كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (181)- مهرجان بيت الدين العالمي (1)

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

يوميات حسين الاعظمي (181)

 

مهرجان بيت الدين العالمي / 1

          في آذار March من عام 1993، تقاعد الموسيقار منير بشير من وظيفته كمدير عام لدائرة الفنون الموسيقية، وما كان مني إلا أن أحلت نفسي على التقاعد مباشرة رغم أن قراري كان مبكراً بالنسبة لسنوات خدمتي..! التي كانت قد بلغت اثنان وعشرون سنة ونصف السنة، واضيفت لها سنة اخرى لعدم تمتعي باي اجازة اعتيادية، وتقاعدت على ثلاثة وعشرين سنة ونصف السنة، ولم تحتسب لي خدمة ثلاث سنوات عسكرية، لانها عسكرية..!

       ما نحن فيه، فقد غلب عليَّ شعور بعدم إستطاعتي العمل مع أي مدير عام آخر غير منير بشير..! وبالرغم من أنني لم إجرِّبْ العمل كموظف رسمي مع أي مدير عام غير منير بشير، إلا أن تفكيري سيطرت عليه فكرة غريبة، بأن كل المدراء العامين الذين سيأتون بعد منير بشير، في نظري، محليون في تفكيرهم وعواطفهم ورؤيتهم وثقافتهم.. في حين أنني عشت مع الموسيقار منير بشير أكثر من عشرين عاماً، في ظل عقلية حضارية تفوق التصورات، في تفكيره وعواطفه وثقافته وتجربته ورؤيته الثاقبة للامور، إنه رجل غير عادي أبداً، إنه رجل عالمي معاصر تماماً.. شخصية قوية تخالها ساحرة، تجعلك تعتقد انها شخصية ساحرة بالفعل، ومهيمنة بصورة غريبة حقا، فلم استطع المقارنة، أو لا وجود لأي وجه للمقارنة بين منير بشير مع من سيأتي بعده..! فقد جعل منير بشير من نــفسه اسطورة ادارية وفنية من الصعب تكرارها..!!

           هكذا جعلتني هذه الحالة أن أحيل نفسي على التقاعد، لأفكر من جديد الى عملي الفني القادم، لانظم وضعي النفسي وأنا بدون منير بشير لأول مرَّة..

 

          على كل حال، غادر الموسيقار منير بشير بلده العراق وإستقر في الاردن الشقيق، وخلال السنوات الاربع التي عاشها منير بشير في عمــَّان، كنت أزوره دائماً في بيته عندما أسافر الى أي بلد آخر، لاننا نمر بعمان على الدوام عندما نسافر الى اي بلد آخر انطلاقا من مطار عالية الدولي، لان الحصار الظالم على بلدي العراق منع استخدام مطار بغداد الدولي..! خاصة وسفري كثير ومتواصل..

         مرَّة قلت له مذكــِّراً إيـِّاه على ضرورة البدء في عملنا ونشاطنا الفني من جديد، ونعيد ما كنا عليه في العقدين السبعيني والثمانيني الماضيين من خلال دائرة الفنون الموسيقية، إعتماداً على علاقاته الفنية الكثيرة في العالم، ويبدو انه انتبه الى ملاحظتي واومأ لي باقتناعه. كان ذلك عندما جئت الى عمان بدعوة من مهرجان جرش الخامس عشر 1996. وكذلك دعوة أخرى من مهرجان الخريف بسلطنة عمان. أقمت حفلتين في مهرجان جرش، وغادرت الاردن الى سلطنة عمان. وعند عودتي ثانية الى الاردن الشقيق، أخبرني أحد الاصدقاء بأن الفنان منير بشير يسأل عني ومن الضرورة ان يراني. إتصلت به، فتواعدنا على اللقاء مساء اليوم في مؤسسة شومان الثقافية لحضور أمسية يقيمها المدفعي. إلتقينا وجلسنا معاً في الصف الاول، وبعد ذلك حدثني عن مهرجان بيت الدين في لبنان، وقال لي بأنه عمل كل المطلوب في سبيل مشاركتي في هذا المهرجان الكبير في العام القادم 1997. لم نتحدث بكل الامور في هذا الموضوع، واتفقت معه على زيارته غداً في بيته لنكمل تفاصيل الموضوع الأخرى.. وهكذا كان..!

        وفي آب August من عام 1997. وصلت الى الاردن للمشاركة في مهرجان الفحيص الثامن وكانت حفلتي يوم 17/8/1997 شرفني بحضورها أستاذنا الراحل منير بشير، وقد بادرت بالترحيب به قبل ان نبدا فقرات منهاج الحفلة، وفي نهايتها، اناطت إدارة المهرجان بشخص مدير المهرجان السيد أيمن سماوي، بالموسيقار منير بشير لتسليمي شهادة ودرع المهرجان، وكانت لحظات مؤثرة وسط تصفيق الجماهير المحتشدة من أردنيين وعراقيين. وإلتقطت لنا بعض الصور على المسرح، وفي غرفة تبديل الملابس عندما جاء استاذنا الراحل منير بشير ليهنئنا جميعاً بنجاح الحفلة، لم يدر بخلدنا أن هذه الصور هي آخر الصور التي تجمعنا به الى الابد..

        بعد يومين، اي في 19/8/1997 غادرت الاردن مع أعضاء فرقتي الموسيقية الى بيروت، وقد تم إستقبالنا بحفاوة بالغة من قبل إدارة مهرجان بيت الدين، وأنزلونا في فندق جميل للغاية يقع في قمة جبل بالشوف، يبعد عن وسط العاصمة بـ 45 كم تقريبا..

          والحديث عن كل التفصيلات يطول عن الايام السبعة الجميلة التي قضيناها بين ظهراني أخواتنا واخواننا اللبنانيين، ولكن يمكن الاشارة الى أن السيدة نورة جنبلاط (هامش1) وزميلاتها في اللجنة التنفيذية للمهرجان على درجة كبيرة من الرقي والادب والضيافة وسوف لن ننسى موقفهنَّ هذا. وفقهنَّ الله كل التوفيق فقد كنَّ على مستوى عال من الكرم والتعامل الحضاري..

 

        في حلقة من حلقات هذه السلسة من اليوميات، كنتُ قد تحدثت عن جانب من مشاركتي في المهرجان الكبير (مهرجانات بيت الدين) في لبنان، الذي يقام في قصر بيت الدين التاريخي والذي تم بناؤه في القرن التاسع عشر في الارض الجبلية بالشوف. وكان حديثي في تلك الحلقة عن السيدة نورة جنبلاط رئيسة هذه المهرجانات الفخمة. وفي هذه الحلقة، فقد وُجــِّهتْ لي أكثر من دعوة شخصية للغداء أو العشاء من قبل فنانين وشعراء لبنانيين، أو قمتُ أنا بزيارة بعضهم من الذين تربطني علاقة سابقة معه، منهم الشاعر الغنائي اللبناني الشهير طلال حيدر، الذي كلــَّم أصدقاء له في بيروت في شأن الاتصال بي عن طريق إدارة المهرجان ودعوتي للغداء في مدينة بعلبك التي يقيم فيها كما يبدو..

       أخذني السائق الخاص الى بعلبك ظهر أحد أيام سفرتي الفنية هذه التي كانت ما بين 19 الى 26 من آب August عام 1997. وكان معي إثنين من أصدقاء الشاعر طلال حيدر، وفي بعلبك تشرفتُ بمعرفة هذا الشاعر الغنائي الكبير طلال حيدر، وقضينا ظهرية جميلة للغاية سأبقى أتذكرها دائماً، وقد وجدته في مزاج رائق جداً، ويبدو أنه دائماً كذلك..! واحدى الصور تؤكد كما يبدو جمالية وارتياح كلينا بالوقت الذي قضيناه في بعلبك. فقد كان شخصاً يمتاز بمجالسة لذيذة، وقد ملء الوقت كله بالاحاديث والفكاهة الجميلة، الامر الذي جعلنا لا نشعر بمرور الوقت..

        خلال كل السنوات التي مرت على لقائي بالشاعر طلال حيدر في آب 1997، اتصلت به مرة واحدة عبر الهاتف النقال وتكلمت معه بعد حصولي على هاتفه من احد الاصدقاء، وذلك حينما كنتُ في بيروت بدعوة كريمة من تلفزيون المستقبل للظهور في البرنامج الشهير– خليك بالبيت-  الذي يعده ويقدمه الاديب الكبير زاهي وهبي.. كان ذلك في شهر آب August عام 2005..

          تحيتي من هنا لأخي وصديقي الشاعر الكبير طلال حيدر متمنياً له التوفيق الدائم ..

 

وللتوثيق اثر عميق

 

الهوامش

1 – هامش1 : السيدة نورة جنبلاط هي زوجة السياسي وليد جنبلاط .

 

اضغط على الرابط

حسين الاعظمي /  مقام الدشت

https://www.youtube.com/watch?v=qL10Z70aTUc