اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• معزوفة "إبعاد العراق عن محيطه العربي"!!!

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

              معزوفة "إبعاد العراق عن محيطه العربي"!!!

 

هناك تهمة جاهزة وجهها ومايزال يوججها بعض الساسة العراقيين ولفيف من العرب ضد العراقيين والعراق ضمن الصراعات السياسية العبثية وهي تهمة "إبعاد العراق عن محيطه العربي". هذه التهمة ليست بالجديدة فقد خبرها وسمعها العراقيون منذ تأسيس دولتهم الحديثة، ويجري اللجوء إليها بين حين وآخر من جانب القوميين المتطرفين وأصحاب الأجندات المريبة كلما اشتد التنافس والصراع على السلطة في العراق خلال كل تاريخنا الحديث.

ففي  خضم الصراعات السياسية في الثلاثينيات وسعي الأطراف القومية المتطرفة تكريس السمة الطائفية للدولة العراقية، قام المبعوث القومي المتطرف ساطع الحصري بشن حملة شعواء على شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري مشككاً بعروبته ومتهماً  إياه بالعداء للعروبة ناعتاً إياه بالشعوبية، لا سبب سوى أنه تغزل في شعر من أشعاره بحسناوات إيران وجمال الطبيعة فيها. هذا القومي المتطرف يتجاهل عن عمد كون شاعرنا الكبير لم يترك صغيرة أو كبيرة من الأحداث الوطنية والثقافية العربية دون تأرختها وتمجيدها. إن عودة إلى ديوان الجواهري وتقليب صفحاته يكشف لنا مدى تعلق هذا الشاعر العراقي بالجوانب التقدمية من تاريخ العرب، مما يدحض زيف هذه الاتهامات المريبة. فالجواهري لم يمجّد حكام إيران المستبدين وسياساتهم العدوانية ضد شعوبنا، بل تغنى بصفحات إيجابية تاريخية من تاريخ الشعب الإيراني ومن العلاقة بين الشعبين، وأدان من مد يد التحالف مع حكام إيران المستبدين الذين يبطشون بأبناء جلدتهم ويضمرون الحقد ضد شعوبنا العربية.

ولم يتخل القوميون المتطرفون في العراق عن تكرار هذه التهمة المريبة ضد العراقيين بالرغم من كل المواقف التي يشهد لها تاريخ العراقيين في التضامن مع أشقائهم العرب سواء ضد المستعمرين أو العدوان الخارجي، ناهيك عن التضامن مع هذه الشعوب ضد استبداد حكامهم. فعلى سبيل المثال وليس الحصر وفي أوج اشتداد المؤامرات ضد الشعب الفلسطيني بادر الشيوعيون العراقيون إلى تشكيل منظمة من أعضاء الحزب اليهود باسم "عصبة مكافحة الصهيونية" وحملت شعار "الصهيونية عدو العرب واليهود"، في وقت كان الأخوان المسلمون في العراق ينظمون المظاهرات ضد الحزب الشيوعي مطالبين بإحلال سفك دمهم. وكان الحزب الشيوعي العراقي الوحيد الذي خرج بمظاهراته ضد اعتقال قادة الثورة الجزائرية بعد اختطاف طائرتهم في عام 1956، وواجه الحكم المتظاهرين آنذاك بالنار وبالمطاردتهم والاعتقال، وكان كاتب هذه السطور من بين المعتقلين في هذه الفعالية بتهمة التضامن مع الشعب الجزائري الشقيق. وكان الشيوعيون العراقيون من نظم وقاد المظاهرات ضد العدوان الانجليزي الفرنسي الإسرائيلي في خريف عام 1956 ووزع بيانات الأحزاب الأخرى تضامناً مع الأشقاء المصريين. ولقد أعتقل المئات من الشيوعيين، وحكم على إثنين من كوادره "عطا الدباس وعلي الشيخ حمود" بالإعدام، ونفذ الحكم بهما بعد الإجهاز على انتفاضة الحي المناصرة للشعب المصري. ولكن لم يسلم الشيوعيون العراقيون من تهمة "الشعوبية" ومن  تهمة التنكر لقوميتهم وسعيهم لإبعاد العراق عن محيطه العربي!!.

ولعل أشد الأمثلة على زيف هذه التهمة الموجهة ضد العراقيين هو ما جرى بعد ثورة 14 تموز. فقد كان في مقدمة أهداف الثورة هو تطبيع العلاقات مع الأنظمة الوطنية العربية ومناصرة الشعوب العربية المناضلة من أجل التحرر من النير والتبعية الاستعمارية. وفتحت الثورة أبواب العراق لأشقائه ومدت لهم  اليد المخلصة. ولكن في المقابل شرعت كل الأنظمة العربية تقريباً ولدوافع مختلفة بالتآمر، ومنها فشلهم في فرض إرادتهم ضد الوضع الجديد في العراق، وبنفس التهم القديمة والرائجة الآن أيضاً. هذا في الوقت الذي بادر الحكم الجديد ولأول مرة بتشكيل جيش التحرير الفلسطيني على الأراضي العراقية، وتم تسليحه على نفقة العراق. كما سلّم العراق كل أسلحة الجيش العراقي البريطانية الصنع إلى جيش التحرير الوطني الجزائري بعد أن استبدل العراق السلاح البريطاني والأمريكي بالسلاح السوفييتي بعد الثورة. واتخذت إجراءات عديد لإعادة العلاقات الطبيعية مع الدول العربية. ولكن كل هذه الخطوات قوبلت بسعي محموم من قبل الحكام آنذاك بإبعاد العراق عن أشقائه، وذلك من أجل تكرار التهم الجاهزة ضد العراق والعراقيين وقادة ثورة تموز بكونهم يخططون للابتعاد عن "محيطهم العربي" وينتهجون نهجاً شعوبياً!!. وهكذا تكالبت كل الأنظمة العربية وتواطأت مع حكم  الشاه "الشعوبي" ودوائر المخابرات الأجنبية للإطاحة بالنظام الجديد في انقلابهم الأسود عام 1963. كما لم ينفذ الانقلابيون وعودهم "بإعادة العراق إلى محيطه العربي" الذي سانده في انقلابه الأسود. فسرعان ما أشتد الصراع بين منظمي الانقلاب على الغنائم، وقام الانقلابيون برفع شعار العداء ضد مصر والتشهير بقيادتها، موجهة لها أقبح الاتهامات، وهي التي احتضنت أنصار هذا الانقلاب، وقدمت لمنفذيه كل الإمكانيات. ولم يتهم أي من هؤلاء الأطراف حكام الانقلاب بأنهم "شعوبيين" أو يسعون إلى إبعاد العراق عن محيطه العربي.

والغريب إن جميع هؤلاء الحكام والحركات القومية لم توجه مثل هذه الاتهامات ضد حزب البعث الذي خاض حروباً واحتلالاً لدولة عربية أزالها من الوجود، ناهيك عن مؤامرات واغتيالات سياسية لرموز عربية وفلسطينية بالذات وتفجيرات في شوارع دمشق. نعم لم يوجه كل هؤلاء تهمة الشعوبية أو تهمة التنكر لمحيطه العربي، بل لاحظنا أن بعض المنظمات العربية وحتى بعض أقطاب الدول العربية يهللون لحكام العراق المتطرفين الذين أضعفوا الموقف العربي ودمروا القدرات العربية. فالمظاهرات وهتافات التأييد لنظام الطغيان، ونصب تماثيل لديكتاتور العراق واحتضان مجرمي هذا النظام وتبني مؤتمراتهم التآمرية غدت الظاهرة البارزة في تصرفات أقطاب في دول عربية وفي حركات قومية متطرفة.

وبعد انهيار الطغيان في نيسان عام 2003، عادت بقوة هذه المعزوفة، أي معزوفة ابعاد العراق عن محيطه العربي، باعتبارها النغمة المفضلة والمريبة لبعض السياسيين العراقيين كي تستخدم في ميدان الصراع العبثي وتوجيه الاتهامات للخصوم الذي شاب مرحلة ما بعد الانهيار. إن من قدم الأراضي والقواعد العسكرية والتسهيلات وحتى الأموال للغازي الأمريكي هي نفس الدول التي تتاجر الآن بعروبة العراق وبالحرص على مستقبل "الديمقراطية" في العراق والتي يتهافت بعض السياسيين العراقيين لكسب ودهم في بناء الديمقراطية العراقية!!!. ويتولى بعض الساسة الذين تصدروا الأحداث العزف على هذه النغمة في الوقت الذي أبى حكام عرب عن فتح سفاراتهم وتصفية ديونهم وعرقلة استتباب الأمن والمصلحة بين العراقيين، ناهيك عن تحول أقطار عربية إلى قواعد وميادين لتجنيد الانتحاريين وجمع الصدقات والأموال لما يسمى بالمقاومين كي تجلب الموت للعراقيين والدمار لبلادهم. ولكن هؤلاء الساسة يوجهون  اللوم للعراقيين بابعاد بلدهم عن محيطه العربي، ويبتزمون  الصمت أزاء فعل أطراف عربية تتولى تشجيع القتل وتمويله وتدريب أفراده ومدهم بمقومات هذا التخريب. وراح هؤلاء الساسة يتناوبون التستر على أقطاب التطرف العربي ضد العراقيين مقابل تستر الطرف الآخر على الأفعال التخريبية للمتطرفين من حكام إيران. وهكذا وضع هؤلاء الساسة العراقيين العراق وشعبه بين كفي الرعب والموت والتخريب للأطراف الإقليمية، حيث يدافع كل عن هذا الطرف أو ذلك بل ويشجعهم على الايغال في التدخل بالشؤون الداخلية للعراق والاستهتار بدم العراقيين وأرواحهم. والطريف هنا أن كل هؤلاء الساسة لا يملون من كلمات العراق العظيم والهوية العراقية على شاكلة شعارات صدام "العراقية"، وهو الذي جر العراق إلى جحيم الخراب والفقر والقتل والدمار.

هؤلاء الساسة لا يتوجهون إلى الشعوب العربية التي يطحنها كابوس الاستبداد والقهر والتهميش، بل يقدموا ولاءاتهم إلى حكام يقمعون شعوبهم ويفرضون أنظمة استبدادية على بلدانهم ويتلاعبون بثروات هذه البلدان ويوزعونها على عائلات الحكام، ويستبيحون الحقوق الأولية للمواطن العربي، ويتسترون ليس فقط على ما يقوم به هؤلاء ضد العراقيين بل وعلى أفعالهم المنافية للديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدانهم. فهؤلاء الحكام انفردوا بالوقوف ضد رياح التغيير بعد هبوب رياح الديمقراطية على العالم، والتي أدت إلى تغييرات جوهرية في غالبية بقاعه نحو الديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات.

الحديث هنا لا يدور عن القيام بحملة من شأنها توتير العلاقات بين العراق والحكام العرب بقدر ما هو أن توضع النقاط على الحروف وعن المسبب عن إبعاد العراق عن محيطه العربي. نعم على الدولة العراقية ان تتحرر من طغيان الحكام السابقين ضد بلدان الجوار والسعي لحل المشاكل بالطرق السلمية على أن لايتهم العراقيين بأنهم السبب الآن في رفضهم لعلاقات طبيعية مع الدول العربية.

إن بعض ساستنا يتوجهون بين الحين والآخر وبحماس إلى كل هذه الأنظمة بحجة حل مشاكل العراق وتسوية الخلافات وإعادة العراق إلى محيطه العربي!!. وكأن عروبة العراق هي مجرد أصباغ يستطيع هذا وذاك أن يزيلها حسب هواه. ولذا فإنه لأمر مخجل أن يعمد بعض الساسة تحميل أبناء شعبهم مسؤولية إبعاد العراق عن أشقائه العرب. كما أنه من المخجل أن يعرض بعض الساسة العراق في المزاد، ويضيعوا الفرصة تلو الأخر لتشويه العملية الديمقراطية وتزييفها من خلال اللجوء إلى أنظمة لا يتحدث بعض أقطابها حتى اللغة العربية، ولا تضمر للشعوب العربية إلا المهانة والاضطهاد، وكان بعضها وراء من استسلم للطغيان الاسرائيلي المتطرف على الشعب الفلسطيني ومأساته وعلى الشعوب العربية. حكام لم يستطيعوا خلال كل تاريخ الجامعة  العربية من توحيد كلمتهم لمواجهة التحديات التي تواجه الشعوب العربية، حكام كان شغلهم الشاغل التآمر بعضهم على بعض، خكام لم يحلوا أية مشكلة من مشاكل العرب ولم يتقدموا خطوة لتحرير فلسطين وأراضي عربية أخرى من الطغيان الإسرائيلي.

 كل "شمائل" هؤلاء الحكام معلومة لبعض الساسة العراقيين، ولكن للغرابة فهم يهرعون لهؤلاء الحكام الاقليميين عرباً كانوا أم من شاكلة أحمدي نجاد ليضعوا بركاتهم على هؤلاء الساسة الذين لا يلجأوا إلى الناخب العراقي كي يأخذوا رأيه، ولا يجلسوا على طاولة البحث والتداول لمناقشة ما يواجه العراق من أخطار وحملات قتل وتدمير للعراقيين. في الحقيقة المراقب الحريص على هذا البلد لا يفهم ما سيقدمه أمير قطر إلى العراق من حلول لتعبيد الطريق أمام العراقيين للوصول إلى بر الأمان، ولا مدى تأثير زيارة لساسة عراقيين قبل الانتخابات إلى السعودية في رفع رصيدهم الانتخابي، ولا ذهاب آخرون لملاقات القادة الإيرانيين في دعم العملية الديمقراطية في العراق؟؟. أسئلة لا نطرحها على هؤلاء الساسة الغارقين في ماراثون تسلق سلم السلطة وبأي ثمن رخيص، بل إلى الناخب العراقي الذي خدع بشعارات الوطنية والعراقية والعراق العظيم والشعارات التي رفعت للتستر على مساعي مريبة هدفها بالدرجة الأولى ارتهان العراق إلى القوى الإقليمية  وتنفيذ المأساة اللبنانية على العراقيين فحسب.  

16 نيسان 2010

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.