د.هاشم عبود الموسوي
هل من توقع لنشوب حرب بين سوريا وتركيا
هذا السؤال ، هو ما طرحه علي موقع مركز الدراسات العربي الاوروبي في باريس .. وهذه هي محاولة إجابتي عليه:
إذا رجعنا الى الوراء ، باحثسن عن الإتصالات الأولى بين سوريا وجارتها تركيا. وإنطلقنا من الحقيقة التي تقول أن شدة قيضة الدولة العثمانيةعلى المناطق التي إستعمرتها ،كانت تتناسب عكسيا مع بعد المناطق من الإستانة، فنستطيع أن نصل الى نتيجة تقول أن سوريا كانت من المناطق التي سيطر عليها الأتراك بشكل كامل. نظرا لأنها كانت متاخمة لحدود تركيا، بالإضافة الى العامل الآخر الذي كان يميزها عن اليونان وبلغاريا وبلاد الصرب، في أن شعبها كان يجتمع مع الأتراك العثمانيين بدين واحد ، ألا وهو الإسلام
وبعد أن قفزنا طويلا الى فترة زمنية بعيدة من العلاقات الشائكة بين البلدين ، نعود الى ماض قريب . فقد أخذت تركيا تنوب عن إيران كركيزة مهمة لجمع المعلومات الإستخباراتية عن سوريا لصالح إسرائيل قي عام 1980 وذلك بعد رحيل حكم لشاه إيران.. وبهذا الصدد قفد أعدت رئاسة الأركان التركية تقريرا جاء فيه : " أن العدو الأكبر لتركيا هو سوريا " .
وقد سعت رئاسة الأركان في تجسيد هذه النظرة في سياستهاالخارجية، ويعتبر التقرير مسألة الأسكندرون "بؤرة التفجير"في العلاقات الخارجية ، ويرى أن سوريا تحرض المجموعات الأثنية الموجودة في جنوب الأناضول وفي لواء الأسكندرون .
أما في عام 1983 , فقد أقدمت تركيا على خطوة مفاجئة ، غير مفهومة ، حينما أقدمت على حشد جيوشها على الحدود السورية ، بحجة أن صورايخ "سام" الموجودة في سوريا تشكل تهديدا للأمن التركي. وسارعت الى عقد إتفاق مع الولايات المتحدة لنصب صواريخ "بيرشينغ" الأمريكية لمواجهة الصواريخ السوفياتية في الأراضي السورية
وفي مستهل عام 1992 ، وإثر نهاية الحرب الباردة ، قام الرئيس التركي " سليمان ديمريل " بزيارة الى الولايات المتحدة الأمريكية في مسعى منه لتحديد الدور التركي في الإستراتيجية الأمريكية القادمة ، ومن هنا صرح ، أن تركيا دولة أوربية وبلقانية وغرب آسيوية و شرق أوسطية وتوسطية (البحر الأبيض المتوسط ) وأسودية ( البحر الأسود ) والمعنى الواضح الذي قصده ديميريل من هذا الوصف هو أن تغيير دور حلف الأطلسي ،نتيجة لأنهيار الإتحاد السوفيتي –العدو القديم- لم يضع حدا للأهمية الإسترتيجية لتركيا، بإعتبارها العضو الأسيوي الوحيد ،بل هو يزداد إتساعا . ومن هذا إشارة الى دورها في الشرق الأوسط ، خصوصا بالنسبة للدول العربية (يعزز دورها هنا خصوصا كونها قوة مائية عظمى ، تسيطر على منابع دجلة والفرات اللذين يعتبران شريان الحياة بالنسبة لسوريا والعراق ) نعم قصد ديميريل ، بذللك لفت أنظار الأدارة الأمريكية الى الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في الشرق الأوسط ، وبأنها مستعدة لمتابعة لعب دور حصان طروادة ، ضد الأعداءالمحتملين لسياسات القطب العالمي الأوحد في هذه المنطقة ، وفي المناطق الأخرى المتاحمة لتركيا . وردا على تصريح سليمان ديميريل هذا، قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى، كان قد إشترك عن الجانب الأمريكي في المفاوضات بين الطرفين : " إن تركيا دولة علمانية ، ديمقراطية ، إسلامية وقوة عسكرية إقتصادية ، ذات موقع إستراتيجي ، وهي حليف للولايات المتحدة منذ وقت طويل وإن إحدى تحدياتنا تكمن في إيجاد أفضل السبل لإستغلال هذه العوامل سعيا وراء أهدافنا في الشرق الأوسط. ويذكر " نوبار هوفسبيان " في كتابه " تركيا بين الصفوة البيروقراطية والحكم العسكري ": أن في تركيا (60) قاعدة عسكريةأطلسية ، وأن بعضها أستخدم للتدخل في لبنان عام 1958 , وفي حرب حزيران / يونيو 1967 <زئيا ، وفي أحداث أيلول الأسود، التي جرت في الأردن , كذلك خلال إجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 . وإستخدمت لاحقا في الحرب التي شنها الحلفاء ضد العراق
وبهذا يتضح أن تركيا حاليا ، وفي أوج تأزماتها مع الدول المحيطة بها مثل إيران وسوريا ، وأحيانا العراق ، لا تجرأ أن تتخذ قرارات حاسمة والدخول في حروب ،الا من خلال الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي .
وقد جاء في التوصية التاسعة من الدراسة التي قدمتها معاهد الدراسات واللجان والهيئات المتخصصة بالسياسة الامريكية الى القيادة الامريكية في عام 2008 : بأن "عليها ان تشجع تركيا على القيام بدور رئيسي في المنطقة مع إفهامها بطريقة واضحة ، وأنها لا تستطيع ان تمارس هذا الدور ولا أن تحقق نتائجه السياسية الاقتصادية الا بالتعاون مع اسرائيل
"والولايات المتحدة الامريكية التي تجد نفسها حاليا ، بأنها تتمتع ،أكثر من أي وقت مضى ، على حجم من المصالح الاقتصادية الكبرى في منطقة الشرق الاوسط ،لا يمكن لها ان تفرط بها بسهولة من خلال خوض حروب جديدة لاتضمن نتائجها ،وهي التي خسرت الكثير ماديا ومعنويا في حربها الاخيرة في العراق ..وهي تقدر أيضا ردود الفعل لدى الشعوب العربية ضد الفعل العسكري الذي يمكن ان تتورط به تركيا ضد سوريا .
ان جُل ما تفعله القيادة الامريكية حاليا هو منح إمكانيات مالية وعسكرية وتكنولوجية لقوى المعارضة السورية ، وتعلمها بشكل أكيد بحجم الدعم المحدود الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة المتحدة ، يشكل لا مباشر ، وعن طريق حلفائها في تركيا والسعودية والأردن وقطر.. وبذلك تريد إشغال النظام السوري ن وتشتيت إنتباهه على أكثر من جبهة واحدة .. وهي تراهن على إطالة فترة الأزمنة ، من أجل إنهاك قوى النظام السوري
ولكن سوريا ردت على هذا التحدي بفغل معنوي كبير، حين قامت بإجراء مناورات عسكرية في الجو والبحر والبر ، لتثبت أنها ليست منهكة ومنشغلة بمكافحة التحركات الداخلية للمعارضة
أمريكا تريد من ناحية أخرى أن تكون سوريا حليفا قويا لهم ، إذا سقط النظام الحالي فيها .. فهي لا تسمح بنشوب حرب تشابه التي وقعت في العراق ، وقد درست حاليا نتائجها التي بالتأكيد لم تكن لصالحها .
لكل ذلك أستطيع أن أجزم بأن تركيا ليست مخولة حاليا ولا مستعدة للقيام بأي عنل عسكري ضد سوريا .. إضافة للإنذار القوي والحاسم الذي أدلت به إيران قائلة : (بأن أي إعتداء على سوريا يعتبر إعتداءأ على إيران)