كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعـظمي (240)- شريف جاسم مقامي خسرناه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعـظمي

 يوميات حسين الاعـظمي (240)

 

شريف جاسم مقامي خسرناه

       في تسعينات القرن الماضي، دُعيتُ من قبل السيد يحيى ادريس مدير بيت المقام العراقي زمنذاك، لحضور احدى الاماسي المقامية في المتحف البغدادي التي يقيمها البيت كمسابقات غنائية بين مغنيه بمختلف مستوياتهم ، وكان ممن توجه الدعوة لحضورهم ايضا بعض الفنانين المعروفين والمشاهير ، اما كضيوف او المشاركة في لجنة التحكيم خلال مسابقة المغنين فيما بينهم . وكانت هذه الدعوات تتكرر احيانا لهؤلاء الفنانين . وفي مرة من المرات ، وانا جالس مع لجنة التحكيم استمع الى المغنين تباعا وهم يؤدون ما لديهم من امكانيات صوتية ومعرفة مقامية باصولها التقليدية . فوجئت وربما فوجئ الجميع بأحد المغنين الجدد يقدم نفسه مغنيا مقاميا واعدا بكل ما يمكن ان تحويه هذه الكلمة من معنى ..! خاصة وانه لم يقدم مقاما بسيطا ، وانما تحدى الجميع وقدم لاسماعنا مقام السيكاه الرئيسي ، مما زاد في عنصر المفاجئة كثيرا جدا . فضلا عن صوته الجميل ونظافة ادائه المتقن . وكان قد اعلن عن اسم هذا الشاب الرائع الواعد (شريف جاسم) . فبقي هذا الاسم في ذاكرتي ولم انساه ، وشجعتُ على الاهتمام به في بيت المقام العراقي وافساح المجال له في حفلات بيت المقام العراقي لأني وجدتُ فيه جزءً وافرا من مستقبل المقام العراقي..!

       لم اكن في حينها منتميا الى بيت المقام العراقي ..! وبقيتُ هكذا حتى استلامي ادارته عام 2001 . رغم اني كنت عضوا في الهيئة الاستشارية للبيت بين الحين والاخر ولسنوات عدة ..! على كل حال ، مضت الايام والسنوات وانا اسمع من هنا وهناك على كثرة مضايقة هذا الشاب الواعد وامل مستقبل المقام العراقي السيد شريف جاسم من قبل البيت نفسه ، وعلى الاخص من بعض مغني المقام العراقي ..! دون رادع لهكذا تصرفات من قبل ادارة البيت ..! التي تدل على خشية وغيرة وحسد هؤلاء البعض من ظهور هذا الشاب الى الساحة المقامية وربما احتلاله الموقع الكبير في غنائه للمقامات العراقية ، ولا داعي لذكر البعض من هؤلاء الحساد الذين وقفوا ندا قبيحا ومباشرا ضد هذا الشاب شريف جاسم ..! حتى وصل الامر الى الاعتداء عليه بالضرب اكثر من مرة قاصدين من ذلك ابعاده عن بيت المقام العراقي والساحة المقامية برمتها ..! وبقيت ادارة بيت المقام العراقي لا تحرك ساكنا لتصحيح هذا الوضع الغريب رغم علمها بما يحدث ..!! الامر الذي ادى في النهاية الى نجاح هؤلاء البعض المعتدين من منتسبي بيت المقام العراقي ، على هذا المغني الشاب شريف جاسم ، وابعاده عن البيت الذي انتمى اليه وهو يفيض املا وطموحا في تنمية قابلياته والظهور من خلاله..! واختفى بعد ذلك هذا الشاب شريف جاسم تماما ولم نسمع عنه شيئا..!

      الحديث كثير ولا داعي لفضح الكثير من سلبيات الوسط المقامي التي كنت اتابعها عن كثب ، واسجل ذلك في يومياتي ليبقى التاريخ شاهدا حقيقيا على انهاء مسيرة فنية لم تزل في مهدها لمغني مقامي شاب ناجح جدا ..! ومن قبل زملاء له في الهواية والمهنة والتطلعات..!

      في عام 2001 تقريبا ، حدثتْ تغيرات جذرية في ادارة بيت المقام العراقي ، واولها تغيير ادارة البيت بعد ان طفح الكيل ، والمجيء بادارة جديدة تم اختياري على رأسها من قبل وزير الثقافة السيد حامد حمادي والمدير العام السيد فاروق سلوم . وفي هذا الموضوع حديث كثير نتركه الان ..! ونستمر في الادارة الجديدة لبيت المقام العراقي في المركز العام بغداد وباقي بيوت المقام العراقي في المحافظات الشمالية والجنوبية لبلدنا العزيز العراق . وبصراحة اقولها ، كان ديدني منذ اليوم الاول لاستلامي ادارة بيت المقام العراقي ، هو تنظيم المسار الفني لبيت المقام العراقي من جديد ، ومن ضمنها البحث عن ذلك الشاب المغني المقامي الواعد شريف جاسم والاصرار في العثور عليه ، بمساعدة كل من يعرف عنه شيئا لاعطائه الفرصة الحقيقية لاعادة ظهوره كمغني يستطيع ان يرفد المقام العراقي بالشيء الكثير ..! وانا الان لستُ في صدد كتابة الكثير من التفاصيل ، ولكن تأكيدي في حلقتنا هذه ينصب على موضوع السيد شريف جاسم ، الذي تم الاعتداء عليه اكثر من مرة وابعد بالتالي عن بيت المقام العراقي نهائيا ..! وبعد جهد جهيد ، تم العثور والاتصال بشريف جاسم ، الذي كان قد عاد الى اقامته في محافظة الانبار بين اهله وذويه ، ثم قمت بدعوته باصرار من قبلي على الحضور الى بيت المقام العراقي والتحدث بموضوعه وتفاصيل، اخرى محاولا منحه كل الحق في الاستمرار والظهور مرة اخرى في الوسط المقامي من خلال بيت المقام العراقي ودائرة الفنون الموسيقية الذي يتبع لها البيت اداريا.

      واقع الحال ، كان السيد فاروق سلوم المدير العام لدائرة الفنون الموسيقية داعما للبيت بصورة طبيعية. حتى التقيت اخيرا بشريف جاسم في دائرة الفنون الموسيقية بوزارة الثقافة، ووقفنا معا في زاوية من زوايا الدائرة نتحدث ، محاولا اقناعه بالعودة الى بيت المقام العراقي، ولكنه كان مصرا بصورة حقيقية في الاعتذار عن العودة ، رغم إلحاحي الكثير في عودته ، ثم سلّـمني ورقة كتب فيها بعض ما شاهده في فترة وجوده السابقة في بيت المقام العراقي ، متعذرا لي عن ذكر مشاكل اخرى ..! ولكنني بقيتُ ملحـّاً عليه في العدول عن موقفه في الاعتذار ، ولكن دون جدوى ..! وخلال هذه اللحظات وتفاعلنا في الحديث ، فوجئت به بلحظة خفقان وانزواء وراء الحائط الذي كنا قربه وكأنه تجنب شيئا لا يريد مشاهدته ، فاستدرتُ لانظر ما ورائي فرأيتُ السيد يحيى ادريس قادما في طريقه الى الدائرة ..! وسرعان ما سألته واستفسرت عن حالته هذه ، وهل للسيد يحيى ادريس ضلعا مباشرا في ابعادك عن بيت المقام العراقي او ما شابه ذلك ..؟ لماذا انزويتَ الى زاوية الحائط لا تريد ان يراك او ترى السيد يحيى ادريس ..!؟ ولكنه رفض الكلام عن اي شيء وفضل الاستمرار في اعتذاره من إلحاحي عليه بالعودة ، وانا اؤكد له بانه سيكون في أمان تام لا تشوبه شائبة ولن يتعرض لك احدا وانا موجود على رأس ادارة البيت ، حتى قلت له وبصراحة ، اخي شريف انا بقوة الله ، قوي لا اهاب احدا ، فلا تخشى احدا بوجودي انا ، عد الى بيتك المقامي والكل معك هذه المرة ..

      افترقنا دون نجاحي في محاولة عودته الى البيت ، واختفى شريف جاسم مرة اخرى ولم نسمع عنه شيئا ، وخلال السنوات الماضية وفي مرة من المرات تذكرته وانا امام الكومبيوتر ، فاستعنت بموقع كوكل وكتبت اسمه عسى ان اتعرف عن بعض اخباره ، ففوجئت بخبر استشهاده مع الشهداء الابرار في ظل ظروف مدينة الانبار خلال السنوات التي مرت . واخباره الاخرى ذكرتْ لنا بأنه تفرغ في ممارسة الشعائر الدينية والمدائح النبوية الشريفة ، وقد قدِّر له ان تنتهي حياته مبكرا ، وقد خسرته الشعائر الدينية والمقام العراقي خسارة كبيرة . رحمك الله يا شريف جاسم ، واسكنك فسيح جناته ، والهم اهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون والحمد لله على كل شيء .            

 

اضغط على الرابط

شريف جاسم في احدى مدائحه

https://www.youtube.com/watch?v=7jWttzHh7fI

  

ملحق بالحلقة رقم / 253

مع التقدير 

    اعزائي القراء الكرام . يبدو ان الرسالة التي اعطاني اياها المرحوم شريف جاسم والمنشورة صورة مستنسخة عنها في الحلقة 338 ، غير تامة الوضوح ، فقد اتصل بي بعض الاصدقاء وابدوا معاناتهم من قراءتها بصورة كافية ..! وعليه اكتبها لكم اعزائي عبر الكتابة الالكترونية لتكون واضحة للجميع مع شكري الجزيل للجميع من خلال تفاعلكم الثمين والمهم جدا مع الموضوع واليكم الرسالة .

بسم الله الرحمن الرحيم

الاخ العزيز الاستاذ الفاضل حسين الاعظمي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..

اولا اهنئ بيت المقام العراقي بادارتكم العادلة ، وهنيئا لاعضائه وقرائه وعشاق المقام العراقي كلهم لوجودك بينهم وعلى رأسهم ، سائلا المولى تعالى ان يعمِّـر البيت بصاحبه لان شرف المكان بالمكين .

اخي العزيز ، الله وحده يعلم مدى مكانتك الشخصية والفنية في قلبي لاسباب كثيرة ، اولها اخلاقك الفنية وثقافتك التي اعطت تعبيرا كافيا للتعامل مع هذا التراث والثروة العريقة .

ثانيا لانك بذكائك اوصلت المقام العراقي لجيل ساده الطرب المنحرف ، وبسطته وازلت التعقيدات الواردة فيه دون انتقاص من شخصيته او اي حذف ، ونلت بذلك شرف المجددين ، لاننا قوم تجديد لا تقليد . واسباب اعتزازنا بك كثيرة ، وقليلها يعبر عن كثيرها ، وهذه شهادة ابديها لك عن ألسنة اهل الانبار قاطبة لقول الله تعالى .

(ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون ، صدق الله العظيم)

اخي العزيز

فيما مضى من السنين القلائل كثر انقطاعي عن بيت المقام العراقي وذلك للاسباب التالية .

1 – لان الصورة الحقيقية للمقام العراقي التي في خيالي لم اجدها بشخصيتها لدى كادر البيت ..! بل جعلوا من المقام العراقي سلعة يبتاعونها في المتنزهات والمقاهي ، والمقام العراقي علم وفن واثر من اثار العراق لايقيم بمادة ، بل قيمته المعنوية اكبر من ذلك بكثير .

2 – اتخذوا المقام العراقي طربا وغناءً وهو العكس لان المقام العراقي لا يحدد بلون معين لانه يتعامل مع قراءة القرآن الكريم والمناقب النبوية والموشحات وشعر التصوف ، فلكل مما ذكرت له نصيب في ادائه .

3 – لان كل المطربين المنتسبين لبيت المقام العراقي ، لم يظيفوا شيء يحسن المقام العراقي باصواتهم ولا باشكاله لكي يتقبله هذا الجيل ، بل تمسكوا بالتقليد الممل الى ان ذهبت شخصية هذا الفن الكبير العريق بذهاب شخصية مؤديه ..! فماذا لو يكون في بيت المقام العراقي قسم الانشاد الديني ، اي ان تقرأ الاشعار الدينية واشعار التصوف والمناقب بمصاحبة الجالغي البغدادي ، وتشكيل كادر خاص بهذا اللون لا سيما الكثير من الاذواق تميل بل تتعطش لسماع هذه التوليفة اي ان الاشعار الدينية والصوفية والمناقب والموشحات ، لا يليق تعاملها الا مع الجالغي البغدادي ، فعلينا ان نبادر ونقدم عملا تسمو به الارواح وتتثقف به العقول ليصبح العمل متكاملا صوتا وشعرا ونغما لان الاسماع مختلفة ، منها الوجداني ومنها الروحاني والايماني ومنها الوطني ، ودمتم لارضاء الكل ووفقك الله يا اخي العزيز وكلنا معك ..

اخوك شريف جاسم