كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (283)- الغناسيقى ومصطلح العـولمة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

يوميات حسين الاعظمي (283)

 

الغناسيقى ومصطلح العـولمة

      نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل في وسائل الاتصال والنشر والحفظ والتوزيع، اصبحت طرق الاداء الغناسيقية عوالم يندمج فيها عصر كامل بالتواريخ والامكانيات الفردية والجماعية من الفنانين، مع تكثيف للتجارب الحياتية ومن ثم تحويلها الى فلسفة للحياة..! وعلى اثر ذلك باتت الاستفسارات والاستفهامات اكثر كثافة وسعة حول موضوع العصر السائد، ونعني به (العولمة)..! بشتى اتجاهاتها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، للتوصل الى المفهوم الدقيق لهذا المصطلح الجديد في عالمنا المعاصر (العولمة) بدءاً مما حصل في القرن العشرين وفترة استقبالنا للقرن الحادي والعشرين والالفية الثالثة حتى يوم الناس هذا..! فكثرت الدراسات والبحوث ورسائل الدراسات العليا والحوارات والنقاشات في اوسع صورها حول هذا الموضوع، لتصبح العولمة الشغل الشاغل وحديث كل شعوب الارض في كل انحاء المعمورة.

 

       ينبغي علينا اذن، ان نعي ما يحدث في عالمنا المعيش، نبحث ونطلع ونجتهد في معرفة مدى تاثير هذه الثورة الصناعية في كل تقنياتها على تراثنا الغناسيقي العربي بصورة عامة والتراث الغناسيقي الخاص بكل مجتمع على حدة من مجتمعات الدول العربية..! للوصول الى معرفة ايجابيات هذه الثورة وسلبياتها..! لتسهيل عملية المواجهة والافادة منها لحفظ وحماية تراثنا الغناسيقي، اذ يمكننا الافادة ايضا من هذه التكنولوجيا المهيمنة في تطلعاتها الصناعية وتاثيراتها على شعوب الارض، بعد الاطلاع على الاراء المناهضة للعولمة، وكذلك الاطلاع على الاراء الموالية والمؤيدة لها. لاعداد فنان موسيقي واعي ومتعلم، يعي حراجة الموقف العلمي والثقافي في فترته الزمنية، كي يتمكن من التعامل الصحيح مع التقنيات الحديثة التي يمكنها ان تصب في صالح تطور موسيقانا العامة والخاصة للحفاظ على اصالتنا الغناسيقية الحقيقية، ومن ثم اعداد برامج موسيقية منهجية متطورة كوسيلة ايجابية مما يمكن ان تتركه العولمة في الثقافة المعاصرة.

 

        من ناحية اخرى، فان وجود العولمة والهيمنة المتصفة بها، بكل معانيها واهدافها ومنطلقاتها الايجابية والسلبية، امر اكيد لابد من الاعتراف بتاثيرها ووجودها الحقيقي. للتهيؤ في مواجهة الموجات الوافدة على ثقافتنا العربية بصورة عامة، وعلى الاخص موضوع الموسيقى والغناء. وبلا شك استطاعت العولمة ان تدخل في اعماق خصوصيتنا التعبيرية..! ومن ثم تهجين نسبة كبيرة منها..! بتداخل ايقاعات واساليب تعبيرية وجمل غنائية او موسيقية غريبة عن الاصل التاريخي لموسيقانا، الى ما شابه ذلك من تداخل اثَّـرَ بالتالي على الاصالة الحقيقية للموسيقى العربية..!

 

        كثير من الموسيقيين العرب، تاثروا بالموسيقى الغربية التي ازدهرت في عصر النهضة، وعلى الاخص بموسيقى العصر الرومانتيكي الذي اجتاحت ثورته اوربا في بداية القرن التاسع عشر. الامر الذي ادى الى استخدام الالات الموسيقية الغربية في صلب موسيقانا العربية وادخالها في الاوركسترا العربية، والعمل على ملاءمتها مع خصوصياتها التعبيرية، خاصة في عملية التوزيع الهارموني والكونترابوينتي لكثير من الاغاني العربية. وقد جاءت مثل هذه الاعمال نتيجة قناعة الفنان الموسيقي العربي بجدوى هذا التداخل في تحقيق النهوض والتطور..! في حين ان فنانين موسيقيين اخرين كانوا يرون بان تحقيق التقدم والتطور في موسيقانا العربية يكمن في احياء القديم والتحفظ والحذر من مغبة التداخل غير المدروس مع الموسيقى الغربية ومخاطر توجهات العولمة..!

 

       ان انهيار حدود وحواجز التاثر والتاثير بين الشعوب، نتيجة المتغيرات والتحولات المستمرة في عصرنا الراهن في ظل التطورات المخيفة للثورة الصناعية والتكنولوجيا المذهلة، ليصبح العالم وكأنه قرية صغيرة. يعني بالفعل انها هيمنة خطيرة على الانسانية، كيف نرصدها اذن..؟ كيف نواجهها للتوقي من سلبياتها المحتملة..؟ كيف نعالج كل ذلك..؟ قد يمكننا استقاء بعض الايجابيات الصناعية في صالح تطور الموسيقى عموما او موسيقانا العربية خصوصا في كل تراثها الموجود لدى كل الشعوب العربية، مع مواصلة التنبيه على اهمية الحفاظ وحماية موروثاتنا الموسيقية والثقافية والتاريخية من أي تهجين يؤثر على هذه الاصالة الحقيقية لموروثاتنا، في توعية الاجيال بهذه الاهمية في التعبير عن الشخصية العربية واصالتها وعدم التفريط بالممتلكات التاريخية لعروبتنا.

 

      ان حجم المساحة الجغرافية لوطننا العربي كبيرة جدا، حيث تمتد من المحيط الاطلسي غربا، حتى الخليج العربي والعراق شرقا. وعليه اختلفت التضاريس في مناخاتها وطقوسها وبيئاتها المتعددة من منطقة الى اخرى على امتداد الوطن العربي الكبير.

      

        وبالنسبة للعراق، فان ظهور الطرق الادائية الغنائية الانفرادية لدى بعض المؤدين المقاميين العراقيين خلال القرون القليلة الماضية على وجه الخصوص، منهم مثلا رحمة الله شلتاغ واحمد الزيدان ورشيد القندرجي ومحمد القبانجي وغيرهم. تغيَّر معنى المقام العراقي، بل تغيَّرت حتى طبيعته من خلال التبادل التاريخي في عملية التأثر والتأثير بمختلف الاتجاهات الكلاسيكية والرومانسية وغيرهما..! اذ جعل كل مغن من امثال هؤلاء المشروع الادائي الفني، الوسيلة الوحيدة للوصول بالمقام العراقي الى بر الامان، الامان الذي انتهى امر باكتشافه وتوضيحه.

 

      ولذلك فقد تطور الاداء المقامي من حيث شكله ومضمونه ابتداءاً من شلتاغ في مقاماته الى احمد الزيدان حتى رشيد القندرجي. بتيار مضاف تزدوج فيه طريقة الاداء المقامية العراقية بالعربية من خلال المبدع محمد القبانجي، فالمغني المجتهد يكشف عن طرقه وفنه، وتراه ربما يضطر الى هدم ما بناه وشيد ما كان يراه ابداعا في وقت ما، وفي اداء القبانجي يرافق التأمل لطريقة ادائه عملية الخلق المقامي، فطرق الاداء المقامي تؤسس في نظر الجمهور الاسلوب الامثل لمعرفة اللغة الادائية الغنائية واحيانا عذرا لتكوين طريقة فردية جديدة.

 

ان هذا النوع الغنائي الذي يستثيره بالحاح، الواقع المحيط والواقع الذي نحمله داخل انفسنا والذي يتنازعه خلق الخيال واستقصاء الواقع الذي لا يكف عن انتاج طرق ادائية وابتكار طرق اخرى ممكنة، وهذا النوع متقلب وفي توسع دائم.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

حسين الاعظمي مقام الخنابات

https://www.youtube.com/watch?v=BqX_ZgPi4EI