كـتـاب ألموقع

ديالكتيكية هيجل وجدلية كارل ماركس- 2// يوحنا بيداويد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوحنا بيداويد

 

عرض صفحة الكاتب 

ديالكتيكية هيجل وجدلية كارل ماركس- 2

يوحنا بيداويد

 

البريد الالكتروني

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

نص الموضوع:

- الجزء الثاني

تحدثنا في الجزء الأول باختصار عن الفلسفة المثالية، وعن مثالية هيجل (ديالكتيكية أو جدلية) وبالمقابل عرضنا تطور الفكر الفلسفي المادي عبر التاريخ وتطرقنا على أهم مدارسه، بالاخص الفكر المادي الماركسي. نعيد تعريف كلا التيارين للتذكير قبل نقيم مقارنة بين كلا المدرستين المتناقضتين.

 

الفلسفة المثالية:

هو الفكر الفلسفي الذي يتناول المفاهيم والقضايا الفلسفية الميتافيزيقية غير المادية، والتي لا يمكن فحصها أو إجراء أي تجربة عليها للتأكد من صحتها، لكن رواد هذا التيار يقولون؛ يمكن الاستدلال على صحة هذه القضايا عن طريق المنطق والفكر (العقل) والشعور الصوفي. تعطي الفلسفة المثالية الأولوية للعقل أو الروح قبل الذات الفردية، ويؤمنون بأسبقية الفكر على المادة.

 

الفلسفة المادية:

هو التيار الفلسفي المعارض أو المعاكس للمثالية، يؤمنون بالأشياء المحسوسة التي يمكن إجراء التجربة عليها وفحصها للحصول على البرهان المادي. يرجع رواد هذا التيار كل الظواهر الموجودة في الكون إلى الطبيعة المادية أو الطاقة، وينكرون أي وجود للقوى الغيبية، أي ان الوجود أو الكون كله مادي، لا توجد أي قوة خفية خارجية تخضع لها المادة، بهذا تنكر المادية الماركسية وجود أي خالق لهذا الكون، فالحياة بكل غرائبها وكل الظواهر في الكون، ما هي إلا عمليات فيزيائية-كيميائية بين المادة والطاقة لا غير، اي لا يوجد أي بعد ميتافيزيقي أو روحي لهذا الوجود.

 

مقارنة بين الفكر المثالي-الهيجلي والفكر المادي- الماركسي

الآن نقيم مقارنة بين كلا المدرستين حول عدة مفاهيم جوهرية وهي:

1- الظواهر ووجود الكون

كانت محاولات فيلسوف المثالية "هيجل" مركزة بصورة عامة على تفسير الظواهر في الطبيعة بحسب قانون واحد، هو الصراع المستمر بين الذات والموضوع وتأليف مركب جديد منهما. وضع هيجل نظريته الديالكتيكية التي ظن انها تعطي تفسيراً شاملاً لتطور الوعي عند الإنسان وبقية الكائنات الحية والموجودات من خلال صراع الأضداد، ولم يتطرق هيجل الى فكرة وجود الله الخالق أو مسبب خارجي.

 

أما الماركسيون الماديون طالبوا الفلاسفة والعلماء بوقف صرف جهودهم في هذا المسار، وصرحوا في أكثر من مناسبة، انتهى عصر تأثير الفلسفة واللاهوت، بل ماتت الفلسفة! واقترحوا عليهم ان يوضعوا تركيزهم على الاقتصاد وإعادة تنظيم العلاقات بين العمال والطبقة البرجوازية الاقطاعية، تغير نمط التفكير عند العامة واستخدام المعرفة بهذا الاتجاه.

 

2- حركة التاريخ

كان الفلاسفة والأديان يركزون على التطور البيولوجي للطبيعة والوعي عند الإنسان والمجتمعات اما الأديان يركزون على الشعور الصوفي الوجداني من أجل الاتحاد مع الله الكامل، فالتاريخ حسب دياكيتكية هيجل هو السجل للتطور الفكري (الروحي) للأحداث والتجارب والمحاولات التي قام بها، بل هو خارطة المسار الذي سلكه العقل عبر المراحل المختلفة من الزمن في طريقه نحو الاهداف المنشودة، الا وهي الوعي الكامل او الحرية المطلقة، اي تطابق التام بين الذاتية والموضوعية، أو الذات والكون!

بينما رواد الفكر المادي-الماركسي يعتقدون إنهم أسسوا علماً جديداً من خلال اهتمامهم بالتاريخ (المادية التاريخية)، ياملون من هذا العلم استثمار تطبيقات كل المعرفة الحديثة في بناء نظام اقتصادي يحل كل المشاكل التي يواجهها الإنسان والتي حسب قناعتهم إنها اجتماعية، وبنجاح هذا النظام ستوصل إلمجتمع الى مرحلة يكون خالي من الصراع بين الطبقات.

 

3- الجدلية

أخذ كارل ماركس من هيجل فكرة الديالكتيكية (قاعدة التطور الروح)، المتمثلة بصراع الأضداد (الموضوع ونقيضه والمركب الجديد) وأعاد صياغتها في الجدلية المادية المتمثلة بصراع بين الطبقات أي مجتمع نتيجة النظام الاقتصادي وحق التملك وحق الاستثمار الرأسمال والتي مصيرها محتوم بسيادة الطبقة البروتالرية-العمالية والقضاء على النظام الطبقي.

 

4- الحرية

كلا النظامين يجعلون من الحرية قدس الأقداس لمذهبهم، لكن تفسيراتهم مختلفة وأحياناً متعاكسة. فنظام الهيجلي لا يلغي حرية الفرد الذاتية بل يعتبر وعي الذات (نزعاتها وطموحاتها) هي عامل ضروري ومحرك الأساسي لتطورها الفكري.

بينما النظام المادي –الماركسي يلغي حرية الفرد إذا تعارضت مع النظام التوليتاليري الجمعي، الذي يتطلب الغاء حريات العامة، ووتجريد الامم من نزاعاتها العرقية ونسيان ارثها الثقافي الاجتماعي، الذي سينتهي بصهر الامم في بعد واحد على حد قول هربرت ماركوزي.

 

5- حق التملك

إن النظام الشيوعي الماركسي مبني على فكرة خلق مجتمع خالي من الطبقات (كما قلنا سابقاظ)، أي إزالة الفوارق شرائح المجتمع لانها مصدر العبودية والتبعية والضعف والتعاسة والفقر، وهذا النظام لا يمكن تحقيقه إلا بإلغاء حق التملك ووضع نظام شيوعي، بكلمة أخرى ليس للفرد أي حق لاستملاك اي ممتلكات خاصة به، كلها تكون تحت سيطرة الدولة أو النظام فكل شيء يشترك جميع أفراد المجتمع في الاستفادة منه.

بينما النظام المثالي يحكمه قانون واحد هو تقدم الوعي عند الأضداد واتحادهما معاً في مركب جديد بحرية تامة من غير اي قرار قسري، فحق الفرد مكفول.

 

6- الفكر والواقع

في الفلسفة المثالية، والفلسفات القديمة بصورة عامة، للفكر أسبقية على الوجود، بمعنى لو لا الفكر لم يكن بمقدور الإنسان يعي وجوده ويتحسس بالطبيعة المحيطة به، أي لم يكن هناك من يعطى معنى للوجود، لان بدون معرفة أو الوعي لا يمكن التاكد من اي وجود.

بينما الفكر الماركسي يعكس الفكرة حيث يرى أن الوجود يسبق الماهية)، الماهية عند الماديين يكتسبها الإنسان كنتيجة لنشاطه، هو يكونها من خلال تفكيره، بل هي نتيجة لقرارات الوعي للذات، هنا نلاحظ تحاول الماركسية تحاول قطع الحاضر من الماضي، اي تلغي اهمية المعرفة والخبرة والتجارب السابقة.

7- الوعي

في الفكسر المادي الماركسي ان الوعي هي ظاهرة مادية متطورة لا غير، بينما في الفكر المثالي الوعي هو نتيجة لتفكير العقل وتطوره عبر قفزات متتالية في كل واحدة منها تحصل الذات على معرفة او إدراك (معرفة جديدة) كنتيجة للصراع الديالكتيكي بين الموضوع ونقيضه.

 

8- النظرة الى الله

بصورة عامة أن الفلسفة المثالية والديالكتيك الهيجلي هو استمرار للخط الميتافيزيقي القديم التي أتت به الأديان والفلسفات الاغريقية، هي محاولة للتوفيق بين ارائها وبين العلوم الحديثة، أي ان المثالية تنزل الإنسان من السماء إلى الأرض، بينما الفلسفة المادية- الماركسية ترفض ذلك، فالإنسان وجوده محدد بالمادة فقط، أي ان الإنسان هو نتيجة لتطور البايولوجي في الطبيعة، أي نتيجة الصيرورة الموجودة في الطبيعة الواقعية (نظرية التطور لداروين) وليس نتيجة للوهم الذي يتخيله بأنه مخلوق غير عادي.

 

9- القيم والمشاعر القومية

لم تقم النظرية المثالية بإلغاء النزعات والمشاعر (الغزائز) الفردية والقيم الاجتماعية أو القومية و لم تلغي الفكر الديني عند أي مجموعة بشرية بل اعتبرتها من محطات أو محركات لتطور الفكري (تقدم الوعي)، بل ان هذه العوامل هي التي كانت ولا زالت تقوم بتشكيل الثالوث الديالكيتيكي الهيجيلي (الموضوع ونقيضعه والمركب الجديد).

في الفلسفة المادية – الماركسية تجرد الإنسان من الغريزية المغروسة في صميه بل وضعت قوانين وانظمة جديدة تهدف إلى طمرها وضمورها من وجدان الإنسان بل الغاء شخصيته.

 

10- مدى تحقيق الهدف

كما نوهنا الفكر المثالي الهيجلي هو استمرارية للخط الفلسفي القديم الذي يجمع الأديان والنظريات الفلسفية في نظام بايلوجي مادي معقد صعب التقبل وصعب التحقق منه. لا زال يلقي صعوبة في الفهم والتفسير في كيفية الربط بين جميع الظواهر في الكون بحسب هذا المبدا، وان كانت هذه الجدلية تبدو فعل هي أحد القوانين العميقة الغامضة الذي تسير الطبيعة بموجبه. بينما الفكر المادي الماركسي، التجئ إلى التطبيق العملي لبناء مجتمع خالي من الفروقات الطبقية من خلال تغير الدساتير والأعراف والقوانين المحلية والنزعات العرقية. لاقى هذا الفكر نجاحا عند الشعوب الفقيرة التي كانت تحكمها الاقطاع بتعسف. ولكن مع الآسف مارس قادة هذا الفكر نفس التعسف من أجل هدفهم، لكن في النهاية انهارت انجازاتهم بسبب الصراع الطويل مع النظام الرأسمالي المعادي له.

 

الخلاصة والتعليق

نجد في النظام المثالي الذي اتى به هيجل شذرات من نظرية التطور البايولوجي الموجود في الطبيعة والديانة البوذية والفلسفة الحلولية. لكنه نظام معقد، فهو صعب الاستغاسة لحد الآن عند كثيرين، التغير الذي يزعمه هيجل غير ملموس أو محسوس قد يحتاج إلى ملايين السنين أحياناً(كي تحصل قفزة التغير)، ولا يمكن إدراكها إلا على المستوى النظري لهذا هو مثالي.

 

أما مشروع كارل ماركس هي تكرار لاحد مباديء المسيحية في جزئياته (الغني والفقر) لكنه بثوب الفكر المادي، لا الروحي-الإنساني، إلا أن تأثيره على الفكر الإنساني حقيقة كان كبيرا، كانت له مقبولية كبيرة لدى الطبقة العاملة والمتوسطة ، لكن سرعان ما أصابهم خيبة. لن نتطرق إلى أسباب ذلم الان، إلا أننا لا بد ان نذكر نتيجة سلبية مهمة أتت أو (شاركت) بها الماركسية سواء كان بوعي أو من غير وعي منظريها آلا وهي "تشيء الإنسان" في الحضارة الحديثة.

 

المصادر:

1- أطلس الفلسفة، بيتر كونزمان، فرانز-بيتر بوركاد، فرانز فيدمان، ترجمة د. جورج كتورة، الطبعة الأولى، المكتبة الشرقية، بيروت لبنان 2001.

2- جدل الإنسان (تطور الجدل بعد هيجل) المجلد الثالث، د. إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير للباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، بيروت-لبنان، 2007.

3- الفلسفة والإنسان، د. علي الشامي، دار الإنسانية للدراسات والطبع والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت لبنان، 1991.