كـتـاب ألموقع

عازف الناي 3// د. ميسون حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ميسون حنا

 

عرض صفحة الكاتبة 

عازف الناي 3

اللوحة الثالثة

د. ميسون حنا

 

  ( قاعة في بيت شيخ البلد، إذ نراه جالسا في الصدر، ويجلس حوله بعض الرجال من وجهاء البلد. يُرى ياقوت واقفا أمام شيخ البلد )

شيخ البلد    : تقدم يا ولدي ، لا تخف .

             (يتقدم ياقوت محتضنا نايه )

شيخ البلد    : (مشيرا للناي) تحبها ...؟

ياقوت              : هي حياتي يا سيدي.

شيخ البلد    : وماذا تقول لو وجهنا حياتك وجهة أخرى؟

ياقوت              : لم أفهم .

شيخ البلد    :(يشير للناي) أنت تعيش بمهنتك هذه ؟

ياقوت              : نعم يا سيدي.

شيخ البلد    : أي أنها مصدر رزقك؟

ياقوت              : نعم يا سيدي.

شيخ البلد    : تعزف في الأفراح ، والاحتفالات.

ياقوت              :(آملا ) هل أحيي لكم احتفالا يا مولاي؟

شيخ البلد    :(متجهما) ماذا؟

ياقوت              :(مرتبكا) أعني ... أقصد...

شيخ البلد    :(بلهجة صارمة) لقد استدعيناك لأمر مهم .

ياقوت              : ما هو؟

شيخ البلد    : خمن أنت .

ياقوت              :(مفكرا) لم أرتكب إثما.

شيخ البلد    : (بلطف شديد) بل ارتكبت يا ولدي ... ارتكبت.

ياقوت              :(حائرا) كيف؟

شيخ البلد    : سوف أنسى آثامك جميعها لو أثبت حسن النية .

ياقوت              :(صمت وحيرة)

شيخ البلد    : أنا أعرض عليك عرضا مغريا.

ياقوت              : ما هو؟

شيخ البلد    : أهبك بيتا، وقطعة أرض تفلحها وتعيش.

ياقوت              : أنا ؟ كيف؟

شيخ البلد    : (يحدق به) لعلك تقول في نفسك : مقابل ماذا؟

ياقوت              : صدقت يا سيدي.

شيخ البلد    :(مشيرا للناي) نايك.

ياقوت              :(يشد الناي إلى صدره بذعر) ماذا؟

شيخ البلد    : هل تبيعها؟

             (ياقوت ينظر إليه بشك)

شيخ البلد    : لعلك تقول أنني أستطيع شراء ناي أينما شئت...فلماذا أشتري نايك بالذات؟

ياقوت              : صدقت يا سيدي .

شيخ البلد    : لقد جمعت وجهاء البلد كما ترى، لكي يستمعوا إلى حديثنا (بلطف) أنا لا أريد أن أظلم

             أحدا ، لكنك أسأت إلينا جميعا.

             ( ياقوت ينظر إلى الوجهاء ، حائرا)

ياقوت              : فيم أسأت أيها السادة؟

وجيه        :(مقلدا لهجة شيخ البلد) عزفك يا ولدي هو السبب.

وجيه آخر    : علمت أبناءنا أشياء ما كنا لنعلمهم إياها ...

ياقوت              : كيف؟

وجيه آخر    : علمتهم الفسق والكفر.

ياقوت              :(بحدة) لا ... لم أفعل ...(يلتفت إلى شيخ البلد) وشاية كاذبة يا سيدي . إلي بالواشي

             ليواجهني أمامك يا سيدي ، فأريكم كذبه ، وأكشف نواياه.

شيخ البلد    : إهدأ يا ولدي ... لا تثر... لم يش بك أحد.

             (ياقوت يبدو حائرا)

شيخ البلد    : (يتابع) أنت فقط مذنب يا ولدي ... مذنب.

ياقوت              : أنا لا أفهم شيئا .

شيخ البلد    :(للوجهاء) أوضحوا له الأمر أكثر.

وجيه        : علمت أبناءنا لحن الغضب غضبوا علينا.

وجيه آخر    : علمتهم لحن الحياة ، فلم تعد تعجبهم حياتنا.

وجيه آخر    : علمتهم لحن الجمال ، فرأوا كل شيء حولهم قبيحا.

وجيه آخر    : علمتهم لحن الحب ... كرهونا.

وجيه آخر    : علمتهم لحن الحرية، فأخذوا يتغنون بها متوهمين قيودا ما كانوا ليروها لولاك.

وجيه        : علمتهم لحن الأمل ... بلغ طموحهم آيات السماءفعرفوا عجزهم.

وجيه ىخر    : علمتهم متعة الغنى ... فرأوا فقرهم.

وجيه آخر    : ثم علمتهم أحلام الفقير ، كرهوا فقرهم وحقدوا علينا .

             (ياقوت ينقل نظراته بين الوجهاء حائرا، ثم يلتفت إلى شيخ البلد)

شيخ البلد    : علمتهم لحن النور ، فرأوا أنفسهم يعيشون في الظلماء.

ياقوت              : أنا ...؟ فعلت كل هذا؟

شيخ البلد    : لقد خربت عقول الناس يا ولدي، وهذا يكفي لإثارة غضبي وسخطي عليك. أرأيت كم بلغ هول ذنوبك وأنت لا تدري؟

ياقوت       : أنا عزفت لهم ما يجيش في صدورهم ، بثثتهم أمنياتهم، لبيت رغباتهم ولم أفرض عليهم لحني .

شيخ البلد    : ومع هذا عزفت لهم لحن الحب ، فأصبحت في نظرهم رمز الحب والعطاء، مع أنك كنت تعزف لحنك لميمونة مثلا .

      (ياقوت ينظر إليه مندهشا ، يتابع بلطف)

شيخ البلد    : أرأيت أنك لا تقصد الإساءة ... لكنك أسأت. أنت غارق في الذنوب يا ولدي ، ولن ينجيك غير أمر واحد.

ياقوت       : ما هو ؟

شيخ البلد    : تكف عن العزف.

ياقوت       :(منفعلا) هذا محال.

وجيه: لا تتهور، وامتثل لأمر سيدك.

ياقوت       : (أشد انفعالا) ليس هناك قانون يحرم العزف على الفنان .

شيخ البلد    : معك حق، أنا  أحب العدل ، ولا أرضى أن أحرمك متعتك في العزف ، لكن عندما يكون عزفك سبب الشواشر التي تدور حولي ، من حقي أن أمنعه . أنا مسؤول أمام الله والقانون عن الأمن والرخاء بين الناس .

ياقوت       :(ساهما) طلبت المستحيل يا سيدي .

شيخ البلد    : إسمع يا ولدي : لن نجور عليك بحكمنا.لك أن تعزف.

      (ياقوت ينظر إليه بسرور وشك وحيرة)

شيخ البلد    : (يتابع) على أن تعزف في بيتك، مُغلقا بابك ونوافذك لكي لا يسمعك أحد .

ياقوت       :(خائبا) محال ... هذا غير معقول .

شيخ البلد    : لا أريد أن أظلمك وأمنعك من العزف وأنت مولع به ... لكني أحرم عليك العزف أمام أحد ، محافظة على الأمن والاستقرار.

ياقوت       :(محتجا) وإن قلت لك أني لا أستطيع الامتثال لمثل هذا الطلب.

شيخ البلد    :(بجفاف) إذن نطلب إليك أن تكسر نايك ، وتعيش مع الناس  راضيا، قانعا.

ياقوت       :(بتحد) وإن رفضت ؟

شيخ البلد    :(أكثر جفافا) أخذت نايك ورحلت عن ديارنا لتعزف بعيدا عنا ما شئت من ألحانك الرخيصة ، على ألاّ يسمع أحد من أهل بلدتنا عنك شيئا.

ياقوت       :(يصرخ) هذا ظلم ، والله ظلم .

شيخ البلد    : أمهلناك ليلتك هذه على أن تبلغنا قرارك صباح الغد... وتختار أحد الخيارات الثلاث (يحدق به ، وبلهجة قاسية) تعزف معتزلا في بيتك ، أو تكسر نايك وتعيش قانعا ، أو تصحب نايك وترحل عنا .

      (ينهض شيخ البلد ويغادر القاعة. ياقوت يبدو حائرا، بينما الوجهاء يسلطون نظراتهم عليه)

 

*****

يتبع