اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• على هدى الانتفاضة التونسية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

مقالات اخرى للكاتب

             على هدى الانتفاضة التونسية

شبح الحرية والديمقراطية ومناهضة الفساد يجول في أروقة قلاع الاستبداد العربي

 

الحرية والديمقراطية أولاً

إن انتفاضة الشعب التونسي الشقيق والإطاحة برمز آخر من رموز الاستبداد العربي بعد سقوط صدام حسين في العراق، يدل دلالة أكيدة على أن الحرية والديمقراطية ومكافحة الفساد هي مطالب عربية شعبية ملحة، وليست بدعة أمريكية ولا هي بضاعة مستوردة "أمبريالية" يروج لها أبناء العم سام كما يظن البعض. إنها مطالب تنسجم مع حاجاتنا وقيمنا وحضارتنا، ولا تتعارض مع طبيعة مجتمعاتنا كما يحلو لحكامنا المستبدين ولعاشقي الاستبداد من منظريهم وأدعياء ثقافته  في تجاهل هذه القيم الإنسانية. فالنزعات نحو الحرية والديمقراطية والعدالة ليست بالجديدة على عالمنا العربي، فلها عمقها في تاريخنا الحديث والقديم، قدمت خلاله شعوبنا الضحايا من الخيرين من أبنائها وبناتها.

fلا شك إن لهذه الانتفاضة الباسلة دوافع موضوعية داخلية تتلخص في نهج التجبر والتعسف والتجويع والفساد ومعاداة الديمقراطية التي تمارسها غالبية جبابرة العالم العربي من الذين يصرون على التمسك بالحكم طوال حياتهم وتوريثه لأبنائهم وتزوير إرادة الشعب عبر انتخابات صورية مزيفة وبقوة القمع وأجهزته رغم رفض الشعب لهم. إن مشكلة هؤلاء الجبابرة تتحدد في أنهم يتجاهلون بغباء ما طرأ على عالمنا من تغيرات جذرية في الموقف من مبادئ الحريات العامة وتصدي الرأي العام العالمي بحزم لانتهاك الحقوق المشروعة لأبناء البشر. ومن هنا لا يمكن فصل هذه الانتفاضة عن تأثير الأجواء العامة والموجة الجديدة من الديمقراطية والمطالبة باحترام الحريات العامة والتمسك بالاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تكتسح العالم الآن. هذه الموجة فرضت على الدول كبيرها وصغيرها أن تحترم هذه المبادئ الإنسانية، وأن تحسب ألف حساب لأي خرق لها، ما عدا الحكام العرب الذين مازالوا غارقين في سبات الاستبداد ونغمة القيادة التاريخية والحزب القائد والملك المغوار وقائد الأمة وأبوها وجدها ظناً منهم أن ذلك يوفر الحماية الأزلية لتجبرهم وتسلطهم. ولكن هيهات، فحكم التاريخ يخبأ لكل هؤلاء مصيراً كمصير صدام حسين وطاغية تونس أخيراً.

لقد تغير عالمنا تغيراً كبيراً في الموقف من الحريات العامة خاصة في العقود الأخيرة، بحيث لم يعد من يحمي الطغاة من الخارج ومن الدول الكبرى تحديداً والتي رعت لعقود منتهكي الحريات الديمقراطية الذين أفرطوا في سفك دماء شعوبنا. فحكام الولايات المتحدة المتحدة على سبيل المثال كانوا أول من بادر بعد الحرب العالمية الثانية برفع راية المكارثية المشينة المعادية للديمقراطية داخل بلادهم والتي طالت خيرة مثقفي الولايات المتحدة وفي مقدمتهم شارلي شابلن، ونشروها على نطاق العالم. وهكذا سعت الولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة إلى كبح كل تطلع لشعوب العالم نحو الديمقراطية، ونظمت الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالخيارات الشعبية في إيران والعراق وكل دول أمريكا اللاتينية في ذروة تلك الحرب المدمرة لقيم الحرية والديمقراطية.  فقد أقدمت على اسقاط حكومة  الدكتور محمد مصدق المنتخبة في إيران لصالح عودة الشاه المخلوع إلى الحكم في بداية الخمسينيات. واختتمت الإدارة  الأمريكية هذه الاعمال المدانة بانقلابها ضد الزعيم الوطني المنتخب سلفادور أليندي في تشيلي عام 1973، وزرعت بدله بينوشيت كدكتاتور يحز رقاب الشعب التشيلي.

إلاّ أن هذا النهج الرجعي المدمر للتطور الديمقراطي في العالم قد ثبت فشله. إذ أن من مصلحة الولايات المتحدة إقامة علاقات مع أنظمة مستقرة وذات قاعدة شعبية شرعية لا أنظمة طغيان هشة. وهذا العامل، إلى جانب ضغط الرأي العام الداخلي الأمريكي والخارجي ونضال الشعوب المقهورة نفسها، أجبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة في الآونة الأخيرة إلى التخلي تدريجياً عن نهج إسناد الأنظمة الاستبدادية الهشة، ودفعها إلى طرح قضية حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية على بساط البحث في العالم. وهكذا تلقفت الثورة الشعبية في إيران عام 1979 هذا التحول في الموقف الأمريكي الجديد من الطغاة والمستبدين، خاصة عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق كارتر في بداية شرارة لهيب الثورة الشعبية الإيرانية إدانته لانتهاك الحريات الديمقراطية في إيران. وشكل هذا الموقف الأمريكي الجديد دعماً معنوياً للإطاحة بحكم الإستبداد الشاهنشاهي. وحدث انعطاف في سياسة الولايات المتحدة بعد أن انتقلت الولايات المتحدة من راعية للأرهابيين في أفغانستان إلى ضحية لطيشهم، بحيث أضحت الولايات المتحدة شاءت أم أبت في مقدمة القوى المواجهة للأرهاب الدولي المتخلف الذي يعصف بشعوبنا تحت رايات دينية زائفة.

بالطبع لم يأت هذا التحول في موقف الإدارات الأمريكية من فراغ، بل هو أيضاً تعبيراً عن ما طرأ على المجتمع والدولة في الولايات المتحدة من تحولات في العقود الأخيرة وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. فالسياسة الخارجية لكل دولة، حسب ما يشير العارفون، هي انعكاس للسياسة الداخلية. فحركة المساواة المدنية ومناهضة  الفصل العنصري وتمييزه في الولايات المتحدة أحرزا نجاحات كبيرة، حيث حقق السود حقوقاً متساوية مع البيض ليصل في الدورة الرئاسية الأخيرة أول مواطن أمريكي أسود إلى سدة الرئاسة الأمريكية متمثلاً بالرئيس باراك أوباما. وجاءت فضيحة ويكيليكس أخيراً لتلقي ضوءاً على ما يدور في أروقة الادارة والدبلوماسية الأمريكية من نقد لاذع للمستبدين في عالمنا العربي وغير العربي على لسان الدبلوماسيين والمسؤولين الكبار في الإدارة الأمريكية، وضغوطاتهم المستمرة لإحداث تغيير في الموقف الأمريكي من الحريات الديمقراطية في هذه البلدان، ومطالبتها بالتحديث في هذه الدول التي يقف على رأسها حكام مستبدون يشحذون رضى حكام الولايات المتحدة من أجل استمرار بقائهم على كرسي الحكم.

هذا التحول في الموقف الرسمي للدول المتنفذة في العالم بدى واضحاً في التحول من ذلك الدعم والرعاية لحكم صدام حسين في العراق منذ بداية حكم البعث إلى ذلك الموقف الدولي المؤيد للإطاحة به. كما تجلى أخيراً في رفض غالبية الدول، التي كانت راعية للرئيس التونسي المنهار، في إعطاء حتى تأشيرة دخول له في كل الدول عدا دول ملاذ التخلف والهاربين من غضب شعوبهم في دول الخليج التي تصر على احتضان فلول البعث وكل أنصار الطغيان والإرهاب والتخلف الهاربين من غضب شعوبهم في البلدان العربية.

إن الانتفاضة الباسلة للشعب التونسي الشقيق ما هي إلاّ استمرار لما حققه العراقيون من خطوات، رغم فداحة ثمنها ورغم الشوائب التي تحيط بها ورغم المحاولات لتشويهها، نحو إرساء نظام ديمقراطي يتمتع فيه شعبنا بالحرية بعيداً ن الفساد والتحكم والتجبر والوصاية، نظام للحكم يكون فيه صندوق الانتخابات الحَكَم في إدارة البلاد، وليس هوس هذا الطاغية أو ذاك من الذين مازالوا الكثير منهم يدوسون على كرامة المواطن في البلدان العربية. إن هذا التحرك الشعبي السلمي البعيد عن البارود والبنادق والمفخخات والعبوات الناسفة في تونس يشكل رسالة إلى كل الطغاة مفادها أنه لم يعد هناك من يدعم حكمهم في عالم اليوم. فعلى هؤلاء أن يقرأوا الواقع الدولي الراهن بدقة ويكفوا عن أحلامهم الاستبدادية وقهر شعوبهم. كما ينبغي عليهم أن يدركوا بأن شبح الحرية والديمقراطية ومناهضة الفساد يجول في أروقة قلاع الاستبداد العربي.

 إنها رسالة إلى كل أدعياء "الثقافة" المزيفين في العالم العربي ووعاظ السلاطين ممن يزينوا لأقطاب الاستبداد وينظّروا ويدبجوا الشعر والمقالات للقهر وتغييب إرادة الشعوب العربية الطامحة للحرية والديمقراطية. إنها رسالة إلى كل من يدعي أن الحرية والديمقراطية غريبتان على شعوبنا، وإلى من يروج إلى أن لا مفر أن تحكم شعوبنا من قبل "ديكتاتور جائر" أو "ديكتاتور عادل". إنها رسالة إلى تلك الحركات السياسية المبتلاة بعمى الألوان ولا ترى في ما يجري في عالم اليوم وتستنكف حتى المطالبة بالديمقراطية والحرية بدعوى كونه شعار أمريكي إلى درجة يمانع فيه ممثلو بعض الأحزاب الشيوعية العربية إدراج قضية الديمقراطية ومكافحة الإرهاب في البيانات الختامية لاجتماعات الأحزاب الشيوعية العربية التي جرت في بيروت في نهاية العام الماضي أو في اجتماع الأحزاب الشيوعية العالمية الذي عقد في أفريقيا الجنوبية أخيراً. إنها رسالة إلى الأحزاب  والشخصيات الدينية المتطرفة العراقية التي تتستر زيفاً بالدين كي تفرض القيود على الحريات العامة بواسطة ميليشياتها، وتتبارى في إصدار الفتاوى والأحكام والقرارات في بعض المحافظات العراقية بشكل ينتهك الحريات العامة التي نص عليها الدستور العراقي . إن هذه التيارات المتطرفة تريد أن تفرض نظام الوصاية من جديد على سلوك العراقيين  وتريد إعادة نمط الوصاية البعثية التي أكتوى بها العراقيون، ولكن بستار وحجج وأحكام دينية أشبه بالوصاية "الطالبانية" و "ولاية الفقيه" والتي لا تمت بصلة إلى الدين الذي يدعو إلى " أن لا إكراه في الدين".

إن بسالة التونسيين في إطاحتهم بالطاغية في بلادهم لقيت ترحيباً واسعاً وتجاوباً لم نشهده في السنوات الأخيرة، مما يدل على تنامي وعي جديد وإدراك جماهيري بأهمية الديمقراطية والحرية في بناء مجتمعات حديثة متطورة. فالمظاهرات التي عمت في عدد من العواصم العربية تطورت بشكل بحيث راحت بعض العواصم تسير على درب التونسيين في المطالبة برفع القيود على الحريات العامة ومكافحة الفساد وحل المشاكل الاقتصادية المزمنة في بلداننا. وليس من قبيل الصدفة أن يخرج المتظاهرون في الأردن وفي مدينة كرك يوم 14/1/2011 مرددين شعارات اجتماعية وسياسية من قبيل:" يا شعبنا يا مسكين حرقوك بالبنزين ".. "نواب الاردن اموات.. ارجل منهم هالكوتات ".."يا نواب يا خفافيش .. ليش اعطيتوا الثقة ليش". ومن الطبيعي أن يصاب أرباب الاستبداد بالرعب من الانتفاضة التونسية. وقد عبر القذافي بوضوح في حديثه الطويل المدفوع الثمن في قناة العربية عن هذا الرعب بكيل المديح للطاغية التونسي الهارب، وتوجيه الإهانة للشعب التونسي، إضافة إلى كلام مكرر ممل دفاعاَ عن الاستبداد الليبي و"ديمقراطيته" المزعومة التي يفرضها على الشعب الليبي بالحديد والنار.

طوبى لبنات وأبناء تونس في انتصارهم التاريخي، طوبي  لأحفاد المفكر التنويري إبن خلدون والشاعر أبو القاسم الشابي الذي أنشد للمظلومين قائلاً:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة     فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلــــــــي     ولا بد للقيد أن ينكســـــر

ومن يتهيب صعود الجبال     يعيش أبد الدهر بين الحفر

وسوف يتغلب هذا الشعب على شغب " الحواسم" والحرامية وأجهزة النظام السابق التونسية التي تنتقم من الشعب جراء انتفاضته، تماماً كما سعى ويسعى العراقيون إلى التغلب على فلول الحكم السابق وعصابات "الحواسم"  والعابثين بأمنه. ولكن الكلمة الأخيرة لحكم التاريخ ومنطقه الذي لا يرحم المستبدين، بل سينتصر لمن ينطق بكلمة الحق والديمقراطية والحرية التي كانت أبداً مطلباً لكل وطني غيور.

18/1/2011

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.