اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ظاهرة إغتراب المبدعين العراقيين خارج وداخل وطنهم -//- د. هاشم عبود الموسوي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

د. هاشم عبود الموسوي

ظاهرة إغتراب المبدعين العراقيين خارج وداخل وطنهم

أحيانا يتسائل المثقفون ، وحتى المواطنون العاديون ،  وأنا واحد منهم ، عن ما حل ببعض المبدعين العراقيين من علماء وكتاب وأدباء معروفين ، ممن لازالوا على قيد الحياة ، والذين إختفت أخبارهم ، وقل ظهور أسمائهم في محافل الإبداع  أو في  وسائل الأعلام المختلفة ، ولا حتى على صفحات المواقع الألكترونية . وقد أخبرني بعضهم بأن الشعور بالإغتراب  هو الدافع لإنزوائهم  ، وغيابهم عن الساحة  ؟

بلا شك فإن الإغتراب ظاهرة إنسانية يمكن رصده لدى الأفراد المبدعين ، وكذلك لدى مجموعة أو مجتمع من البشر، عبر الملامح السلبية التي تلوح في سلوكهم وسياق حياتهم , وترسم الإفرازات الموضوعية ملامح الطرف المغترب وتكشف عن آلياته ، حيث يرتبط إغتراب (الإنسان ) عموما بشكل أو بآخر بإبتداع عوالم وبيئات تتخذ أشكالا مختلفة ، تتبع الشكل الذي يحدث به الإغتراب و أسبابه ، كما يرتبط أيضا بإبتداع العديد من النتاجات الإنسانية التي أثرت مسير الحضارة الإنسانية ، وحيث يرتبط الإغتراب بالميل نحو تكوين عوالم أخرى ، أوبيئات خاصة ، أوكيانات ، يعيش فيها الطرف المغترب ، وأعتقد بأن هذا الميل أجبر عليه الكثير من المثقفين والمبدعين العراقيين ، سواء كان ذلك الإغتراب تلقائيا أو مفروضا ، بسبب الإحباطات الكبيرة التي واجهتهم و لعقود طويلة. وتبدو هذه العوالم التي يعيشها هؤلاء ، وكأنها البدائل التي يحقق من خلالها المغتربون حالة  ( اللا إغتراب )، أو ما يعرف بالوضع المقابل ، ويتخذ سلوكهم خارج تلك العوالم آليات متنوعة يحاولون من خلالها المحافظة على ديمومة تلك العوالم ، ويرسمون بها العلاقة مع ( الآخر ) الذي يغتربون عنه ، سواءاً كان ذلك هي السلطة الحاكمة أو الوطن برمته .

ويمكن تصنيف هذه الآليات الى نوعين :

-         آليات التمحور حول الذات : ومنها العزلة والإنغلاق على الذات أوتمييز تلك الذات بالتطرف ، بل وأحيانا تدميرها ، أو البحث عن كينونة أو هوية أخرى لها يعتقد أنها مفقودة ، فتنقسم (الذات) على نفسها ، فتبدو حينئذ وكأنها ( الآخر ) بالنسبة للمغترب .

-         آليات رفض  (الآخر ) : وتعتمد على الحركة وعدم الإستقرار ، وهي إما أن تتخذ شكلا يقوم على زعزعة إستقرار الآخر ، والإضرار به ، أو تلجأ الى الميل نحو الحركة وعدم الإستقرار الذاتيين ، بما يمنع الإرتباط بالآخر ، مهما كانت صفته ، وقد زار بعض من زملائي في المنافي عددا من المبدعين ، الذين سبق وأن ذاع صيتهم ، فوجدوهم بحالة يرثى لها ، وهم يحاولون أن ينقطعوا حتى مع مواضيهم .

لقد سبق وأن حفلت مسيرة الحياة الإنسانية بأمثلة عديدة لظاهرة الإغتراب لدى الأفراد ، وظهر ذلك من خلال  سياق الحياة ، أو من خلال الأعمال التي يقدمها أو يقدم عليها ، وتقدم نصوص  الحضارات القديمة إنموذجين معروفين للأفراد المغتربين ، أحدهما ترويه ( ملحمة كلكامش ) البابلية العراقية ، وهي قصة الملك السومري (كلكامش) ، ملك الوركاء ( أوروك ) في عصر فجر السلالات (2800- 400 ق.م)، الذي أصابته حالة شديدة من الإغتراب بعد موت صديقه " أنكيدو " ، فإرتاع من أن يكون الموت مصير الإنسان ، لذا قام برحلة طويلة وشاقة بحثا عن سر الخلود ، عاد منها بالإخفاق ، بعد أن أيقن بأن الآلهة قدرت الموت لبني البشر و إستأثرت بالحياة لنفسها ، وإن من العبث أن يبحث الإنسان عن الخلود ، حتى لو كان نصف ‘له مثله، وأن خلود الإنسان يقع في أعماله ، فإنصرف بعد عودته من رحلته الفاشلة الى إعمار مدينته التي أهملها  .

أما الأنموذج الآخر فهو : أخناتون(أخن أتون) (1367-1350 ق.م) ,ذلك الملك الفرعون –من الأسرة الثامنة عشرة- الذي إغترب هاجرا ( طيبة ) عاصمة أسلافه ، ومعه دين آبائه، سعيا لعبادة إله واحد ، هو إله الشمس (آتون) ، مقيما عاصمته الخاصة ( أختاتن )المعروفة بموقع (العمارنة). ورغم وجود تحفظات على مدى نجاحه في نشر دعوته ، وإختلاف الآراء في أسبابها ، فإن تلك الدعوة لتوحيد الإله كانت الأولى من نوعها في تاريخ البشرية . وفي عصره ، عرف الفن الفرعوني شكلا مختلفا عن سياقه التقليدي .

وتبدو العلاقة وثيقة بين إغتراب الأفراد و إمتلاكهم مقدرة التعبير عما في دواخلهم ، وقد شخص ذلك الباحثون والمفكرون . وما يمكن رصده اليوم من إغتراب لدى بعض من مبدعينا بإعتباره ( الإنفصال المقترن بالتنافر والسلبية ) من خلال معاني العزلة والتنحي ، في سلوك الأفراد المبدعين ، في مقابل ما تقدمه ملكاتهم من تعبيرات في الفلسفة والأدب والفن . والخوف كل الخوف من تصاعد مشاعر الإحباط لديهم ووصولهم الى ميول الإنتحار .

وما دعاني الى طرح هذا الموضوع ، هو إني منذ بدأت أنشر على المواقع الإلكترونية في عام 2001 ، كنت أتواصل و أتمتع بقراءة نصوص وأخبار نتاجات  بعض المبدعين العراقيين من علماء وكتًاب وأدباء وفنانين ، ممن لا  أجد لهم اليوم وجوداً ، بعد أن  إختفوا  وغابوا عن الساحة ، وقل ظهورأسمائهم على مختلف المواقع الشبكة الإلكترونية .. وبإعتقادي أن الإحباط الذي لازمهم  وأصابهم من جراء إنتظار طويل لأملٍ صار بعيدا عن أعينهم ، بأن يروا ما يتمنوه لوطنهم من خيرٍ  قد تضاءل  حد اليأس .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.