اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الناخب البريطاني يحذو حذو الناخب العراقي في الانتخابات البرلمانية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

الناخب البريطاني يحذو حذو الناخب العراقي في الانتخابات البرلمانية

 

الفارق كبير بين الانتخابات البرلمانية في العراق ونظيراتها في بريطانيا. فالشعب البريطاني لا يدين بالعشائرية ولا بالطائفية، باستثناء حيز محدود في إيرلندا الشمالية. ولا يستند الناخب البريطاني إلى المذهب في تحديد موقفه من المرشح في الانتخابات. ولا تلجأ الأحزاب أو الكتل السياسية إلى التشبث بالدين ورجال الدين في بريطانيا لتعزيز حظوظهم الانتخابية خلافاً لما يجري في الانتخابات العراقية. فمن أجل الحفاظ على الدين وقيمه من مطبات السياسة، وبناء على التجربة المريرة لتدخل الكنيسة وتوريط الدين في الأمور السياسية البريطانية، فقد جرى منذ أجيال عديدة فصل الدين عن الدولة. ولذا لا تجد في بريطانيا أحزاب دينية، ولا من بين المرشحين رجال الدين والكنيسة، خلافاً لما يجري في العراق حيث يتصدر رجال الدين بعض الكتل السياسية، وتجد الكثير منهم قد ترشحوا في قوائم مختلفة. ولا يعتمد الناخب البريطاني على العامل القومي كأساس في تحديد اختيار النواب، بقدر ما يعتمد على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحزبي. كما لا يلجأ الساسة البريطانيون، لحل مشاكلهم الداخلية وتعزيز مواقعهم السياسية، إلى فرنسا أو بلجيكا أو أسبانيا أو جزيرة مالطا لتلقي الدعم المعنوي وربما المادي. ولكن العديد من ساستنا الذين يتصدرون المشهد السياسي ينفردون بهذا السلوك. فذهاب بعض ساستنا إلى دول الجوار التي لا تعرف معنى الديمقراطية لحل مشاكل العملية الديمقراطية في العراق هو أمر بعيد عن مخيلة الناخب والساسة البريطانيين، بل ويحرم ذلك بقوانين محددة. ويتعرض النائب الذي يتبع هذا السلوك إلى الطرد كما جرى مع غالاوي الذي قبض الرشاوي من صدام حسين. إن علي عبدالله صالح الغارق في المشاكل في اليمن السعيد وأقطاب دول الجوار الأخرى من قادة إيران وغيرهم الغارقون في مشاكل مستعصية، غير  مؤهلون لتقديم العون في زيادة الثقل السياسي لبعض ساستنا، بل وربما يثير قرف الناخب العراقي ويزعزع ثقته بمثل هؤلاء الساسة.

وهناك بالطبع تمايزات أخرى لا يسع المجال للخوض فيها. ولكن هناك ما هو مشترك حيث حذا الناخب البريطاني  حذو الناخب العراقي في الانتخابات الحالية كما توضح نتائج الانتخابات. ف الناخبان العراقي والبريطاني تردد عملياً عن إعطاء التفويض المطلق لأي من الأحزاب أو الكتل السياسية لتشكيل الحكومة دون اللجوء والبحث عن حلفاء لتشكيل هذه الحكومة. وبذلك واجهت البلدين ظاهرة "البرلمان المعلق". وهذه الظاهرة تعكس قدراً غير قليل من عدم ثقة الناخبين في الأحزاب في كلى البلدين. فحزب المحافظين في بريطانيا تصدر الأحزاب السياسة في عدد المقاعد البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، لكن دون أن يحقق الأغلبية المطلقة التي تؤهله في تشكيل الحكومة. وكذا الحال بالنسبة إلى الكتل السياسية العراقية، فقد تجاوزت كتلة العراقية أقرب كتلة لها بفارق مقعدين دون أن تحصل هذه القائمة على عدد المقاعد الضرورية كي تنفرد وتبادر إلى تشكيل الحكومة الجديدة.

إن ظاهرة "البرلمان المعلق" ليست جديدة في الدول الديمقراطية. ولكنها الأولى في بريطانيا منذ عام 1974، عندما اضطر حزب المحافظين آنذاك إلى الائتلاف مع الديمقراطيين الأحرار لتشكيل حكومة ائتلافية، ولكنها لم تستمر إلاّ لسبعة أشهر. وقبل التاريخ المذكور وفي القرن العشرين ذاته شهدت بريطانيا حالتين مماثلتين في عام 1924 وعام 1929 بادر أثنائها حزب العمال إلى الائتلاف مع الأحرار، ولكنهما أيضاً كانتا حكومتين ضعيفتين ولم  تستمرا سوى بضعة أشهر. إن أجيال عديدة من البريطانيين لم تشهد هذه الحالة ودوامها مما يستدعي إعادة النظر في قانون الانتخابات الحالي والانتقال إلى قانون الانتخابات الذي يعتمد على النظام النسبي كما يطالب بذلك بعض القوى السياسية. لقد أفرزت نتائج الانتخابات حصول المحافظين على 307 مقاعد في مجلس العموم الجديد وبأصوات تقدر بـ 36.1% من أصوات الناخبين. وبذلك حقق المحافظون زيادة في عدد المقاعد قدرها 98 مقعداً دون الحصول على الاغلبية البرلمانية المطلوبة. كما حصل حزب العمال على 258 مقعداً، أي اقل بـ 91 من مقاعد الانتخابات السابقة وبنسبة أصوات تبلغ 29.1% من الناخبين. في حين حصل الديمقراطيون الأحرار على 57 مقعداً وبمجموع أصوات تبلغ 23% أي بزيادة بعدد الأصوات مقداره 1% في حين خسر مقعداً واحداً بسبب العيب في قانون الانتخابات.

لقد أكدت نتائج الانتخابات على أن الديمقراطية البريطانية العريقة والمجتمع البريطاني بدأ حالة حراك. فلم يعد هذا المجتمع ثنائي الولاء الحزبي، أما محافظ أو عمالي، كما كان الحال بشكل عام في العقود السابقة. فالنسبة التصويتية التي حصل عليها حزب الديمقراطيين الأحرار، أي 23%، هي نسبة عالية تضعه في حلبة التنافس مع الحزبين التقليدين العمال والمحافظين في حالة تعديل قانون الانتخابات الذي يطالب به الديمقراطيين الأحرار. وهذا دليل يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار من قبل الأحزاب العراقية التي يتوهم بعضها بأزلية احتكارها لغالبية أصوات الناخبين. ويتجاوز التغيير الحاصل في الانتخابات الأخيرة في بريطانيا ذلك بحيث حصل حزب الخضر لأول مرة على مقعد في مجلس العموم شغلته السيدة كارولين لوكاس زعيمة الحزب. ولأول مرة في تاريخ الانتخابات البريطانية تفوز ثلاث سيدات مسلمات، وهكذا أصبحت السيدات المسلمات شبانه محمود ورشنارا علي وياسمين قريشي المرشحات عن حزب العمال اول السيدات المسلمات اللاتي يجلسن على مقاعد مجلس العموم البريطاني، وبذلك وجهن ضربة للتيار الإسلامي المتطرف في بريطانيا المعارض لدور المرأة في الحية السياسية البريطانية. وحصلت السيدة هيلين غرانت أول سيدة من أصل أفريقي على مقعد لها في مجلس العموم عن حزب المحافظين. كما فازت كل من المرشحة العمالية شي انوارا من أصل أفريقي عن حزب العمال، وبريتي باتل اول هندية في مجلس العموم من حزب المحافظين. وارتفع عدد مقاعد النساء في مجلس العموم من 19.5% إلى 21%، حيث فازت 79 أمراة من أصل 258 مقعد من مقاعد حزب العمال. وحققت المكونات الأثنية (غير الاسكتلندية والويلزية والايرلندية) زيادة ملحوظة بلغت 27 مقعداً مقارنة بـ 14 مقعداً في الانتخابات السابقة.

ومن الجدير هنا الإشارة إلى فوز نائب من أصل عراقي وهو السيد نديم حارث الزهاوي عن دائرة ستراتفورد ابون آفون مسقط رأس شكسبير عن حزب المحافظين، وهو الذي اشتهر كرجل أعمال ناجح في بريطانيا لدوره في تأسيس شركة "يوغوف" لاستطلاعات الرأي التي تحظى استطلاعاتها بأهمية خاصة بسبب مصداقيتها العالية. كما أن نديم الزهاوي هو حفيد لأحد وزراء عبد الكريم قاسم قبل انقلاب شباط عام 1963. ومن ناحية أخرى فشلت في الانتخابات السيدة عنود السامرائي من أصل عراقي عن حزب الديمقراطيين الأحرار في دائرة إلفورد ساوث.

إن نتائج الانتخابات في الأقاليم القومية وتحديداً في اسكتلنده وويلز تشير إلى فوز كاسح لحزب العمال البريطاني وعدم حصول الأحزاب القومية على أصوات يعتد بها. ففي ويلز لم يحصل الحزب القومي الويلزي ( سيمرو) على ما كان يتمناه حيث حافظ على مقاعده الثلاث. أما حزب العمال فقد حصل على 26 مقعد من أصل 40 مقعد من مقاعد إقليم ويلز وبنسبة 36.2% من الأصوات. وتلاه حزب المحافظين الذي حصل على 8 مقاعد متجاوزاً بذلك الحزب القومي الويلزي. أما في إقليم اسكتلنده في اسكتلنده فقد رفض الناخبون حزب المحافظين كلياً، حيث زادت نسبة أصوات العمال في اسكتلنده إلى 42% مقارنة مع نسبة  28% حصل عليها في انكلتره. واستعاد حزب العمال مقعدين فقدها في السابق، وبذلك أصبح أقوى الأحزاب في اسكتلنده حيث حصل على 41 مقعد من أصل 59 مقعداً مخصصاً للإقليم. في الوقت الذي لم يحصل الحزب القومي الاسكتلندي إلاّ على ستة مقاعد والديمقراطيون الليبراليون على 11 والمحافظون على مقعد واحد.

ومن المناسب الإشارة  هنا إلى الهزيمة التي لحقت بزعيم الحزب القومي البريطاني ذي الميول الفاشية في دائرته الانتخابية السابقة، ولم يحصل هذا الحزب على أي مقعد من مقاعد البرلمان. كما لحقت الهزيمة بزعيم حزب "المحترمين" غالاوي الموالي لصدام حسين في الدائرة التي فاز بها لمدة 18 سنة عندما كان عضواً في حزب العمال، وطرد منه بعد افتضاح أمره بقبض مبالغ مالية وكوبونات النفط من صدام حسين. إن ما يلفت في هذه الانتخابات هو التصويت حسب الأعمار. فقد صوت الناخبون من الأعمار التي تتراوح بين 18 – 24 سنة بـ 17% إلى حزب المحافظين و 16% الى حزب العمال و 22% الى الديمقراطيين الأحرار. في حين صوت الناخبون من ذوي الأعمار التي تزيد على 64 سنة بـ 27% الى حزب المحافظين و 16% الى حزب العمال و 12% الى حزب الاحرار الديمقراطيين. وتغيرت نسبة الحاصلين على الشهادات العليا في مجلس العموم البريطاني حيث زادت بنسبة ملحوظة عن النسب في الدورات السابقة.

أن  وجود "برلمان معلق" يفرض على الأحزاب الرئيسية الثلاثة وحتى الصغيرة الشروع في التحالفات لتشكيل الحكومة. فأمام حزب المحافظين خيار الائتلاف مع الديمقراطيين الليبراليين وهو يكفي في حالة نجاحه في تشكيل حكومة الأقلية. ولكن هذا الائتلاف يصطدم بمانع التعارض في المواقف السياسية الداخلية والخارجية بين الحزبين. ففي المجال الداخلي يطالب الديمقراطيون الأحرار بتعديل قانون الانتخابات كي يسمح لهم بزيادة عدد مقاعدهم في مجلس العموم، وهو ما يصطدم بإرادة حزب المحافظين في الابقاء على النظام الانتخابي الساري كي لا يسمحوا بتسلل أي من الأحزاب غير الرئيسية إلى مصاف الأحزاب الرئيسية. كما لا يتنازل المحافظون عن شروط أساسية في الموقف من الهجرة والاتحاد الأوربي والحفاظ على القدرة العسكرية البريطانية، وهذا يصطدم بشروط  مغايرة للديمقراطيين الليبراليين. إن حزب المحافظين يمكن أن يخفف من شروطه حول السياسة التعليمية ومستوى الضرائب وحول البيئة ومعدل النفايات الكاربونية في تحالفه مع الديمقراطيين الليبراليين دون أن يمس الشروط الأخرى الرئيسية التي أنتخبه الناخبون على أساسها. وهذا ما يضع علامات الاستفهام حول إمكانية نجاح التحالف بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار. وهناك البديل الآخر المتمثل في التحالف بين حزب العمال والديمقراطيين الليبراليين وبعض الأحزاب الأخرى الصغيرة وخاصة الحزب القومي الويلزي والاسكتلندي مما يشكل أغلبية من الأصوات لتشكيل حكومة أقلية. فهناك عروض جدية من قبل حزب العمال تستجيب لتطلعات الديمقراطيين الأحرار مثل تعديل قانون الانتخابات والموقف الائجابي من الاتحاد الأوربي والقيام بتعديلات على إصدار هوية الأحوال المدنية التي يتحفظ عليها الديمقراطيون الليبراليون. كما إن أحد شروط الديمقراطيين الليبراليين هو تخلي غوردن براون عن منصب رئاسة الوزراء في حالة قيام أي تحالف بين الحزبين. تجري الحوارات الآن وبحالة من الإسترخاء لدى غوردان براون وحتى منافسيه، وليس كحالنا في تجربتنا العراقية الفتية التي تجري في ظل من التراشق المحموم بين الأطراف المتنافسة.

ومهما ستكون النتيجة، فإن عمر مثل هذه الحكومات التي تستند إلى أقلية برلمانية قصير، ولابد أن يبادر البريطانيون بعد أشهر إلى خيار انتخابات جديدة كما برهنت عليه أحداث مماثلة سابقة.

9 /5/2010


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.