اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الدكتور هاشم بني طرفي في ذمة الخلود// عادل حبه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الدكتور هاشم بني طرفي في ذمة الخلود

عادل حبه

 

 

الدكتور هاشم بني طرفي بعد خروجه من السجن وممارسته مهنة الطب بعد الثورة الإيرانية، والصورة الثانية في سجن قصر في طهران بعد عودته من سجن برازجان الصحراوي في عام 1967

اهداء صورته في السجن إلى كاتب الرثاء وشريكه في السجن عادل حبه

 

في صبيحة يوم الأربعاء المصادف 23/3/2016، رحل عن دنيانا طيب الذكر الدكتور هاشم بني طرفي في منزله في طهران بعد أن تعرّض لسنوات طوال لمرض عضال. ولد الدكتور هاشم بني طرفي من عائلة عربية أهوازية فقيرة، وتابع دراسته وتحصيله العلمي حيث أنهى جميع المراحل الدراسية بتفوق بحيث تسنى له الحصول على مقعد دراسي في كلية الطب – جامعة طهران. وفي سنوات الدراسة، انخرط بالنشاط السياسي بعد أن تم إزاحة الديكتاتور رضا شاه من العرش على أثر دخول القوات السوفياتية والبريطانية إلى الأراضي الإيرانية كإجراء يهدف إلى قطع صلة الشاه الديكتاتور بالأنظمة الفاشية في ألمانيا وإيطاليا. وفي ظل توفر قدر من الحريات الديمقراطية والنشاط الحزبي، أنخرط الشاب هاشم بني طرفي في صفوف حزب توده إيران كتعبير عن تعلقه وايمانه بمثل العدالة الاجتماعية وايمانه بحق الشعب العربي الأهوازي في إيران بالتمتع بكامل حقوقه وإزالة التهميش والتمييز ضده.

لم تطل فترة تمتع الشعب الإيراني بالقدر المحدود من الحريات الديمقراطية، إذ سرعان ما حيك انقلاب عسكري بتخطيط من  المخابرات المركزية الأمريكية من أجل فرض ديكتاتورية الشاه الأبن محمد رضا بهلوي على الشعب الإيراني وتصفية المكتسبات والإصلاحات التي طبقها الزعيم الوطني الإيراني الدكتور محمد مصدق. وهكذا جرت الإطاحة بالحكم الوطني، وشنت حملة واسعة ضد القوى الوطنية الإيرانية، وجرى التركيز بشكل خاص على حزب توده إيران. فقد جرى اعتقال الآلاف من أعضائه، وحكم على الكثير منهم بالإعدام أو بأحكام قاسية. وكان من ضمن الضحايا طيب الذكر هاشم بني طرفي الذي تم الحكم عليه بأحكام ثقيلة. وقضى في سجن الشاه ولثلاث فترات مدة 18 سنة إلى أن تم إطلاق سراحه مع أولى بشائر الثورة الإيرانية في عام 1979.

في فترات سجنه، التقى الدكتور هاشم بني طرفي بالعديد من السجناء الشيوعيين العراقيين، الذي كانوا يلجأون إلى إيران تفادياً من بطش الأجهزة الأمنية العراقية. وهكذا التقى الفقيد بالشهيد محمد حسين أبو العيس في سجن قصر في طهران، وشكلا تنظيماً أطلق عليه أسم "المحفل الماركسي". كما إلتقى بالكثير من ضحايا الإرهاب في العراق والذين وقعوا في شباك "الساواك الإيراني" وخاصة بعد انقلاب 8 شباط المشؤوم. وقد التقيت به بعد أن عاد سجناء منفى برازجان إلى طهران، وذلك في البند الرابع السياسي في سجن قصر عام 1966 مع مجموعة من السجناء اليساريين من أعضاء تنظيم الضباط لحزب توده إيران وأعضاء في الفرقة الآذربايجانية والكردية، إلى جانب ناشطينمن الجبهة الوطنية، وفي مقدمتهم طيب الذكر المرحوم آية الله سيد محمود الطالقاني.

 

في سجن برازجان التبعيدي، لفيف من السجناء الشيوعيين وخاصة أعضاء تنظيم الضباط التابع لحزب توده إيران، ومنهم من جرى تصفيته في اعقاب الثورة الإيرانية على يد حكام التطرف الديني. الفقيد الدكتور هاشم بني طرفي في وسط الجالسين وفي المقدمة

 

منذ اللقاء الأول بالفقيد، ترك عندنا أنطباعاً بالغ الإيجابية عنه. فقد تميز بالتسامح وقابلية الاستماع والإصغاء إلى الآخرين وأدبه الجم وتعلقه بتقديم الخدمات والنصائح الطبية للنزلاء الآخرين، وغالباً ما كان يبحث في كتبه الطبية لعله أن بعثر على جواب يفسر الحالات المرضية أو دواء يشفي السجين من مرضه. كنا نراه يجوب زوايا السجن وغرفه كي يمارس عيادته للمرضى أو أن يقدم الأدوية اللازمة لتجنب سريان العدوى وخاصة الأنفلونزا.

ولم تمنعه ظروف السجن القاسية من متابعة ما يستجد في العلوم الطبية أو غير الطبية، وترجمة ما يستحق من المؤلفات ويرسلها إلى دور النشر، بعد أن يدفع مبالغ لحراس السجن كي يتم تهريبها إلى خارج السجن، أو أن يوصي بشراء بعض الكتب التي هي موضع اهتمامه. وفي أوقات فراغه من عيادة المرضى أو عند انتهاء دوره في إعداد الوجبات الغذائية للسجناء من رفاقه، كان الفقيد الدكتور هاشم بني طرفي ينكب على ترجمة الكتب شأنه في ذلك شأن الشهيد ابوتراب باقر زاده والشهيد الطيار رضا شلتوكي ومحمد علي عموئي. وهكذا شرع في ترجمة مؤلفات مهمة للعالم البريطاني جون ديزموند برنال، ومنها كتابه الشهير "الوظيفة الاجتماعية للعلم". وبعد الانتهاء من ترجمة الكتاب، أرسل الفقيد رسالة إلى العالم البريطاني، واستمر على تبادل الرسائل، خاصة عندما علم العالم البريطاني بظروف الفقيد السجنية، وكتب مقدمة للطبعة الفارسية. وثر ذلك شرع هذا العالم بالدفاع عن السجناء السياسيين الإيرانيين.

 

العالم البريطاني جون ديزموند برنال، وغلاف كتابه "الوظيفة الاجتماعية للعلم" الذي ترجمه الفقيد  الدكتور هاشم بني طرفي إلى اللغة الفارسية

 

لقد التقيت الفقيد مرة أخرى بعد الثورة الإيرانية عند لجوئي إلى إيران إثر الملاحقات التي تعرضت لها من أجهزة الأمن الصدامية. إلتقينا في بيته واستعدنا تلك الذكريات السجنية المرة، ولكن الحلوة في نقاوتها بالعلاقات بين نزلاء السجن، وطراوتها عندما كنا نلتقي بالزوار من أهالي السجناء وخاصة والدة الفقيد التي تذكرني بلباسها وطيبة قلبها ومشاعرها بأمهاتنا العراقيات الطيبات. ولكن ذلك التفاؤل الذي خيّم على المجتمع الإيراني بعد الثورة لم يدم طويلاً. فقد شرع أرباب الاستبداد الديني باستخدام نفس أدوات القمع الشاهنشاهية وأساليبه الوحشية في التعذيبوفي مطاردة من يخالفهم الرأي، وطويت صفحة على تلك المثل التي ثار من أجلها الشعب الإيراني بكل مكوناته. وعادت ماكنة القتل الجماعي والسجن تفعل فعلها، ووقع الفقيد من جديد ضحية لهذا الاستبداد المشين لمدة خمس سنوات أضافية إلى جانب ما تعرّض له لمدة 18 سنة في سجون النظام الشاهنشاهي، وخرج منهكاً بعد التعذيب الرهيب، وأصيب بأمراض مزمنة.

أيها العزيز الدكتور، رحلت عنا، ولكننا سنتذكردوماً طيبة قلبك وحسن معشرك وسعة اطلاعك وحبك للإنسان بغض النظر عن دينه وفكره أو طائفته. رحلت عنا في زمن نعيشه حيث طغت الهويات الجزئية على الهويات الوطنية والإنسانية، وانفلت الأرهاب الموحش بستار ديني ليزهق أرواح الآلاف من الأبرياء في بلداننا. إيها العزيز، نم قرير العين في مثواك الأخير، ولتبقى ذكراك ملهمة لنا من أجل غد أفضل، وماثلة على الدوام في عقول ووجدان أهلك ورفاقك وأصدقائك ومحبيك من شتى القوميات القاطنة في إيران، وفي قلوب أهل الخير من أبناء شعبك العربي في الأهواز وباقي البقاع العربية في إيران.

24/3/2016

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.