كـتـاب ألموقع
طريقتنا البائسة في التفكير والفَهْم!// د. ادم عربي
- المجموعة: ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 31 تموز/يوليو 2024 20:38
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 1080
د. ادم عربي
طريقتنا البائسة في التفكير والفَهْم!
د. ادم عربي
هُناكَ أَزْمَةٌ عَمِيقةٌ في طَريقةِ التَّفكيرِ والفَهمِ الّتي اعتادَتْ عليها العُقولُ العَرَبيّةُ، حتّى أَصبَحَتْ جُزءًا من العَقلِ العَرَبيِّ ذاتهُ. كَمْ من مَرّةٍ حاوَلْنا فَهْمَ الأُمورِ كما هِيَ، بلا زِيادةٍ أو نُقصانٍ، ولكِنَّ عُقولَنا تَتَأَرْجَحُ دائمًا بينَ الشَّكِّ والارتيابِ، حتّى في أَبسطِ الأُمورِ. على سبيلِ المِثالِ، إذا أَخْبَرَكَ جارٌّ بأنّهُ سَيَزورُكَ، تَبدأُ في التَّفكيرِ وتَحليلِ كُلِّ كَلِمةٍ قالها، بَحثًا عن نِيّاتٍ خَفيّةٍ أو أَغراضٍ مُستَتِرَةٍ.
هَذا النَّمطُ من التَّفكيرِ لا يَقتَصِرُ على الحَياةِ اليَوميّةِ، بَل يَتَغَلْغَلُ حتّى في تَفسيرِ النُّصوصِ والأَحداثِ. نَسعى لاكتشافِ مَعانٍ جَديدةٍ ومَقاصِدَ خَفيّةٍ حتّى وإنْ كانت النُّصوصُ واضِحةً ومُباشِرةً. هَذِهِ العَقليّةُ تُولِّدُ فَهمًا زائفًا وتَفسيراتٍ مُنحَرِفةً للوَاقِعِ، مِمّا يُؤَدّي إلى المُبالغةِ أو التَّقليلِ من أَهمّيّةِ الأُمورِ، فَنُحَوِّلُ القَشَّةَ إلى جَبَلٍ والجَبَلَ إلى قَشَّةٍ.
في السِّياسةِ، تَتَجَلَّى هَذِهِ العَقليّةُ في تَفسيرِ الأَحداثِ على أَنَّها مُؤامَراتٌ خَارِجِيّةٌ، دونَ النَّظرِ إلى الأَسبابِ الحَقيقيّةِ المُتَأَصِّلةِ في داخِلِ المُجتَمَعِ. فَلَو خَرَجَ النّاسُ للمُطالَبةِ بالحُرِّيّةِ، فإنَّ السَّبَبَ لا يُعزى إلى مُشْكِلاتٍ داخِليّةٍ، بَل يُبْحَثُ عَنْهُ في الخارِجِ، حَيثُ تُلْقى اللائِمَةُ على قُوًى دُوَلِيّةٍ أو إِقْلِيمِيّةٍ تَسْعَى للإِضْرارِ بِنا.
الحُكّامُ المُسْتَبِدُّونَ يَسْتَغِلُّونَ هَذا التَّفكيرَ لِصالِحِهِم، فَيُنْكِرُونَ الواقِعَ أو يُزَيِّفونَ الحَقائقَ لِيَبْقَوْا في السُّلطةِ. إذا اعترفُوا بوجودِ مُشكِلةٍ، يُقَلِّلونَ من حَجْمِها، وإذا تَحَدَّثُوا عن مُؤامَراتٍ خَارِجِيّةٍ، يُضَخِّمونَها إلى حَدِّ الهَوَسِ. إِنَّهُم، مِثلَنا، يَتَجَنَّبُونَ الحَقائِقَ ويَبحثونَ عن تَفسيراتٍ تَتَماشَى مع مَصالِحِهِم.
باختِصارٍ، نَحنُ نَمِيلُ إلى تَعْقِيدِ ما هو بَسيطٌ وتَبْسيطِ ما هو مُعَقَّدٌ، مِمّا يُؤَدِّي إلى ضَياعِ الفَهْمِ الحَقيقيِّ لِلأُمورِ. نَختَلِقُ الأَسبابَ ونُبالِغُ في تَفسيرِ الأُمورِ البَسيطةِ، مِمّا يَجْعَلُنا نَشُكُّ في كُلِّ شَيءٍ، حتّى في الواضِحِ والمَفهُومِ.
المتواجون الان
343 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع