اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• وزارة لتقييد المرأة والنيل من حقوقها وليست للدفاع عنها

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

مقالات اخرى للكاتب

وزارة لتقييد المرأة والنيل من حقوقها

 وليست للدفاع عنها

 

من حق المسؤولين في وزارة حقوق المرأة أن يفكروا كيفما يشاؤون  حول موضوع المرأة وحقوقها، تماماً كما يحق لهم أن يحملوا رأياً خاصاً حول أي شأن من شؤون الحياة دون إكراه الآخرين على قبوله. وهذه هي ميزة من ميزات الديمقراطية التي يسعى العراقيون إلى تطبيقها في بلاد رزحت خلال فترة طويلة لأعتى الديكتاتوريات، ولوصايات متشعبة وفتاوى حرمت الانسان من مزاولة حريته حتى في ملابسه وفي  بيته أو في غرفة نومه.

لقد خرج العراق للتو من نظام الوصاية والفتاوى التي فرضها النظام السابق على العراقيين، بدءاً من طريقة شرب الشاي أو حفظ الأكل في الثلاجات وغيرها من جوانب الحياة الشخصية، وآخرها "حملته الإيمانية" المعروفة. كان هذا هو المظهر الأبرز في سلوك الحكام السابقين. ولذا انتظر العراقيون أن يبادر أصحاب الشأن في النظام الجديد الذي قام بعد التاسع من نيسان عام 2003 إلى قلب صفحة على هذه النوازع المقيدة للحريات العامة. ولكن يبدو أن أنصار هذه القيود راحوا منذ اللحظات الأولى من سقوط النظام يبحثون عن طريقة جديدة وبواجهة أخرى غير "قومية ولا عشائرية " كتلك التي سار عليها النظام السابق. وولكن ما أن تحرر العراقيون من وزر النظام السابق، وجد أنصار الوصاية وتقييد الحريات ضالتهم في بدع مذهبية ودينية يُشك في أصالتها، من أجل العودة من جديد إلى نظام الوصاية وتقييد الحريات العامة وفي المقدمة بالطبع منها حرية المرأة.

ويتابع المواطن العراقي بقلق مساعي دوائر التطرف والغلو الديني والمذهبي في بلادنا من أجل العودة، وبأشكال وواجهات متنوعة، إلى نظام الوصاية على الحريات العامة. وكان آخرها ما أقدمت عليه أطراف في وزارة حقوق المرأة وبتوصيات من "اللجنة العليا للنهوض بالمرأة" وموظفات في دوائر الدولة في بلادنا بسن "مراسيم" وزارية حول زي النساء في دوائر الدولة. بالطبع لا يشمل ذلك ملابس الرجال فالموجة موجهة بالأساس نحو النساء فقط، كما جرت العادة في كل الأزمان.

ويبدو أن القائمين على هذه الموجة قد نسوا عدة أمور هامة في حياتنا وعالمنا الراهن وقيمه ومعتقداتنا. أولها أن الدولة العراقية هي ليست دولة ثيوقراطية ولا دينية ولا مذهبية، بل هي دولة ديمقراطية مدنية، كما نص عليها الدستور العراقي. وقد أقسم المسؤولون في الدولة أمام مجلس النواب على ذلك. فقد ولى عهد الأنظمة الثيوقراطية سواء في أوربا وأمريكا أو في دول أسيا وأفريقيا. فقد ثبت فشلها، وقد عادت بالأضرار على الإيمان الديني بالدرجة الأولى، وهو ما نلاحظه في غالبية الدول الأوربية على وجه الخصوص. ولم يبق من هذا النمط من الدول في عالم اليوم إلاّ أثنتان، وبعد سقوط دولة الطالبان في أفغانستان وتراجع دولة عمر البشير في السودان، وهما المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي هاتين الدولتين نشهد الآن تململاً واضحاً ضد الغلو والتزمت الديني وضد القرارات والفتاوى التي تقيد حقوق النساء والحريات العامة عموماً.

وثانياً إن أنصار التضييق على الحريات العامة يسلبون بدون أي مجوز قانوني أو شرعي حق الاختيار من المواطنة والمواطن العراقي. وهو حق كفله الدستور العراقي وكفلته الأديان السماوية، مادام أن ممارسة هذا الحق لا يعيق ممارسة الحقوق عند الآخرين ولا يلحق الضرر بهم. فالقرآن الذي تؤمن به السيدة الوزيرة صريح في حق الاختيار عندما يشير في الآيات المتعلقة بحرية الاعتقاد إلى أن: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"( سورة البقرة:256). كما يؤكد القرآن على ذلك في آية أخرى عندما يشير إلى:"قُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (الكهف 29). ومن اللافت للنظر أن هذه القرارات التي تخص الحياة اليومية للمواطنة والمواطن العراقي تتخذ بدون المشورة ولا الجدل حولها مع أصحاب الشأن، كي يقتنعوا بها، وليس القبول بها مكرهين وخوفاً على وظائفهم أو على مصدر قوتهم. وهذا يتعارض مع أسس الدين الذي يتبارى أصحاب الغلو والتطرف في المتاجرة به. فالدين الذي تؤمن به السيدة الوزيرة يدعو إلى الجدل :" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل: 125)، وإلى المشورة:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "(سورة آل عمران).

لقد أحسنت السيدة ابتهال الكاصد عندما تراجعت عن قراراتها غير الدستورية، وتنصلت وأدانت هذه القرارات الخاصة بفرض الزي الرسمي على موظفات الدولة في بيان الوزارة الرسمي، وألقت باللوم على مسؤولات أخريات. ولكن السيدة الوزيرة وفي حديث لها مع جريدة المدى البغدادية كررت ضمناً تمسكها بهذه "الوصاية" عندما قالت إن:" ما جاء في توصية اللجنة العليا للنهوض بالمرأة المنعقد في 22/ 9/2011 نص على توجيه الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة بالتزام الموظفات بالزي المناسب للعمل الحكومي، دون الاشارة الى  الوان او تصاميم معينة، وتركت ذلك الى المؤسسات وفقاً لطبيعة عملها، وهذا سياق يعمل به في اغلب العالم المتقدم اداريا"..!!. وعندما سألتها مراسلة المدى عن الدول التي تطبق هذه النماذج؟. أجابت الوزيرة:" لقد رأيت في الاردن زيا موحدا للموظفات وهناك بعض الدول المتقدمة تفرض ارتداء البدلة الغامقة حتى للرجال، كما ان موظفات ومضيفات الخطوط الجوية مثلا لهن زي موحد وهو في غاية الجمال والاناقة لماذا لا نحذو حذوهن في ذلك"!!؟؟؟. وهو ما يعني ضمناً التخبط والأصرار على التمسك بالقرارات الخاطئة.

ولا يقتصر الأمر في حديثها على ذلك، بل يتعداه إلى قضية أشد أهمية ومثار جدل واسع وهي قضية المساواة بين المرأة والرجل، حيث أشارت السيدة الوزيرة بصراحة إلى :"أنها ضد المساواة لان المرأة سوف تخسر الكثير عند مساواتها بالرجل، اما القوامة فانا اراها صحيحة وانا كوزيرة  لا ازال عند مغادرتي الدار او الذهاب الى اي مكان اخبر زوجي، وهذا  الامر لا يقلل من شأن المرأة،  بل العكس يعطيها مكانة كبيرة في الاسرة فهي الام والمربية للاجيال، ويجب ان يعرف زوجي اين اذهب، وهذا لا ينتقص من مكانتي كوزيرة!!!".  وهنا يطرح السؤال التالي وهو أن السيدة الوزيرة عضو في السلطة التنفيذية، وتأخذ قراراتها من السلطة التنفيذية العراقية ومن السيد رئيس الوزراء العراقي حسب الدستور العراقي، فاي رأي ستأخذ به السيدة الوزيرة؟ رأي السلطة التنفيذية أي الحكومة أم رأي الزوج؟ فالسيدة الوزيرة تعترف عملياً بسلطتان تنفيذيتان، سلطة الحكومة وسلطة الزوج، وهذا يعد خرق للدستور الذي يشير إلى سلطة تنفيذية واحدة في العراق ؟. ويضاف إلى ذلك فأن السيدة الوزيرة تحنث بالقسم الذي أدته عند استيزارها وتخرق الدستور العراقي عندما تقول أنني لا أؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة،. فالدستور العراقي ينص وبشكل صريح في المادة (14) على أن:"العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي". كما أنها تقع في تفسير لغوي خاطىء عندما تستند إلى مقولة "الرجال قوامون على النساء" الواردة في القرآن. فحسب ما جاء في كل المعاجم العربية من "المحيط" وإلى "لسان العرب" حول معنى القوامة إن:" الرجالُ قَوَّامون على النساء؛ وليس يراد ههنا، والله أَعلم، القِيام الذي هو المُثُولُ والتَّنَصُّب وضدّ القُعود، إنما هو من قولهم قمت بأَمرك، فكأنه، والله أَعلم، الرجال مُتكفِّلون بأُمور النساء مَعْنِيُّون بشؤونهن".

لقد وردت هذه المقولة في زمن كانت فيه النساء  يقبعن في بيوتهن، وقد تحررن للتو من جريمة وأد النساء، ولم يعملن كوزيرات رواتبهن يزيد أضعافاً على رواتب أزواجهن كما هو الحال في عراق اليوم، أو كمهندسات وطبيبات ونواب في مجلس النواب أو في سلك الشرطة والجيش كما عليه الأمر حالياً. فالسيدة الوزيرة، التي لم يحلم أحد من أسلافها من النساء قبل 1400 سنة بالمشاركة في مجلس الوزراء وفي الانتخابات التي كانت محرمة على النساء في فترات سابقة، لا ترى هذا التغيير الهائل الذي طرأ على المجتمعات البشرية وعلى المعايير الإنسانية، وما طرأ من تحولات في وضع المرأة على الصعيد المحلي والعالمي رغم المقاومة التي يبديها المحافظون. ولكن السيدة الوزيرة ما تزال متمسكة بمقولة حول المرأة صدرت قبل 1400 سنة التي كانت تتعرض للوأد والتمييز القاسي، متجاهلة حقيقة أن الحياة تتغيير وهي غير راكدة والمجتمعات تتبدل، وتظهر على السطح معايير جديدة على الدوام.

كما أن السيدة الوزيرة، باعتبارها أحد أعضاء السلطة التنفيذية، تتجاهل التزامات العراق الدولية والإقليمية بقدر ما يتعلق بحقوق المرأة، وتعلن مخالفتها لمبدأ المساواة مع الرجل. فكيف توفق بين موقفها وقناعتها الشخصية هذه وبين التزامها كعضو في السلطة التنفيذية العراقية. هذه السلطة التي تعلن التزامها بكل القرارات الدولية والمعاهدات التي وقع العراق عليها والمتعلقة بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل؟؟. إن المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي وقع عليها العراق تنص على: " … تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع من دون أي تمييز قائم على العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين". كما  إن الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه الدولة العراقية، والصادر من قبل هيئة الأمم المتحدة في عام 1948 ينص صراحة على ضمان مساواة المرأة. وتوالت المواثيق الدولية التي تؤكد على المساواة والحقوق الإنسانية للمرأة . حيث ورد المبدأ العام بعدم التمييز على أساس الجنس في جميع اتفاقيات حقوق الإنسان ، وشددت الشرعية الدولية لحقوق الإنسان على المساواة في الحقوق بين النساء والرجال  في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبروتوكولان الاختياريان الملحقان بهما. حيث تشكل هذه الصكوك معاً الأساس الأخلاقي والقانوني لعمل الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان وتوفر الأساس الذي أقيم عليه النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها. وهنا يطرح السؤال المحير التالي وهو كيف توافق سيدة تحمل آراء مناقضة لهذه القيم وتعلن صراحة لمراسلة جريدة المدى البغدادية انها:"ضد المساواة لان المرأة سوف تخسر الكثير عند مساواتها بالرجل؟؟؟!!"، على المشاركة في الوزارة وفي السلطة التنفيذية لدولة وافقت على كل المبادىء المتعلقة بمساواة الرجل بالمرأة والمدرجة في المواثيق الدولية؟. وماذا ستخسر المرأة في حال مساواتها بالرجل، حسب تعبير السيدة الوزيرة؟؟؟، وهذا ما لم توضحة السيدة الوزيرة. إننا أمام مشكلة حقيقية تتعلق بنمط إدارة الدولة العراقية، إذ كيف تستطيع سيدة تحمل هذه الآراء أن تدافع عن حقوق المرأة وتزيل الحيف عنها؟ كما إن العراقيين أمام معضلة حقيقية هي هذه الازدواجية في موقف المسؤولين وتأرجحهم بين الغلو الديني والمذهبي، وبين أحلام استقرار دولة ديمقراطية مدنية يتمتع بها الجميع بالمساواة والحقوق والحريات الديمقراطية والفردية التي بدونها سيبقي العراق عرضة للمزيد من الأزمات والتشرذم والاحتقان والمواجهات الطائفية العبثية والركود.

1/2/2012

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.