اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• في الذكرى الثلاثين لاندلاع لهيب الحرب العراقية – الإيرانية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

 

 

في الذكرى الثلاثين لاندلاع لهيب الحرب العراقية – الإيرانية

 

دمار هائل أعاد البلدين عقوداً إلى الوراء

مرت في الثاني والعشرين من أيلول هذا العام الذكرى الثلاثين لإشعال فتيل نار الحرب العراقية الإيرانية من قبل سلطة وقادة حزب البعث في العراق. هذه الحرب، التي أسموها بقادسية صدام، جلبت الكوارث للعراق وشعبه قبل إيران . وحملت ما حملت من ضحايا بلغت حوالي مليون شخص من كلا البلدين، وألحقت بهما خسائر مادية  تزيد على نصف ترليون دولار. لقد أدت الحرب إلى تغيير المعادلة السياسية في الشرق الأوسط، مما ساعد على تصاعد غطرسة المتطرفين الإسرائيليين والمزيد من تدخل القوى الخارجية في المنطقة. ويتحمل حزب البعث وقيادته بالدرجة الأولى وزر تلك الكوارث بسبب ما كان يحمله من نزعات عدوانية وتطلعات توسعية وتطرف قومي ومعاداة الديمقراطية وجنوح مفرط إلى الاستبداد. إن حزب البعث وقيادته لم تكتف بإشعال هذه الحرب القذرة، بل أمتد هوسهم للحرب والعنف إلى إشعال حرب الكويت وغزوها في عام 1990 لتصبح "المحافظة التاسعة عشر". هذا النهج الأرعن مهد الظروف والمبررات لغزو العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في عام 2003. ولم يكتف هذا الحكم بهذه المغامرات بل خاض حروباً داخلية ضد العراقيين لم يتردد فيها عن استخدام السموم الكيمياوية ضد معارضيه والسلاح الكيمياوي ضد الشعب العراقي.

والآن وبعد كل هذه الكوارث لا يسمع العراقيون أية إشارة من النقد الذاتي من قبل حزب البعث على هذه الجرائم والطيش والكوارث، بل نشهد إصراراً على انتهاج سياسة القتل والبطش والتدمير في العراق تحت شعارات بالية حول "المقاومة والعودة"، وبالتحالف مع أشد قوى التطرف والرجعية والإرهاب الدولي وعصابات الجريمة المنظمة من أيتام أبو طبر وفلول جهاز حنين، بهدف تحقيق حلمهم البائس بالعودة إلى السلطة ليرتكبوا المزيد من المغامرات والبطش ضد العراقيين. إن هذا السلوك الذي ينتهجه حزب البعث يضعه من جديد في خدمة أجندات إقليمية تسعى لتدمير العراق، وبذلك فهم يستعيدون الآن دورهم و"أمجادهم" في خدمة أجندات خارجية وخوض مغامرات وحروب بالنيابة، تماماً كما حدث وباعتراف بعض قادتهم، في انقلاب شباط المشؤوم عام 1963، وفي مسلسل "ثورتهم البيضاء المريبة" في عام 1968.

مسؤولية الحكومة العراقية في هذه الحرب

إن من عايش تلك الأيام المريرة التي سبقت وأعقبت إشعال الحرب العراقية الإيرانية، لابد وأن يتوقف عند عدد من الأمور المهمة التي مهدت لحزب البعث وقيادته القيام بهذه المغامرة المدمرة واستمرارها:

1-              كان من أول تدابير حكم البعث بعد عام 1968 هو التوجه نحو عسكرة البلاد بذريعة كاذبة حول مواجهة الغطرسة الإسرائيلية ومعزوفة تحرير فلسطين. وهكذا تم إعادة النظر بتركيبة الجيش ليتحول إلى ما سمي بالجيش العقائدي( جيش الولاء لحزب البعث وحماية سلطته وليس الولاء للوطن وحماية حدوده)، الذي سرعان ما تحول إلى جيش صدام على غرار عراق صدام. وتوجه الحكم تدريجياً إلى بناء مؤسسات عسكرية إضافية من شأنها الحد من سلطة الجيش وفرض الرقابة عليه كي لا يسعى بعض العسكريين إلى القيام بانقلاب كما اعتاد عليه حزب البعث. وهكذا تم تشكيل وحدات الحرس الجمهوري والحرس الخاص الذين فاقا بتسليحهما القوات النظامية من حيث العدة والعتاد الحديث، إضافة إلى تشكيل أجهزة قمعية متنوعة للأمن والمخابرات. واقترنت تلك التدابير بتشكيل الجيش الشعبي الذي وجهت له مهمة الحفاظ على النظام ضد أية معارضة في الداخل. لقد بلغ الأمر في هوس التسليح لدى حكام البعث أن طالبوا بسذاجة عند زيارة كوسيجين إلى العراق في بداية السبعينيات أن يزوّد الإتحاد السوفييتي الحكومة العراقية "بقنبلة ذرية صغيرة " لغرض الدفاع؟؟. وضمن هذا الهوس الذري، شرع الحكم عبر جذب علماء مصريين وعرب للتوجه نحو تصنيع قنبلة نووية، إضافة إلى الشروع بتكوين مراكز بحثية ومؤسسات للإنتاج الفعلي للأسلحة البيولوجية والكيمياوية التي استخدمت ضد أهداف داخلية وخارجية قبل وأثناء الحرب العراقية الإيرانية. هذه الحمى في التسليح والتي فاقت حاجة البلاد وقدرتها أرهقت كاهل الاقتصاد العراقي وهدرت كل الأموال التي حصل عليها العراق إثر ارتفاع أسعار النفط وتأميم الثروة النفطية العراقية، ناهيك عن الفساد الذي رافق التوقيع على هذه العقود. لقد وضع هذا النهج البلاد على طريق العسكرة والمغامرات الحربية كما تحقق لاحقاً، وألحقت أضراراً اقتصادية واجتماعية بالعراق. لقد بلغ حجم مشتريات حكم البعث من الأسلحة فقط حوالي 44 مليار دولار بين عام 1973 وعام 1990 وحسب الجدول التالي:


الواردات العسكرية العراقية بملايين الدولارات

 

%المجموع

  ألف دولار أمريكي   

        البلد

57.26

25145

الاتحاد السوفييتي

12.74

5595

فرنسا

11.82

5192

الصين

6.56

2880

جيكوسلوفاكيا

3.83

1681

بولونيا

1.65

724

البرازيل

1.29

568

مصر

1.19

524

رومانيا

0.51

226

الدانيمارك

0.46

200

ليبيا

0.46

200

الولايات المتحدة

0.44

192

جنوب أفريقيا

0.43

190

النمسا

0.34

151

سويسرا

0.24

107

يوغسلافيا

0.19

84

ألمانيا الاتحادية

0.19

84

إيطاليا

0.18

79

المملكة المتحدة

0.07

30

هنغاريا

0.07

29

اسبانيا

0.06

25

ألمانيا الديمقراطية

0.02

7

كندا

0.005

2

الأردن

 

43915

المجموع

     

2-             لا يمكن أن يمعن الحاكم المستبد في تنفيذ مغامراته دون التوجه نحو تصفية أية معارضة داخلية، وفرض استبداد وإرهاب دموي ضد الحركات السياسية وعموم الشعب. وهكذا بدأ حكم البعث منذ انقلابه في تموز عام 1968 بحملة تصفية وغدر بحلفائه في هذا الانقلاب بعد أيام من نجاحه. ثم بادر الحكم إلى شن حملات تصفية ضد التيار اليساري والديمقراطي، والحركة القومية الكردية. ولم تسلم التيارات القومية العربية من بطش حزب البعث، بما في ذلك الجناح البعثي الموالي للبعث السوري. وفي خلال ممارساته التعسفية ضد كل هذه الحركات حاول البعث المناورة أحياناً عن طريق عقد صفقات مؤقتة مع بعض الحركات السياسية، كي يعاود حملته من جديد للاستفراد كلياً بالحكم. وهذا ما جرى في الهدنة المؤقتة مع الحركة القومية الكردية إثر بيان آذار عام 1970، وتوقيع الجبهة مع الحزب الشيوعي في عام 1973. هذه المناورات سرعان ما تحولت إلى هجوم وحشي على التيارين القومي الكردي والشيوعي بعد فترة وجيزة، والتي تفاقمت خاصة بعد أن فضح الحزب الشيوعي مناورات البعث وغدره والتنكر لالتزاماته وتعسفه في بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في آذار عام 1978. هذا البيان المهم أرعب البعث ودفعه إلى تنفيذ أحكام الإعدام بعشرات من الشيوعيين العراقيين ظلماً وبحجج واهية في أيار عام 1978. وأضحت هذه الجريمة بمثابة عربون يقدمه صدام إلى الغرب وإلى دول الخليج بتخليه عن التحالف مع الحزب الشيوعي والتقارب مع الكتلة السوفييتية، وتمهيداً لإقامة تحالفات جديدة مع الطرف الآخر في الحرب الباردة وحلفائه من العرب. لقد تتوج هذا الاستبداد المفرط بمذابح شملت كوادر من حزب البعث منذ عام 1973، وتلاها مجزرة طالت نصف قيادة حزب البعث وإزاحة آخرين بمن فيهم أحمد حسن البكر في عام 1979 كي يخلو الجو كلياً لفرض ديكتاتورية فردية شرسة لصدام حسين. وقد حصل كل ذلك بهدف أن تخلو الساحة كما يظن صدام حسين من أية معارضة لتكون يده طليقة في جر البلاد إلى مغامراته التي جلبت الكوارث للبلاد.

3-             إن كل الإجراءات الآنفة الذكر مهدت السبل كي يتوجه الحكم لإشعال فتيل الحرب التي كانت أول إشارة في بدئها هي تمزيق اتفاقية الجزائر التي وقعها صدام حسين مع شاه إيران في عام 1975، والتي تنازل فيها عن حق العراق في المياه الإقليمية لشط العرب. إن تمزيق صدام حسين لهذه الاتفاقية ومن على شاشة التلفزة في 17 من أيلول هو إعلان حرب وبمثابة محو ما كان يعتري صدام حسين من القلق والكابوس والحرج أمام العراقيين بسبب توقيعه على هذه الاتفاقية المذلة.

4-             إن إعلان الحرب وغزو الأراضي الإيرانية ليس هو إجراء دفاعي كما يبرر له النظام السابق، بل هو تعبير عن أيديولوجية حزب البعث  في العراق القائمة على نزعة التوسع والهيمنة على المنطقة خاصة بعد أن رحل عبد الناصر وتم الإطاحة بحكم الشاه. لقد اعتبر النظام وبشكل خاطئ أن الفرصة سانحة له لفرض سطوته على الجوار الإقليمي وفرض سطوته على البلدان العربية من خلال إشعاله لهيب الحرب. ولم يكن اختيار الهدف الإيراني من قبيل الصدفة حيث تتمتع إيران بمكامن نفطية تقارب المكامن العراقية وتزيد عليه في مخزون الغاز، وتقع هذه المخزونات في أراضي تقطنها أكثرية عربية كان النظام على وهم أنها ستقف إلى جانبه في هذه المغامرة. لقد تمثلت عقلية التوسع والهيمنة في الشعارات التي رفعها النظام وفي أسم هذه المغامرة "القادسية الثانية" وفي الشعار المضلل الذي رفعه خلال الحرب وهو أن "الطريق إلى القدس يمر عبر عبادان"!!.

5-             ولهذا الغزو دوافع داخلية تتمثل في التهديد الموجه ضد معارضي صدام في الداخل من الحركة القومية الكردية والتيار المذهبي الشيعي واليسار، حيث أن الحرب تسمح لحكام العراق بأن تكون أيديهم طويلة في أساليب البطش لردع أي تحرك داخلي ضد النظام. أي نقل الصراع الداخلي إلى مواقع إقليمية كي يخف الضغط والمطالبة بالتغيير داخلياً على عادة كل المغامرين والمستبدين في عالمنا.

6-             ولا يخلو هذا الغزو من توجيه رسالة ترغيب وتحذير من قبل النظام في العراق لدول الجوار العربي، وخاصة دول الخليج، بكونه هو القادر على التحكم في المنطقة وحراسة "بوابتها الشرقية" ضمن العقلية البروسية التي كان يحلم ويروج لها غلاة  التطرف في الحركة القومية العربية، وخاصة في حزب البعث، وهي أكذوبة أن "العراق بروسيا العرب، وعليه تقع مسؤولية لم شمل العرب وتوحيدهم" وبالقوة وبالحروب والغزو.

7-             ولا تبتعد نوايا الغزو عن توجه النظام لتقديم عروض خاصة للولايات المتحدة كي يقدم لها فروض الدعم في مغامرته ضمن معادلة الحرب الباردة القائمة آنذاك وفي إطار الصراع الذي شب بين الحكم الإيراني وإدارة الولايات المتحدة بعد الإطاحة بحكم الشاه. وهكذا اعتبر الحكم في العراق أن إسقاط السلطة الجديدة في إيران يتناغم مع مصلحة دول كبرى ويلقى الإسناد منها وفي المقدمة الولايات المتحدة.

 

مسؤولية الحكم في إيران في استمرار الحرب

 

من حيث الجوهر يكاد لا يختلف دور التيار المتطرف في الحكم الإيراني إلاّ في التفاصيل.

 

1-             فقد نظر الجناح المتطرف في الحكم على أن هذا الغزو يشكل "بركة" من بركات الخالق وإرادة منه. فهم رحبوا بالحرب وأصروا على إستمرارها ثمانية سنوات ظناً منهم أنها تشكل فرصة لتحقيق مآرب توسعية ومد نفوذهم في المنطقة بستار مذهبي أو بذريعة الدفاع عن الشعب الفلسطيني لا يخفيها دعاة التطرف بغض النظر عن الكوارث التي جلبتها الحرب للبلاد. إن هؤلاء الحكام الجدد لا يختلفون عن حكام إيران السابقين في نزعتهم للتسلط على دول أخرى وأراضي في المنطقة يعتبرونها تعود تاريخياً إلى مناطق نفوذهم، وخاصة في العراق. ولهذا فليس من قبيل الصدفة أن يرفعوا نفس الشعار التوسعي الذي رفعه صدام حسين مع رتوش "الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء" أو شعار "حرب حرب حتى النصر"!!.

2-             كما كانت  الحرب فرصة ذهبية للجناح المتطرف لفرض هيمنته ونهجه كلياً على البلاد. وهذا ما جرى خلال سنوات الحرب حيث أزيح أول رئيس جمهورية منتخب هو أبو الحسن بني صدر الذي هرب من البلاد، وأسقطت وزارة المهندس مهدي بازركان. وجرى تصفية الحريات السياسية المحدودة التي شاعت في البلاد بعد اسقاط حكم الشاه. وقام الجناح الديني المتطرف بحملة شرسة طالت التيارات الدينية والعلمانية والقومية التي شاركت في انتصار الثورة الإيرانية. وتحولت هذه الحملات إلى مجازر وتصفيات رهيبة طالت حتى ضباط كبار في الجيش الإيراني ممن ساهموا في معارك إخراج قوات صدام من الأراضي الإيرانية. وامتلأت السجون بكل من يحمل رأياً لا ينسجم مع التيار الديني المتطرف. وتشكلت قوات خاصة على غرار ما حدث في العراق لحماية النظام الاستبدادي متمثلة في "حراس الثورة" و"التعبئة" التي تحولت إلى أدوات قمع لكل من يعارض النهج المتطرف المعادي للديمقراطية. لقد أعلن وزير الخارجية الإيراني إبراهيم يزدي في الثالث من مايس عام 1979 عن نية الحكومة الإيرانية في تخفيض عدد الجيش إلى النصف. فتم تخيفض عدد القوات المسلحة الإيرانية إلى النصف، ليبلغ عددها 240 ألف فرد. ولكن انلاع شرارة الحرب دفع الحكام الإيرانيين إلى استحداث قوات مسلحة جديدة. فساعدت الحرب على تحول النظام في إيران إلى نظام استبدادي ثيوقراطي عسكري مذهبي متطرف.

3-             ولا يخلو إصرار حكام إيران على استمرار الحرب والترحيب بها من نزعة للسعي إلى تبوء مركز إقليمي وحتى عالمي!!، وتحولهم إلى أحد الدول المؤثرة في السياسة الاقليمية والعالمية. وليس من قبيل الصدفة أن يتحول أي نجاح تحرزه إيران أثناء الحرب في إخراج قوات صدام من الأراضي الايرانية إلى رسالة معنوية لأنصارها في دول الجوار وغير الجوار أو إلى الدول الكبرى كدليل على قدرة إيران على تبوء مكانة مهمة على الصعيد العالمي. وكما رأينا لاحقاً فقد كانت الحرب والإصرار على استمرارها عاملاً مهماً وورقة بيد حكام التطرف الديني للتطرف السياسي في المنطقة وعامل عدم استقرار فيها.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.