اخر الاخبار:
صخرة فضائية بحجم ساعة "بيغ بن" تقترب من الأرض - الثلاثاء, 08 تشرين1/أكتوير 2024 20:32
قتلى وجرحى بغارة اسرائيلية في دمشق - الثلاثاء, 08 تشرين1/أكتوير 2024 20:24
القبض على "داعشية وداعشي" في ديالى وبغداد - الأحد, 06 تشرين1/أكتوير 2024 20:59
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الجرائمُ لا تصنع نصراً!// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

الجرائمُ لا تصنع نصراً!

د. ادم عربي

 

الحَرْبُ، بِما تَحْمِلُهُ مِنْ ويلاتٍ ومَصائِبَ عَلى البَشَرِيَّةِ، لَيْسَتْ مُرادِفًا لِلْجَرِيمَةِ. بَلْ يَجِبُ أَنْ تَخْضَعَ لِقانونٍ دُوَلِيٍّ يَرْدَعُ الأطْرافَ المُتَحارِبَةَ عَنْ ارْتِكابِ جَرائِمِ الحَرْبِ، وَيَرْفَعَ مُسْتَوى ما يُسَمّى بِالحَرْبِ النَّظِيفَةِ قَدْرَ الإمْكانِ. عَلَّمَتْنا الحُرُوبُ أَنَّ الحَرْبَ هِيَ امْتِدادٌ لِلسِّياسَةِ، وَغايتُها إِكْراهُ الخَصْمِ عَلى قُبولِ ما رَفَضَ قُبُولَهُ بِوَسائِلَ دِبْلُوماسِيَّةٍ. إِلّا أَنَّ حُكومَةَ نِتَنْياهو، مِنْ خِلالِ حَرْبِها عَلى غَزَّةَ، قَوَّضَتْ هَذا الرّابِطَ بَيْنَ الحَرْبِ وَالسِّياسَةِ، وَجَعَلَتْ مِنَ الصَّعْبِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الحَرْبِ وَالجَرِيمَةِ. فَقَدْ أَمْعَنَتْ آلَةُ الحَرْبِ الإِسْرائيلِيَّةِ في قَتْلِ الأَطْفالِ وَالنِّساءِ وَالشُّيُوخِ، وَتَدْمِيرِ كُلِّ شَيْءٍ في غَزَّةَ، بَيْنَما ظَلَّ المُجْتَمَعُ الدُّوَلِيُّ الرَّسْمِيُّ صامِتًا وَغَيْرَ مُبالٍ، إِلّا مِنْ مُظاهَراتٍ هُنا وَهُناكَ لَمْ تَكُنْ بِحَجْمِ الجَرِيمَةِ، حَتّى باتَ يَبْدو أَنَّ قَتْلَ الأَطْفالِ أَصْبَحَ لَهُ دَوْلَةٌ وَجَيْشٌ!

 

ماذا تَقْرَؤونَ في كُلِّ هَذا المَوْتِ وَالدَّمارِ الَّذي نَشَرَتْهُ آلَةُ الحَرْبِ الإِسْرائيلِيَّةِ في غَزَّةَ؟ كَيْفَ تَفْهَمونَ وَتُفَسِّرونَ هَذا الاسْتِهْدافَ الإِسْرائيلِيَّ لِلْمَدَنِيِّينَ، وَالَّذي جَعَلَ حَتّى النّازِيَّةَ تَبْدو أَقَلَّ وَحْشِيَّةً مِنْ إِسْرائيلَ؟ الإِجابَةُ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ: "الفَشَلُ".

 

كانَ الفَشَلُ الإِسْرائيلِيُّ في هَذِهِ الحَرْبِ، الأُولى الكُبْرى بَيْنَ إِسْرائيلَ وَالفِلَسْطينِيِّينَ، أَثْقَلَ مِنْ أَنْ يَتَحَمَّلَهُ الظَّهْرُ السِّياسِيُّ وَالعَسْكَرِيُّ وَالاسْتراتِيجِيُّ لِإِسْرائيلَ. فَجَنَّ جُنونُ الحُكومَةِ الإِسْرائيلِيَّةِ، وَراحَ "الجَيْشُ الَّذي لا يُقْهَرُ" يَضْرِبُ عَشْوائِيًّا، وَكَأَنَّهُ دَخَلَ الحَرْبَ فَقَطْ لِارْتِكابِ الجَرائِمِ ضِدَّ المَدَنِيِّينَ وَتَدْمِيرِ البُيوتِ. حَتّى المَلاجِئُ الدُّوَلِيَّةُ، مِثْلُ مَدارِسِ الأُونْروا، لَمْ تَسْلَمْ مِنْ آلَةِ الحَرْبِ الإِسْرائيلِيَّةِ.

 

هَذا الفَشَلُ كانَ وَهْمًا أَعْماهُمْ عَنِ الحَقِيقَةِ؛ إِذْ تَوَهَّمَتْ حُكومَةُ نِتَنْياهو أَنَّ الكارِثَةَ الإِنْسانِيَّةَ الَّتي تَسَبَّبَتْ بِها في غَزَّةَ يُمْكِنُ أَنْ تَحْجُبَ رُؤْيَةَ فَشَلِهِمْ عَنِ الإِسْرائيليِّينَ. وَلَكِنْ هَذِهِ الكارِثَةُ، الَّتي تَفوقُ في حَجْمِها ما تَسَبَّبَتْ بِهِ الحُرُوبُ النّازِيَّةُ، تُضافُ إِلى الخَسائِرِ السِّياسِيَّةِ لِإِسْرائيلَ في هَذِهِ الحَرْبِ.

 

لَمْ يَسْتَطِعْ نِتَنْياهو تَحَمُّلَ هَذا الفَشَلِ التّارِيخِيِّ، فَتَحَوَّلَ سَريعًا مِنْ رَئِيسِ حُكومَةٍ إِلى مُجْرِمِ حَرْبٍ. أَرادَ نِتَنْياهو أَنْ تَنالَ هَذِهِ الكارِثَةُ الإِنْسانِيَّةُ مِنْ صَلابَةِ قُوى المُقاوَمَةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ في غَزَّةَ، لِتَسْمَحَ لَهُ بِتَزْيِيفِ نَصْرٍ يَصْعُبُ عَلى الإِسْرائيليِّينَ تَمْيِيزُهُ عَنِ النَّصْرِ الحَقِيقِيِّ. وَلَكِنَّ المُقاوَمَةَ، وَعَلى رَأْسِها حَرَكَةُ حَماسٍ، رَفَضَتْ أَنْ تُعامِلَ نِتَنْياهو كَما يُعامَلُ "عَزِيزُ قَوْمٍ ذَلَّ".

 

فَماذا يَفْعَلُ نِتَنْياهو؟ هَلْ يَأْمُرُ جَيْشَهُ بِالانْسِحابِ وَإِيقافِ القِتالِ مِنْ جانِبٍ واحِدٍ؟ لا يَسْتَطِيعُ، لِأَنَّ المُقاوَمَةَ سَتَسْتَمِرُّ في إِطْلاقِ النّارِ وَالصَّواريخِ، داعِيَةً الجَيْشَ الإِسْرائيلِيَّ لِمُحاوَلَةٍ أُخْرى لِلْقَضاءِ عَلى قُوَّتِها الصّاروخِيَّةِ.

 

لَمْ يَبْقَ لَدَيْهِ سِوى خِيارٍ واحِدٍ، وَهُوَ الاسْتِمْرارُ في الحَرْبِ عَلى المَدَنِيِّينَ الفِلَسْطِينِيِّينَ، وَارْتِكابُ المَزيدِ مِنَ الجَرائِمِ، عَلى أَمَلِ أَنَّ الضُّغوطَ الدُّوَلِيَّةَ لِإِنْهاءِ هَذِهِ الحَرْبِ سَتَزْدادُ، وَتُثْمِرُ في النِّهايَةِ وَقْفًا لِإِطْلاقِ النّارِ، يَحْفَظُ لَهُ ماءَ الوَجْهِ. حَتّى هَذا الخِيارُ لَمْ يَعُدْ مُمْكِنًا، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ أَسْبابِ الحَياةِ في قِطاعِ غَزَّةَ يُمْكِنُ المُساوَمَةُ عَلَيْهِ، عَشَراتُ الآلافِ مِنَ القَتْلى وَأَضْعافُهُمْ مِنَ الجَرْحى وَما تَبَقّى مِنْ سُكّانِ القِطاعِ بِلا مأْوًى وَلا أَيٍّ مِنْ مُقَوِّماتِ الحَياةِ ، فعلى ماذا يُراهن؟  .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.