اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (86) -مهرجان القبانجي الدولي / ج1

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 حسين الاعظمي

 يوميات حسين الاعظمي (86)

 

مهرجان القبانجي الدولي / ج1

        في مطلع سبعينات القرن العشرين، كانت طموحات جيلي الذي عاصرته قد وصلت الى ذروة كبيرة من الاندفاع  والتعبير عن المكنونات والمواهب الخفية والامكانيات الذاتية لدى كل واحد من هذا الجيل، المنحصرة ضمن اهوائنا وهواياتنا المتعددة، وهي من السمات الطبيعية التي يتسم بها كل انسان في مقتبل عمره. خاصة وقد بدا في الافق احتمالات اكيدة لتحسن الوضع الاقتصادي في البلد عموما. من خلال قرار تأميم شركات النفط الاجنبية المسيطرة على معظم مواردنا النفطية..! فبعد ان كانت بدايتي الاولى في المتحف البغدادي التي بشَّرتْ بكل الخير والتفاؤل من اجل السير قدما في طريق الفن وغناء المقام العراقي، والحصول من خلال الجهود الذاتية ، على خلق فرص للوصول الى تحقيق هذه الطموحات، فقد كانت الفكرة المسيطرة على عقلي وتفكيري هي فكرة وصفة ان اكون (مطربا للمقام العراقي)..! وهي القضية الغالبة على كل اهوائي وهواياتي وطموحاتي وتوجهاتي. وبدت لي منذ البداية ، أنها الشيء الوحيد، او الحلم الوحيد الذي سيطر على كل كياني اكثر من اي حلم آخر . ولابد من تحقيق هذا الحلم..!

 

       هكذا عشت فترة خصبة جدا على الصعيد الشخصي في عقد السبعينات وانا ابلغ سن الرشد توا. هذا العقد الزمني الذي حدثت فيه ايضا منعطفات كثيرة على مستوى الدولة، سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية و ... و ... و الخ، وبالنسبة لي، استطعت من خلال المنعطفات التي واجهتها، ان ابلور شخصيتي الفنية وامنهج تفكيري وطموحاتي الفنية في هذه الفترة الوجيزة جدا في حساب الزمن..! وكانت الشخصية المؤثرة بي منذ بواكير حياتي حتى يوم الناس هذا، والمهيمنة على كل سلوكي وافكاري وثقافتي، هي شخصية اخي وشقيقي ومعلمي محمد واثق العبيدي ، رغم انه لا يكبرني اكثر من اربع سنوات..! ولكن هذه السنوات الاربع التي يكبرني بها اخي محمد واثق، تبدو لي وكأنها اربعين عاما، نظرا للنواحي العلمية والثقافية والحياتية التي يتمتع بها اخي الحبيب محمد واثق العبيدي. ومن خلال هذه الاجواء وهذه الظروف، استطعت ان اجعل من بعض طموحاتي المقامية، ان تتحقق بزمن قياسي اثار انتباه كل الاوساط الموسيقية والمقامية زمنذاك، الامر الذي اوصلني الى مصاف المطربين المقاميين المعروفين في وقت قياسي وانا في بداية مسيرةٍ فنيةٍ  ما تزال في مهدها..! . متجاوزا كل اقراني من الجيل الذي عاصرته وبدأت معه..!

 

        وبصورة مختصرة جدا عن هذه الفترة التي عشتها وانا في ذروة طموحاتي، اذكر لك عزيزي القارئ الكريم حكاية مهرجان القبانجي منذ فكرته الاولى حتى تجاهل اسسها عام 2005 ونحن في ظل الاحتلال البغيض لبلدنا العزيز. او بالحقيقة هي جانب من المذكرات، سبق لي ان دونتها ووثقتها انطلاقا من قوة واهمية الحس التاريخي الذي يعيش بعمق كبير في داخلي بصورة عفوية وعقلية، راجيا المعذرة لانني ساتكلم بصراحة وحقيقة ما حصل، ونحن نعرف ان الصراحة والحقيقة ليس من السهولة تقبلها..! محتملاً ان تكون هذه الموثقات غير مهمة بالنسبة لك على الصعيد الشخصي اخي القارئ الكريم، ولكنها قد تكون مهمة من جانب آخرعلى الصعيد التاريخي والتجريبي للاجيال القادمة من الوسط المقامي..

 

       نبقى في عقد السبعينات، فقد طرحت على استاذي المرحوم منير بشير، وهو المدير العام لدائرة الفنون الموسيقية، وانا موظف في الدائرة، فكرة اقامة مهرجانا دوليا يحمل اسم رمزنا المقامي (محمد القبانجي) وكان ذلك في اواخر عام 1977. ورغم انه اقتنع بهذه الفكرة بشكل عام، إلا انه اقام هذا المهرجان تحت نفس الاسم، ولكنه للمبتدئين..! ولم يكتفي بهذا الامر، بل جعله على شكل مسابقة فيما بين المغنين المبتدئين..! اذ يبدو انه لم يزل بعد، يحاول استكشاف مواهب اخرى لضمها الى فرقة التراث الموسيقي العراقي رغم الاكتفاء النسبي لاعضاء الفرقة واكتمالها. على كل حال، لا ضير من هذه البداية ، المهم في الامر هو التاسيس، وقد اقيم المهرجان باسم رمزنا المقامي محمد القبانجي عام 1978..

         لكن الاستاذ منير بشير لم يعيد الكرة مرة اخرى، مما يدلل على صحة استنتاجنا في اهدافه بالبحث عن المواهب الجديدة لا اكثر، من اقامة ذلك المهرجان الذي خصصه للمبتدئين..! وبقيتْ فكرتي هذه في اقامة مهرجان دولي باسم القبانجي هدفا وطموحا عارما لابد من اقامته يوما ما. وقد كان الموسيقار منير بشير كما يبدو، يفضل اقامة المهرجان الدولي المستمر تحت اسم (مهرجان المقام العراقي) وليس باسم محمد القبانجي..! وذلك عندما كنت اذكـِّرهُ بين الحين والاخر بفكرة المهرجان. وفعلا اقمنا اكثر من تسعة مهرجانات خلال العقد الثمانيني رغم اشتعال الحرب العراقية الايرانية معظم هذا العقد ، تحت مسمى (مهرجان المقام العراقي)..! حيث كنت المشرف الفني لكل هذه المهرجانات المقامية، خاصة وانا مديرا لفرقة التراث الموسيقي العراقي، ومشاركا كل اعضائها الموسيقيين في كل دورات مهرجان المقام العراقي، التي اقامتها دائرتنا الاثيرة – دائرة الفنون الموسيقية - واتاحة الفرص الكثيرة للمغنين المقاميين الشباب زمنذاك..!  

 

       مرت بعض السنوات، وانا احاول ايجاد مناسبة ما لاقامة المهرجان الحلم كتسمية مباشرة (مهرجان محمد القبانجي) ، حتى انني اتذكر مرة في احدى مقابلاتي لوزير الثقافة والاعلام حامد يوسف حمادي، ان طرحتُ عليه نفس الفكرة، إلا ان ردَه كان مرناً، وبالتالي كان دون جدوى..!

 

       مرت سنوات اخرى تلو اخرى، وانا اتحين اية فرصة ممكنة لتحقيق حلم اقامة مهرجان تحت مسمى رمزنا المقامي – محمد القبانجي الدولي - وظل الامر طيلة هذه السنين دون فائدة، خاصة وقد تقاعد مدير عام الدائرة الموسيقار منير بشير في آذار عام 1993، الذي كنت انا وغيري نعول عليه في تحقيق كل طموحاتنا الموسيقية، الامر الذي ادى خيبة امل كبيرة، وبالتالي الى اتخاذ قراري النهائي بالتقاعد ايضا، حيث لم تبقى عندي اي رغبة في استمراري بالوظيفة بعد تقاعد المدير العام منير بشير..!

 (نهاية الجزء الاول)

 

 

اضغط على الرابط

محمد القبانجي

https://www.youtube.com/watch?v=SAjSntEL4OM

 

       تقاعدتُ عن عملي الوظيفي فعلاً، وتم انفكاكي في يوم 1/7/1993 حيث صدر الامر الوزاري بهذا الشأن. واصبحتُ لاول مرة حرا طليقا من اي تفكير والتزام عملي للغير او لأي جهة كانت..! سوى تكملة مشواري الفني اعتمادا على نفسي بصورة مباشرة هذه المرة، لخدمة بلدي والمقام العراقي..

 

        عزيزي القارئ الكريم، قبل ان اتقاعد عن وظيفتي في دائرة الفنون الموسيقية، حصلت على اجازة دراسية داخل العراق في العام الدراسي (1987 - 1988) وكان معي في هذه الاجازة ايضا اخي وصديقي الفنان محمد حسين قمر ، ولاربع سنوات حتى التخرج في العام الدراسي (1991 – 1992) وعودتنا الى التدريس من جديد في معهدنا الاثير (معهد الدراسات الموسيقية) ، وبقيتُ في المعهد حتى تقاعدي من الوظيفة رسميا في عام 1993 كما مر بنا. ابتعدت بعدها عن المعهد وانشغلت نسبيا باموري الفنية ونشاطي الخارجي الكثيف..! وكأنني عشت من جديد في ثورة كبيرة مع نفسي ، رغم اننا نعيش في ظل ظروف الحصار الظالم التي لاترحم ولا تبقي ولاتذر..

 

       مرّت هذه السنوات العجاف على بلدي العزيز العراق بصعوباتها المعروفة، وفي عام 2000 ألحَّ عليَّ وزير الثقافة والاعلام السيد حامد يوسف حمادي الذي عاد مرة اخرى وزيرا للثقافة في هذه الفترة..! باستلام ادارة بيت المقام العراقي المركز العام والمحافظات الاخرى التي فيها بيوتا للمقام العراقي. حيث سبق له ان كلفني بهذا الموضوع من قبل اكثر من مرة ، لكنني كنت اعتذر لانشغالي الكثير بالمشاركات الخارجية والمهرجانات الفنية الدولية. وقد كنت انجح في اقناعه باعتذاري دائما..! ولكن هذه المرة لم يذعن لاعتذاراتي..! واصر على تكليفي بالامر..! وفي هذه المرة اسقط في يدي..! ورضختُ لطلبه هذا رغم عدم رغبتي بذلك..! ولهذا الموضوع بالذات، قصة جانبية لا داعي لسردها هنا. وربما لن اذكرها..! الا اذا اقتضى الامر لذكرها..

 

         في هذه الاثناء كان السيد فاروق سلوم قد استلم زمام ادارة دائرة الفنون الموسيقية. وفي هذه الفترة ايضاً ، استـُحـْضِرتْ لديَّ الفكرة القديمة الجديدة، لاقامة مهرجان القبانجي الدولي بعد ان استلمتُ رسميا ادارة بيت المقام العراقي والمحافظات المقامية الاخرى..! وطرحتُ ذلك على المدير العام السيد فاروق سلوم الذي تفاعل معي بهذا الصدد. وهكذا بدأنا نهيأ طيلة السنوات الثلاثة التي سبقت الاحتلال البغيض. ولكن في كل مرة تجهض كل الجهود في عملية افتتاح الدورة الاولى للمهرجان الذي اقتـُرنَ باسم رمزنا المقامي الخالد محمد القبانجي. حتى تقرر اخيرا اقامته في مطلع عام 2003. وبعد حين اختارت الدائرة يوم افتتاح المهرجان في دورته الاولى يوم (20-3-2003) ..! الذي يصادف ذكرى زيارة صدام حسين نائب رئيس الجمهورية الى الفنان الكبير محمد القبانجي في بيته بتاريخ 20-3-1979 ، والعراق كله يتوقع ويعيش تحت وطأة التهديدات الاجرامية المستمرة باحتلاله وفي اي  لحظة ممكنة، ويرافق ذلك الضخ الاعلامي العالمي الهائل الذي تقوده امريكا في هذا الاتجاه..!

       نتيجة للاعلام الاجرامي الانكلوامريكي الهائل ضد بلدنا العزيز، والتهديدات المستمرة باحتلاله وضربه و........ و..... الخ، بحيث اصبح امر اقامة مهرجان محمد القبانجي في الموعد المحدد صعبا للغاية، خاصة وان التهديدات الاخيرة ركزت على يوم العشرين من آذار الجاري 20-3 ، الذي ننوي افتتاح المهرجان فيه..! وعليه اجتمعت باعضاء الهيئة الاستشارية لبيت المقام العراقي طارحا رأيي بتأجيل موعد مهرجان محمد القبانجي الى موعد آخر..! وتمت الموافقة بالاجماع على هذا الرأي، عندها ذهبت الى السيد حبيب ظاهر العباس المشاور الفني في الدائرة، في الخامس عشر من آذار 15-3، أي قبل موعد المهرجان بخمسة ايام، مقترحا عليه تاجيل المهرجان الى اشعار آخر، نظرا للظروف العصيبة المحتملة التي يعيشها البلد شعباً وحكومةً..! لكنه لم يوافق على هذا الرأي، مقترحا الاستمرار في تهيئة امور المهرجان في موعده المحدد 20-3 الجاري . وعلى إثر ذلك اجتمعت مرة اخرى باعضاء الهيئة الاستشارية لبيت المقام العراقي، وجميع منتسبي البيت من مغنين وموسيقيين واداريين، مؤكدا لهم اقامة المهرجان في موعده، والتركيز على استمرار البروفات الفنية للمغنين والموسيقيين والتحضير والاستعداد لهذا الموعد..!  

       وهكذا وكما عرف العالم اجمع، فقد اجهض كل شيء في الحياة العراقية، بعد الغزو الامريكي والبريطاني وبدء احتلال العراق من جديد، في صبيحة هذا اليوم المشؤوم 20-3-2003 ، لعنهم الله الى ابد الابدين.

 

احياء فكرة المهرجان بعد الاحتلال

        في شهر آب August من عام 2002 تم تكليفي من قبل اللجنة الوطنية العراقية للثقافة والتربية والعلوم في وزارة التربية المرتبطة مباشرة بمنظمة اليونسكو العالمية ومقرها باريس. بكتابة بحث مسهب عن المقام العراقي. مع فلم وثائقي امده حوالي عشرة دقائق، اضافة الى CD اوديو امده ساعة تقريبا، للمسابقة العالمية التي تقيمها منظمة اليونسكو تحت مسمى (ماستر بيسa Masterpice) يتضمن مجموعة من نماذج صوتية غنائية لبعض المقامات العراقية، مع تحليلها علميا وتقليديا. وقد تم تحديد اسم البحث (المقام العراقي والجالغي البغدادي، تراث قديم لارض ما بين النهرين) ..

        على كل حال، الحديث عن هذا الموضوع، حديث طويل وذو شجون. يحتاج الى صفحات كثيرة من اجل ان نفي بقصة مشاركة العراق في هذه المسابقة العالمية. التي قدِّر لي ان افوز بجائزتها من بين مئات البحوث المقدمة، من قبل الكثير من الباحثين من معظم اقطار العالم. علما ان بحثي هذا كان الوحيد من بلدي العراق مع امكانية مشاركة اكثر من باحث واحد لبلده (هامش1) ..

        ما نحن فيه ، انجز البحث في فترة زمنية قياسية، واعلن فوزي بالجائزة، في (الامم المتحدة، منظمة اليونسكو العالمية) يوم 7/11/2003 بباريس. وهو يعني فوز العراق بجائزة المسابقة العالمية، فبدأت الاحتفالات الرسمية تقام في بغداد بهذه المناسبة من قبل عدة جهات رسمية وفنية وعلى مستوىً عالٍ.

 (نهاية الجزء الثاني)

 

لنا عودة اخرى في الجزء الثاني ان شاء الله

 

وللذكرى أثر عميق

 

هوامش

  - هامش 1 : جائزة الماستر بيس : من المؤمل ان يصدر هذه الايام ان شاء الله ، كتابي الجديد الذي سبق ان اعلنت عنه في الفيسبوك الموسوم بـ (المقام العراقي في خطر) الذي يحكي القصة الكاملة لمشاركة العراق في هذه المسابقة العالمية وفوزي بالجائزة .

 

 

اضغط على الرابط

مقام الهمايون محمد القبانجي

https://www.youtube.com/watch?v=BYL_0eQBTv0

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.