اخر الاخبار:
السريان ... يُعطِرون مهرجان الحلة الثقافي - السبت, 14 أيلول/سبتمبر 2024 19:19
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

في ماركسية ماركس!// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

في ماركسية ماركس!

د. ادم عربي

 

لقد بالغوا في العِداء تجاهَ ذاكَ الرَّجلِ الذي يُدعى ماركس واعتبروا نظريته وُلِدتْ ميتةً، مستندينَ في ذلكَ إلى سقوطِ الاتحادِ السوفياتي. لكنَّ ماركسَ ليسَ الاتحادَ السوفياتي، ولو أنَّ ماركسَ عاصرَ الاتحادَ السوفياتي لقالَ: "أنا لستُ ماركسياً". لقد كُتبَ عن ذاكَ الرَّجلِ أكثرَ مما طبعهُ البنكُ الفيدرالي من الدولارات. حتى طبقة ماركس "طبقةُ العمال" لم تعد موجودة؛ فهي لا تشكل أكثرَ من خمسةٍ في المائة من القوى العاملة، وهذا دليلهم على أن طبقة ماركس لم تعد موجودة، مما يعتبرونه برهاناً على زيفِ نظرية ماركس. وصلَ بهم الأمرُ إلى اعتبارِ ماركس يهددُ السِّلمَ الأهلي، لكنَّ انهيارَ عمارةٍ لا يعني ولا يجب أن يعني خطأ علم الهندسة. الدليلُ الماثلُ أمامي الآن على صحةِ نظريةِ ماركس هو الانهيارُ الاقتصاديُّ العالمي، والذي تبعهُ تدهورُ القيمِ الأخلاقية في العالمِ ونزوحها نحوَ اليمينِ المتطرف. ماركس كتبَ عن النظامِ الرأسمالي، وأمعنَ في تحليلهِ، ليكتشفَ التناقضاتِ فيه. بعيداً عن استغلالِ العمال، أوضحَ ماركس مصدرَ الثروةِ الحقيقي في المنظومةِ الاقتصاديةِ الرأسمالية، وعليهِ تنبأَ بأزماتها الاقتصادية. لقد اكتشفَ أنَّ شيئاً واحداً هو مصدرُ الربحِ، وهو ما يصنعهُ العاملُ بما يتوافرُ لديه من الموادِّ الأساسيةِ حيثُ يضيفُ قيمةً من عندهِ لها، يأخذُ قسمٌ منها ويتركُ الباقي للرأسمالي.

 

لقد أبهرتهم تكنولوجيا المعلومات، حتى اكتشفوا فيها "عدم واقعية نظرية ماركس" وأنَّ النظريةَ التي وجدت في القرن الثامن عشر لا تصلحُ اليوم. "ماركسيوا الفول والشعير وأفراخ الدجاج" يقولونَ ذلك. أصبحت تكنولوجيا المعلومات تدرُّ أرباحاً خيالية، وكأنَّ ماركسَ لا يعلمُ عن التكنولوجيا شيئاً. ماركس لا يهتمُّ بالأفكار، جلُّ نظريتهِ الاقتصادية تتمركزُ حولَ الربح وفائضِ القيمة. هل يربحُ صاحبُ شركةِ تكنولوجيا المعلومات؟ بالطبعِ يربح، وإلّا لماذا يجبُ أن يدفعَ ملايينَ الدولارات للمبرمجينَ والمطورينَ وغيرهم؟ المبرمجونَ والمطورونَ يفرغونَ ما لديهم من أفكارٍ لخطِّ الإنتاج الذي يقوم بتحويل ابتكاراتهم إلى سلعٍ جديدةٍ تُباع حسبَ العرضِ والطلبِ وليسَ حسبَ قيمتها الحقيقية التي تُحسبُ بالساعات. حسبَ العرضِ والطلب، وهكذا تُباعُ الخدمات، لا تُباع بقيمتها الحقيقية. إنَّ جميعَ الشركاتِ المتقدمة تكنولوجياً تربحُ أرباحاً خيالية بسبقها عن من تخلفَ عنها من الرأسماليين، إنها تستولي على جزءٍ من فائضِ القيمة لهم. إن جميعَ قطاعات الشعب تعتاشُ على فائضِ قيمةِ الخمسةِ بالمائة من العاملينَ الصناعيينَ والزراعيينَ من الشرطي إلى الرئيس إلى صاحبِ شركةِ تكنولوجيا المعلومات. فمصدرُ ثروةِ المجتمع هو فائضُ القيمة وفائضُ القيمة من اختصاصِ العمال، فكلما زاد عددُ العمال زادَ الربحُ المتمثلُ بفائضِ القيمة. التكنولوجيا، وكما أوضحَ ماركس، عندما تدخل عمليةَ الإنتاجِ الرأسمالي كمنافسةٍ بين الرأسماليينَ على الربح، فالمصنعُ المتقدمُ تكنولوجياً يربحُ أكثرَ ممن تخلفَ عنه تكنولوجياً، ويسيرُ الرأسماليونَ في هذا الطريقِ التنافسي على حسابِ عددِ العمال. نعم، يربحون، لكن ثروة المجتمع تتآكل، فالمفروض أولاً أن تمتصَ الطبقةُ العاملةُ ما تنتج، وكيفَ لها أن تمتصَّ ما تنتج وقد حطَّتْ التكنولوجيا من وسائلِ عيشهم.

 

إنَّ أهميةَ التكنولوجيا للرأسمالي هي خفضُ القيمة التبادلية للسلعة بتقليلِ عددِ العمال، لأنَّ القيمةَ التبادلية هي عددُ ساعاتِ العمل المختزنة في السلعة. وإذا ما سارَ الرأسماليونَ في هذا الطريق على حساب عددِ العمال، فإن الذي يربحُ أكثرُ هو من يمتلكُ التكنولوجيا الأكثرَ تطوراً وعلى حسابِ ربح من تخلفوا عنه تكنولوجياً. إنَّ هكذا وضع سيصلُ إلى تركزِ رأسِ المال بيدِ فئةٍ قليلة من الرأسماليين، وهو ما نراهُ الآن.

 

في كتاب أوسكار لانكة "الاقتصاديُّ السياسي – الجزء الثاني – عملية الإنتاج والنظم الاجتماعي" يذكرُ أنَّ النكوصَ والتراجع يمكن أن يحدثا بانهيارِ نظم اجتماعيةٍ جديدة وتراجعها إلى الأنظمة الأقدمِ التي نشأت عنها، ويعرضُ أمثلةً من التاريخ الأوروبي عن انهيار بعضِ النظمِ الإقطاعية وعودتها إلى نظامِ الرق. لذلك فإنَّ انهيارَ الاتحادِ السوفيتي أو التجربةَ الأولى للانتقال إلى الاشتراكية ليس حدثاً فريداً لا سابقةَ له في التاريخ البشري. بل إنَّ الغرابةَ تكمنُ في صمودِ روسيا السوفيتية في أحوالِ التخلفِ الاقتصادي والثقافي التي نشأت فيها وفي ظروفِ الحروبِ المرهقةِ المدمرة التي تعرضت لها بصورةٍ متواصلة من الحربِ الأهليةِ وحروبِ التدخلِ الإمبريالية 1918-1921 وصعود النازية في ألمانيا 1933 وشن الحرب لاحتلال الاتحاد السوفيتي 1941 واستمرار الغرب في تهديداته بشن حرب ذرية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومواصلة الابتزازاتِ والتهديداتِ والتصعيدِ بحرب النجوم.

 

كلُّ هذا التاريخ يذكرنا بقولِ أبو نواس:

"تعجبينَ من سقمي -- صحتي هي العجبُ"

 

"علم" الاقتصادِ الحديث تراجعَ عن نظرية القيمة- العمل حسبَ آدم سميث وريكاردو واستعاضَ عنها بترهاتِ نظرياتِ "المنفعةِ الحدية"، التي يمكنها فقط أن تفسرَ القيمةَ الاستعمالية لكنها لا تتناولُ القيمة التبادلية للسلعة. ويمعنُ الاقتصاديونَ الأكاديميون في تمويهِ المسائلِ الاقتصاديةِ الأساسية بالتركيز على تقديم مخططاتٍ وعروضٍ رياضيةٍ لتقابلَ العرضِ والطلبِ وأفضلِ الظروفِ لتحقيقِ الربح.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.