كـتـاب ألموقع

• سياسيون من طراز عجيب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

سياسيون من طراز عجيب

ينبغي الإقرار بأن لجوء العراقيين إلى صندوق الانتخابات باعتباره الحكم الفصل بين العراقيين في إدارة شؤونهم هو خطوة إيجابية طالما حلم بها العراقيون، وبالرغم من أن هذه الانتخابات رغم كل ما اعتراها من نواقص جدية سواء بالتشريع أو التنفيذ هي خطوة أخرى إلى الأمام على طريق غير قصير لبناء الدولة الديمقراطية الاتحادية العراقية. ولكن الانتخابات البرلمانية العراقية أماطت اللثام عن مشاهد ينطبق عليها المثل الذي يردده العراقيون والقائل "اللعب على المكشوف". فسلوك بعض المرشحين والسياسيين العراقيين من أجل الحصول على المنصب لا يمكن وصفه إلا بأنه يتعارض مع الحرص على العراق وسيادته ولجم أي تدخل خارجي في شؤونه. فالتمسك بالعامل الخارجي واللجوء إليه لحل المشاكل العراقية أصبح على المكشوف من قبل بعض الساسة هو القاعدة بدلاً من احترام ارادة الناخب العراقي الذي ائتمنهم والجلوس مع المتنافسين وبأعصاب باردة وبعيداً عن المناطحات والاتهامات لحل مشاكل هذا البلد العويصة.

لقد كان واضحاً في الحملة الانتخابية ومنذ بدايتها بروز مظاهر  عجيبة وعيوب خطيرة  في ممارسات السياسيين العراقيين ومنهم من يحتل المواقع المتنفذة في العملية السياسية. فلقد أقترنت الحملة الانتخابية وما سبقها من تنافر خطير وليس تنافس بين السياسيين ليصل إلى حد الاتهامات الخطيرة والتعريض والتشويه بحيث سدت كل الطرق أمامهم للجلوس على مائدة المفاوضات للتفتيش عن الحلول للخروج من النفق الذي حشر فيه العراق والعراقيين. وعلى هذا المنوال لا يبدأ بعض الساسة العراقيون حملتهم الانتخابية من مخاطبة الشارع العراقي لكسب ثقته، بل بدأوا من مدينة الرياض السعودية أو القاهرة أو دمشق وهي مدن تهيمن عليها أنظمة لا علاقة لها بالانتخابات ولا بالديمقراطية التي يتغنى بها هؤلاء الساسة، أنظمة غارقة في مشاكل داخلية في بلدانها وغير قادرة على حلها. وهكذا واجه هؤلاء الساسة العثرات الجدية عندما وضع الناخب العراقي في خياره الانتخابي اللافت للنظر جميع الكتل المتنفذة على مستوى واحد تقريباً في دلالة تفرض على المتنافسين التشاور المثمر والهادئ والحكمة والبحث عن طريق عراقي لبناء البلد. ولكن من المفارقة إننا لاحظنا توجه هؤلاء ومن مختلف الألوان إلى طهران، التي يزهق النظام الاستبدادي فيها أرواح المطالبين بالديمقراطية والانتخابات النزيهة، لكسب ودها ودعمها في تشكيل الحكومة الجديدة المنتخبة ديمقراطياً، وبما في ذلك السياسيون الذين يلوحون ليل نهار بالخطر الإيراني. وتحوّلت العواصم الإقليمية وليس الأراضي العراقية مواقع لتسوية الاشتباكات بين الكتل المتصارعة، وليس المتنافسة على بناء العراق الجديد. فمن الغرابة أن لا تجد النخب الموصلية وهؤلاء الساسة بقعة عراقية لحل مشاكلها سوى الأراضي التركية وليس مدينة أم الربيعين.

لقد أمطر هؤلاء الساسة الشعب العراقي بشعاراتهم حول السيادة العراقية ومنهم من حمل السلاح بهذه الذريعة، ولكننا نراهم يستجدون الآن التدخل الخارجي في الشأن العراقي وفي رياء مكشوف وبدون خجل من الرأي العام العراقي والأجنبي. إن هذا السلوك هو تكرار لمأساة النظام السابق الذي ذهب إلى الجزائر لحل مشاكل داخلية عراقية مع شاه إيران بدلاً من التشاور مع العراقيين، مما عاد بالخسائر الكبيرة على العراقيين عرباً وأكراداً وعلى العراق بانتهاكات تمس السيادة العراقية على أراضيه.  ومع ذلك لم يحل هذا اللجوء المشين إلى العامل الخارجي مشاكل العراق ولا مداواة جراح العراقيين حيث زادها تقيحاً وتعقيداً. كما لا يتعض هؤلاء الساسة من  تجارب بلد شقيق لنا وهو لبنان الذي سلك سياسيون ذوي نفوذ فيه ومنذ تأسيس هذه الدولة نفس الطريق، أي طريق الارتهان للعامل الاقليمي والخارجي. ولكن هذا الطريق لم يعد على اللبنانيين بالسلام والاستقرار، بل بحروب داخلية متعاقبة ودمار وقتل مريعين واجتياحات وعربدة إسرائيلية مدمرة.

والآن وهؤلاء الساسة منغمرون في دوامة نتائج الانتخابات والبحث عن صيغة لتقسيم الغنائم، ما عليهم إلا إعادة النظر بهذا الطريق الخطر الذي لم يجلب الاستقرار للعراق. عليهم الجلوس وبرؤوس باردة تغلب عليها خدمة العراق وليس تقسيم الغنائم لتشكيل حكومة انقاذ وطني وعلى أساس برنامج محدد قصير الأمد لخروج العراق من دوامة  العبث وبعيداً عن أمزجة وتدخلات الأطراف الإقليمية والدولية كي يكسبوا احترام الرأي العام العراقي، ويكسبوا احترام الرأي العام الدولي الذي نحن بأمس الحاجة إليه كي نسترجع السيادة التي انتهكت بسبب ممارسة حكامه السابقين ولجوء اللاحقين منهم إلى العامل الخارجي. كما نكسب الدول التي تساندنا في إزالة تبعات السياسة الشائنة لحكامنا السابقين الذين أدخلوا العراقي في هذا النفق المظلم.

لقد وضع الناخب العراقي الكتل الفائزة أمام خيارين لا ثالث لهما. فأما العودة إلى مربع التناحر الطائفي والقومي والمناطقي الذي عشناه خلال سبع سنوات عجاف، وأما أن يسعى الفائزون في الانتخابات إلى تهميش الرؤوس الحارة الطائفية والقومية المتطرفة في كتلهم، والتوجه بجدية نحو تشكيل حكومة طوارئ وانقاذ وطني من خيرة  الخبرات والكفاءات العراقية وما أكثرها، بغض النظر عن انحداراتها وتلاوينها وتحت إشراف هذه الكتل. وبذلك يتجاوز العراق المخاطر الجدية التي تحيق به. فمثل هذه الحكومة قادرة على وضع الخطط العلمية لانتقال العراق إلى دائرة السلام الاجتماعي والاستقرار والبناء والتنمية وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العويصة التي ورثناها من النظام السابق ومن مرحلة التطاحن العبثي الطائفي والعرقي والمحاصصة الطائفية والعرقية. وعلى هؤلاء الساسة تأجيل حل المشاكل التي يصعب التوصل إلى حلول مشتركة لها إلى مرحلة أخرى ضمن السعي لتعميق المسار الديمقراطي، هذا المسار الكفيل بزرع الثقة بين العراقيين وتعميق الوعي الديمقراطي والتسامح بما يسمح لحل أعقد المشاكل وأخطرها.

2 آذار 2010