كـتـاب ألموقع
الأقنعة في رواية رداء العاقل للأديب العراقي ستار زكم// هناء عبيد
- المجموعة: هناء عبيد
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 29 آب/أغسطس 2024 21:21
- كتب بواسطة: هناء عبيد
- الزيارات: 747
هناء عبيد
الأقنعة في رواية رداء العاقل للأديب العراقي ستار زكم
هناء عبيد
صدرت رواية رداء العاقل للأديب العراقي ستار زكم في العام ٢٠٢٣ عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بغداد
وجاءت في ١١٦ صفحة من الحجم المتوسط، وهي الرواية الأولى للأديب ستار زكم
غلاف الرواية
يتوسط الغلاف رجل مطأطئ الرأس إلى الأسفل، يمشي على طريق يغمره الوحل ويمتد أمامه إلى ما نهاية، وتوحي اللوحة إلى حال مزر قد يعود إلى ما آل إليه العراق والدول العربية من وضع سياسي مزر انعكس على الشعب بالبؤس والتشاؤم وانغلاق أبواب الأمل؛ وهذا هو خط مسار أحداث الرواية الّتي تحكي الحياة المأساوية المعاشة لمجموعة من الشباب تتمحور حولهم أحداث الرواية.
العنوان
رداء العاقل، عنوان مميز يشير لأول وهلة إلى شخص نزيه، حكيم، ذي رأي صائب، إذ بداية قد يتبادر إلى أذهاننا بأن الرداء هنا يرمز إلى الأخلاقيات والمبادئ والمثل العليا، لكن بالتدرج في قراءة مجريات أحداث الرواية نستلهم أن الكاتب ربما أراد أن يطلعنا على الأقنعة الّتي غطت حقائق الشخصيات والّتي بدأت بالتمزق رويدًا رويدًا لتكشف الحقيقة المتخفية خلفها، وكأنه يقول أننا أمام عالم زائف تخفي الأقنعة ملامحه الحقيقية، لكن بلا أدنى شك الزمن كفيل بسقوطها عند أول مفترق.
الإهداء
إلى فقراء العالم.. المرجل الوحيد للكتابة
وإلى ذلك الجنون.. حين يكتشف الحقيقة
عبارات تدل على أن محور تفكير الروائي هم هؤلاء الناس المقموعون، فالفقر رفيق المعاناة والقمع أينما وجد، وكأن الجنون هو من يكشف الحقائق في عالم فُقِد فيه المصداقية.
وقد أرفق الكاتب عبارة غرامشي واستهل بها روايته؛
"المثقف الّذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب المثقف"؛ عبارة تشير إلى عمق إحساس الكاتب الذي يحمل هموم وطنه على كتفه ويبثها من خلال سردياته وأشعاره؛ فمن يقرأ أعمال الأديب الشاعر ستار زكم يستشعر مسؤوليته تجاه هموم وطنه وشعبه.
ولا شك أن الكاتب يكتب واقعه المعاش، لهذا جاءت ثيمة الرواية متماشية مع الأحداث الّتي تدور في العراق في الآونة الاخيرة والّتي كانت نتيجة حتمية إبان التدخل الأمريكي في المنطقة.
تعرفنا على هذا الواقع الأليم من خلال مجموعة من الشباب أخذوا موقعهم في السرد؛ ولا غرابة في ذلك؛ إذ أن الشباب هم الأكثر تأثرًا بالأوضاع وهم أمل الأمة ومستقبلها. فمن خلال هذه الفئة الشبابية، عشنا أحداث الرواية الّتي أطلعتنا على الوضع السيء السياسي الذي أدى إلى ضبابية المستقبل وعدم وضوح الرؤية، والعيش في ظل الخوف المستمر؛ حيث البطالة المتفشية والفوضى المستمرة في ظل الانفجارات المتكررة الّتي تحصد الأرواح البريئة في الشوارع والأسواق وجلّ أنحاء المدن المختلفة.
يقول في صفحة ١٣ وهي إشارة إلى الفوضى الّتي يعيشها أهل العراق بما فيهم علي (الشخصية المحورية في الرواية) وأصدقاءه:
"في ذلك الوقت الذي يتجول فيه أحباب الله، وهم في غفلة عما يدور حولهم من تربص ودهاء، تطايرت الأشلاء، وتمزقت الأجساد، وتبعثرت طاولات السوق، واختلط لون الدم بلون الفواكه والخضروات من هول الانفجار وشدة العصف".
ورغم كل هذه الأحداث الدموية إلا أن الكاتب يؤكد على دور الثقافة في انتشال العالم من الوضع المزري الذّي يقبع تحت طاحونته؛ فنجده يسهب في الحديث عن أهمية الندوات الثقافية والكتابة ومحاربة الجهل الّذي يتعارض مع التطور والتقدم والحياة الكريمة، فنجد مجموعة الشباب وهم يحاولون التجمع في الأندية الثقافية، ومن ثم علاقتهم مع الكاتب المدوّن.
شخوص الرواية المحورية
واقع مؤلم نعيش أحداثه ونتعرف عليه من خلال الشخصيات المحورية في الرواية؛ أهم هذه الشخصيات:
علي؛ الشاب الطموح العاشق الحالم، المبر لوالدته، طالب كلية الآداب الّذي يريد حياة مستقرة مع فتاة أحلامه قمر الّتي كان يحلم بها باستمرار، وكأنه بذلك يطلعنا أن أبسط حقوق الإنسان الّتي يتطلع لها باتت أحد أحلامه الّتي يصعب تحققها، فكيف سيكون هناك حب وزواج في ظل الظروف المتردية الّتي يسيطر عليها الفقر، والبطالة والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة؟!
ثم صديقه رمزي عازف الجيتار الّذي يحب فرح لكنه لا يستطيع أن يغير واقعها المزري الّذي جرّها إلى امتهان الرقص الّذي ترفضه عاداتنا وتقاليدنا.
وأما الشخصية الغريبة؛ فكانت لعوفي المجنون؛ "صاحب النظرات العميقة الواسعة والمخيفة في الوقت ذاته" كما وصفها الراوي، فقد كان يلتقط بقايا الخردة المتناثرة من السيارات المفخخة بعد انفجارها، وقد كانت الشخصية الأكثر غموضًا في الرواية؛ وكأنها تمثل الواقع المجهول الغامض الّذي نعيشه، فهو يرمز لتقلبات أفكارنا الّتي تتأرجح بين الجنون والعقل.
أما نؤاس الشاب الطموح الخجول فهو طالب في كلية الهندسة قسم الكهرباء، مثقف وعاشق لقراءة الروايات، دومًا يؤكد على أهمية التسلح بالثقافة، لجعل الحياة أكثر سعادة واستقرارًا، لكن للأسف نفجع بموته بسبب الانفجارات الّتي باتت دائمة الحدوث.
وهناك فرح؛ الفتاة الطموحة الغامضة أحيانًا، الّتي تفاجئنا بدخولها مجال الفن والرقص لإنقاذ عائلتها، الأمر الّذي آلم رمزي الّذي أحبها؛ فالرقص مهنه لا تقبلها العادات والتقاليد.
الأماكن في الرواية
كان للأماكن دورها في أحداث الرواية؛ وكأنها شخصيات محورية تقود الأحداث، حيث مقهى رواق في جانب الكرخ من المدينة على شاطئ نهر دجلة، فهو مكان مناسب يشعر الشباب الّذين كانوا يتجمعون به بالراحة والسعادة، كذلك نتعرف على مقهى مطعم حجي صالح الذي كان الأصدقاء يتناولون فيه فطورهم التقليدي كل يوم جمعة.
وكان لسوق الفقراء الّذي يشعرك بالبساطة و تجد فيه المسنين والأرامل والأطفال والفتيات كما يبين لنا الراوي، له دوره أيضًا في مجريات السّرد .
كذلك مقهى فنجان قهوة أحد الأمكنة الّذي اضطر أن يجلس فيه الشباب كونه يقع وسط المدينة.
تقنية السّرد
جاءت الرواية في سبعة فصول، يتضح المحتوى من خلال عنوان كل فصل،
ففي الفصل الأول أحلام فتية يتحدث الراوي عن أحلام الشباب الّتي اندثرت قبل ولادتها بسبب الأوضاع السيئة، وفي الفصل الثاني رواق، نتعرف على التفاصيل بإسهاب عن أهم الأماكن التي كان يلتقي فيها الأصدقاء للحديث عن أحلامهم ومشاكلهم وهمومهم، أما فصل رقص وبكاء، ففيه نتعرف عن قرب على فرح الّتي دفعتها الظروف الاقتصادية السيئة لاختيار مهنة الرقص لتعين أهلها. وفي الفصل المعنون بفنجان لغوة، نعيش مع الأصدقاء في المقهى المليء بالضجيج، وفي فصل اللهيب بين العشق والموت، نتعرف على قصص العشق، والموت الّذي تختاره الانفجارات لتحصد أعمار الشباب قبل وصولهم إلى أحلامهم،أما في فصل أخبار الهدهد، فنتعرف من خلاله على ذلك الهدهد الّذي هو أحد عناصر الغموض الّتي اتبعها الكاتب حتى يشد القارئ ويجعله متشوقًا لمعرفة ما وراء هذا الغموض.
أما في الفصل الأخير إزالة الأقنعة ففيه يختبئ مفتاح اللغز حيث تتكشف جميع الشخصيات، فقد سقطت جميع الأقنعة، وكأن الراوي يريد أن يقول لنا بأننا أصبحنا نعيش في عالم مقنّع بالزيف والكذب والخداع بسبب الفتن والفساد والساسة الّذين لم يكن الشعب والوطن في مقدمة اهتماماتهم، فقد أودت مصالحهم الشخصية إلى لجوء البعض إلى التخفي بأقنعة زائفة؛ حتى يستطيعوا أن ينجوا بأنفسهم من الهلاك في ظل هذا العالم المتوحش، فعليّ مثلًا؛ اسمه الحقيقي حسين، وقد قام بتغييره عندما قُبِل بالجامعة بسبب ما كان يقوم به من مهمات أوكلت إليه،
أما فرح فيتبين لنا بأن اسمها الحقيقي سميرة الشابي وقد اخفت اسمها ودراستها منعًا من اكتشافها؛ كونها تعمل بشكل سري مع الكاتب المدون وهي نفسها فتاة الهدهد ثم نكتشف فيما بعد بأنها من أصول تونسية، ونتفاجأ أيضّا بأن الكاتب المدون ما هو إلا شاب في مقتبل العمر وليس عجوزّا كما اعتقدنا.
جاء السرد تقليديًّا حيث الأحداث المتتابعة الخطية المتصاعدة الّتي رويت بلسان السارد العليم الّذي يطلعنا على دواخل الشخصيات وأحداث الرواية دون إعطاء الفرصة للشخوص للتحدث عن أنفسهم، وقد خلت الرواية من الحوارات الخارجية.
استطاع الكاتب أن يشدنا إلى آخر حرف لنتعرف على الشخصيات الغامضة في الرواية، وقد كثرت تساؤلات الكاتب، ربما لتحفيز القارئ على المتابعة دون ملل.
لغة الرواية جاءت سهلة ممتنعة سلسة وبعضها غلبت الشاعرية عليها.
رداء العاقل؛ رواية قيمة مهمة تحكي عن معاناة العراق في حقبة الاحتلال الأمريكي وهي إضافة ثرية لأدب الروايات العراقية خاصة، والعربية عامة.
المتواجون الان
592 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع