام منظم بوضوح من قبل داعمين له، ونظاماً آخر تتدخل فيه الدولة لتقلل من التفاوتات الأكبر في أن الأسواق التنافسية حتمًا ستتواجد) وكل هذه البضاعة قديمة ولا جديد فيها سوى زمان تكرار طرحها.

 

إن الجذور النظرية للرأسمالية الاجتماعية، كان قد طرحها لأول مرة "لكيس فان كيرسبيرغن" في الدراسة البارزة عن الاقتصادات الأوروبية، وكانت بعنوان "الرأسمالية الاجتماعية"، وهي دراسة واسعة عن الديمقراطيات المسيحية ودولة الرفاهية. وفيها يحدد كيرسبيرغن "النواة المشتركة" لـدولة الرفاهية الأوروبية، ويضع الرأسمالية الاجتماعية باعتبارها "طريقاً وسطاً" بين الجماعية الاشتراكية والفردية الليبرالية الجديدة. وكل هذا الكلام أصبح جزءا من رماد التاريخ النظري، مع انتهاء عصر نموذج دولة الرفاهية وضمور الرفاهية ذاتها في قلاعها الغربية المثقلة بالديون الداخلية والخارجية.

 

لقد قيل الكثير في عبثية هذه التنظيرات ولا جدوها التاريخية ولكنها، ومع كل أزمة ترجُّ الاقتصاد العالمي، وتترنح بفعلها قواعد النظام العالمي الإمبريالي، تنبعث كما العنقاء من رمادها، في محاولة للحد من استشراف وتجذير البدائل والممكنات الثورية التي قد يفكر بها الناس ذوو المصلحة الحقيقية في التغيير الاشتراكي الحقيقي. وما يقال عن "الرأسمالية الاجتماعية" بصيغتها المكررة هنا، يمكن أن يقال عن مجمل الرؤية التي ينظر لها د. صالح، إنما تبقى المنهجية المعتمدة مفيدة جدا في سياق التحليل والتفكيك لا في وضع البدائل والحلول، فهذا شأن آخر سيتكفل به آخرون سيخرجون بالدروس المناسبة من الأزمة الراهنة وتداعياتها المقلقة القادمة ومن كل دروس الأزمات التي مرت بها وأفرزتها الرأسمالية، منذ مرحلتها التوحشية البدائية وحتى طورها الوبائي الحالي.

 

*كاتب عراقي

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.