اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (841)- الاجواء الدينية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (841)

 

حسين الاعظمي، الاجواء الدينية

13/2/1997.

      مرّةً اخرى لم يتسنى لمحاضر هذا الصباح الموافق الخميس 13 شباط 1997 الحضور الى الملتقى لالقاء محاضرته، وبعد الانتظار طلب رواد الملتقى ان ألقي عليهم موضوع ما يخص المقامات العراقية، فكان ان اخترت موضوع يتحدث عن الاجواء الدينية والدنيوية في المقامات العراقية. علما ان هذا الموضوع اقتطعته من كتابي المخطوط زمنذاك الموسوم بـ (الطريقة الزيدانية في المقام العراقي واتباعها) الذي طبع بعدئذ في المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت بعد انتهاء عام 2012 ومطلع 2013 وفي الذكرى المئوية لوفاة مؤسس الطريقة الزيدانية المطرب الشهير احمد الزيدان(1832-1912).

***

الاجواء الدينية

      هناك ملاحظة تبدو مهمة ينبغي التحدث بها. ففي عصر القرن التاسع عشر، كانت الاجواء المقامية في بغداد لم تزل تسودها اجواء دينية في الاعم الاغلب، بحيث لا يمكن ان يظهر اي مؤدِ دنيوي للمقام العراقي دون ان يمارس اداء التلاوة القرآنية او الشعائر الدينية الاخرى، كالمنقبة النبوية الشريفة والتهاليل والاذكار والمدائح النبوية والتمجيد من فوق منائر الجوامع والمساجد وغيرها. وكانت هذه الحالة هي السمة البارزة لمطرب المقام العراقي زمنذاك. حيث ينضج مفهوم مطرب المقام العراقي دنيويا اعتمادا على هذا الاساس الديني..! ورواد مغنو القرن التاسع عشر المقاميون ظهروا وبرزوا من خلال هذه الاجواء، الذين استطاعوا استيعاب واقع هذه التعابير الدينية والدنيوية لينتجوا تسجيلات مقامية دنيوية كبيرة ابقت على شهرتهم في المصادر الكتابية حتى يوم الناس هذا.

 

     ان عملية تأشير كل مرحلة من المراحل الثقافية التي يمر بها تاريخ غناء المقام العراقي عبر عصوره الزمنية، واعطاء فكرة حتى لو كانت بسيطة نسبيا عن كل مرحلة من المراحل عبر مرور الزمن، شيء مهم بل في غاية الاهمية، حيث يدلنا على دقائق التطور الفني والثقافي لقضية الاداء المقامي خلال استمرار الحاضر والمنظور المستقبلي. فعندما بدا القرن العشرون، بدأت بوادر جديدة تظهر على ساحة الاداء المقامي اتسمت بعمق الجانب الدنيوي في تعابيره الغنائية، بالرغم من عدم غياب الجانب الديني الاساسي لهذه التعابير الدنيوية في الاداء المقامي وامتلاك التعابير المقامية الحقيقية لهذا الكيان التراثي في الغناء والموسيقى من خلاله.

 

       ان الواقع الذي اشرنا اليه حول تأثيرات التعابير الدينية في غناء المقامات العراقية الدنيوية، لا يناقض في الحقيقة بين هاتين الحالتين من التعابير. فالموسيقى والغناء بصورة عامة اصلها ديني كما هو معروف، فكيف اذا كانت هذه الموسيقى وهذا الغناء من التراث الغناسيقي الديني اصلا..!؟ ونحن نعلم ان الممارسات الادائية في الشعائر الدينية هي التي حافظت لنا على هذا التراث الغناسيقي الخالد في فترات عصيبة مرّ بها بلدنا العراق بعد سقوط العباسيين(656هـ1258م)، وهي من ابشع عصور العراق بل من ابشع العصور الانسانية التاريخية التي مرّت على كل شعوب الارض، ظلاما وظلما وفسادا وطغيانا على يد الغزاة والمحتلين التي اطلق عليها المؤرخين بـ(الفترة المظلمة)(هامش1) الممتدة لسبعة قرون ميلادية بالتمام والكمال، منذ سقوط العباسيين (1258م) حتى تموز عام (1958م)..! فلا شيء يتطور من فراغ، ورغم ظلام الفترة الدامس، الا انها محاطة بعنصر قوي جدا، هو العنصر الديني. وينبغي على هذه العلاقات المتداخلة والمعقدة في تعابير الاداء المقامي، ان لا تحجب الحقيقة الاساسية في ان لا حلاوة مطلقة لتعابير الاداء المقامي الدنيوي دون انصهارها بالتعابير الدينية. وعندما نعود الى الكتابات التاريخية واستعراض حياة الكثير من مغني المقامات العراقية خلال القرن التاسع عشر، نرى انهم كانوا يمارسون تلاوة القرآن الكريم واداء الشعائر الدينية الاخرى، فلا تستقيم اية تعابير مقامية دنيوية دون هذه البدايات الدينية للممارسات الغناسيقية المقامية.

 

      من خلال هذا العرض المختصر لحالة الاداء المقامي في القرن التاسع عشر، تـُـوقِـفـُـنا مشكلة تبدو مهمة جدا..! هي قضية التطورات الفنية في الاداء المقامي والتقدم الفكري والمنظور المستقبلي لمضمون الاداء المقامي عبر التطورات الزمنية للمراحل الثقافية التي يمر بها غناء وموسيقى المقام العراقي. ولابد ان نوضح قبل كل شيء، بأن كل التطورات والابداعات العملية الادائية والفكرية في غناء المقامات العراقية خلال القرن التاسع عشر حتى ظهور المطرب رشيد القندرجي واتباع طريقته في النصف الاول من القرن العشرين. كانت محلية بدرجة كبيرة، تصل حد النقاء التام في شكل ومضمون غناء المقامات العراقية، وطنية تماما، اضافات من صلب المقامات العراقية، تقديم او تاخير في بعض القطع والاوصال والجمل اللحنية، حذف بعض الجمل اللحنية ووضع غيرها محلها من نفس المضامين المقامية المحلية. وغير ذلك من الابداعات المحلية الضيقة، فالابداعات والتطورات كانت محلية تماما..! حتى ظهور المطرب الثائر المتمرد محمد القبانجي(1901 – 1989م) الذي كسر طوق المحلية لاول مرة في تاريخ الغناء المقامي العراقي، الذي تطورت في زمنه وسائل النشر والتوزيع والحفظ والاتصال نسبيا، ولعل الاهم من كل ذلك، التطور التدريجي للابتكار العظيم –جهاز التسجيل الصوتي– ومن ثم تأثر محمد القبانجي بموسيقات البلدان حوالينا ونقل بعض من جملها الغنائية الى اداءاته المقامية بروح عراقية جميلة..! وعليه نستطيع القول بان حداثة جديدة بدأت في غناء المقام العراقي خلال القرن العشرين مع ظهور محمد القبانجي.

 

        لقد رأينا ان ابرز مغني ونقاد وكتاب المقام العراقي في حقبة القرن التاسع عشر حتى عصر رشيد القندرجي في النصف الاول من القرن العشرين، قد خطوا أهم خطوة الى امام، نسبة الى مرحلتهم الزمنية الثقافية، بالابقاء على الصيغة التاريخية لفكرة التطور والابداع المقامي..! فقد قدموا في اداءاتهم المقامية مفهوم ادائي مثالي في الالتزام الصارم بالاصول الادائية والمحافظة عليها بكل ما استطاعوا الى ذلك سبيلا، بل جعلوا فهم هذه الاصول –الشكل المقامي form– (هامش2) من قبل اي مطرب مقامي في مقدمة امتداحهم وتقييمهم لذلك المطرب..! حتى لو كان ذلك المطرب لا يمتلك صوتا جميلا، بل حتى لو ندر ان يُستمع اليه..!! المهم في الامر انه حافظ للاصول المقامية التاريخية. وهو ما تجسد في كل نتاجات المقامات العراقية في التسجيلات الاولى خلال عقود القرن العشرين الاولى. واليك عزيزي القارئ الكريم اهم المضامين والاسس الفنية التي اعتمدت عليها الطريقة القندرجية في المقام العراقي التي بزغ نجمها في بدايات القرن العشرين.

 

1 – انها خلاصة الطرق التقليدية القديمة ، حيث مثلت الاتجاه الجمالي الكلاسيكي في لغة الاداء المقامي ..

2 – الحفاظ الصارم على الشكل المقامي (فورم (form اي الاصول التاريخية التقليدية للمقام العراقي والالتزام بها قبل اي التزام آخر ..

3 - التاكيد على المضامين التعبيرية الرصينة والتفنن بالايجاز وعدم الاسهاب في الغناء ..

4 – نتيجة الاهتمام المفرط بالشكل المقامي التقليدي ، اصبح الاهتمام بتوضيح مفردات الشعر المغنى والنطق بالكلمات والحروف ضعيفا وغامضا ، بحيث من الصعب معرفة القصيدة او الزهيري او فهم معاني مضامينها ..

5 - تعد آخر الطرق الادائية في غناء المقام العراقي التي امتازت بالنقاء البيئي والتعبير عن المضمون الوطني والقومي للبلد .. رغم انها ادركت التحولات والتوسع الصناعي الكبير في وسائل الاتصال والنشر والتوزيع ..

6 – وصول التعبير عن شكل المقام العراقي ومضمونه الى ذروة كلاسيكية في المسارات اللحنية المقامية العريقة المتسمة ببعض الزخارف والتحليات ..

 

       ان ظهور محمد القبانجي وتسيده عرش الغناء المقامي بصورة مطلقة منذ اواخر ثلاثينات القرن العشرين تقريبا حتى نهاية القرن، بل حتى يوم الناس هذا، كان قد جاء بمفهوم جديد وحديث للقضية الفنية الادائية واحكام التقييم المرتبطة بمستوى اداء المطرب المقامي، فقد اعطى هذا المفهوم لاول مرة للمطرب المقامي، القيمة الادائية الفنية مع العنصر التعبيري والتطريبي في غناء المقامات العراقية. ويمكننا ان نلقي نظرة عجلى على تسجيلات محمد القبانجي المقامية والتسجيلات الاخرى لمجموعة من مغني ما بعد محمد القبانجي مثل تسجيلات حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي وزهور حسين وصدّيقة الملاية وغيرهم، لنلمس مظاهر الفن الادائي وفنون التعبير والتطريب في الغناء المقامي الدنيوي.

     من رواد الملتقى من حضر هذا الصباح، اذكر منهم السادة الحاج عبد المعين الموصلي وهاشم العزاوي و د.عماد الصالحي ومحمود عبد اللطيف النائب وعبد الكريم العبيدي ابو رائد وآزر عبد الكريم ومحمد شاكر رشيد الشيخلي وثامر الجميلي وصلاح المحياوي والفنان عبد السميع عبد الحق ومحمد الشالجي وابنه وسام والفنان محمد خليل القيسي وحمدان العبيدي والمحامي انور السامرائي وعازف العود سعيد صادق والشاعر الغنائي حامد العبيدي والشاعر جاسم العبيدي-نديم بغداد- والقارئ يحيى معتوق والاديب محمد واثق العبيدي وقحطان المتولي وآخرين. وكان السيد المحامي عبد المحسن خليل قد حضر لاول مرة في ملتقانا الثقافي. وقد تم تسجيل وقائع الجلسة في شريط كاسيت برقم 170.

 

والى حلقة اخرى من ضيوف ملتقانا الثقافي ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

طالب السامرائي، مدائح نبوية

https://www.youtube.com/watch?v=p5fMOXaHjkU&ab_channel=STM

 

هوامش

1 – هامش1: الفترة المظلمة - يعترض أ. د. رشيد عبد الرحمن صالح العبيدي، الشاعر المعروف وأستاذ اللغة العربية في جامعة بغداد( انظر كتابي المقام العراقي الى اين..؟ ص198 نبذة مختصرة عنه) على مصطلح –الفترة المظلمة– لحقبة القـرون التي تلت سقوط العباسيين 656هـ – 1258م حيث قال في رسالته التي بعثها لى بهذا الشأن حيث كتب يقول(شاع في استعمال الباحثين الأوربيين استعمال مصطلح -الفترة المظلمة– يطلقونه على الظروف والاحوال التي عاش المجتمع العربي الإسلامي في القرون المتأخرة بعد غزو بغداد. وتداول الباحثون العرب تقليداً للغربيين، من غـــــــير تمحيص ولادراية لهذا المصطلح. وهذا المصطلح غير صالح، وغير صحيح بسبب مايأتي:

أ - ان لفظ(فترة) ويريدون بها(مدة) أو (زمن) غير صحيح لغوياً، لان الفترة تعني الانقطاع، قال تعالى((على فترة من الرسل)) أي انقطاع.

ب - ان لفظ(مظلمه) غير صحيح، لان الإظلام الذي يطلقونه على هذه الحقبة الزمنيه لايحكي واقعاً، ولايصدق مصطلحاً على الحقبة. فالحقبه التي كانت بعد(غزو بغداد) كانت من احسن الحقب في العلوم والاداب والمعارف والثقافات والموسوعية العلمية، فقد حفظت لنا جملة من الدراسات الضخمة في التاريخ والجغرافية والرياضيات والفلسفة والعلوم المختلفة، ومن أعظم الكتب التي وصلت إلينا من هذه الحقبة، لسان العرب لابن منظور – 711هـ – وصبح الاعشى للقلقشندي، ونهايه الارب للنويري – ونفح الطيب للمقري – وغيرها من الكتب التي تقع في مجلدات ضخمه، وتضم علوماً مختلفه في التاريخ والادب واللغة والعلوم المختلفة. ومن التفاسير الضخمة تفسير ابن كثير، وتفسير ابي حيان، وتفسير الالوسي، وتفسير الشوكاني وغيرها. 

       ومـن هنـا ينبغي لنـا ان نضرب عـن لفظ(المظلمة) ونضع بديـلاً منها(المشرقة) من حيث العطاء العلمي والادبي والمعرفي والثقافي بشكل عام. او نستطيع ان نطلق عليها مصطلح الحقبة الوسيطة أو العصور المتأخرة. اما لماذا سميت بالمظلمة، فأن الغربيين ولاسيما المستشرقين يريدون من وراء ذلك ان يجعلوا في تاريخ الامة العربية الاسلامية حقبة شبيهة بحقبة الاظلام التي سادت اوربا في عصور ماقبل النهضة الاوربية، يوم كانت اوربا تنشد العلوم في جامعات المسلمين في العراق ومصر وقرطبه وطليطله والقيروان والري والشام وغيرها من بلدان المسلمين يومئذ. ومن هنا يصدق ان نسميها(العصر الوسيط) من ناحية زمنية ومن ناحية سياسية، لان المجتمع الاسلامي في هذه الحقبة قد واجهته تقسيمات سياسية وادارية وتمزق اجتماعي، بحيث قامت دول مختلفة وكيانات متعددة، وهذا لا يسمى (اظلاماً) لان مصطلح الاظلام لايصدق على حقبة تميزت بالاشراقية العلمية والمعرفية وخلفت لنا تراثاً ضخماً اعجب المستشرقين انفسهم وشغلهم مدة طويلة في تحقيق هذا التراث ونشره والاطلاع على مضامينه العلمية والمعرفية.

2 – هامش2: الشكل المقامي form - الشكل او القالب او الصيغة، ضمن مفهوم علم الاشكال الموسيقية، والمقام العراقي شكل غناسيقي تراثي.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.