اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (959)- ذكريات مبكرة/ 3

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (959)

ذكريات مبكرة/ 3

اليوم هو الثلاثاء 18/10/2022.

 

البيئة والمحيط

       كان لنشوئي في اسرة عربية دينية محافظة، تحب الدين وتلتزم بكل اخلاقه ومبادئه السمحاء. وتحب التراث تحميه وتحافظ عليه، وتستلذ وتعيش بتعابيره التاريخية العريقة، تمارس الشعائر الدينية بكل تقاليدها دون احتراف، كذلك نشوئي في حي السفينة من مدينة الاعظمية الموجود فيها مرقد الامام الاعظم ابا حنيفة النعمان ابن ثابت الكوفي (رض). أمر كان في غاية الاهمية في تكوين شخصيتي الاجتماعية الدينية والدنيوية وكذلك تكويني الفني وانصهاري بتعابير غناء وموسيقى المقام العراقي، التعابير التي امتلكتها بالفطرة بشكل طبيعي واستحوذت على حياتي وكياني الشخصي..! مدينة الاعظمية التي يحتضنها نهر دجلة الخالد من معظم جهاتها، جاعلاً منها شبه جزيرة مشبعة بماء دجلة العذب.

 

     يؤكد علم الفولكلور، بأن أي منطقة فيها مرقد ديني كبير، (أي دين) فاول ما يلاحظ هو إلتفاف ابناء المنطقة أو المدينة، إهتمامهم بالاداءات الدينية، وحبهم وولعهم بالتراث الديني والدنيوي وكل الظواهر التاريخية والتقليدية الاخرى. وغالبا ما يطلق على مثل هذه المناطق أو المدن الدينية مصطلح (منطقة او مدينة محافظة) وهي فعلاً مناطق محافِظة على الدين والاخلاق والتراث والاصالة والتسامح. ومدينة الاعظمية واحدة من هذه المناطق التي تتمتع بمرقد ديني كبير، وولع ابنائها بالاداءات الدينية والدنيوية المتمثلة باداءات الشعائر الدينية والمقامات العراقية الدينية والدنيوية. ويزيد على كل ذلك اطلالتها على نهر دجلة الخالد في معظم جهاتها.

 

       هكذا تكون مدينة الاعظمية من الناحية الجغرافية شبه جزيرة تتمتع بالاجواء الجميلة والهواء العليل، وبيت عائلتي وكذلك بيت اهلي كان يطل مباشرة على النهر او قريباً جداً من النهر..! وهو أمر له أهميته الكبيرة في طرح اهوائي وميولي الاجتماعية والفنية، وبناء اسس طموحاتي من خلال ما تنتجه مثل هذه البيئة والمحيط، اللذان يمكن ان تترعرع فيهما وتنمو المواهب الفتية والاهواء الفنية الطفولية والشبابية، ولم يكن يمنعني شيء من السباحة في النهر، فالقضية بالنسبة لي اسهل ما يكون، فسلم شرفة البيت المطلة على النهر يوصلني مباشرة الى الشاطئ في ثوانٍ معدودة، وفي ذلك متعة ما بعدها متعة..! سباحة دائمة وفي معظم اوقات اليوم، مصارعة، لقاء ابناء الحي، التجوال في النهر عبر الزورق، الغناء والسفرات القريبة بين مناطق السباحة، وعلى الاخص كانت الى منطقة بلاسم الياسين. وساحة نادي الكاظمية الرياضي، الواقع على نهر دجلة في الجهة المقابلة لمنطقتنا من الاعظمية، فكان عبورنا نحن الاصدقاء وابناء الحي، الى نادي الكاظمية شبه يومي، اما سباحة او بواسطة الزورق، حيث نلعب كرة القدم في ساحة النادي، ثم نعود في غالب الاحيان سباحة الى جهتنا في الاعظمية تاركين البعض منا ليعبروا في الزورق..!

 

       ايام تبدو عصية على النسيان، حيث لم تأتِ ايام من حياتنا اجمل منها حتى اليوم، رغم ان الله سبحانه وتعالى قد منَّ عليَّ بالسفر الدائم منذ زمن قارب الخمسين عاما والتجوال حول بلدان العالم، التي وصل عددها الى اكثر من سبعين بلداً..! موزعة في القارات الخمس، واطلاع مستمر على الكثير من مزايا الشعوب ومشاهدة ما لم يكن في الحسبان..! في اجمل بقاع الارض والتمتع بها وقضاء الاوقات الجميلة والذكريات الراسخة في العقل والخيال. والتعرف على الكثير من الاصدقاء ومن جميع الجنسيات التي مررتُ ببلدانها، والتفاعل الحضاري والثقافي الذي كنا نعيشه خلال كل التجربة الفنية الغنية بمضمونها العلمي والمعرفي والثقافي. كل ذلك لم يستطع ان يمحي او يتجاوز حلاوة تلك الايام الخوالي الراسخة في الاذهان والمشاعر والذكريات الحالمة التي مررنا بها ايام الطفولة والصبا والحداثة والشباب في مناطقنا، بالرغم من بساطة الحياة وسهولة العيش في تلك الايام والحمد لله على كل شيء.

 

      في مثل هكذا بيئة ومحيط، تنمو وتزدهر وتبرز الامكانيات الذاتية لدى الانسان، وتظهر الى الواجهة الكثير من المواهب التي منحها العلي القدير الى مخلوقاته البشرية، فكان قدري وولعي وهيامي في موسيقى وغناء المقامات العراقية في مقدمة كل اهوائي وميولي الذاتية، تراث الاباء والاجداد، والمحافظة عليه للابناء والاحفاد. هو ديدني منذ هذه البواكير من الحياة عفويا وعقليا. وامتلكتُ تعابير هذه المقامات شيئاً فشيئاً بصورة عفوية وطبيعية، ليمسي غناء وموسيقى المقام العراقي بمرور الزمن ثقافتي المحببة وهويتي الخاصة بين الناس، حتى جرني القدر بعدئذ لزيارة المتحف البغدادي، حيث تقام فيه اماسي موسيقى وغناء المقام العراقي مساء كل جمعة من كل اسبوع.

 

والى حلقة قادمة ان شاء الله.

 

 

صورة واحدة / ابناء الحي يسبحون في نهر دجلة بداية الستينات، من اليمين الشهيد محمد ابراهيم وفالح الربيعي وصلاح الربيعي ورعد مصطفى الخزرجي وحسين الاعظمي وعبد الجبار ابن حجي ارزوقي القصاب.

   

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.