كـتـاب ألموقع

ترامب لا يحارب الإرهاب بل يُغذيه// عادل حبه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

ترامب لا يحارب الإرهاب بل يُغذيه

عادل حبه

 

صدّق بعض المعلقين السياسيين العراقيين دعوات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب حول وعوده بمحاربة الإرهاب حتى "القضاء عليه". كما استبشر أقطاب في الحكومة العراقية وعود ترامب حول الاستمرار في دعم العراق في حربه ضد داعش وأمثالها. إن الوعود المتناقضة التي يطلقها جزافاً هذا الرئيس غريب الأطوار، تدفع أي متابع محايد بعيد النظر إلى التشكيك في جدية هذا الرئيس في التصدي لأهم وأخطر قضية تواجه العالم وهي ظاهرة الإرهاب الخطيرة.

إن أولى القرارات التي اتخذها دونالد ترامب والتي تصب لصالح تغذية الارهاب وانتشاره هو قراره بنقل مقر السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، وهو قرار ظل معلقاً في عهد كل الرؤساء الأمريكان منذ احتلال اسرائيل للقدس في عام حرب عام 1967. فهذا القرار أما يعكس جهل الرئيس الأمريكي بأسباب تفشي الإرهاب في العالم وانتشاره بين أوساط واسعة من الشبيبة في العالم الإسلامي والغربي على حد سواء، أو أنه يغازل الإرهابيين كي يمعنوا نشر الدمار وسفك الدماء في بلداننا وفي العالم. فمن المعلوم إن القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني شكلت أحد الدوافع والذرائع الفكرية للمنظمات الإرهابية والتطرف الديني لشق طريقه في بلداننا وفي العالم، وتحويل بلداننا إلى ساحة وبعض مناطقها إلى حاضنة لهذه الريح الصفراء التي جلبت الخراب والهلاك وبعشرات الأرواح البريئة في العراق وسوريا واليمن ومصر والجزائر وتونس والعشرات من البلدان شرقها وغربها. وستظل القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني مصدراً فكرياً لمختلف أنواع التطرف والإرهاب الديني في العالم ما لم يتجه المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة والغرب الحاضن لممارسات حكام اسرائيل التوسعية والتعسفية والمخالفة لقرارات الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار يأتي قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة بمثابة قرار وقح ومدمر لا يصب إلاّ في مصلحة الإرهابيين والمتطرفين، وسيعود إلى مزيد من الضرر على الولايات المتحدة نفسها ويزيد من عزلتها والكراهية لها ويؤدي إلى مضاعفة التوتر الخطير والتطرف في منطقة الشرق الأوسط التي تحترق بنار الإرهابيين. فقرار دونالد ترامب يشكل حقنة ودفع مميز للتعسف والظلم الإسرائيلي وللإرهابيين على حد سواء.

أما القرار الغريب الآخر الذي اتخذه هذا الرئيس العجيب، وهو الأمر التنفيذي الذي يحظر دخول مواطني العراق وإيران وسوريا والسودان واليمن وليبيا والصومال، أي مواطني دولاً إسلامية. إن القرار لا يشمل مواطني الدول التي ساهم بعض مواطنيها في الهجوم على المدن الأمريكية في 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001. فمن المعلوم أن مواطنين من السعودية على سبيل المثال هم الذين تصدروا وشاركوا وانتحروا في هذه المجزرة الوحشية. وعلى هذا بادر الكونغرس الأمريكي ذو الأغلبية الجمهورية، أي حزب ترامب، إلى إصدار قرار بملاحقة العربية السعودية وتجريمها بالتعويض عن خسائر بالأروح بلغت 2997 مواطناً أمريكياً. كما لم يشمل هذا الأمر التنفيذي دولاً تساهم في التمويل والدعم اللوجستي واحتضان الإرهابيين كتركيا وقطر والامارات العربية ودول اسلامية أخرى. وفي هذا القرار التنفيذي يستثني الرئيس الأمريكي، وعلى أساس طائفي متطرف، المسيحيين في هذه الدول من هذا السياق. وهنا يرتكب الرئيس الأمريكي مخالفة صريحة للدستور الأمريكي الديمقراطي الذي يشير في أبرز نصوصه على إدانة ومعاقبة أي سلوك وممارسة قائمة على التمييز في الدين أو العرق. فالدستور الأمريكي صريح في تأكيده على علمانية الدولة حيث يُعتبر دستور الولايات المتحدة وثيقة علمانية تبدأ بعبارة "نحن البشر" ولا تحتوي الوثيقة على أي ذكر لكلمة الرب، وإن الإشارة إلى كلمة دين في الدستور استخدمت للتأكيد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس عقائدهم. فالفقرة السادسة من الدستور تنص على أنه ليس من الوارد إجراء اختبار ديني لأي شخص يرغب في شغل أي وظيفة حكومية. كما نص أول تعديل أدخل على الدستور ينص على أن الكونغرس لن يقوم بأي حال من الأحوال بتشريع قانون قائم على أساس ديني. ويعتبر هذا الأمر التنفيذي "خير غذاء يسمن" المنظمات الإرهابية فكرياً والتي تعيش على موضوعة ترددها كل المنظمات الإرهابية والمتطرفة حول محاربة الغرب للإسلام وموضوعة "الاسلاموفوبيا". 

ومن اللافت للنظر أن هذا القرار يشمل مواطني دولة، وهي العراق، التي تربط الولايات المتحدة بها اتفاقية أمنية ستراتيجية تنص في أحد موادها على: "يوافق الطرفان على الاستمرار في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق، بما في ذلك، وفق ما قد يتفقان عليه، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الامن العراقية، من اجل مكافحة الارهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون، بناء على طلب من الحكومة العراقية. فهناك حوالي أكثر من 5000 مستشار وجندي أمريكي وقوات جوية فاعلة تساهم في دعم العراقي في حربه ضد الإرهاب، فكيف يمكن مقارنة ذلك مع هذا القرار التنفيذي المريب الذي ينص على حرمان العراقيين، بما فيهم من يحمل جنسية ثانية بريطانية كانت أم سويدية وكل من يشار في جوازه إلى أنه قد ولد في العراق من وضع قدمه على الأراضي الأمريكية، في حين أنه لم يعثر على أي عراقي ساهم في أحداث 11 سبتمبر ولا في العمليات الإرهابية في العالم. فما هي الحكمة والدافه وراء هذا القرار سوى التعصب الطائفي والديني للإدارة الأمريكية الحالية التي تقدم بذلك أكبر خدمة للإرهاب الذي يحرق العراق ويسفك أبناء شعبه. وماذا ستتخذ وزارة الخارجية العراقية العتيدة من إجراءات لمعالجة هذا القرار الطائفي والعنصري لدونالد ترامب؟ إن وعود ترامب بدعم العراق ضد الإرهاب تتعارض مع هذه الإجراءات التنفيذية التي تغذي الإرهاب والإرهابيين.

29/1/2017