اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ماذا وراء الهجوم على السفارة البريطانية في طهران؟

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

مقالات اخرى للكاتب

ماذا وراء الهجوم على السفارة البريطانية في طهران؟

 

في تاريخ وتقاليد التطرف الإيراني يمكن للمتابع أن يرى شواهد غير قليلة تشير إلى أنه كلما اشتدت التناقضات والصراعات على السلطة وحول بناء دولة عصرية ديمقراطية، أو الخشية من التاُثيرات الإقليمية والدولية ، تلجأ التيارات المتطرفة الإيرانية، وخاصة التيار الديني المتطرف، إلى أعمال وأفعال مرتبكة وغير معقولة وشاذة من أجل التأثير على مسار الأحداث. وهذا ما نجده حين  نتصفح ملفات التاريخ الإيراني الحديث أو البعيد منه أو الراهن. ففي خلال الصراعات الحادة التي نشبت بعد الثورة الإيرانية في عام 1979 بين التيار الديني المتطرف من جهة، وبين بقية التيارات السياسية المذهبية والقومية واليسارية، قام التيار الديني المتطرف في إيران بالسعي لحرف الأنظار عن جوهر الصراع، ليفتح الأبواب أمام صراعات جانبية وخارجية كوسيلة لإضعاف التيارات المخالفة له. 

لقد تشكلت بعد الثورة حكومة برئاسة الدكتور مهدي بازركان، زعيم حزب "نهضة الحرية". وضمت الحكومة بعض ممثلي التيار الديني- القومي والوطني المعتدل وبتكليف من الخميني نفسه. إلاّ أن هذا الخيار لم يرق للمتطرفين الدينيين، وخاصة لمجموعة ما يسمى بالـ"المؤتلفة" و "المهدية" ومن شاكلها والمسندة من أقطاب "البازار" قاعدة التطرف الديني في إيران. ولجأت هذه المجاميع إلى استخدام كل السبل والأساليب المتعارضة مع كل القيم لإثارة المتاعب لزعزعة الحكومة وإحراجها داخلياً وخارجياً بهدف إزاحة بازركان وحكومته من السلطة ثم استلام مقاليد الأمور. وهكذا لجأ هذا التيار إلى القيام بممارسات فوضوية داخلياً من خلال افتعال المواجهات مع كل التيارات الأخرى إلى حد القيام بجرائم واغتيالات واسعة وهجمات مسلحة نفذتها آنذاك مجموعة تعرف بـ"حزب الله"، إلى جانب ممارسة التطرف والتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتمويل مجاميع مسلحة على النطاق الخارجي. والهدف من هذه الممارسات هو وضع العراقيل أمام الحكومة كي لا تستطيع اتخاذ أية خطوة على طريق إرساء علاقات طبيعية مع الخارج وتوفير الاستقرار وبناء دولة القانون وإرساء قدر من التقاليد الديمقراطية في البلاد. وضمن هذا السياق قام المتطرفون بعيد الثورة باقتحام السفارة الأمريكية في طهران، خلافاً لأي سلوك دبلوماسي حضاري يجري العمل به بين الدول حتى المتخاصمة. هذا الهجوم الذي يعد عدواناً على أراضي دولة أخرى ضمن الأعراف الدبلوماسية. واعتقل العشرات من الرهائن الدبلوماسيين الأمريكان. إن كل هذا التطرف كان دافعه أمر داخلي بالأساس، وغير موجه نحو تصفية الحساب مع الإدارة الأمريكية، بل بهدف اجبار حكومة بازركان على التنحي  ليتسن للمتطرفين الدينيين الهيمنة على زمام الأمور. وهذا ما جرى بالفعل بعد فترة وجيزة من احتلال السفارة الأمريكية، حيث أزيح  بازركان من منصبه، وآذن هذا الفعل بسلسلة من الكوارث التي حلت بإيران، وعمقها ذلك العدوان الطائش غير المبرر الذي قام به صدام ضد إيران والذي قلب المعادلة في إيران كلياً لصالح المتطرفين الدينيين، ومهد الطريق لفرض استبداهم الديني. بالطبع ما كان للخميني إلاّ الإذعان وحتى الاستسلام لهؤلاء المتطرفين الذين يشكلون قاعدته الأساسية في المجتمع.

ولا يمكن تفسير فعل أتباع النظام من المتطرفين في اقتحام السفارة البريطانية يوم الثلاثاء الماضي المصادف 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 إلاّ في هذا الإطار وضمن العقلية التي تحكم إيران اليوم، أي إشغال الشعب الإيراني بمعارك وهمية وحرف أنظار الرأي العام الإيراني عن مشاكله وعن المأزق التي تواجه الحكم. لقد كان التيار الديني المتطرف يستعين في عقود خلت ببريطانيا والولايات المتحدة لمواجهة التيار الديمقراطي الوطني الصاعد في إيران، ولكن اللعبة تغيرت الآن بعد أن تسلط هذا التيار على الحكم وفرض استبداده الديني وتجاوزت طموحاته ما هو معقول ومسموح به. ففي ثورة المشروطة في عام 1905 فرضت السياسة ودروبها الوعرة على أن يستعين آية الله فضل الله نوري، ملهم التطرف الديني آنذاك، بالسفارة البريطانية لتلقي الحماية والدعم منها كي يتصدى للحركة الديمقراطية الدستورية الفتية "حركة المشروطة"، بذريعة التمسك بالاستبداد الديني تحت ستار "المشروعة". ولكن ثوار المشروطة تصدوا بقوة لآية الله فضل الله نوري وأعوانه الذين هربوا والتجأوا إلى السفارة البريطانية لحمايتهم من نقمة الشعب الإيراني. ومن ثم تمت محاكمة آية فضل الله نوري وحكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم به.. وتكرر نفس المشهد       في عهد الزعيم الوطني د. محمد مصدق، حيث غدر بمصدق أقطاب التيار الديني المتطرف بزعامة أية الله أبو القاسم كاشاني. وتشكل حلف من كل القوى الرجعية والبلطجية والشاه محمد رضا بهلوي وبطانته وأتباع المؤسسة الدينية المتطرفة بزعامة الكاشاني في الداخل، وبدعم من المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية للإطاحة بالدكتور محمد مصدق لتجرأه على تأميم شركة النفط البريطانية والحيلولة دون استمرار استبداد محمد رضا بهلوي. وأعلن آية الله أبو القاسم كاشاني آنذاك:"إن سقوط الشاه محمد رضا بهلوي يعني سقوط كل العمائم في إيران". ولكن ما لبث أن انفرط عقد التحالف بين التيار الديني المتطرف وبين الدوائر الأجنبية، على غرار ما انفرط في وقت لاحق في أفغانستان عقد التحالف بين المخابرات الأمريكية والسعودية والباكستانية مع المتطرفين الدينيين في أفغانستان. وظهرت على الساحة الإيرانية شخصية جديدة هي آية الله الخميني الذي ناصب العداء للشاه ومن يحميه في الخارج، دون أن يعني ذلك قطع الصلة كلياً بين التيار الديني المتطرف مع الدوائر الخارجية. ولعل خير شاهد على عدم قطع الصلة نهائياً هي فضيحة "إيران غيت" أثناء الحرب العراقية الإيرانية. لقد تعمق التناقض بين التيار الديني وبين أصحاب القرار الدولي في الخارج بسبب سعي هؤلاء المتطرفين إلى القيام بدور أكبر حجماً من مقاسهم ولعب دور غير مسموح لهم به على نطاق المنطقة وحتى خارجها.

ويبدو إن التيار الديني المتطرف الحاكم في إيران لا يتعض من أخطائه ومن دروس التاريخ. فمن أجل تحقيق غرضه، راح  يغوص في حسابات خاطئة منذ انتصار الثورة الإرانية، مما وضع نفسه أمام مواجهة مستمرة مع الدول صاحبة القرار في عدة جبهات إقليمية وعالمية. هذا في الوقت الذي لا يستند النظام على جبهة داخلية متينة ومساندة شعبية رصينة لمواجه الخصوم. وبالاضافة إلى ذلك فإن هذه المواجهة تحتاج إلى تسديد فاتورة باهضة الثمن لا يستطيع حكام إيران تسديدها في ظل محدودية إمكانيات البلاد والضغوط الاقتصاية المفروضة عليها.

إن ردود الفعل الانفعالية للحكم في إيران يأتي نتيجة لشعور الحكم بعبأ الضغط الدولي المتزايد والعزلة الدولية المتمثلة بالقرارات الجديدة المتعددة التي اتخذتها أو بصدد اتخاذها كل من الولايات المتحدة ودول أوربا الغربية والأمم المتحدة. وجاء التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية ووتقرير هيئة الأمم المتحدة حول النشاط النووي الإيراني وانتهاكات حقوق الإنسان والاتهامات الموجهة للحكم بممارسة الإرهاب لتضيف مأزقاً جديداً للحكم في إيران. ومما يشد من ذعر النظام وتخبطه وخاصة ضد بريطانيا هو ذلك البث المنظم والمدروس والمؤثر لشبكة تلفزيون بي بي سي البريطانية باللغة الفارسية الذي يجذب المستمع الإيراني. ويبدو أن ما يبثه تلفزيون ومحطة اذاعة بي بي سي من مواد إعلامية أخذ ينخر في جسد السلطة الدينية المتطرفة الحاكمة في إيران ويزيدها عزلة عن شعبها بالذات. وهو ما حمل السلطات الإيرانية بوضع بريطانيا في صدر قائمة أعداء الجمهورية الإسلامية بعد أمريكا وإسرائيل. إن أفعال السلطة الإيرانية في الهجوم على السفارة البريطانية هي محاولة فاشلة لإرجاع ذاكرة الإيرانيين إلى التاريخ السلبي لبريطانيا والدول الغربية إزاء إيران ، والانقلاب ضد الدكتور مصدق خير مثال. وهي صفحة مازالت حية في ذاكرة الشعب الإيراني ولا يمكن أن ينساها. ولكن هدف هذه الدعوات من قبل السلطة لا تنطلي على الشعب الإيراني، فهو يدرك أن السياسة لا تستقر على سكة واحدة ولابد أن تتلون وتتغير تبعاً لمصالح الدول التي تتبنى السياسات، ومن ضمنها بريطانيا والولايات المتحدة اللتين وقفتا في السابق ضد الشعب الإيراني وشعوب أخرى، ولكنها الآن وبفعل عوامل متنوعة تلجأ إلى دعم الحركات المعادية للاستبداد والفساد في هذه الدول، وإن بعض شعوب المنطقة تطالب بالدعم الدولي للقضاء على الديكتاتوريات في بلادها.

ولا تخلو حادثة الاعتداء على السفارة البريطانية في طهران من مسعى للسلطة الإيرانية لتأجيج حالة الهيستيريا الحربية، والإيحاء بقرب هجوم واسع النطاق من قبل "الشياطين على اختلاف ألوانهم" ضد الجمهورية الإسلامية. وهي محاولة لصرف أنظار الإيرانيين أو شل أي تحرك لهم ضد الاستبداد الديني في إيران والتغطية على المشاكل المتنوعة والخلافات في قمة السلطة أيضاً. ولا يخفى على المتابع للشأن الإيراني النزاع القائم بين خامنئي وأحمدي نجاد، حيث يلتزم الأخير الآن الصمت إزاء الأحداث الأخيرة.

إن موقف السلطات الإيرانية في تفعيل مثل هذه الأفعال يعبر أيضاَ عن قلقها من الحركات المعادية للاستبداد والفساد والمطالبة بالديمقراطية والحرية في بلدان الشرق الأوسط، وخوفها من انتقال هذه الموجة إلى إيران. فردود الفعل الداخلية سواء من جانب المعارضة الإيرانية أو السلطة على هذه الأحداث تؤكد ذك. ولا يقتصر قلق حكام إيران من التطورات الجاية في المنطقة على احتمال انتقال شبح هذه الحركات إلى الأراضي الإيرانية فحسب، بل هناك قلق أكثر جدي يتعلق بمستقبل تحالفات السلطة الإيرانية مع دول وقوى سياسية بدأت تهتز مواقعها أو تغير نهجها تبعاً للمتغيرات الجارية في المنطقة. فما يتعرض له الحكم في سوريا من تهديد يشكل اشكالية للسلطة الحاكمة الإيرانية التي ليس لها من حليف في المنطقة سوى النظام السوري. فأي تغيير في سوريا يعني تحجيم التدخلات الإيرانية في المنطقة، وتحجيم اللافتات الطائفية التي يتبارى في رفعها المتطرفون الإيرانيون وخصومهم الطائفيون من العرب. ولعل الأهم من كل هذا وذاك ذلك حرمان إيران من التدخل الفظ في الشأن اللبناني من خلال إغلاق الأبواب بوجهها لمد حزب الله اللبناني بالمال والعتاد والدعم المعنوي، والذي يساهم في عدم الاستقرار في لبنان، حيث أصبح سلاح حزب الله موجهاً صوب شأن داخلي، ولا علاقة له بأي مقاومة ضد العربدة الإسرائيلية. وهذا ما يثير القلق لدى الفئة الحاكمة الإيرانية التي هدرت أموال الشعب الإيراني لإيجاد موقع لها في لبنان.

إن  تطور الأحداث يشير إلى الفشل المتلاحق الذي يواجه المتحكمون بالسلطة في إيران على نطاق المنطقة بسبب قراءتهم الخاطئة للخارطة السياسية في المنطقة والعالم، و بسبب عقم ما يطرحونه من شعارات طائفية وحلول غير مجدية لمشاكل المنطقة. فتدخلهم في الشأن العراقي أثناء انتفاضة عام 1991 وقيامهم بنهب الممتلكات العراقية من المدن الحدودية وفرض شعارات طائفية أفقد الانتفاضة زخمها وسلبها من الدعم الإقليمي والخارجي ضد ديكتاتورية صدام. كما كانت أفعال المتطرفين الإيرانيين بعد الاطاحة للطغيان مخيباً لآمال العراقيين، فالحدود أصبحت ملجأ للقتلة وتجار السلاح والمخدرات، كما واجهت أنهار العراق أما الجفاف أو التلوث أو زيادة الملوحة مما أثر سلباً على حياة العراقيين. ومازالت السلطة الإيرانية تحتفظ بعدد من الأسرى العراقيين كما كشف أخيراً خلافاً للاتفاقيات المعقودة بين البلدين. وآخرهذه المواقف المريبة هو ذلك القصف المستمر للأراضي العراقية وما يسببه من أضرار لوسط غي رقليل من العراقيين القاطنين في المناطق الشمالية. هذا النهج يضر بالعلاقات بين الشعبين العراقي والإيراني، وبالمساعي لقلب تلك الصفحة الدموية في العلاقات أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وأفشال كل المساعي لإرساء علاقات مستقرة بين البلدين. لقد أدى هذا السلوك إلى زيادة الريبة والشكوك والنفرة لدى العراقيين إزاء نوايا السلطات الإيرانية، بالرغم ما أعلنه أحد أقطاب المتطرفين في قيادة الحرس "الثوري" أخيراً وبشكل استفزاي قبل أيام من أن نفوذ إيران في العراق يعادل أضعاف نفوذ الولايات المتحدة في العراق. وهنا يقع متصدي القرار في إيران في خطأ عند تقييم موقف العراقيين منهم، حيث يتصورون أن مجرد ذهاب أحد الوزراء إلى إيران وتقبيل يد خامنئي أو قيام سياسي آخر بتقبيل كتفه أو مطالبة وزير سابق الحكومة العراقية بعرض الاتفاقية العراقية الأمريكية على خامنئي لكسب رضاه هو ضرب من النفوذ الإيراني. ولكن وقعت الاتفاقية العراقية الأمريكية رغم الخطابات والتهديدات والتحذيرات والضغوط التي مارسها خامنئي وأتباعه لمنع التوقيع عليها، وبان النفوذ المزعوم الإيراني في العراق. وها هو الجيش الأمريكي ينسحب طبقاً لهذه الاتفاقية و قبل أيام من الوقت المحدد. وتبادر حتى بعض التيارات السياسية بتمييز مواقفها عن السياسة الرسمية الإيرانية إلى حد التقاطع معها، ومثال على ذلك ما اتخذه المجلس الإسلامي الأعلى من قرارات تبتعد عن الواجهة الطائفية والتمسك بالواجهة الوطنية العراقية، مماحدا بفلول من أتباع إيران إلى الإنفصال عن المجلس. نعم يمكن لحكام إيران إيذاء العراقيين بمختلف الصور، ولكنهم لا يستطيعون فرض إرادتهم على العراق لإنها إرادة لاتخدم العراقيين ولا تجلب الاستقراروالسلام في ريوعهم.

إن تعويل السلطة الحاكمة الإيرانية على أوهام غير حقيقية داخلية أو خارجية، واللجوء إلى ممارسات شاذة في الداخل وفي العلاقات الدولية لا تنقذ السلطة الحاكمة الإيرانية من المصير المحتوم، بل سيؤدي بها في نهاية المطاف إلى الانصياع لمنطق التاريخ والخضوع لإرادة الشعب الإيراني الرافض للتجبر والفساد والاستبداد، والطامح إلى علاقات يسودها السلام والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون  الداخلية مع شعوب المنطقة.

3/12/2011

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.