اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عازف الناي 5 // د. ميسون حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ميسون حنا

 

عرض صفحة الكاتبة 

عازف الناي 5

د. ميسون حنا

الاردن

 

اللوحة الخامسة

(بلاد الجان. في الخلاء . حيث الأرض صفحة خضراء. أشجار وأزهار في كل مكان، يدخل جنيان يتحاوران بأسلوب تهريجي مضحك)

الجني الأول  : ما قولك في هذه الزهرة؟ (يقطف زهرة ويخفيها خلف ظهره) أهي حمراء أم زرقاء؟

الجني الثاني: حمراء.

الجني الأول  : أخطأت .

الجني الثاني: إذن زرقاء.

الجني الأول  : أخطأت أيضا، فهي صفراء.(يقذفها في وجهه ، فتسقط على الأرض)

الجني الثاني: أتهزأ بي أيها المنحوس؟

الجني الأول  : (يضحك) أحسنت إذ قلت الصدق ... فأنا حقا منحوس الطالع ... ونحسي هو مصدر أعجاب الشياطين بي ... لكنك غبي يا صديقي إذ تقامر على لون زهرة.

الجني الثاني: (بعجب) سبحان الله ... أنت الذي افتعل النقاش.

الجني الأول  : وأنت جاريتني في قلة عقلي ... تحمّل إذن نتيجة غبائك.

      (يسمع صوت عزف كئيب على الناي، يصغيان)

الجني الأول  : من هذا المنكود، الذي يعزف هذا اللحن الكئيب لينغص علينا.

الجني الثاني: نحن نمرح هنا لينكد علينا بسماجة لحنه ...

الجني الأول  : الويل له ... هلم نهشم نايه على رأسه.

      (يهمان بالخروج ، بينما يدخل ياقوت)

الجني الثاني: ها قد أتى لمصرعه.

      (يتوقف ياقوت عن العزف، وينظر إليهما بحذر)

الجني الأول  : أمّا كفه عن العزف ... فقد شفع له عندي.

الجني الثاني: أنت حقا منحوس، لكنك تشفق على المناحيس أمثالك... وهذه صفة تستحق المؤازرة.

      (يقتربان من ياقوت، الذي يبتعد عنهما قليلا بحذر)

الجني الأول  : ماذا تفعل هنا ؟ (يتأمله) لست جنيا يا ابن أمك.

الجني الثاني: بل هو ابن أبيه.

الجني الأول  : إبن أمه وأبيه ، لا تغضب .

      (أثناء الحوار يتسلل ياقوت منسحبا من أمامهما بخفة، ويغادر المكان)

الجني الثاني: قلت لك هو ابن أبيه.

الجني الأول  : تعني ... لا أم له؟

الجني الثاني: ما يعنيني من أمره أن أعرف من يكون؟

الجني الأول  : (يتلفت حوله) الويل لك ... أخذت تجادل كعادتك حتى هرب قبل أن نتعرف إليه .

الجني الثاني: لكني عرفته.

الجني الأول  : من هو ؟

الجني الثاني: العاشق الولهان ، الذي باع دياره بأبخس الأثمان، من أجل مختلة مأفونة.

الجني الأول  : تقصد مزدان ؟

      (تدخل مزدان)

مزدان: من ذكر اسمي؟ (تتشمم بأنفها محدثة صوتا) جنيان لعينان.

      (يفر الجنيان خارجين . تتلفت حولها وكأنها تبحث عن أحد)

مزدان: أين ذهب هذا الإنسي ... كنت ألاحقه في دياره حتى لانت عريكته، ورافقني لألاحقه هنا من جديد .

      ( يظهر برطوش. يضحك. لهجة برطوش تكون تهكمية أثناء هذا اللقاء)

برطوش      : أهلا بفاتنة بلاد الجان .

مزدان: أنت تهزأ الآن ... جاءت فرصتك؟

برطوش      : ليس بعد يا عزيزتي ، ليس بعد (يبتسم) أين فتاك الوسيم؟

مزدان)بمرح مفتعل) كان معي قبل لحظات .

برطوش      : وتركك هنا ليعزف قرب نبع الشياطين ... أليس هكذا؟

مزدان:(بقلق) هل هو حقا هناك؟

برطوش      : (يضحك بشماتة) لم يكن معك إذن؟

مزدان: سحبت لساني أيها الشقي.

برطوش      : لا أعلم من منا الشقي ... أنا أم أنت؟

      (مزدان تقترب من برطوش حزينة)

مزدان: برطوش ... أنا حقا في حيرة من أمري .

      (يختفي برطوش فجأة . تثور)

مزدان:(ثائرة) أين ذهبت أيها اللعين؟ كنت سوف أطاوعك لو قلت كلمة حركت قلبي ... لكنك تشمت بي كغيرك ...(بتحد) سوف نرى من منا الشقي إذن؟ (منادية) ياقوت ...

      (لحظة . يدخل ياقوت حزينا، يجلس تحت ظل شجرة ، ويضع نايه على الأرض قريبا منه . مزدان تقترب منه وتجلس إلى جانبه)

مزدان: أين أنت يا ياقوت؟ كلت قدماي وأنا أبحث عنك.

ياقوت       )ببرود) سمعت نداءك ، فحضرت.

مزدان: تغيرت يا ياقوت.

ياقوت       :(بشرود) لا أفهم قصدك.

مزدان:(تفتعل المرح) إعزف شيئا ... أتوق لسماع ألحانك.

ياقوت       : قلت لي صباح أمس (ينهض مبتعدا عنها ويواصل حديثه) أنك مللت رتابة ألحاني .

مزدان: نوّع إذن.

ياقوت       : لم أعد قادرا على تطويع الناي.

مزدان: لماذا؟

ياقوت       : هذا ما استلهمته منك على كل حال .

مزدان: هل أنا السبب؟

 ياقوت      : ألست الجنية المُلهمة...؟ تبعتك ، فماذا وجدت ؟ خواء فظيعا يكتم أنفاسي .

مزدان: (تنهض وتقترب منه) ياقوت ... بلادنا جميلة، وأنت نفسك أبديت إعجابك بها .

ياقوت       : لم أغير رأيي في جمال بلادكم.

مزدان: هيأت لك جوا مريحا ، لم أقصر معك .

ياقوت       : (بشرود) لم أعد أستطع العزف كما كنت.

مزدان: لا أظن أن هذه الطبيعة الخلاّبة ، التي تحيط بنا ، وهذا العبق (تتنفس بارتياح) مع هذا الحب الذي أبذله لك ، قد أسبغ الحزن على ألحانك !

ياقوت       : أنت لطيفة يا مزدان ... لا تتوانين عن تقديم المساعدة لي ، لكني اشعر بالتعاسة ، بالرغم من كل ما أجد عندك من دفء المعاملة ، وحرارة الحب .

مزدان: أنت لا تبادلني حبا على ما يبدو.

ياقوت       :(مرتبكا) لم أقل هذا ...

مزدان: تصرفاتك تدل عليه...

ياقوت       :(بفتور) واهمة.

مزدان: ماذا تنتظر إذن؟ (بحماس) هلم لأبي نعلنه قرارا سعيدا ، ليرفع رأسه بين قومه.

ياقوت       : ويحك ماذا تعنين ؟

مزدان: أبي ساخط علي ... ها هو يمهلني أياما محدودة، أصلح بها نفسي، وأصلحك معي ، لنكون جنيين مواليين لقوانين الجن ، وإلاّ نُبذت معك إلى الأبد .

ياقوت       : لست جنيا لأخضع لقوانينكم على كل حال .

مزدان: تذكّر أنك تعيش معي في بلدي .

ياقوت       : مع هذا أنا لست جنيا .

مزدان:(بلهجة جديدة) وجودي معك هكذا لا يرضي أحدا هنا .

ياقوت       : لماذا؟

مزدان: أنت تعيش معي دون عقد زواج .

ياقوت       : فاتني الأمر ... هل تعقدون ؟ ... أقصد هل تؤمنون بالزواج أنتم أيضا؟

مزدان: ونقدسه .

ياقوت       : (ساخرا) يا لطيف .

مزدان: عقوبة الخيانة في عرفنا الموت .

ياقوت       : كيف إذن تقولين أن لك عشاقا كثيرين ؟

مزدان: قبل الزواج ، الواحدة منا حرة في كل ما تفعل .

ياقوت       : الأمر بسيط إذن ... لنبق عاشقين ، وهكذا تلتغي جميع مشاكلك .

مزدان:(غاضبة) لا تهزأ ، وأجب بوضوح .

ياقوت       : باختصار الحديث : أنت تطالبينني بالزواج !

مزدان: وما هو ردك ؟

ياقوت       : لا أستطيع تحقيق رغبتك يا عزيزتي .

مزدان: (ثائرة) ماذا تريد إذن ، بعد أن هجرت جميع عشاقي من أجلك ؟

ياقوت       : (يبتسم بمرارة وسخرية) أوه ... من أجلي ...؟! أخطأت يا عزيزتي .

مزدان: ها هم يتمنون لي التعاسة الآن ، ويسخرون مني شامتين ، بعد أن كنت معبودتهم بلا منازع .

ياقوت       : (يهز رأسه نادما) لست أدري أأرثي لك أم لنفسي ؟

مزدان:(أكثر انفعالا) أنت لا تعلم أي فعل شنيع أتيته من أجلك أيضا   ، وأنت تسخر ؟

      (ينظر إليها مستفهما، تتابع)

مزدان: مرافقة إنسي  في بلادنا تستحق أقسى العقوبات .

ياقوت       :(ساخطا) أما أنا فقد خنت بلدي مذ تبعتك.

مزدان: ومن ذكر الخيانة الآن ؟ (مستدركة) أنت تبعتني لأنك كنت تبحث عمن يقدر فنك .

ياقوت       : جررتني للتهلكة لأعيش متشردا ، مشؤوما        ، بعيدا عن وطني .

مزدان: ها أنا أعرض عليك حلا يريحك إلى الأبد ... أعرض عليك البيت ، والأمان والاستقرار .

ياقوت       : هل تصدقين يا هذه أني أستطيع الحياة معك هنا إلى الأبد؟

مزدان: نعم تستطيع ... لكنك استعذبت ضعفي أمامك فتماديت . هكذا أنتم أيها البشر ، عكسنا تماما . نحن صريحون ، واضحون في تعاملنا ، أما أنتم فمراؤون ، أفاقون .

ياقوت       : (يضحك ساخرا) أنتم ...؟ حقا عشنا وسمعنا.

مزدان: نحن نخدع الشخص قائلين له أننا شياطين ، ونسعى لخديعته ، أما غفلته ، فلسنا مسؤولين عنها أبدا ... أما أنتم فتدعون الطهارة والصدق وتطعنون في الخفاء .

ياقوت       :(ثائرا) أنتم تبيحون لأنفسكم ارتكاب المعاصي ، وتتباهون بصراحتكم الوقحة ، إذ ترتكبون معاصيكم أمام الجميع !

مزدان: نحن أشرف منكم إذ نعترف بخستنا ... أما أنتم ...

ياقوت       : (مقاطعا) ويلك ... كفي عن النقاش ، لا أستطيع مجاراتك في هذا التخريف .

مزدان: (مستفزة) قل أنك تضعف أمام مواجهة الحقيقة ليس غير .

ياقوت       : (ثائرا) أنا أنبذك يا هذه ... ليس فقط كونك جنية مخادعة ... تكاد لا تفرّق بين الشرف وعدمه ، لكن ارتباطي بك يعني الإنفصال الأبدي عن بلدي ، ومن كان مثلي لا يبيع بلاده من أجل زانية .

مزدان: (ثائرة) لقد خدعت نفسك أيها الوغد ، ثم صدقت خداعك لينطلي عليك (بتحد) لقد بعت بلدك منذ ثلاثة أشهر !(ينظر إليها بسخط ، تتابع بهدوء) عندما وضعت يدك في يدي (تمد يدها أمامه باستهزاء) داخل كوخك في ليلة مشؤومة .

ياقوت       : (ثائرا) جنية حقيرة ... تبعتك لألوك أحزاني أمامك وأنت تتلذذين (حزينا وبهدوء) ها أنا أمامك في أقبح صورة . العار يلطخني ، والخيانة تحز قلبي .

مزدان: لا تتبجح بوطنية مزيفة .

ياقوت       : (أشد ثورة) ويلك ... ماذا تقولين ؟

      (تتراجع للخلف خطوة)

مزدان:(بتحد) أقول أنك تبعتني برغبتك .

ياقوت       : لأتركك برغبتي إذن ، وأصحح خطأي الشنيع .

      (تفاجأ ثم تتمالك بسرعة)

مزدان: (بهدوء مُفتعل) هل أفهم أنك ستغادر بلادنا؟

ياقوت       : ( بتحد) وما يجعلني أنتظر أكثر ؟

مزدان: (منفعلة) إعلم إذن أني لن أسهل لك طريق العودة .

ياقوت       : إعلمي أني سوف أعود إلى بلدي ، ولن تمنعني قوة في الوجود من العودة . (ينظر إليها ثم يغادر المكان بعصبية ، ليعود بعد لحظات ، يتناول نايه عن الأرض حيث ألقاها سابقا ، ثم ينصرف) (مزدان تجلس متهالكة تحت أقرب شجرة . يدخل برطوش ، لا تحس به ، يقترب منها ويربت على كتفها)

مزدان: (تلتفت إليه آملة، ثم تصاب بخيبة ) أنت ...؟

برطوش      : ظننتني ذاك الإنسي ، فتى الأحلام ؟

مزدان: برطوش... قلبي لا يتسع لسخرية أحد .

برطوش      : لم آتي للسخرية .

مزدان: ماذا تريد إذن ؟

برطوش      : (جادا) مواساتك .

      (تلتفت إليه باهتمام وتأثر)

برطوش      : جئت أقف إلى جانبك .

مزدان: أنا حقا حزينة يا برطوش.

برطوش      : أعلم .

مزدان: هذا الإنسي لا يحبني ، تصور ..؟

برطوش      : تسرعت واصطحبته معك ... سحبته من بيته وهويائس، حزين، لم تعطيه فرصة ليختار بنفسه ما يريد .

مزدان: تحديت الجميع من أجله ... ها هو يرفض الزواج .

برطوش      : لا أظنك تحلمين بالزواج من إنسي .

مزدان: ليس حلما ...(مترددة) لكني رغبت في تحقيق هذا الغرض .

برطوش      : أنت لا تحبينه كما أنه لا يحبك ... لقد انساق خلفك في لحظة يأس عابرة ... أما أنت فجرفتك المغامرة ، وحب الذات لمعاشرة شخص غريب (يقلد لهجتها) موديل ... تايب ... أليست هذه كلماتك ؟

مزدان: قد تكون محقا ...(مترددة) لكني أوهمته أني جنية تلهمه الألحان فصدق .

برطوش      : حجة واهية ، لقد كان ضعيفا، عاجزا عن اتخاذ قرار ، فتبعك متوهما حياة سهلة ، بلا عقبات؟

مزدان: أتظن هكذا؟

برطوش      : صديقك فتى رقيق الأحاسيس، لكنه ضعيف الإرادة ، قليل الثقة بنفسه وبفنه .

مزدان:(لحظة ثم بحزن) هجرني الجميع .

برطوش      : إلاّ أنا ...

      (تنظر إليه متأثرة)

برطوش      : هيا نبدأ من جديد ... أنا وأنت فقط ، دون أحد سوانا ، ألسنا الجنيين المتفاهمين ؟ أنا أفهم نزواتك جميعها و ... (مرتبكا) لا زلت معجبا بك .

مزدان: أنت صديق مخلص يا برطوش .(تضحك) جني ومخلص ... تصور !

برطوش      : أنا أحبك .

      (تعبس فجأة)

برطوش      : (حزينا) لا زلت تفكرين به إذن .

مزدان: سوف يعود ليطلب مني فك قيده...(ساهمة) هل سيعود حقا ؟

      (يحدجها بنظرة عتاب ، ترتبك)

مزدان: هو ... هو لا يستطيع أن يغادر إلى دياره من غير أن يراني .

      (برطوش يهز رأسه بأسى ، ثم يختفي تاركا المكان)

 

 

 

******

يتبع

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.