اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ورطة ظافر العاني وتداعياتها

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

ورطة ظافر العاني وتداعياتها

 

تحدث لي أحد الأصدقاء البغداديين الأعزاء الذي شهد سقوط نصب صدام يوم التاسع من نيسان عام 2003 عن ظاهرة هروب البعثيين ولجوئهم إلى مخابئهم ورمي أسلحتهم وحل جيشهم قبل أن يسيطر الغازي الأمريكي على بغداد. وهو هروب اعتاد عليه أعضاء هذا الحزب عبر تاريخهم وتحديداً في تشرين الأول عام 1963. ولنا مثلاً راهناً من هذه الأمثلة في لجوء ظافر العاني البعثي المخضرم إلى مقر الاتحاد الوطني الكردستاني للحفاظ على حياته وحصوله على "وثيقة عدم تعرض" باعتباره عضواً في الاتحاد الوطني الكردستاني. وكان لهذا الصديق العزيز جار من مستوى "فرقة" أو "شعبة" كل همّه أن ينغص حياة هذا الصديق وتهديده ويبتزه عندما كان البعث هو المتسلط على رقاب العراقيين قبل الغزو. لقد تحول تهديد هذا الجار بعد أيام من سقوط صدام إلى تودد وتزلف ومضاربة بالمسميات الطائفية واستعداد للخدمة وصب اللعنات على البعث وأسلافهم. وفي إطار هذا النمط من الرياء، صحا العراقيون على العديد من أنصار النظام السابق بعد سقوطه وهم يطلقون اللحى ويصبغون الجباه وحتى أنهم وضعوا العمائم على رؤوسهم وبدؤوا بالتقرب إلى الأحزاب الدينية وغير الدينية بكل ألوانها والانضمام إليها والمشاركة المفتعلة والمبالغ بها في الطقوس الدينية المثيرة للالتباس وهلمجرا.

 

ولكن وبعد هذا الزلزال الذي أطاح بالطغيان، تخبطت إدارة الاحتلال الأمريكية والقوى السياسية العراقية وفشلت في إدارة الأمور ومعالجة أثقال الحكم السابق. وعمق ذلك الغموض في كيفية التعاطي مع حزب البعث والتعامل مع أنصاره وأجهزته الأمنية الخطيرة، إضافة إلى الفشل في معالجة الكم الهائل من الخراب الذي حل بالبلاد على يد حكامه السابقين. فلم تتخذ أية إجراءات ضد هذا الحزب ورموزه باستثناء قائمة ضمت 56 من الصف الأول تم اعتقال غالبيتهم أو سلّموا أنفسهم للإدارة الأمريكية. ومن الناحية العملية بقيت القوى الضاربة لهذا الحزب بعيدة عن المساس بها، وعاودت النشاط بعد أن خرجت من جحورها من جديد. وشارك العديد منهم في العملية السياسية بعد أن فتحت أحزاب دينية وغير دينية أبوابها على مصراعيها لقبول أعضاء حزب البعث في صفوفها، والتوسل بنفس تلك الأساليب التي اتبعها النظام السابق في إدارة الدولة العراقية، مما خلق حالة من الإحباط والتساؤل لدى المواطن العراقي عن مدى مصداقية التغيير الذي تطالب به هذه الأحزاب. واشتد هذا التساؤل مع بدء التنافس غير المجدي وحتى العنفي بين من عارض النظام السابق على الغنائم، مما دفع المواطن العراقي إلى المقارنة بين سلوكيات أقطاب العهد السابق وبين سلوكيات بعض المسؤولين بعد الإطاحة بذلك النظام.

 

في ظل هذه الأوضاع تنفست فلول البعث من جديد الصعداء بعد أن لاحظت إن الضحايا بدأت تتقاتل وتنهش بعضها البعض دون السعي لحل مشاكل العراقيين. فلم يعد هناك  من يتابع فلول البعث التي استغلت أجواء التعبير الحر التي سادت المجتمع، والفوضى التي رافقت اختفاء كل مظاهر الدولة وأجهزتها. وهنا لبس هذا "الهارب" البعثي من جديد لباس "الذئب" ليتهدد ويتوعد ويترحم على من  بطش وتجبّر على هذا الشعب المسكين. وهذا ما قام به جار صديقنا العزيز حيث عادت من جديد التهديدات والتلويح بعودة "الحزب القائد"، مع كل "التوابل" الطائفية التي اعتمدها حزب البعث لتشتيت العراقيين وفرض سطوته عليهم واستعبادهم.

 

هذا الوضع المشوّش الذي عمقته أجهزة حزب البعث المخابراتية، سمح له بترتيب أموره، ووزع العمل ضمن نهجه الانقلابي لتحقيق حلمه بالعودة والتسلط على رقاب العراقيين. فراح فصيل منه من بقايا أجهزته الأمنية بتشكيل جيوش وعصابات مسلحة بالتحالف مع عصابات الإرهاب الدولي أو النشاط تحت لافتة الحواسم والتوابين وجيش عمر وكتائب ثورة العشرين وجند الإمام وغيرها. أما الفصيل الآخر فراح يعمل في العلن سواء خلال الدخول إلى الأحزاب الدينية خصوصاً وعبر توجيهات محددة. وتولى فريق آخر تنفيذ واجب الحرب النفسية والإعلامية مستفيداً من ما تيسر له من دعم من شبكات الإعلام العربية. وراح فريق آخر منهم انغمر في النشاط السياسي العلني وفي العملية السياسية ليستفيد من الحصانة القانونية لمنبره بالرغم من إعلانه العداء للعملية السياسية وإدانتها باعتبارها بضاعة أمريكية.

 

لقد استغل بعض البعثيين الظروف الديمقراطية الجديدة ليقفزوا ويتسلقوا سلم المناصب سواء في الأجهزة الأمنية أو في مجلس النواب، بحيث لم يتردد هؤلاء المستفيدين من الحصانة النيابية لتنظيم المجاميع الإرهابية. واستغلت الحصانة النيابية من قبل آخرين أما للتشويش على العملية السياسية أو لعرقلة أعمال المؤسسة التشريعية العراقية بهدف إحداث فراغ دستوري، يسمح كما يظنون، كتمهيد لعودة هذا الحزب إلى سدة الحكم. والقائمة تطول لو استعرضنا جميع أفعال هذه النماذج التي نكثت بقسمها على الدستور. فالنائبان ظافر العاني وصالح المطلك على سبيل المثال لم يترددا وباستفزاز ووقاحة خلال فترة عملهما في المجلس، في الترويج للإرهاب والعنف والدفاع عن البعث وجرائمه والتستر عليها ونفيها رغم موافقتهم على الدستور الذي يؤكد:

 

 " يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون".

 

فصالح المطلك مازال يحلم بعودة حزب البعث للسلطة، ويروّج من جديد لما قاله في حديث تلفزيوني سابق:" أن حزب البعث هو أفضل الأحزاب الموجودة على الساحة  العراقية، وإن البعثيين كسياسيين وكقادة هم من أفضل القادة الموجودين!!!". ويتنافس معه على هذه المهمة غير المشرفة النائب ظافر العاني الذي فتح النار على كل من ينتقد حزب البعث. وراح يعفي بحماس هذا الحزب من وزر جرائم القتل الجماعي والإرهاب والعنف والنهب في حديثه مع قناة السومرية أخيراً. وبالغ ظافر العاني في تغزله بحزب البعث حيث صرّح أكثر من مرة بتشرفه بالانتماء إلى النظام السابق ومزكياً جرائمه وإلصاق تبعيتها بآخرين، معتبراً حملات الأنفال وحملات الإبادة ضد القوى الوطنية العراقية واحتلال الكويت وإيران، التي لم تجلب إلاّ الدمار والتخلف للعراقيين، منجزات تبعث على الفخر!!!. لقد سبق هذين "النائبين" نواب تسللوا إلى مجلس النواب بسبب جهل الناخب العراقي بهؤلاء وامتهنوا القتل والتفجيرات وتنظيم عصابات التفخيخ والتدمير من أمثال محمد الدايني، الذي كان على قائمة المطلك، وعبد الناصر الجنابي. ومازال في جعبة هذا المجلس عدد غير قليل من أمثال هؤلاء ممن امتهنوا العنف وهم يعرقلون الآن سير عمل المجلس بذرائع مختلفة.

 

لقد كان من الضروري أن يستفيد القائمون على مقاليد الأمور بعد انهيار الطغيان في بلدنا من تجربة تصفية النازية والفاشية من قبل الحلفاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. فهي تجربة هامة، رغم الفوارق المكانية والزمانية. فقد استطاعت الإدارة التي تسلمت زمام الأمور في ألمانيا بعد سقوط النازية من معالجة شاملة للحزب النازي وكوارثه والدمار الذي خلفه في المجتمع الألماني.

 

لقد كان طاغيتنا يقلب أوراق التاريخ ويستنسخ تجارب الطغاة منه ليطبقها على العراقيين. ولكن وللأسف فات على البعض خرافة المصالحة وصدقوا أن المصالحة بين العراقيين لا تتحقق إلاّ بالمصالحة مع حزب البعث وعودته إلى سلم السلطة مكللاً بأكاليل الغار، وبدون ذلك لا وجود للمصالحة ولا عودة للوئام بين العراقيين، كما يروج له "حزب العودة". أي أنهم يريدون "مصالحة" بين الجاني والضحية كما يطالب بذلك كل من المطلك والعاني وغيرهم من فلول البعث، وهي مصالحة لم يكتب لها النجاح ولا وجود لها في تاريخ الجنس البشري.

 

والحديث هنا يدور عن المصالحة مع مؤسسة سياسية جلبت الخراب للبلاد، وأمعنت في القتل الجماعي للعراقيين وأهدرت المال العام سواء في حروب عبثية أو في نهب لا حدود له منذ انقلاب شباط الأسود عام 1963 وحتى كتابة هذه السطور. فكيف تتم المصالحة مع مؤسسة انقلابية لا تؤمن بالديمقراطية والقوانين ولا بالتعددية ولا بأي حق من حقوق للأنسان؟؟. وهنا لا نعني أن تمتد يد القضاء إلى تلك الجمهرة التي تورّطت تحت طائلة التهديد أو إغراءات السلطة وسوق النهب فيها، ودخلت في هذا الحزب ومؤسساته الأخرى. ولكن على هؤلاء، ومنهم من يشارك في العملية السياسية، أن يستفيدوا من تجربتهم ويعتذروا معنوياً للعراقيين وضحاياهم الهائلة جراء ورطتهم، وبذلك فهم يقدمون بادرة إيجابية لخلق أجواء حقيقية وراسخة للمصالح وردع الاحتقان والتوتر في المجتمع. والقانون لا يلاحقهم، بل يلاحق من أفسد وقتل ودمّر ومازال يمتهن القتل والدمار ضد العراقيين. أما من تنطبق عليه تهم الجرائم الكبرى فيجب أن تنفذ به قرارات القضاء العراقي وأحكامه وأن لا ننتظر صدور الموافقة من منظمة "الاشتراكية الدولية" أو أية جهات خارجية على تنفيذ هذه الأحكام. ينبغي احترام القضاء العراقي والسلطة القضائية العراقية التي لها الحق الأول في تنفيذ هذه القرارات شأنها في ذلك شأن القضاء في كل الدول الديمقراطية.

 

حسناً فعلت هيئة المساءلة والعدالة بالقرارات التي أصدرتها بحق بعض من ينطبق عليهم بنود قانون المساءلة والعالة بحرمانهم من الترشيح لمجلس النواب. ولقد طال هذا الإقصاء 75 مرشحاً للانتخابات ممن زوّروا وثائقهم الدراسية للحصول على المنصب النيابي، حسب تصريح رئيس المفوضية العليا للانتخابات. كما شمل الإقصاء العشرات من المرشحين من قوائم ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي وبقية القوائم الانتخابية حسب تصريح رئيس الوزراء، وحرمان عدد من الكتل لأسباب تتعلق بالأساس بعلاقتهم بحزب البعث. كل هذه الإجراءات في حالة استكمال التدقيق فيها يجب أن تكون موضع ترحيب كل الكتل السياسية الحريصة على سلامة المسيرة الديمقراطية السلمية وليست الانقلابية في العراق.

 

ولكن هناك مؤشران يثيران التساؤل حول قرارات هيئة المساءلة والعدالة. إن الدستور يشير بصراحة إلى ما يلي: " يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له". وهذا يعني أن تطال القرارات قوى قامت بأعمال الإرهاب والتكفير والتطهير الطائفي وروّجت لها. فأين هيئة النزاهة و والعدالة من المسؤولين عن قتل السيد عبد المجيد الخوئي على سبيل المثال، ومن جرائم "عصائب أهل الحق" وجيش المهدي وأمثالهم. وأين هي من المشاركين في قتل النساء وتهديدهن في مدينة البصرة ومدن عراقية أخرى؟؟. وأين هي إزاء من شارك في الاحتراب الطائفي الإجرامي وحملات التطهير المذهبي والديني والقومي والترويج له؟؟. كما أن هناك منظمات مازالت تحتفظ بجيوش وأسلحة خلافاً للقانون، ومنها من وقف في مجلس النواب وأمام الجميع وعلى شاشات التلفزة ضد القائد العام للقوات المسلحة وكالوا له الاتهامات والشتائم والأوامر بالانسحاب من البصرة بسبب قيامه بتصفية بؤر الإرهاب في البصرة ومدينة الثورة وغيرها من مناطق البلاد؟؟. وأين هيئة النزاهة من من يتربع في مجالس المحافظات وهو الذي تلطخت يداه بدماء المسيحيين في الموصل أو الايزيديين في الشيخان أو الصابئة المندائيين. هذه المواقف الغريبة لهيئة المساءلة والعدالة يثير أكثر من سؤال حول نوايا القائمين على هذه الهيئة. هل في نيتهم تكرار تجربة "مجلس حراسة الدستور" الإيرانية التي بدأت بإقصاء رجالات العهد الشاهنشاهي في أول انتخابات، ثم سرعان ما تحوّلت إلى هيئة لإقصاء كل من يطالب بالحريات الديمقراطية ويعارض الاستبداد الديني والحكم الديني المتطرف في إيران؟. إنها تساؤلات مشروعة لدى المواطن العراقي كي لا تنتقل تجربة حمى إقصاء المعارضين في إيران إلى بلادنا وحماية العملية الديمقراطية الفتية السليمة في العراق.

 

24 كانون الثاني 2010  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.