اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• دردشة ... ليفرد طائر الثقافة جناحيه !

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوسف أبو الفوز

دردشة  ... ليفرد طائر الثقافة جناحيه !

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

في النشاطات الثقافية والسياسية ، التي كان لي شرف المساهمة بها داخل وخارج الوطن ، يتذكر زملائي جيدا "صراعي" الدائم من أجل استخدام وتثبيت تعبيريّ "خارج الوطن" و"داخل الوطن" ، في البيانات والوثائق ، لأني  ـ عزيزي القاريء ـ أجد في تعبيريّ "الخارج" و"الداخل " ـ حافّ ! ـ ، شيئا صار يوما بعد أخر يأخذ طابع التفرقة ووضع الحواجز المفتعلة، خصوصا حين يستخدم من قبل من يضمر نوايا الاساءة للاخرين بهذا الشكل أو ذاك ، فالامر عندي ليس مجرد اصطلاح أو مفهوم لغوي بقدر ما هو قضية انتماء لوطن ، يجب تكريسها بكل الوسائل والمفاهيم ، وهو ايضا قضية تربوية للنشأ والاجيال القادمة، فكلمة "الوطن"، العميقة بدلالاتها يجب أن تكون هي الغالبة والموحية والحاضرة، في ظل اوضاع سياسية واجتماعية وثقافية مربكة تعرض فيها موضوع الأنتماء الى الكثير من الخلل والاجحاف ، خصوصا من بعد تشكيل حكومات محاصصة ذات طابع طائفي واثني عرقي ، فمن الامراض التي أبتلى بها واقع الثقافة العراقية هو التقسيم البغيض إلى ثقافة "داخل" وثقافة "خارج" و" مثقفي الداخل" و"مثقفي الخارج" ، خصوصا حين يحاول "البعض" استثمار ذلك لاغراض بعيدة عن عالم الثقافة ، وبالمحصلة  تكون مساهمة لدق اسفين التفرقة بين روافد الثقافة العراقية !

 

في نهاية سبعينات القرن الماضي ، حين اشتدت عواصف الارهاب السياسي للنظام العفلقي المقبور، وصار الموت والسجن والتسقيط السياسي والاذلال ، يتربص بالآلآف من معارضي سياسة الحزب والفكر الواحد ، لم يكن هناك من خلاص ، سوى المنفى الاضطراري أو الصعود الى جبال كردستان ضمن فصائل الكفاح المسلح ، ومن بقي داخل الوطن ـ عزيزي القاريء ـ تعرض الى ما صار معروفا لكل العالم . وفي سنوات لاحقة في المنفى الاجباري ظهرت اصوات يروقها تصنيف الثقافة العراقية وفق الابعاد الجغرافية ، ولم يكتف "البعض" بذلك ، بل خلط كل الثمار في السلة ، فوجدنا من يرى ان كل مثقفي "الداخل" طبالون ورداحون ومداحون لفكر الديكتاتور وحروبه المجنونة ، وأن من يعيش في "الخارج" هو صاحب الموقف الواضح والمبدع الحقيقي ! ومن بعد طول معاناة ونضالات وتضحيات شعبنا العراقي ، أُنهك جبروت القمع فتهاوى صنم الديكتاتورية البغيضة بسهولة تحت سرّف دبابات المحتل الامريكي ، وسرعان ما وجدنا ان المعادلة اختلت ، اذ صار "البعض" من المثقفين داخل الوطن يستلذ بأستخدام تعابير "الداخل" و"الخارج" ،  ـ وللاسف ! ـ  وجدنا "البعض" منهم يرون ان كل مثقف يعيش خارج العراق يعتبر عندهم .." تخلى عن الوطن ولم يعش محنته " !! ، ومن بقي داخل الوطن يعتبر عندهم المبدع الحقيقي ، وان " مثقفي الخارج" لا يعيشون الثقافة الا كترف في حياتهم الرخية الناعمة ! ولم تتوقف الامور ـ عزيزي القاريء ـ عند احاديث المقاهي والحانات ، بل راحت هذه المفاهيم تتسرب وتنسحب الى بعض المراسلات والكتابات والمتابعات النقدية التي يقدمونها هنا وهناك ويتناولون فيها النشاطات والابداعات خارج الوطن !

 

مناسبة هذا الحديث ،  استلامي لعدة رسائل اليكترونية من بعض الاخوة القراء المحترمين يعلقون على موضوعات سابقة نشرت في هذا العمود ، ووجدت ان منهم من استخدم وبسخاء تعبيرات "الخارج" و"الداخل "، وايضا لاحظت انه في الاسابيع الاخيرة ظهرت بعض الكتابات لبعض الزملاء والزميلات من الكتاب ، في بعض الصحف العراقية، حول موضوع الثقافة في " الخارج " و " الداخل " ، فتولد عندي احساس وكأن هذه التعابير مع تكرار استخدامها ، واذ صارت تثير المزيد من الحساسية بين من يرفضها ولا يتعاطاها ، فأنها تكاد تتحول الى شتيمة بشكل ما عند "البعض" المتناسين تماما حقيقة ، ان اي طائر سليم البنية ، صحيح الجسم ، لا يمكنه التحليق عاليا ولا الرفرفة ، ولا الغناء والصدح ، ولا مواصلة حياته البهية أن تعطل أحد جناحيه ، او تكسر بعض من ريشهما الجميل! فكيف لطائر الثقافة العراقية البهيّ ، بريشه الزاهي بالوان الطيف العراقي، ان يحلق ويرفرف بدون اي من جناحيه الجبارين ، وهما " الداخل " و"الخارج"؟ّ! أن عطاء المثقفين العراقيين الحقيقين، الامناء لمستقبل العراق الديمقراطي ، لم يتوقف رغم كل الاجواء المحبطة ، داخل وخارج الوطن ، ففي داخل الوطن ، وبعيدا عمن التحق بركب النظام الديكتاتوري ـ طوعا أو تحت ضغوط ـ كان على الكثيرين من مثقفينا ، ولمواصلة عطائهم الفكري ، التفنن في مراوغة اجهزة الديكتاتورية التي كانت تشترط على المثقفين طريقة الكتابة والرسم والحديث والتفكير ، وخارج الوطن فأن المثقفين العراقيين من مَن سجلوا موقفا واضحا ورافضا للديكتاتورية المقبورة وثقافتها، كان عليهم مراوغة كواتم الموت والحفر بالاظافر لايصال ونشر ابداعاتهم وسط حصار المؤسسات العربية المتواطئة مع سلطة الديكتاتور. ان استعادة طائر الثقافة العراقية لعافيته وبهاءه ، كي يحلق عاليا ، بحاجة الى المزيد من التعاون بين المثقفين العراقيين واطرهم الثقافية الفاعلة ، من بعد وقفة وجدانية حقيقية لمراجعة النفس ، والتحلي بثقافة التسامح والاعتذار والتعاون ، لينهض وطننا معافىً صحيحا ، وليفرد طائر الثقافة جناحيه الجبارين على سعتهما في سماوات الوطن الديمقراطي الفيدرالي المستقل !

 

*  عمود دوري / عن الملحق الثقافي الاسبوعي لجريدة المدى العدد ( 1706 ) - الاحد  24  تشرين الثاني 2009 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.