كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (1232)- (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: حسين الاعظمي

تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 10 تشرين1/أكتوير 2024 19:57

كتب بواسطة: حسين الاعظمي

الزيارات: 851

حسين الاعظمي

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1232)

(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)

      منذ تموز عام 1970 حتى تموز عام 1975 كنتُ في هذه السنوات لاعبا مندمجا في رياضة المصارعة الحرة والرومانية الاولمبية. وفي منتصف هذه السنوات الخمس الرياضية من تجربتي الرياضية، ظهر في حياتي فنانٌ كبيرٌ كأن اللهَ ارسله لي هبة من السماء..! عندما استمع الىَّ اغني مقام الرست العراقي في احدى الحفلات، فجنَّ جنونه وكأنه عثر على كنزه المفقود..! ومن المؤكد ان الحديث يطول عن هذه البدايات التي اعتمدت تجربتي الفنية على اسسها..! الا انني اود ان اتحدث في هذه الحلقة عن موقف لي في الوفاء لاستاذي الراحل منير بشير ما زلت اعتز به منفردا به مع الله سبحانه وتعالى ومع نفسي حتى يوم الناس هذا. فقد كانت خدمتي العسكرية الالزامية قد حصلت خلال هذه السنوات الخمس، وقد قضيتها مصارعا في فريق ألعاب الشرطة(الجنسية والسفر). وفي هذه التجربة الرياضية، ادركتُ خلالها ضرورة الخلاص من هذه الرياضة المتعبة جدا التي لم يكن مردودها المادي والمعنوي يوازي هذا التعب والاجهاد، ولم يقتصر هذا الامر عليَّ فحسب، وانما كل المصارعين من زملائي. حتى في رياضة كرة القدم لم يكن فيها دعم الدولة عالي المستوى رغم انها رياضة شعبية ولها قاعدة كبيرة في كل بلدان العالم..!

      على كل حال، هذا الهاجس في نفسي كنتُ احسُّ به في كل دقائق وساعات وايام وشهور وسنين تجربتي الرياضية، مع ان رياضة المصارعة، واحدة من اجمل فنون الرياضة واحبها كثيرا، لكن ميزان الحياة بالنسبة لي او لجميع زملائي المصارعين، لايوازي التضحية من اجلها..! ولكن لله في خلقه شؤون، هنا ظهر الموسيقار منير بشير في حياتي، فنان غيَّر مجرى حياتي 180./. فنان كأن الله ارسله لي هبة من السماء، فنان قادني الى برِّ الامان، فنان دلّني وعرّفني بالطريق الصحيح وزرع في فكري القيم النقية والمفاهيم الصادقة للموسيقى والغناء، فنان استطاع ان يخرجني بكل قوة من حياة الاجهاد والتعب وضعف الآمال، من حياتي التي كانت توشك على الانهيار والفشل..! الى آفاق الحياة الرحبة، الى العالم الخارجي الواسع حيث لم يكن ذلك في الحسبان ابداً والحمد لله وحده. وما زالت كلمته الكبيرة ترن في اعماقي، كلمته التي قالها لي ممسكا بيدي عند اول سماعه لي في احدى الحفلات بالمصادفة(اترك الرياضة والمصارعة وساريك العالم..! مكانك في المقام العراقي وليس في الرياضة).

      حكايتي هذه وانتقالي فعليا من الرياضة الى الغناسيقى، لاتروى بسهولة، حكايتي هذه كانت رزق من السماء، هبة من الله عزوجل، حكايتي كان فيها منير بشير قد حطم المعجزات، بل حطم المستحيل، حيث نقلني من حياة العسكرية، الى الحياة المدنية، بل الى الآفاق العالمية، الى ارقى المهرجانات الدولية، وارقى المسارح ودور الاوبرا في العالم، مغنياً مقامياً حاملاً ومعبراً وراوياً تراث الشجن والاوجاع التي عاشها آبائي واجدادي الى العالم.

     واقع الحال، في السنتين او الثلاثة الاولى من عودة الموسيقار الراحل منير بشير الى ارض الوطن بعد غربته، كان فيها نشاطه الفني مستمرا رغم حداثة قدومه للوطن، فقد ارسلني وبعض زملائي الى بعض المهرجانات الدولية رغم اني كنت عسكريا..! وقد عاصرتُ المراحل الاولية من عودته الى ارض الوطن عندما اسست له دائرة مؤقتة تحت اسم(دائرة المستشار الفني) وعندما اسست هذه الدائرة عام 1975 رسميا، حيث تغير اسمها الى(دائرة الفنون الموسيقية) ففي هذه الاثناء تماما كنت اول المتعينين رسميا وعلى الملاك الدائم في الدائرة، وقد كنت من اوائل موظفي الدائرة على الملاك الدائم ونحن ستة موظفين بما فينا المدير العام الاستاذ منير بشير..! خمسة موظفين آخرين، لنكون اول الموظفين المعينين تعيينا رسميا في وزارة الثقافة والاعلام في دائرة المستشار الفني التي تغيَّر اسمها الى دائرة الفنون الموسيقية عند التأسيس الرسمي..! الموسيقار منير بشير مديراً عاماً للدائرة وباسم حنا بطرس في الادارة وحسين اسماعيل الاعظمي فناناً مقامياً ومحمد لقمان مصوراً فوتغرافياً وعادل مترجماً وغزوان كاتب طابعة..! وعليه كنتُ قد عملتُ في دائرة المستشار الفني قبل تاسيس دائرة الفنون الموسيقية رسمياً..! حيث كان منير بشير لوحده في دائرة المستشار الفني مع اول سكرتيرة له اسمها(نجوى).

     اعود الى فترة الشهرين تقريبا بعد تركي حياة العسكرية والرياضة، وقبل تعييني في الدائرة المدنية، فترة زمنية استمرت شهرين تقريبا، كنت فيهما حرّا يمكنني التصرف بحياتي المقبلة..! وفي كل الاحوال كنت انتظر تعييني في وزارة الثقافة والاعلام من قبل الموسيقار منير بشير. علما ان نظام التعيين المدني في بلدنا كان في حالتين، الاولى نظام التوظيف تحت العنوان الرئيسي(موظف) والنظام الثاني نظام العمال تحت العنوان الرئيسي(عامل) اي نظام المؤسسات..! وعليه كانت حالتي عند التعيين مثيرة فعلاً..! فتوظيفي في دائرة الفنون الموسيقية يكون فيها راتبي(35) ديناراً. في حين لو اتعين على نظام المؤسسات او نظام العمال فان راتبي يكون(120) دينارا..! ناهيك عن قيمة العلاوات السنوية التي تكون في نظام العمال ضعف علاوة نظام الموظفين..!

     في هذه الظروف التي اصبحتُ فيها مدنيا انتظر التعيين، هذه الظروف التي تمتعتُ فيها بسمعة فنية مثيرة وسريعة الحدوث. حدثني خلالها احد مسؤولي الفرقة القومية للفنون الشعبية التابعة الى المؤسسة العامة للسينما والمسرح محاولا اقناعي بالتعيين في الفرقة القومية، بأن الفرقة القومية فرقة مكتملة ومستقرة ولها مشاركات دولية كثيرة. في حين ان فرقة التراث التي ينوي منير بشير تاسيسها ما تزال في بواكير تاسيسها..! كذلك مذكرا ايّايَ بالفرق الكبير بين راتبي في الفرقة القومية(120) دينارا على نظام العمال والمؤسسات، وبين راتبي كموظف في دائرة الفنون الموسيقية البالغ(35) دينارا..! حينها كانت اجابتي دون اي تفكير او تردد..! كيف اواجه الاستاذ منير بشير وهو الذي حرّرني من العسكرية الى المدنية..؟ ماذا اقول للاستاذ منير بشير الذي اهتم بشأني وعمل جاهدا على استقداني اليه..؟ فموقف وفائي له لايتزعزع أبداً، فلا المال ولا أيِّ اغراء يجعلني اخيِّب أمله بي، هذا قدري وايماني وقناعتي بقيمة ما يحصل لي، أليست القناعة كنز لايفنى..؟ فثقتي بالله كبيرة جداً واحمد الله على ما حدث لي حتى الان. شاكراً محاولة الفرقة القومية للفنون الشعبية.

     لقد كان موقفي الوفائي هذا، ثم تعييني في دائرة الفنون الموسيقية، هو الحظ العظيم بالنسبة لي(وعلى نياتكم ترزقون) كما يقال. فدور المغنين في الفرقة القومية يقتصر على الغناء خلال لوحات الرقص الشعبي في غالب الاحيان، وسفراتهم الغنائية لاتتجاوز الدول العربية. وهكذا يكون الفرق شاسعا مع الاستاذ منير بشير الذي فتح العالم امامي على مصراعيه، واتاح لي الغناء في ارقى المهرجانات وارقى المسارح ودور الاوبرا العالمية والحمد لله على كل شيء. وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(هامش1).

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

هوامش

1 – هامش1: الآية 22 من سورة الذاريات. قال بعض أهل العلم: معنى قوله، وفي السماء رزقكم أن أرزاقكم مقدرة مكتوبة، والله -جل وعلا- يدبر أمر الأرض من السماء، كما قال تعالى (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) "سورة السجدة الآية 5"

• < السابق
• التالي >