كـتـاب ألموقع

مسيرة المرأة عبر الحضارات الشرق أوسطية عامة والرافدينية خاصة// يوسف زرا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

بحث اجتماعي تاريخي

مسيرة المرأة عبر الحضارات الشرق أوسطية عامة والرافدينية خاصة

يوسف زرا

 

ملاحظة: القي البحث كمحاضرة بدعوة من رابطة المراة العراقية في القوش وفي مقر اتحاد الشبيبة الديمقراطي وذلك بتاريخ 8 تموز 2016

 

المقدمة :

       مرت البشرية منذ العصور التاريخية القديمة تعيش كجماعات صغيرة في كهوف ومغاور جبلية ضمن العلاقات المشاعية البدائية والاسترقاق ، وعبر مراحل زمنية طويلة من عدم الاستقرار النسبي . تبوأت المرأة مكانة خاصة بسبب انجابها الأطفال في الوقت الذي كان الرجال يجوبون الغابات والوديان والجبال بحثا عن المواد الغذائية من الفواكه واثمار الأشجار الطرية والجافة ، عبورا الى مرحلة الصيد والرعي . ثم جاءت مرحلة الزراعة البدائية والتي كانت نتيجة مباشرة المرأة وابتكارها لها بشكل منفرد وبعد الانتقال من موقع الى اخر وحسب خصوبة الأرض ووفرة مصادر المياه وظهور القرية الزراعية البدائية(1) مما أدى الى زيادة مكانة المرأة ضمن التجمعات السكنية الجديدة لأسباب عدة ومنها انجاب الأطفال والعناية بهم والتي تحترف وظيفتين أساسيتين – وظيفة  انتاج (البشر)(2) . ووظيفة الزراعة . أي بدء استثمار الأرض كنتاج اقتصادي مما أدى الى ارتقاء مكانتها في هذه المرحلة الى مستوى اكتساب النفوذ (السلطة المركزية لأول مرة) في إدارة شؤون الاسرة بصورة منفردة ومباشرة دون مشاركة الرجل لها . وتحكمت فعلا بمرحلة تعدد الأزواج(3) والتي منها جاء (طور الامومة) في انتساب الأولاد اليها قبل انتسابهم الى الرجل بفترة طويلة .

       وبسبب تطور وظيفتها الزراعية . اهلتها هذه الفترة كامتياز لاستحقاق زمني ليمتد نفوذها الإداري الى خارج المسكن الى جانب تمتعها بسلطة ربة البيت مما اكتسبتها الخبرة الواسعة في كافة مجالات الحياة اليومية نسبيا حيث كان الرجل ولا زال متفرغا لجني القوت اليومي كما جاء سابقا.

2- المرأة الرافدينية والاسطورة :

       ان أقدم فترة تاريخية موثقة ، تؤكد لنا أهمية موقع ومكانة المرأة الرافدينية كنموذج – امرأة عاملة وامرة ملكة – وعلاقتها بأسماء الالهة ، هو كما جاء مدونا بالخط المسماري في الاساطير السومرية والبابلية ، كطفرة زمنية نوعية في حياتها ضمن مسيرة المجتمع البشري . وارتفاعها الى منزلة الالهة جاء عبر عدة ملاحم واساطير ومنها قصة الخلق ثم قصة الطوفان(*). وبعدة أسماء ومنها الالهة (نمو) السومرية خالقة الانسان يقابلها (مامي) البابلية والتي تعني الام الكبرى والأرض والتربة الخصبة . ثم جاءت متخصصة بوظائف شتى ومنها الالهة – عشتار – الهة الحب وباسم (ارش كيجال) الهة الأرض والعالم السفلي . وباسم (شالا) الهة ربة سنبلة القمح (الهة الزرع) وثم – ننخر – ساج (ننماخ) وهي من الالهة السومرية الخالقة أيضا .

       وبسبب انتقال المرأة الى مستوى قيادة الحكم (مرحلة ظهور العقد الاجتماعي الأول) فأصبحت (شوب – اد)(4) الملكة السومرية الحكيمة الأولى في إدارة مدينتها (مرحلة دولة المدن) + 3000ق.م) . وتعتبر مرحلة المرأة بالمكانة المميزة – ربة الاسرة – ثم الالهة – ثم الملكة – مرحلة ظهور الثقافة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية . وذات اعراف وقيم خاصة بها وبعيدة عن ظاهرة الانانية والاثر ، ظاهرة انقسام العمل وتولي الرجل السلطة.

       ولا ننسى ظهور المرأة الأسطورية (سمير اميس او سمورات) ومشتق اسمها من كلمة (سمات) الاشورية وتعني الحمامة . حكمت هذه المرأة ف مدينة نينوى لمدة (42) سنة في القرن الثامن ق.م والتي جاء ذكرها في الكثير من الكتب اليونانية والرومانية القديمة ، وهي ليست اشورية لأنها جعلت عبادة اله مردوخ اله بابل بدلا من اشور . كذلك انفردت (زاقوتياوزاكوني)(5) الاميرة الاشورية سابقا والتي تزوجت لاحقا الأمير سنحاريب من زمن والده الملك سرجون الثاني ، وبعد ان تسلم سنحاريب السلطة بعد وفاة والده سرجون الثاني بقيت زاقوني بالمملكة ويذكر انها مارست السلطة كملكة على جزء كبير من الدولة الاشورية وعثر على رقيم يذكر فيه انه في عام 683 ق.م قبل مقتل زوجها سنحاريب بعامين خصص لها موظفون اكفاء يديرون شؤون بعض املاكها من مدينة – لاخيرو – (كفري) المدينة التي ولدت فيها ويعتقد ان سلطانها امتد الى منطقة اربخا (كركوك) حتى جنوب بلاد الرافدين ومن ضمنها مدينة ابان (عمان) التي تحت النفوذ الاشوري .

(*) نتشين زوجة اتانبشتم وارتقت مع زوجها الى منزلة الالهة

3- المرأة بعد تقسيم العمل :

       بعد انتقال المجتمع البشري من مرحلة المشاعية البدائية الى مرحلة ظهور النظام الاقطاعي الباطريكي ، وظهور الرجل على مسرح الحياة ذات السلطة المركزية المطلقة الأقوى والأكثر قدرة على إدارة المجتمع وتنظيم الحياة الاجتماعية وفق ضوابط وقيم خاصة ، كذلك تطوير العملية الزراعية واستغلال الأرض بصورة افضل وترسيخ القرية الزراعية ونموها ، اصبح بحكم الواقع الجديد انكفاء دور المرأة الى رعاية شؤون الأطفال والقيام بخدمة البيت وزوال طور الامومة بالنسبة لانتساب الأطفال وتعدد الأزواج . وبظهور الرجل الأقوى في الاسرة الواحدة او في عدة اسر(6) ، أي ظهور التركيب الاجتماعي الطبقي القبلي ذات المركزية الفردية الصارمة . يحق للرجل بتعدد الزوجات وتسمية الأطفال باسمه (طور الابوة) . بمعنى ظهور علاقة جديدة بين الرجل والمجتمع الإنساني القبلي ، والمرأة أصبحت جزءا من البنى التحتية تعمل بإرادة الرجل وتلتزم بعادات وتقاليد جديدة ، وفي هذه المرحلة ظهرت طبقة العبيد والاقنان ، المجموعة الأولى تعمل كخدم ملوك داخل البيت ، والمجموعة الثانية مرتبطة بالأرض وتعمل فيها مدى الحياة . تُشرى وتباع معها . ورغم انتقال قيادة الاسرة والمجتمع الى الرجل وهو صاحب الامر والنهي ، الا ان دور المرأة أيضا لم يكن سهلا تهميشه . لان خاصية الانجاب جعلتها موضع التقدير والاحترام لدى العائلة والقبيلة الى جانب بقائها تشارك الرجل(7) في الكثير من الاعمال ومنها بالدرجة الأولى الزراعة وتربية الأغنام

 وغيرها ، ولازال تأثير هذا النظام (الاجتماعي والاقتصادي) قائما الى هذا اليوم لدى الكثير من شعوب العالم الثالث وخاصة في افريقيا واسيا وغيرها .

4- المرأة ضمن الحضارة الفرعونية :

       أولا لابد ان نعرج الى الحضارة الفرعونية والتي اعتبرها (التؤم الحضاري لحضارة وادي الرافدين) في القدم المشترك والجارتين جغرافيا . فسوف نرى ان المرأة في الحضارة المصرية القديمة التي تمتد الى الالف الثالث قبل الميلاد ، كانت هي الأخرى ذات مكانة مرموقة ومحترمة . تمارس الاعمال الصناعية والتجارية بكل حرية دون تمييز بينها وبين الرجل . أي اقرب الى المرأة في حضارة وادي الرافدين ، ولابد ان نشير بصورة خاصة الى عهد الاسرة الفرعونية الثالثة 2780 – 2270 ق.م(8) . وظهور في عهدها اقدم وثيقة في تاريخها ، والتي جاءت كتوصية من قبل سيدة باسم (نب – سنت) التي توصي بانتقال ملكية أراضيها الى أولادها في حالة وفاتها .

       وكذلك كان الرجل الى عهود متأخرة من الحضارة المصرية القديمة يتنازل لزوجته في عقد زواجه عن جميع املاكه ومكاسبه المستقبلية .

       ومما يؤكد من نبل المرأة المصرية ضمن الحضارة الفرعونية المكانة الأولى، هو وصولها الى عرش مصر ومنهن (حتشبسوت) وكيلوباترا ونفرتيتي وغيرهن .

       بمعنى ان الحضارتين الرافدينية والمصرية ، كان تسيير وإدارة الاسرة والمجتمع نابع من ارجحية العقل الإنساني المتطور وليس للقوة العضلية التي يتمتع بها الرجل . وخاصة ان المرأة البابلية كان ينظر اليها ككائن رقيق وهادئ ، وهذا ناتج من التوجه العام للعقل الثاقب الذي تمتع به المجتمع البابلي ككل وتفضيله العمل في مجال العلم والمعرفة والفلسفة . مما أدى الى بروز دور المرأة كعنصر انساني هادئ الطبع وشديد الصبر . عكس المجتمع الاشوري الذي مال الى العقلية العسكرية وانشغل قادته بالفتوحات والحروب المستمرة ، فكان دور المرأة في القرون المتأخرة مهمشا كليا تقريبا .

5- مكانة المرأة الرافدينية والشرائع القديمة :

       إذا تابعنا تقادم الزمن مع ظهور الانظمة المركزية ذات الضوابط والالتزامات المثبتة ضمن لوائح ومسلات عديدة تنص على تنظيم الحياة اليومية في عمق الحضارة الرافدينية وفق قوانين وشرائع خاصة بها ومنها حسب قدمها وهي:

1- شريعة اورنمو - وهو مؤسس سلالة اور الثالثة ما بين 2111 – 2003 ق.م وتعتبر اقدم شريعة عرفها التاريخ تمكن اورنمو من توطيد العدل وازالة البغضاء والظلم ، وما يخص مكانة المرأة فهناك احكام تخص الاحوال الشخصية , كالزواج والطلاق والارث والتبني . بمعنى لم تكن مكانة المرأة مهملة بل حددت تلك الاحكام حقوقها وواجباتها تجاه الرجل وكذلك حقوق وواجبات الرجل تجاهها . ويعتبر اول تنظيم للاسرة يظهر قانونيا عبر التاريخ لم يسبقه احد من قبل .

2- شريعة اش - نونا : وهي مجموعة قوانين صدرت في بلاد وادي الرافدين في القرن السابع او الثامن عشر ق.م وقانون (اش - نونا) مدون باللغة البابلية وبالخط المسماري.

وينسب هذا القانون الى سلالة حكمت في مدينة اش - نونا حوالي 2020 الى 1750 ق.م والتي تقع في حوض نهر ديالى على بعد ((40 كم شرق بغداد وتسمى اطلالها حاليا باسم)  تل اسمر) واشهر امرائها المستقلين هما ابق ادد الثاني) 1830 ق.م ) و(دادوشا) نحو 1800 ق.م والمواد القانونية التي تخص المرأة وحياتها الزوجية في هذه الشريعة بلغت العشر وهي (17-18-25-26-27-28-29-30-31)والمادة (59)  التي تنص بطرد الزوج الذي يتزوج زوجة ثانية وطلقها ويحرم من كل ثروته.

بمعنى ان الفارق الزمني بين الشريعتين يمتد حوالي الى الثلاثة قرون ونصف قرن رغم ان المدة تعتبر طويلة نسبيا قياسا بواقعنا الحالي, الا انه يعتبر في حينه طفرة كبيرة تحدد مكانة المرأة في الاسرة والمجتمع بعدد كبير من المواد القانونية.

3-  لبت عشتار : هو الملك الخامس من سلالة)  أيسن)  1934 – 1924 ق.م كتبت الشريعة بأسمه وباللغة السومرية وهو غير سومري جاء في مقدمة شريعته تحقيق العدالة وردع الظلم والعصيان المسلح وهو راعي مدينة نفر ولم يذكر في شريعته مادة قانونية تخص حياة المرأة مباشرة . بأعتبار ان تحقيق العدالة وردع الظلم يشمل الرجل والمرأة في الحياة العامة والخاصة وحمايتها من الظلم اذا وقع .

4- شريعة نيصابة وهاني : وهي الشريعة التي خصت بمسالة الزواج والتحكم به(10)، وفي عهد سومر قبل التوحيد بحدود الربع الاخير من الالف الثالث ق.م وبما انها تخص الزواج بمعنى تخص مكانة المرأة في الاسرة وعلاقتها بالرجل.

5-  قوانين حمورابي:  حمورابي هو سادس ملك من سلالة بابل الاولى والذي حكم من 1792 الى 1750 ق.م .خلف هذا الملك اشهر شريعة واوسعها مكتوبة بالخط المسماري على شكل مسلة حجرية كبيرة احتوت على (282) مادة قانونية ومنا ما يخص حياة المراة من الحقوق والواجبات فاقت كل الشرائع السابقة ولم تسن من بعدها ضمن الحضارة الرافدينية حتى سقوط نينوى سنة 612 ق.م وبابل 539 ق.م وبلغ عدد مواد تخص المرأة كزوجة وام وعاملة وتاجرة وغيرها  (78)مادة.  بدءا بالمادة الخامسة عشر وبشكل مواد متفرقة واخرها (214) وأشهر مواد الشريعة تنصف المرأة كزوجة وهي المادة  (124) والتي تنص اذا سيد تزوج امرأة واصيبت بمرض واراد ان يتزوج ثانية فله ان يتزوج ولا يجوز له ان يطلق زوجته الاولى بسبب مرضها انها تسكن في البيت الذي بناه وعليه ان يعيلها طالما هي على قيد الحياة.

       اما المادة(149)  فتقول اذا هذه المرأة لا تريد ان تعيش في بيت زوجها عليه ان يعطيها كل جهازها الذي جلبته من بيت والدها ولها ان تذهب .

6- المرأة في الحضارة الاغريقية :

       لو ترجلنا قليلا ودخلنا العهد الاغريقي ، تلك الحضارة التي اختصت بالفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى ، وجاءت بعد زوال عدة امبراطوريات في الشرق الأوسط والتي مثلت عدة حضارات ومنها حضاري وادي النيل وتكلمنا عنها ما يخص المرأة. وثم حضارة وادي الرافدين موضوع بحثا بالذات ومكانة المرأة في جميع مراحلها منذ الالف الثالث قبل الميلاد الى القرون الأخيرة من الالف الأول قبل الميلاد . ترى ان الفرق الشاسع زمنا حضاريا يفوق الثلاثة الاف عام قدما على الحضارة الاغريقية ، والتي ظهرت في القرن الرابع قبل الميلاد ، كان علماؤها وفلاسفتها باتصال دائم بعواصم وكبرى مدن الحضارتين المذكورتين وخاصة بابل التي قدمت للبشرية خدمة معرفية وعلمية مالم تتمكن اية عاصمة ومدينة أخرى من تقديمها الى يومنا هذا ، مع فارق الزمن وميزة كل عصر من عصورها .

       اما موقع المرأة في الحضارة الاغريقية ، فلا يمكن مقارنته إيجابيا بأية فترة ، او زمن اية سلالة من سلالات الملوك الذين حكموا وادي الرافدين من شماله الى وسطه وحتى جنوبه . فكانت المرأة في تلك الحضارة (الاغريقية) مهمشة (اجتماعيا خاصة) وكانت مسلوبة الإرادة داخل البيت وخارجه . حيث كانت محجبة (11) بالكامل جبرا خارج البيت ، وهذا مطابق الى الفترة القصيرة من حياة المرأة في العصر الاشوري المتأخر ، حيث كان القانون والعرف الاجتماعي يلزم المرأة بارتداء الحجاب(12) وتفضح غيرها من المرأة الرقيقة والعاهرة في حالة ارتدائهن الحجاب . عكس البابلية كانت غير محجبة ، مما يدل ان الفترة الاشورية المذكورة ساد فيها النظام الاجتماعي القبلي وزاد الضغط على المرأة بصورة كبيرة . علما ان المرأة الاغريقية كانت تنعت بـ(السليطة) .

       اما الاغريقية فليس هناك ما يبرر مجتمعها بالانغلاق على المرأة بهذا الشكل المظلم ، مما يؤكد ان حضارة وادي الرافدين بدءا بالسومرية مرورا بالبلبية والاشورية والكلدانية ، كانت حضارة إنسانية تقييم المرأة بالدرجة الأولى منذ القدم قياسا لما حولها من الشعوب المتناقضة لها .

7- حرية المرأة في بابل ونينوى:

       كان تعدد الزوجات موجودا وخاصة لدى ملوك بابل ورغم ذلك كانت نساؤهن يشاركن ازواجهن في جميع المناسبات والولائم وهن غير محجبات ويتناولن شرب الخمر في اوان خاصة وكانت احدى الزوجات تختار كملكة من بينهن وتنال تلك الزوجة الاحترام والخضوع لها من قبل باقي الزوجات وبعد ذلك يتم مخاطبتها بسبب تخصص مكانتها الاجتماعية والرسمية داخل الاسرة المالكة وهو سبق زمني بالاف السنين لما هو قائم في جميع دول العالم حاليا اذ تعتبر زوجة الملك وزوجة الامير اميرة وزوجة رئيس الدولة سيدة البلاد الاولى .

بمعنى ان البابليين سبقوا البشرية بمكانة المرأة وقدسيتها كرمز انساني تمثل نصف المجتمع ويؤكد ذلك في سفر دانيال (5 :1-4) الذي يؤكد فيه حضور زوجات وسراري الملك _ بيلشامر ابن الملك نبوخذ نصر وليمة عظيمة وشاركن المدعوين من شرب الخمر بأواني ذهبية.

كما ارتقت المرأة البابلية الى صنف الكاهنات ومنهن الكاهنة الكبرى (انتو) ENTU وتعني بالسومرية زوجة الالهة ثم الكاهنة (ناديتوم) NADITUM والكاهنة الثالثة  (الشاكيتوم SHUGTUM ( الى جانب ذلك كانت هناك تقاليد في كل قرية يتم فيها كل سنة جمع الفتيات البالغات , ويجتمع حولهم الرجال الراغبين بالزواج وتجري عملية انتقاء الزوجة وشرائها (اي دفع المهر) كما هو حاصل لدى شعوب الشرق خاصة - ومنها المجتمع العراقي بكل مكوناته ومعتقداته الدينية وغيرها .

فان المهر يعتبر ذا قيمة تراثية وامتداد اجتماعي من تلك الايام .رغم اختفائه لدى بعض شرائح مجتمعنا كليا او نسبيا ويتوقف على الحالة الفكرية والثقافية (التحرر الاجتماعي للعائلة) لدى الشرائح المعنية ثم يأتي دور باقي الفتيات من الباكرات والثيب والتي تكون من حظوظ رجال من طبقة الفقراء .علاوة على مفهوم الجمال ومقدار العمر لكل فتاة ثم كل ينفرد بفتاته لاتمام المراسيم القائمة آنذاك.

الى جانب كل هذا فان الاب لم يكن له اية صلاحية لاختيار الزوج لابنته بمعنى انه رغم وجود ظاهرة التجمع والشراء فأن الفتاة اقرب الى حرية اختيار الزوج وليس التجمع الا مسرحية لتمكن المحبين مسبقا الالتقاء معا وفي يوم ولا اعتراض عليه (أي عملية شرعية .

ويجب ان نذكر ان كان هناك نوع اخر من الفتيات يرتادون المعابد يوميا بعلم ذويهم ويجلسن في أماكن خاصة بهن ، ولا يغادرن لحين قدوم اليهن رجل غريب (سائح) ويلقي في حضونهن نقودا قائلا ((اني اوصي بك الالهة ميليتا MYILTTEL))  . ولا يجوز رفض المبلغ لأنه في نظرهن مقدس . ثم تتبع الفتاة الرجل ، وبعد ذلك توفي للآلهة نذورها باختلائها بالرجل الغريب ثم يسمح لها بالعودة الى دارها . وتسمى هذه الفتيات بـ(العاهرات المقدسات)(13) . او البغي المقدس (غاديشتو GADISHTU) . وهنالك ما يمثل هذا العرف الاجتماعي بالضبط حاليا لدى الطائفة الشيعية والذي يسمى بـ(زواج المتعة) . وهو عقد قصير ومقابل مبلغ معين ، وقد يكون طول العقد ساعات او أيام او شهر وحسب الاتفاق الطرفين . وممكن القول ان هذا العرف أيضا هو امتداد لما ورد سابقا لفتيات المعبد . ولانه يخص الطائفة الشيعية دون غيرها من الطوائف الإسلامية .

ولان غالبية سكنه وسط وجنوب العراق من الطائفة المذكورة .

وكانت الزوجة في العهد الاشوري المتأخر والبابلي الحديث قد تحررت نوعا ما من عملية الشراء والبيع. وان كان باقيا كتقليد ذات قيمة نظرية في محيط اجتماعي ضيق.

هناك نص مسجل باسم سيدة تدعى ( نختشارا) اشترت امرأة تدعى(  تنليلها تسبنا) لتصبح زوجة عملية لابن – نختشارا وكان المبلغ المدفوع يساوي ستة عشر شاقلا من الفضة والغيت هذه الصفقة فيما بعد الا ان المبلغ المدفوع بمثابة مهرها مقدما .

وظهر تعامل خاص مع المرأة الارملة فكان مضاجعتها من قبل الرجل خلال فترة سنتين فيعتبر ذلك مطابقا لعقد الزواج لغير الارملة ومعترف به.

بمعنى ان المرأة في مثل هذه الحالة - الارملة - سبقت العالم الغربي والمتقدم بمفهوم الزواج المدني حيث لازال الزواج المدني يعتبر ارتباطا وقتيا بين الطرفين ، بعد فترة يتم الاتفاق بينهما على زواج غير قابل للانفصال، حيث يعقد عقدا وفق طقوس ومراسيم كنائسية بالنسبة للمسيحيين وكل حسب عقيدة مذهبه.

ومن حقوق المرأة في العهد الاشوري المتأخر- سرجون الثاني 722 – 705  ق.م للزوجة الحق في دار زوجها في حالة وفاته ان كان لديها اولاد منه.

وهذا مطابق لقانون الاحوال المدنية الحالي (بان يكون للزوجة حق في قيمة 1\8 الممتلكات)  اما الارملة في حالة وفاة زوجها الثاني ولها اولاد من كلا الزوجين فيتحمل اولادها من الزوج الاول مسؤوليتها وحقوقه .واذا لم يكن لها أولاد ، فلا يتحمل مسؤوليتها احد . فتذهب حيث تشاء .

الخلاصة :

       نستدل مما ورد في متن البحث وعلاقته بعنوانه الخاص بمكانة المرأة عبر المسيرة الطويلة لحياة الانسان على سطح هذا الكوكب وتمتعها ببعض الامتيازات التي جاءت مقارنة مع غيرها في غير الوسط الجغرافي الذي عاشته وتحرينا بصورة خاصة مسيرة المرأة عبر الحضارتين التوءمين الجارتين ارضا وزمنا ، وحضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل ، هاتين الحضارتين اللتان ساهمتا بصورة مباشرة وبشكل ابداعي لا مثيل له عبر التاريخ لحضارة أخرى في مجال سن تشريعات وقوانين تعود الى اكثر من أربعة الاف عام من التاريخ الحالي ، واستقينا دور المرأة الإيجابي ومكانتها المرموقة على ارض الواقع الحالي في مراحل زمنية سباقة لمكاسب لأية امرأة أخرى جغرافيا من الحضارتين المذكورتين رغم ارتقاء الحضارة المذكورة فكريا وثقافيا وبالعمق الفلسفي يشار اليه بالبنان الى يومنا هذا . الا ان المرأة في الحضارة المذكورة كانت مقهورة ومهمشة بصورة كليا (قياسا مع فارق الزمن الكبير) لموقع ومكانة وحقوق وواجبات المرأة في الحضارتين المذكورتين ، وخاصة المرأة في الحضارة البابلية بالدرجة الأولى مرورا بالفرعونية (وادي النيل) ثم الاشورية ضمن وادي الرافدين شمالا.

       ونأتي الى نهاية بحثنا هذا معتزين بماضينا التاريخي الحضاري واثره على الكثير من التجمعات البشرية منذ القدم الى الان وخاصة وجود ارتقاء المرأة الى صفوة ومكانة لائقة بها كأم وعاملة ومهندسة وطبيبة وفلاحة متحررة من كل القيود التي لا تليق بمكانتها اجتماعيا وثقافيا .

المصادر :

1- فريديريك انجلس (اصل العائلة والملكية الخاصة (الدولة) دار الفارابي ص32 .

2- المفهوم التاريخي لقضية المرأة – عزيز سيد جاسم ص13 .

3-  فريديريك انجلس – المصدر السابق ص55 – 105 .

4- المفهوم التاريخي لقضية المرأة – عزيز سيد جاسم ص17 .

5- فؤاد يوسف قزانجي – جريدة بهرا العدد 440 /22/6/2008 .

6- فريديريك انجلس – المصدر السابق ص88 – 89 .

7- نظام العائلة في العهد البابلي القديم – رضا جواد الهاشمي ص36 .

8- عادات وتقاليد الشعوب القديمة – د.فاضل عبد الواحد و د.عامر سليمان ص202.

9- نظام العائلة – المصدر السابق – ص42 .

10- المرأة في شريعة حمورابي – سهيل قاشات – ص133 .

11- فاضل القريشي – جريدة العراق / العدد 7612 /29/5/2002 .

12- عادات وتقاليد - المصدر السابق - ص76 .

13- نظام العائلة – المصدر السابق – ص88 .