خديجة جعفر
الفرد المحايد في القرن ٢١
خديجة جعفر
قدم التجريبيون الأوائل مثل (ابن طفيل) في أوائل القرن الثاني عشر في إسبانيا الإسلامية، و(جون لوك) في أواخر القرن السابع عشر في إنجلترا، فكرة الفرد على أنه صفحة بيضاء، تشكلت منذ الولادة بالتجربة والتعليم. ليرتبط هذا المفهوم بفكرة حرية الفرد وحقوقه، وبالمجتمع باعتباره عقدًا اجتماعيًا بين الأفراد العقلاء...
فيما تذهب (آين راند) لاعتبار ،أن كل إنسان كيان مستقل وذو سيادة يمتلك حقًا مطلقًا في حياته، وهو حق مستمد من طبيعته ككائن عقلاني. وترى أن المجتمع المتحضر، أو أي شكل من أشكال الجمعيات أو التعاون أو التعايش السلمي بين البشر، لا يمكن تحقيقه إلا على أساس الاعتراف بالحقوق الفردية، وان الوظيفة السياسية للحقوق هي على وجه التحديد حماية الأقليات من اضطهاد الأغلبية .فيما تعتبر أصغر الأقليات على وجه الأرض هي" الفرد".
فكيف يتم التعاطي في القرن الواحد والعشرين مع هذا الفرد لو يكن محايدا في ظل الصراعات المحلية والكونية ؟
والى أي مدى تتطابق هذه الرؤى الفلسفية مع الفرد المحايد في غزة نموذجا؟
بداية لا بد من تقريب مفهوم الفرد المحايد، لنرى ثمة توافق بين العلم والعرف، على اعتبار الفرد المحايد هو الذي يمتلك الاستقلالية والسيادة ويرفض خضوعه للجماعة أو الأغلبية. ويمكن ايضا فهم الشخص المحايد، كالذي يمتنع عن اتخاذ موقف منحاز في القضايا العامة، يعمل على حفظ المسافة من اطراف الصراع والاختلاف، للحفاظ على استقلاليته، ككيان فردي يحاسب على ما يقوم به كذات..
من هذا المنطلق لا بد أن تطرح الاسئلة فيما يخص توصيف الإنسان الغزي، هل بقي منه ما ينسجم مع أي من هذه المعايير والتعريفات؟
فالإنسان المحايد في غزة ضحية رباعية الأبعاد..
- ضحية للقرار المحلي بحيث يتحمل تبعاته دون قرار شخصي منه تجاه ما يجري.
- ضحية الطرف الآخر، وتوجيه سهام عقوبتة نحوه، بناء على معايير عداء موروثة دون حقوق الدفاع عن نفسه المحايدة، من ذنب الهجوم.
- ضحية لأكذوبة القيم العالمية الانسانية الشاملة وكشف أنظمة العبودية الجديدة التي تلتف حول قرارات تحقيق المصالح أو تهديدات الأسياد.
- اخيرا هو ضحية الصمت، بحيث ترتفع فواتير عمليات الدعم حتى لو لانسان محايد ..
الحياد في الدول عامة، مطلبا سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا تؤكد الحكومات أهمية اقراؤه ومحاسبة المخلين به سواء في الديمقراطيات العالمية أو في الدكتاتوريات، بينما حياد بعض اناس غزة، مطلبا سياسيا، عسكريا، ثقافيا، اجتماعيا، اقتصاديا، يجري العمل للقضاء عليه.
الحياد في دول العالم مرتكز استقرار اقتصادي اجتماعي، علمي، تقني، تفدمي، تنموي، بينما الحياد في غزة مرتكز للخلل الأمني.
الطفل الجائع في غزة، لا ذنب له في كل ما يجري...
المرأة التي تحمي اطفالها، الطبيب المعالج للمرضى، كل هؤلاء، المسن المريض، كلها شخصيات محايدة في التوصيف الإنساني المتفق عليه عالميا، فأي معايير حرب تبرر ذنوب العنف على هذه الفئات؟
تقام الحروب بين طرفين، جيش مقابل جيش، رأي يواجه رأي، سلاح هجوم ضد أسلحة دفاع، تحت أي مظلة للتسمية، في النهاية هناك طرف مسؤول ضد طرف آخر مسؤول ايضا..
فإن تعمد دولة ما، او دول، عوالم بامها وابيها، لتواجه فم طفل يمنع عنه الطعام، فكيف سيبنى سلام (آين راند) في هذا العالم؟
هل يمكن للعالم ان يحلم بغد آمن، مع هذا الطفل، ان كتب له بقاء؟
انها اولى الحروب التي تبنى على عمليات الزرع وليس الهدم، عكس ما تظهره الصور من مفهوم، فالعنف، كما ونوعا، في الصورة المنتشرة، سوف يؤدي وظيفته في أحداث صدمة أولية ثم التعود، انما القسوة والعنف على المحايدين، وما يتم عرضه من فظائع الارتكابات، فهو محاولة تهدف الى المحو المقصود للافراد المحايدة، فهذه الخرب في غزة يراد منها القضاء على الإنسان المحايد قبل الطرف المسؤول، وهو القصد الابعد هدفيا من هذا الاجراء، فيتم القضاء على الحياد بالقسوة والعنف المبرمج والنشر صورا، لتحويل الفرد المحايد الزاميا نحو اصطفاف ما، لتصبح هذه الحرب مبررة، والقسوة الممنهجة جزء من هذا التكتيك العسكري. فمع سقوط كل مبنى، يُزرع قطرة حقد مستقبلي، مع كل حالة من الموت، للمفترض بهم آمنين، يتم زراعة يزرع قطرات حقد مشروع، مع كل نزوح خائف نخو مناطق اكثر أمنا بحث عن بقايا حياة محتملة، يتم التصويب عليها قصظا مبرمجا، بمثابة زراعة حقل حقد في أرض خصبة...
فكيف يمكن أن يستمر الفرد على حياديته في ظل كل هذا العنف المعروض؟
سوف يتحول حكما إلى عسكرة بين صفين مؤدلجين بضرورة الأمر الواقع، ويصبح عنصرا ثقافيا متوارثا يبرر متابعة الصراع، ويشرعن عمليات الهجوم والدفاع المستقبلية...
فماذا يريد هذا العالم؟
إلى أين ياخذنا في صراعاته الملزمة؟
اي قواعد يحاول ترسيخها في القرن الواحد والعشرين؟
لست هنا لاتهم أو اناصر. كل ما احاول، امل المطالبة باستعادة معايير الحروب، بناء على حصر النزاع بين مسؤوليه، فمن يريد حربا، ليدخل الخندق وليصارع حتى النفس الاخير، سيكون قراره وحده، سواء أكان محقا أو لم يكن، فالمحايد لم يتدخل في اتخاذ القرار. لا يحق لاي طرف ارتكاب الأذية تجاهه.
هو شخص كان قد قرر الحياة، تعليم اولاده، العمل والبناء، التناسل والانجاب، والحلم بمستقبل امن..
تحت أي ذريعة تقاد حرب المجاعة هذه؟
عن اية قيم يدافع عالم القرن الواحد والعشرون، زمن الذكاء الاصطناعي؟
والجدير ذكره، ان تتذكر الأمم المتحدة اليوم تحديدا، وبعد مرور سنة ونصف تقريبا، من حرب طاحنة واضحة المسار والمصير، لتعلن:
" غزة بلد مجاعة!!!!! "
يا لهول الا نخجل من حياد مؤسسات عالمية، يفترض توصيفها انسانية، مسلحة بقدرات الميوعة والعجز في اتخاذ القرارات ...
خديجة جعفر
23 /8 /2015