كـتـاب ألموقع

مكاشفة: مرحبا بالموت ان كان أسمي على القائمة!// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوسف أبو الفوز

 

عرض صفحة الكاتب 

مكاشفة: مرحبا بالموت ان كان أسمي على القائمة!

يوسف أبو الفوز

 

أيها الأصدقاء في كل مكان ... الان يمكنني الموت بسلام.

أكملت فجر اليوم، 16 نيسان 2020، كتابة "المسودة الأولى" من روايتي الاخيرة!

تبين لي بأن الكلمة اقوى من الموت، ويمكن ان تكون علاجا لمقاومة اشد الامراض، فقد كان "الرفيق الأعلى" طيلة الشهرين الأخيرين، يدور حولي ويشاكسني، يطرق موظفيه الباب مرة بخفوت، مرات يحاولون التسلل عبر النافذة، فكان هناك أطباء ومستشفيات وسيارات اسعاف، وقلق ودموع شادمان، فلم استسلم. لاعترف لكم بأن فكرة الموت كانت تحوم حولي بشدة، وانا اتعرض لنكسات صحية متكررة، في ظل أجواء ينشغل العالم كله بوباء الكورونا. تعلمت ان لا أخاف من الموت واكون مستعدا له، فشخصيا اعرفه جيدا وسبق وقابلته مرارا، واعرف أن اسوأ ما فيه أن يأتيك في الوقت والمكان غير المناسب، هذه المرة، كنت قلقا جدا ان يباغتني وانا لم أكمل كتابة الرواية بعد.

 

واصلت حبيبتي شادمان حارسي الأمين، وملهمتي، بمدي بالعزم والقوة للتمسك بالحياة، فمنحت جهازي المناعي المزيد من القوة ليقاوم المرض، فكانت تذكرنا بخطط وضعناها للسفر ومشاريع لقاءات مع أصدقاء واحباب. وحين علم الاصدقاء والمحبون، بوجودي في المستشفى، انهالت علينا تحيات المحبة وجرعات الامل من كل صوب:( يمعود بعد وكت كدامك مشروعين على الاقل! ) ، كان ذلك مذهلا ومترعا بالعاطفة: (يا يوسف كل هذه الناس تنتظرك وانت تفكر بالموت ؟) . وكان هاجس أكمال كتابة الرواية قبل ان أموت، عامل اخر يشدني للتمسك بالحياة. لقد وصلت المراحل الأخيرة من العمل. فكانت شخصيات الرواية تدور حولي وتصرخ بي: (لن ترحل، لا تتركنا معلقين هكذا ، لم يبق لديك سوى صفحات قليلة لترتبط الاحداث مع بعضها)!

 

كنت اتغافل مع اوجاع جسدي، وأسرق حتى الدقائق القليلة، وسط استغراب من حولي، كنت حتى في المستشفى اغافل الممرضات لأفتح الكومبيوتر، لأضيف كلمة هنا، وادقق حدثا هناك. كنت مصرا لإكمال الرواية قبل ان يقتحم ملك الموت المشهد غصبا عني! هذا الإصرار منحني طاقة لمقاومة المرض، لإكمال هذه الرواية، بل وللتفكير بفكرة رواية أخرى أن تكرم علينا ملك الموت ورفع أسمي من القائمة الذهبية لعام 2020 !

منذ أكثر من عامين ونصف وانا في عمل متواصل مع هذه الرواية، بحثا وتأملا وكتابة!

بدأت فكرتها الأولى معي عام 1978 وانا مطارد في العراق وضباع البعث العفلقي الصدامي تطاردنا من شارع لشارع!

 

كتبت اول الصفحات منها خلال وجودي بشكل غير شرعي في الكويت عام 1979، حيث تركت وطني مضطرا، ووصلت الكويت مشيا عبر الصحراء، لكن السلطات الكويتية صادرت أوراقي، مع مسودات أخرى، حين داهمت منزل أحد اخواني وأجبروه على مغادرة الكويت.

خلال وجودي في اليمن 1980-1982 لم أنجح، رغم محاولاتي المتكررة، في العودة الى أجواء العمل وكتابة صفحة واحدة منها. في السجون الإستونية عام 1994 كتبت مشاهدا متفرقة من العمل وسكيتشات وملاحظات لمشاهد مقترحة.

وطيلة هذه الفترة، لم اتوقف في البحث في عالم الشخصيات، فازدحمت طاولتي بمختلف أنواع الكتب، التي لها علاقة بهذا الشكل وذاك بالاحداث والشخصيات والامكنة والأجواء التي تجري فيها الرواية. أجريت وسجلت عشرات اللقاءات مع مختلف أبناء جيلي للحوار وسماع حكاياتهم التي اعتقد لها علاقة بموضوع الرواية. قرأت العديد من المذكرات الشخصية عن الفترة الزمنية التي تجري فيها احداث الرواية. راجعت الكثير من الخرائط والصور الفوتوغرافية لأمكنة وشخصيات واحداث، وكتب عن الطبيعة والحيوانات والنباتات والزهور والاساطير والامثال والحكايات والخ، وفي كل هذا وشادمان معي، تمنحني الإصرار والقوة للاستمرار، وكنت أفكر أحيانا معها بصوت عال واتسمع لملاحظاتها واقتراحاتها، فهي على الدوام كانت "المستشار النسوي"، الذي يدقق التفاصيل بخصوص الشخصيات النسائية. قبل عامين ونصف، اقتنع عقلي ـ أو شيطان الكتابة! ـ بأني جاهز للمغامرة فأطلق لي العنان لأكتب، وبدون توقف، ولأنجز أخر اعمالي الروائية.

الطريف أن أول ما كتبت من هذا العمل، كان الصفحات الاخيرة منه، وكل عملي وجهدي طيلة هذه الفترة، كان منصبا على الكتابة وفق سياق يتطابق منطقيا مع احداث المشهد الأخير.

 

أثبتت الفحوصات قبل اسبوعين، كوني سليما من فايروس الكورونا. غادرت المستشفى لأن البيت أكثر أمانا من خطر الإصابة بالكورونا، أبذل جهدي لاتباع وصايا شادمان والأطباء، وأأمل التعافي ومواصلة حياتي بشكل طبيعي.

لن "احرق" الرواية وأعلن عنوانها ولن اتحدث عن عوالمها، ولكنها رواية بإحداث وشخوص عراقية ١٠٠٪، حيث قيل عن رواياتي السابقة بأنها تطير بجناحين عراقي وفنلندي.

لقد منعني الطبيب هذه الأيام من الاقتراب من الكحول، فأرفعوا أيها الاصدقاء نيابة عني نخب الكلمة!

 

*  (الصورة المرفقة بعدسة شادمان علي فتاح: مباغتة خلال مراحل العمل)