اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• خطوة أولى على طريق التخلي عن الطائفية السياسية وأدلجة السياسة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

مقالات اخرى للكاتب

خطوة أولى على طريق التخلي عن الطائفية السياسية وأدلجة السياسة

03/09/2011

 

أقدم المجلس الاسلامي الأعلى عشية العيد على خطوة أولية جريئة، رغم تواضعها، ربما ستشكل مسعى على طريق التمهيد للخروج من مأزق الطائفية السياسية والدين السياسي وأدلجة السياسة. فقد أعلن السيد عمار الحكيم عن تغيير أسم كتلة شهيد المحراب النيابية إلى أسم مدني هو "كتلة المواطن". كما تم تغيير شعاره المذهبي ليتحول إلى شعار النخلة والرافدين كرمز للعراق. وهي خطوة ما كان لها أن تتم إلاّ بعد أن ساد شعور واسع في المجتمع العراقي، وبعد سنوات عجاف مريرة مر بها العراق منذ سقوط الطغيان، مفاده أن التلويح بالهوية المذهبية والطائفية في العمل السياسي وأدلجة السياسة وعدم فصل الدين عن الدولة يؤدي إلى إشاعة المواجهات الدموية، ويشكل مصدر غذاء معنوي للتنظيمات الإرهابية لنشر شرورها على العراقيين. ولم تتم هذه الخطوة بمعزل عن النتائج المخيبة للآمال التي حصل عليها المجلس الإسلامي الأعلى سواء في انتخابات مجالس المحافظات أو في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب العراقي. لقد أبعد الخيار المذهبي في النشاط السياسي الحركات السياسية الدينية عن مهمتها في حل مشاكل المواطنين اليومية المتراكمة وعن إعادة بناء الدولة العراقية، وحرف أنظار وسط غير قليل من العراقيين عن مهمة البناء والأعمار، وانشغلوا في الاستعراضات المذهبية التي تشوّه حتى القيم والرموز الدينية التي يتبركون بها. لقد أكدت السنوات المريرة الماضية أن التمسك بالخيار المذهبي والطائفي وأدلجة السياسة يحرم أية حركة سياسية من توسيع نفوذها بين المواطنين العراقيين، وتحصرها في إطار ضيق وليس الاطار الرحب للمجتمع العراقي بتلاوينه المعروفة.

لقد أدى التمسك بالهويات المذهبية والطائفية والعشائرية وليس الهوية الوطنية إلى تحول العراق إلى كانتونات طائفية وعرقية مغلقة متنافرة مما يهدد البلاد بالتشرذم. وهنا لابد أن نشير إلى أن التمسك بهذا النهج مهّد الطريق لتدخلات إقليمية وعالمية خطيرة وبستار ديني ومذهبي لا علاقة له بمصلحة العراق ولا استقراره ولا سلامة مواطنيه. وهذا ما بدا للعيان وبشكل خلال السنوات الماضية، ولا يحتاج إلى دلائل.

وفي هذا الإطار يمكننا أن نفهم مغزى الخطوة المتواضعة للمجلس الإسلامي الأعلى. ونأمل أن تكون البداية الجدية، ونتمنى أن تعقبها خطوات جادة على طريق التخلي كلياً عن كل مظاهر استغلال الدين في الشأن السياسي والمتاجرة به لصالح أجندات لا علاقة لها بمهمة إعادة بناء البلد وحل المشاكل المستعصية كمشكلة الكهرباء والماء والسكن وتوفير الخدمات وإدارة عجلة الاقتصاد ومعالجة البطالة وغيرها. وهي مهمات لا علاقة لها بالشأن المذهبي والديني والعقائدي والعشائري والطائفي والأثني، بقدر ما لها علاقة بالشأن السياسي والاقتصادي ولتبيان قدرة الأحزاب السياسية على صياغة خطة لمعالجتها.

لقد أشار العديد من قادة المجلس الإسلامي الأعلى، ومنهم السيد عمار الحكيم، إلى خططهم الجديدة في عملية التطوير والإصلاح في مؤسساته التنظيمية وعلى كافة الصعد السياسية والإعلامية، باعتباره مشروعاً سياسياً يركز على الإنسان والمواطن وإصلاح أموره الاجتماعية. كما أكد ذلك السيد العبطان حيث قال إن "كتلة المواطن عازمة على ان تقود عملية تغيير في منظومة العملية السياسية، وليس بالضرورة ان تبدأ التغيير من خلال اعضاء الكتلة بل ستعمل على اختيار أكفاء وأصحاب شهادات عليا وخبرات ولديهم من التقنية ما يكفي لبيان استحقاقه في المنصب الذي يحدد له". واضاف ان" البلد يعيش حالة من الارباك والفوضى في كل المجالات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية".

ومن أجل استقرار البلاد نأمل أن يتعمق هذا النهج ليشمل موقفاً مسؤولاً إزاء التمسك بمبدأ فصل الدين عن الدولة، والدين عن السياسة حفاظاً على القيم الدينية والوجدان الديني وحمايته من أروقة السياسة واشكالاتها. فالدين، والأيديولوجيا عموماً، هو المطلق في حين إن السياسة هي متغير يومي خاضع للمصالح وحاجات الناس اليومية. وبهذا لا يتطابق الدين مع السياسة، دون أن يعني ذلك تجاهل الدين وأهميته في الحياة الروحية والوجدانية للفرد. ويتطلب هذا النهج التخلي عن الواجهة الدينية والمذهبية، فالواجهات المذهبية كثرت حيث أن هناك أكثر من خمسين مذهب وفرقة مذهبية إسلامية في العالم الإسلامي اليوم. وقد يصل التراشق والتنافس المذهبي بين هذه المذاهب والفرق إلى حد التناحر والمواجهات الخطيرة، كما نشهده الآن على شاشات التلفزة وفي العديد من بقاع العالم. كما ينبغي على الأحزاب الدينية أن تتخلى عن التشبث والتستر برداء المرجعيات الدينية، أو يتصدر رجال الدين هذه الأحزاب مما يخل ليس بكيان الحزب السياسي، بل بالمهمة الروحية لرجل الدين وبالدين نفسه في حالة فشل هذا الكيان السياسي في تنفيذ وعوده للمواطنين، مما سيترك آثاراً عكسية على الإيمان نفسه. وهذا ما نشهد بوادره الآن في العراق وفي بلدان مجاورة من ظاهرة عزوف الشباب عن الدين بسبب فشل الأحزاب الدينية المتنفذة في تحقيق وعودها.

ولذا تحتاج الأحزاب الدينية إلى المبادرة بالاصلاح السياسي تدريجياً على طريق التخلي عن تقليعة التلويح بالدين. فلدينا ما يستحق التنافس عليه وهو خدمة هذا الشعب العزيز وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستعصية. ولدينا في العراق العشرات من الأحزاب الدينية، منها ما يشارك في العملية السياسية، منها من يشارك في العنف وقتل العراقيين باسم الدين. إن جميعها تشترك في انكار مبدأ هام في المعتقد الديني القائل "أن لا إكراه في الدين". فلا يسعى كل حزب من هذه الأحزاب إلى المنافسة في طرح الحلول لمشاكلنا بقدر ما يسعى إلى قولبة المواطن العراقي وفرض نمط محدد من السلوك على حياته ولباسه وحتى أكله، وبما في ذلك الاحتفال بالأعياد الدينية التي يفترض أنها توحّد الأمة ولا تفرقها. ولا تقوم هذه الأحزاب بدراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي بقدر ما تسعى إلى إحياء تراث من النزاعات التي تمتد إلى 14 قرناً سالت فيها دماء غزيرة، ويراد لها الآن أن تستمر وتبقى تقليداً ثابتاً للعنف والصراعات العبثية، ليبقى جيلنا والأجيال المتعاقبة منغمرة في الصراع دون البناء، ولتتحمل وزر هذه الصراعات المذهبية الدامية.

وتكتسب ظاهرة الصراعات المذهبية والدينية خطورتها في ظل هذا الاحتقان السياسي في العراق، والذي يتفجر بركانه متى ما حشرت النزاعات المذهبية في الميدان. وعندها لا يمكن وقف نزيف الدم. ومن هنا تتحمل الأحزاب الدينية مسؤولية كبرى في التخلي عن نهجها الذي لا يمكن أن يكون إلاّ طائفياً، وأن يعمد رجال الدين والمرجعيات الدينية إلى الإصلاح الديني والكف عن الاستعراضات المذهبية وعقلنة المراسيم الدينية وتكاليفها الباهظة مالياً ومعنوياً، وعدم الإساءة إلى رموزنا التاريخية بمراسيم غريبة فرضها مزاج حاكم بغداد معز الدولة البويهي على البغداديين في عام 353هـ. وينبغي على المرجعيات الدينية التركيز على كل ما يشيع روح التسامح ونبذ الفرقة والتمايز بين أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن منحدراتهم المذهبية والدينية والطائفية.

إنني لا أفهم جدوى وجود حزب لله وحزب للدعوة وجيش لمحمد؟ ومن الذي فوّض هؤلاء برفع هذه الرايات؟ هذه الأحزاب تتصرف وكأنها وكيلة الخالق على العباد، وتفرض نفسها كوصي على العراقيين وكأنهم خارجون على الإيمان الديني. فما حاجة العراقيين إلى حزب يدعو للدين الإسلامي وبعد 14 قرناً من الدعوة الإسلامية؟. ولذا ينبغي أن تشرع هذه الأحزاب بإعادة النظر براياتها وواجهاتها لتتحول إلى أحزاب مدنية لا تتنافس على المتاجرة بالدين والمذهب بقدر ما تتوجه نحو التباري في خدمة العراق وشعبه وحماية الهوية الوطنية للمواطنين العراقيين. إن التمسك بالهويات الطائفية والدينية التي أدانها المواطن العراقي في الفترة الأخيرة بعد أن أدرك سلبياتها، هذا التمسك لا يؤدي إلاّ إلى إرساء دولة مدنية ديمقراطية تحترم الدستور والقوانين، بل إلى هيمنة المحسوبية والفساد والتلاعب بمقدرات البلد وتزوير إرادة الشعب وتجهيله وعرقلة خروج العراق من دوامة العنف والتخلف.

 

2/9/2011

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.