اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• تصريحات وقحة تحتاج إلى إدانة وطنية وليس إلى ردود فعل طائفية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

مقالات اخرى للكاتب

تصريحات وقحة تحتاج إلى إدانة وطنية

وليس إلى ردود فعل طائفية

 

يخطأ من يظن أن المعايير الطائفية والمذهبية هي التي توفر الاستقرار والديمقراطية في العراق. فالعقود الماضية التي حكم بها العراق على هذه الأسس والمعايير لم تجلب سوى التشرذم والركود والخراب. فهذه المعايير والمقاسات المدمرة لم تقدم العراق خطوة إلى الأمام في ميدان توفير الحدود المعقولة من الاستقرار والتقدم وبناء الدولة العصرية، هذا لو استثنينا فترة قصيرة تلت ثورة تموز عام 1958، التي تم خلالها وضع هذه المعايير على الرف، ولكن سرعان ما تم العودة إليها بعد أن اجهضت الثورة ومكاسبها من قبل غلاة أقطاب المعايير الطائفية والمذهبية بالتعاون مع الأجنبي ليفقد العراق وشعبه فرصة ذهبية كادت ترسي البلاد على سكة الاستقرار والتقدم والديمقراطية.

ويبدو أن الغالبية من النخب السياسية التي تصدّرت الأحداث بعد الاطاحة بالطغيان التي تتبارى في إدانة الطائفية لفظياً، إلاّ أنها لم تتخلص من هذا الداء اللعين، ولم تعالج هذه الظاهرة الخطيرة، داء الطائفية، كما أنها لم تتعلم من دروس الماضي، حيث بقي هذا المعيار المقاس المفضل للسياسيين العراقيين، بل وحتى للناخب العراقي وللأسف الذي وقع ضحية هذا الداء. ومما يزيد الأمر خطورة هو تسرب هذا المقاس وهذا المعيار المريب حتى إلى أوساط من الشريحة المثقفة العراقية التي يفترض فيها أن تقوم بمهمة التنوير ورفع الوعي الحضاري لعامة الناس. فقد تطوع بعض المثقفين بتدوين المقالات بألوان طائفية عند تحليلهم للأحداث، مما زاد من تفاقم الوضع في البلاد وزاد الأمر سوءاً.

ولو استعرضنا الأحداث الدموية العاصفة التي مرت على العراق بعد الإطاحة بالطغيان وردود فعل غالبية النخب السياسية التي غزت الشارع العراقي لوجدنا بصمات هذا الخيار الطائفي والمذهبي واضحة في مواقفها وردود فعلها أزاء كل ما حدث خلال هذه الفترة. فإذا ما توصلت الأجهزة الأمنية إلى أية دلائل عن وجود تدخل إيراني في الشؤون الداخلية العراقية، فسنجد الإدانة جاهزة وقوية ومدوية من قبل مكون طائفي معين، في ظل سكوت وحتى تعتيم أو نفي من قمة هرم المسؤولية لهذا التدخل، ناهيك عن لجوء مسؤولين عراقيين من المكون الطائفي إلى لثم يد علي خامنئي أو كتفه وبشكل لا يليق بمن يمثل العراق. وهكذا أصيب المواطن العراقي بالذهول جراء هذه المشاهد التمثيلية الطائفية طوال الأحداث الدموية التي جرت وتجري إلى الآن على الساحة العراقية. ومن جهة أخرى لاحظ ويلاحظ المواطن العراقي المنكوب أنه عند أول إشارة عن وجود دلائل واتهام لتدخل سعودي أو تركي أو قطري وغيرهم في الشأن العراقي، فإنه يجد الطرف والمكون الطائفي المنافس جاهزاً لإطلاق صيحات الويل والثبور والدعوة للانتقام، في حين يبادر الطرف والمكون الطائفي الآخر والمشارك في ما يسمى بـ"حكومة الوحدة الوطنية" بحماس السفر إلى عواصم هذه البلدان لتقديم الولاء ولينفي هذه الاتهامات ويبارك نفاقاً مواقف هذه الدول أزاء العراق لقاء الهبات والأوسمة التي يتسلمها هذا السياسي أو ذاك من الرسميين في تلك الدول.

ويمكن تدوين مجلدات ضخمة عن هذا الموقف والمعيار الطائفي ليشمل أخطر واجهة من واجهات الدولة العراقية وهو القضاء. وكان أحدثها وأخطرها هو ما أحاط بالاتهام الذي وجهته الأجهزة القضائية ضد طارق الهاشمي حول علاقته بمنظمات إرهابية بناء على اعترافات من قبل أفراد حمايته. فالقائمة العراقية سارعت إلى إطلاق تصريحات وتهديدات من قبل  أعضائها ونفت دون أن يطلع أقطابها على جزئيات الاتهام، ليتطور الأمر إلى تجميد نشاطهم في المواقع التي انتخبوا لها من قبل ناخبيهم. أما الطرف الآخر الطائفي فقد تجاوز على الأطر الدستورية عند عرضه لهذا الاتهام من ناحية، ومن ناحية أخرى أبقى على العديد من اضبارات الاتهام محفوظة في ادراج القضاء لاعتبارات طائفية أو سياسية وبشكل مخالف لمبدأ الفصل بين السلطات. ويطال هذا النهج الطائفي حتى أزاء من اعتقل من حملة جنسيات عربية. فإن اعتقال أي إرهابي تونسي أو ليبي أو سعودي وبحق من قبل الجهات الأمنية يتم ابرازه وتقديمه للمحاكمة من طرف طائفي، والتشكيك بهذه التهم من طرف في "حكومة وحدتنا الوطنية"، في حين يتم السكوت على أجانب من أتباع مكون طائفي آخر. وكمثال على ذلك عندما ألقت القوات البريطانية القبض على مواطن لبناني ينتمي إلى حزب الله  في آذار عام 2007 هو علي موسى دقدوق المتهم بقتل سبعة جنود في كربلاء.

إن هذا النهج الذي يفتقر إلى أبسط المعايير الوطنية لم يؤدي في النتيجة إلاّ إلى المزيد من إيغال هذه الأطراف الإقليمية في التدخل في شؤون العراق وتخريب العملية السياسية من جهة، ومن جهة  أخرى المزيد من ارتهان القوى الطائفية العراقية بكل تلاوينها للعامل الإقليمي الخارجي الطائفي والمذهبي. ولم يلق المواطن العراقي من هذا النهج سوى المزيد من القتل والدمار ونزيف الدم العراقي . إن أضرار هذا النهج بدت واضحة في آخر تصريح لأحد منظمي عمليات العنف وهو الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني. فقد أعلن هذا المتواطىء ضد العراق وبلدان أخرى في خطاب له في ندوة "الشباب والوعي الإسلامي" في طهران إن:"إيران حاضرة في العراق والجنوب اللبناني، وإن هاتين المنطقتين تخضعان بشكل أو بآخر لإرادة طهران وأفكارها... ويمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بهدف مكافحة الاستكبار... "!؟؟.

في هذه التصريحات الوقحة والاستفزازية ينافس سليماني وقاحة غلاة أقطاب التسلط الاستعماري في العهود الاستعمارية الماضية، بل ويتجاوزهم. فهذه التصريحات تأكيد واضح وإصرار على التدخل الإيراني في الشأن العراقي، و ما أحدثه هذا التدخل الإيراني، إلى جانب تدخل أطراف إقليمية أخرى ، من دمار في بلدان المنطقة وما جلبته من بؤس وعدم استقرار لشعوبها. ولكن دعونا نرى ردود فعل أقطاب الطوائف في العراق على هذه التصريحات. إن البعض كان خجولاً ودبلوماسياً في إدانة هذا التدخل الفظ، أما الطرف الطائفي الآخر الذي التزم الصمت أزاء تدخلات تركية مماثلة في شؤون العراق، فقد راح يطلق تصريحات عنجهية لا تغني ولا تسمن. في حين التزم الصمت أزاء هذه التصريحات الفظة الطرف الطائفي الذي يتغازل مع سليماني وأربابه. وعلى هذا المنوال التزمت الحكومة ووزارة الخارجية  العراقية الصمت على هذه التصريحات، على خلاف ما أثارته تصريحات أردوغان التركي الفظة حول الشأن العراقي الداخلي من إدانة من قبل الحكومة العراقية ووزارة الخارجية.

إن المواطن البسيط لمس ويلمس الآن لمس اليد، خاصة في المناطق الجنوبية من العراق، أنماط من التدخل الإيراني سواء تهريب السلاح والمخدرات و النشاطات التي تقوم بها التيارات المأجورة لإيران والتي لا تتردد في رفع صور الخامنئي ورموز دينية إيرانية  بدون حق. ومما لا شك فيه أن لدى الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية العراقية أكداس من المعلومات حول النشاط الإيراني المعادي في العراق الذي يشمل تمويل شبكات إرهابية وأحزاب لا يمكنها أن تنشط بدون دعم مالي ومعنوي وبالسلاح من قبل سليماني وأربابه. إن التحذيرات من هذا النشاط الضار قد تم طرح تفاصيله مراراً من قبل الطرف الأمريكي الذي سلّم إلى الطرف العراقي من قبل الجنرال ديفيد بترايوس المعلومات خلال المواجهات بين القوات الحكومية وبين الميليشيات التابعة لإيران في البصرة معلومات ثمينة حول نشاط العسكريين الإيرانيين، وخاصة تلك الرسالة التي أرسلها قاسم سليماني إلى الجنرال الأمريكي عبر أحد الشخصيات العراقية في عام 2008  وأشير إليها في مقالة في جريدة الغارديان البريطانية والتي جاء فيها:" الجنرال بترايوس، عليك أن تعلم أنه أنا، قاسم سليماني، من يدير السياسة الإيرانية تجاه العراق ولبنان وغزة وأفغانستان. في الواقع، السفير في بغداد عضو في فيلق القدس. والشخص الذي سيحل محله من فيلق القدس أيضا". لقد تحول سليماني إلى أسطورة التدخل في العراق بحيث أن موفق الربيعي مستشار الأمن القومي السابق قال عنه :" إنه أقوى رجل في العراق من دون منازع. لا شيء ينجز من دونه». ويشير المدير العام لقسم الاستخبارات بوزارة الداخلية العراقية، حسين كمال إلى أنه:«من الواضح أن فيلق القدس مسؤول عن هذه التدخلات. فقد كان هناك تدفق منظم للأسلحة إلى داخل العراق خلال السنوات الثماني الماضية، لكن عندما تتدفق الأسلحة من الحدود إلى داخل دولة ذات سيادة، يصبح واضحا أين يقع اللوم. إنها أسلحة مدمرة ولا يمكنهم نفي مسؤوليتهم عنها».

إن الخيار الطائفي هو مرض اجتماعي خطير يهدد وحدة البلاد وبناء دولة القانون الحديثة. وإن إصرار الكتل السياسية الطائفية على الاستمرار في هذا الخيار، وتكرار خضوع الناخب العراقي لهذا الخيار خلال كل الانتخابات الماضية دون أن يلتفت إلى آثاره الخطيرة من شأنه أن يضع مصير البلاد على كف عفريت، ويقوده إلى مصير مجهول. فهل سيستمر الناخب العراقي بتلقي المزيد من اللدغات من جحر الطائفية أم سيستيقظ من هذا السبات الطائفي، ويزيح من يعزف على أوتار الطائفية المتخلفة، ويلجأ إلى اختيار من يتمسك بالهوية الوطنية العراقية ويجمع صفوف العراقيين في مسيرة واحدة لإعمار هذا البلد المنكوب؟

21/1/2012

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.