اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عائلة القوشية اصلها من قرية كزنخ// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 عائلة القوشية اصلها من قرية كزنخ

نبيل يونس دمان

 

      قرية كزنخ* الجبلية الجميلة المكتظة بالغابات والاحراش تنتشر فيها عيون الماء، ونظرا لذلك سميت " كزنخ ره نكان" اي البهيجة بمناظرها، في تلك الاقاصي نشأ خمو واخوانه، زرعوا الارض فجادت في العطاء والى جانب ذلك قاموا برعي قطعان الأغنام في تلك البيئة المناسبة، الاخطار تحيط بهم ودائما حياتهم مهددة من اعداء متربصين، لذلك اقتضت تلك الظروف الحيطة والحذر، كان السلاح لا يفارقهم وكأنه جزء من كيانهم، لا نقول ان الصورة كانت قاتمة تماماً، الى جانب ذلك كان هناك التعايش بين الاديان والاقوام المختلفة وكانت تنظم تلك العلاقات احكام عشائرية متوارثة، ومن العشائر الكردية التي تعاونت مع اهالي كزنخ وحمتهم في الشدات عشيرة الگوردان، اما القوانين والتشريعات التي تسنها الدولة ومركزها البعيد فكانت نادرا ما تطبق، لذلك تخللت فترات الزمن تلك حملات عسكرية يشنها المركز لفرض هيبته على تلك الاطراف النائية، والتي عاشت لقرون منعزلة.

 

     في تلك القرية من أعالي بلاد بيث نهرين، ولد اولاد خمو وهم كل من: ميخو، سورو، نونا، واخوات، ترعرعوا في كزنخ، وكان حكم القضاء الذي لا مرد منه، وفاة خمو فيها. فاخذت زوجته اولادها الى قرية مانكيش باستثناء ولدها الكبير ميخو، فقد آثر البقاء راعياً في جبالها الشماء. وُهب ميخو الوسامة والقوة وهو في عنفوان شبابه يجوب محيط كزنخ مع قطيع اغنامه على حساب احد أغوات المنطقة من الاكراد، وفي الصيف كان يقود قطعان ماشيته الى قمم الجبال في مناطق تسمى" زوزان" حيث ينصب الرعاة من كزنخ خيم من الشعر حتى انقضاء الصيف، فيعودون الى قريتهم وقد يضطر بعضهم في الشتاء ليتجهوا جنوبا صوب زاخو واطرافها، ولكن بعد وضع الحدود وفق بنود اتفاقية سايكس- بيكو فقد اوقفوا من العبور، فبقي قسم منهم في الجانب التركي والآخر في الجانب العراقي كما نلاحظ امتداداتهم في فيشخابور وافزروك وصوريا وغيرهما.

     اقنع أغا الاكراد الشاب ميخو ان يتزوج احدى البنات المسلمات، فعاش معها سنين دون ان ينجبوا اطفال. اما باقي اسرته فاستقروا في مانكيش وهناك تزوجت والدتهم من احد رجال القرية، وعندما كبر اولادها تزوجت احدى بنات خمو من المدعو هرمز يونان فانجبت الولدين بولص وﮔلو وهم الراهبين المعروفين في دير الربان هرمزد: اخونا سمعان (1909- 1997) واخونا مقاريس (1911- 2001).   

 شبّ سورو ونونا في مانكيش، تذكروا اخيهم ميخو الذي تركوه في كزنخ، فطاف الشوق بهم لينهبوا الارض الجبلية نحو كزنخ، هناك كان لقاء الاخوة الثلاثة بعد فراق طويل، ثم عرفوا ان اخيهم ميخو متزوج، فانتقد اخويه خطوته تلك، وبعد ايام استطاعوا اقناعه بترك المنطقة سرا والتوجه الى مانكيش، اصرت زوجة ميخو ان تتبعهم الى حيث يتوجهون، وهكذا توجه الاربعة نحو مانكيش ومن ثم الى مقر البطريركية الكلدانية في الموصل. 

     عندما سمعت البطريركية قصتهم، اقترحت عليهم الذهاب الى بغداد للابتعاد عن المنطقة، امتنع الاخوة الثلاثة الهجرة الى بغداد، هنا طلبت البطريركية من اخيهم ميخو ترك زوجته المسلمة لتلافي المشاكل، جرت محاولت اقناعها بالرجوع الى كزنخ، فاثمرت عن تركها الموصل والتوجه الى كزنخ، في نفس الوقت طلب الاخوة الثلاثة من البطريركية السماح لهم باللجوء الى بلدة القوش، فسمحت لهم، وهناك اسكنوا لفترة في الدير. لم يتركهم أغا كزنخ هكذا بل خرج مع مسلحيه مراراً للبحث عنهم وجاب المنطقة، لكنهم كانوا حذرين وعلى يقظة، فأفشلوا كل محاولات النيل منهم، ولم يتركوا وشأنهم الا بعد استقرارهم في القوش التي وفرت لهم ظروف الحماية، فعمروا فيها وتزوجوا تباعاً وانجبوا اولاداً واحفاداً تعرفهم البلدة جيدا وتعتز بهم.

     نواصل حديثنا عن هؤلاء الرعاة لما فيه متعة وفائدة للسامعين، عندما كانوا في الدير مارسوا مهنة ابائهم واجدادهم في رعي اغنام الدير وثبت لمدة اطول سورو الذي كان يسرح باغنامه في جبال وسهول المنطقة وسلاح الدير على كتفه، وقد برز شجاعاً، ففي احدى المرات كانت بيده عصا( ﮔوبال) عندما اراد مسلح سرقة قطيعه، وقد استطاع بجرأته ان يصادر سلاح السارق ويرجع القطيع المسلوب، اصبحت قصته تلك حديث الناس لمدة طويلة. تزوج من امراة اسمها مريم( الملقبة مريمتا) زوري وكانت لها ابنة من زواجها الاول من صادق ابونا واسمها نازي، تلك البنت تزوجها رجل من القوزاق اسمه نيكولا ** .

     عاش نيكولا بقية حياته في القوش، بنى بيتا في اقصى شرقها وبعد وفاته آل البيت الى  سورو الذي عاش فيه مع زوجته واولاده خمو وأنّو وجميلة التي سرقها الغجر( قرﭼاي) وكانت طفلة صغيرة. في فترة  اصبح يربي قطيع خنازير ليعتاش منها، ربما كانت المرة الأولى في القوش تجري فيها تربية الخنازير، علما بان اولاد شمعون طعان كانوا ايضا يمتلكون عددأ اقل منها ويأووها في كهف صخري مقابل بيت عيسى بلو، ايضا كان عيسى قطّي( صنا) يربي مجموعة اخرى في تلك الفترة،  يقال ان سورو باع قطيع خنازيره بعد حادثة مهاجمة احدها لطفلة صغيرة من المحلة فشوّه وجهها.

     اما كورو ابن ميخو فقد دخل الى الدير راهبا ولكنه بعد فترة من الزمن خرج وتزوج في القوش، سكن فترة في بيت بسيط يملكه حبيب بولا اسمرو قرب ثانوية القوش القديمة، وكان يرعى أغنام ويربي خلايا النحل حتى مطلع الستينات حيث بيع المكان الى عزيز مقدسي، فانتقل الى كهف كبير نسبيا في المحلة العليا قرب المحكمة، وعاش مع اسرته واغنامه في نفس الكهف حتى وفاته. وكورو ايضا رجل شجاع ولنا قصة ترأسه لقافلة الى منطقة زاخو، حيث  تعرضوا فيها لأهوال نأتي على تفاصيلها في كتابنا( حكايات من بلدتي العريقة) الجزء الثاني الذي يعد للطبع.

     كان لميخو اولاد اخرين منهم بولص الذي عمل راعيا لقطعان دير السيدة وكان معقوف الشاربين مهيبا بهندامه وسلاحه فقام بواجبه خير قيام بصبر واناة، وقد كتبت قصة طريفة عنه في كتابي السابق الذكر في جزئه الاول الصادر عام 2008، اما اخيهم الصغير واسمه حنا فقد دخل الدير وقدم نذوره باسم الراهب عوديشو، بدوره برز ايضا بالشجاعة وكذلك الوسامة والقوة والفروسية، وقد كتب عنه ابن اخيه حنا كورو ميخو ما يلي:

     قصة مقتل عمي الراهب، عندما نشبت خلافات بينه وبين رئيس الدير، فقام بحجزه مع جميع الرهبان داخل الدير وهدد بقتل كل من يخرج من الحجز، لمنع حدوث انتخاب نفس الرئيس، وقرر حلق لحيته هادفا الخروج من الرهبنة، الا ان خادم الدير اخذ الفرس خلسة وذهب مسرعا الى والدي لانقاذ الموقف. كان عمي اصغر سنا من والدي ويطيعه ولا يكسر اوامره، وفعلا انهى والدي هذا الخلاف ومنعه من ترك الرهبنة، وعلى اثر ذلك دبروا مكيدة قتله فعينوه مسؤولا على الرحى في بندوايا، وفي احد الايام من اواسط اربعينات القرن الماضي، وقبل عودته الى الدير ابلغه شخص يدعى شمعون صادق زيدكنايا، بان هناك كمين في طريقه ينوون قتله لكنه اصر الذهاب من نفس الطريق واثقا من نفسه بانهم لا يستطيعون قتله كونه هداف جيد في الرمي، لكن البندقية خانته في تلك اللحظة اذ لم تثر الاطلاقة الاولى لكونها صنع محلي، وعند محاولته النزول من الفرس اصابه احد رجال الكمين بطلقة من الخلف في رجله، وهرب الكمين ونقل مصابا الى المستشفى في الموصل، علما ان اصابته لم تكن قد اصابت العضم ويمكن معاجته بسهولة، لكن اهمل بدون علاج الى ان فارق الحياة، وفي حينها كان والدي غائبا عن الاحداث كونه في الجيش الليفي، علما ان المرحوم حميد حكيم في حينها قال انا اعالجه في ظرف اسبوع، لكن رئاسة الدير اصرت لاخلائه الى المستشفى( اه. ) *** .

     بعض ابناء تلك العائلة معروفين منهم: المطران اميل شمعون نونا، الشماس قيس يونان وابنه القس اندرو، الشاعر باسم عيسى نونا، والشهيد البطل رعد بولص ميخو الذي تصدى للدكاتورية في اوج قوتها واقتدارها.

هناك اشعار حفظها الناس عن رجال هذه العائلة نقتبس منها هذين البيتين:

نَنّي ميرَه ته ﮔورﮔيس... بَث خيلَه دْمار ﮔِورﮔيس

أثْ سِتوَه بْقَضيَن ﮔيْبُخ... وﮔِلدُخ بْخَذَن لمَصَربِـِس

ʘʘʘʘʘ

 

 

* من مجلة لغة العرب لصاحبها انستاس ماري الكرملي

الكزنخية (بفتح الكاف المثلثة الفارسية والزاي الساكنة والنون المفتوحة والخاء المعجمة المكسورة يليها ياء مشددة مفتوحة وفي الآخر هاء)، جيل من النصارى، أصلهم من كزنخ وهي قرية قرب بحيرة (وان) في أرمينية وهم رعاة غنم رحل (كوجر) وأصلهم كردي، على المذهب النسطوري. ولا يعرفون من دينهم سوى انهم نصارى، وليس فيهم من يعرف القراءة والكتابة، بل ولا يعرف ابسط الصلوات وأصغرها، فهم أميون جهلة وليس معهم كاهن ولا يترددون إلى كنيسة مذهبهم إذا مروا ببلدة أو قرية فيها كنيسة.

ولغتهم الكردية، وليس لهم من صنائع الدنيا كلها سوى رعاية الغنم. وكانوا في عهد الترك ينحدرون في كل سنة من قريتهم كزنخ إلى أنحاء زاخو وجبالها. فإذا مضى الشتاء عادوا إلى قريتهم وما جاورها.

ومنذ الاحتلال البريطاني لديار العراق إلى عهد حكومتنا العراقية الحالية لم يؤذن لهم بالتردد بين قريتهم وزاخو فبقوا في جوار زاخو من ديار الكرد العراقية وعددهم نحو مائة خيمة لا غير. وربما كانوا أقل من ذلك وهم في ترحالهم يأخذون معهم نساءهم وأطفالهم فضلا عن غنمهم. ومن الغريب أننا لم نر أحداً من الكتبة ذكرهم في مصنفه مع امتيازهم عن سائر نصارى تلك الأرجاء بسماحة معيشتهم وأميتهم وعدم ترددهم إلى كنيسة واعتزالهم سائر النصارى حتى الذين من مذهبهم. وبالأخص انهم لا يعرفون الكاهن ولا كل ما يتعلق بالدين.

والذي حققناه أن هذه القرية كانت مدينة في سابق العهد، ولم تكن من أعمال أرمينية، بل من أذربيجان. وهي المعرفة عند الأقدمين باسم (جزنق) (وزان جعفر). فإذا كتبت بحروف ارميه وقرأت على طريقتهم قرءوها (كزنخ) كما ذكرنا. قال ياقوت: جزنق بالفتح ثم السكون وفتح النون وقاف: بليدة عامرة بأذربيجان بغرب المراغة فيها آثار للاكاسرة قديمة وأبنية وبيت نار.

** نزح نيكولا من روسيا ابان ثورة اكتوبر عام 1917 واستقر لفترة في بغداد قبل ان ياتي الى القوش وينشأ اول ماكنة طحين فيها، وبنى بيتا لهذا الغرض في اقصى شرق القوش وحفر بئراً فيه، في ذلك البيت اقام نيكولا الذي عرفته القوش فارعا في الطول قويا يتكلم عربية بلكنة واضحة، ويروي ابناء محلة قاشا انه كان يدرب الاطفال عسكرياً، كان لا يحب البلاشفة وينتظر يوماً تعيد روسيا الحكم الى قياصرة آل رومانوف، ولكن لم يتحقق ذلك في حياته، فاصبح بمرور الزمن مدمنا على الخمر حتى توفي ودفن في مقبرة البلدة، كان اهالي القوش نادرا ما يطحنون حنطتهم عنده، بل يفضلون الطحين الذي تصنعه رحى نهر بهندوايا.

***  استقينا مصادر موضوعنا والصور المرفقة من احاديث الناس: شابا قيا، سالم يوحانا، سعيد زوري، كامل دمان، حنا كورو. وكذلك كتاب" آفزروك شنو" تأليف الشماس انويّه رزقو الكزنخي- بيروت 2017.

ملاحظة: اذا وجدت في الموضوع الذي حاولنا فيه، ثغرات او هفوات نطلب من القارئ تنبيهنا اليها لأجراء التعديلات حتى يكتمل بصورة أفضل، والكمال لله وحده.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.