اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (346)- التَّعبير الغـنائي الفني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (346)

 

التَّعبير الغـنائي الفني

         مرَّة اخرى نتحدث عن مسألة التعبير الفني، بالمعنى الادائي للمقامات العراقية، فإعجاب المغنين الكبار أمثال رشيد القندرجي ومحمد القبانجي ونجم الشيخلي وجميل البغدادي وجميل الاعظمي وغيرهم. بالمقامات الرئيسة، وهي على العموم المقامات الكبيرة في نواحيها اللحنية بإصولها التاريخية والتقليدية، أو بالمقامات بصورة عامة، رئيسية أو فرعية، من التي حُشـِّد لها من تفاصيل الاصول التقليدية ما يكفي أن يُنظر إليها على أنها مقامات تاريخية كبيرة غاية في الرصانة ومن الوزن الثقيل..! ويأتي هذا الاعجاب من لدن المغنين الكبار بهذه المقامات، بوصفها مقامات عراقية تمتلك أقصى درجات التعبير الادائي الاصولي والتاريخي للمقامات، وهي بالتالي تمتلك أقصى درجات التعبير عن شجون الانسان العراقي الذي عاش حقب تاريخ تطور هذه المقامات وساهم في بلورتها وإنضاجها حتى وصلتنا وهي زاخرة بهذه التراكمات التاريخية..! التي جعلتنا نكتشف الوسيلة الممكنة التي يتمكن منها الفن الادائي المقامي من خلال مؤديه الكبار من عكس الواقع التاريخي والعاطفي والنفسي والاجتماعي والسياسي و....و... عكساً كافياً لحياة العراقيين خلال القرون الماضية دون مبالغة أو تزويق، وهكذا يضفي المغنون الكبار في غنائهم المقامي طابعاً إنسانياً واخلاقياً بواسطة تراثهم الحضاري. وعليه يكمن فن هؤلاء المغنين الكبار بالضبط في تفريد نتاجاتهم المقامية بأُسلوب يصل الى قلوب الناس بكل سهولة ويسر، بأُسلوب تتوضح فيه سمات فردية محضة معينة للشخصية، خاصة بها تماماً، حيَّة خالصة جداً، مع العصر الذي يعيشون فيه، مع الغاية التي يسعون إليها، وهم في نفس الوقت يمثـلون الحاجة التاريخية لشخصياتهم الفردية الخاصة والدور الخاص الذي يلعبه كل منهم في المسيرة التاريخية للغناء المقامي.

 

       إن أحد النتاجات المقامية الفذة في التصوير والتأمل هو مثلاً، الاسلوب الذي يكثـِّف به محمد القبانجي جميع السمات التي تحكم منذ البدء بنجاح الاداء، وخلال سير الغناء تبدو هذه السمات محسوسة خاصة في علاقتها بالمتلقي، إن هذه العملية تضيف وعياً الى هذه المشاعر، ولكن بطريقة مختلفة تماماً يصوِّر فيها القبانجي تفوُّق الناحية الفنية لمكونات المقام العراقي ومقومات الغناء ومن ثم وفي كامل سير المقام المغنى، وليكن مقام المثنوي مثلاً، المُغنّى بهذه القصيدة للشاعر كاظم الازري وتخميس لراضي القزويني وهذا المطلع المخمّس.

 

(حبذا من لماك نشوة خمـــر/ ساعة الملـتقى ورشفة ثغر)

(فعلى حالتي وصال وهجـــر/ لو ملكنا ملك العراق ومصر)

(دون رؤياك ما بلغـنا المراما)

 

تنصهر جميع المكونات المقامية والمقومات الادائية، وبذلك فإن هذه التفاعلات داخل العملية الادائية المعقدة والصريحة في ذات الوقت القائمة بين المغني ومادة غنائه، تخلق ذلك الجو الصادق بما لا يقاس، الجو التاريخي الذي يوقظ عند كل مقام عراقي من مقامات محمد القبانجي أو مقامات أمثاله في المستوى كرشيد القندرجي ونجم الشيخلي وغيرهما، ليس فقط المحتوى الاجتماعي، بل يوقظ ايضاً السمات الانسانية العاطفية، وعليه فإن هذا الصدق في الغناء المقامي الذي يمكن لنا أن نحياه مرَّة أخرى في المقامات العراقية المسجلة بأصوات المغنين الكبار، يستند الى الطابع الشعبي في فنون غنائهم، وفي القرن العشرين أدرك معاصروا رشيد القندرجي ومحمد القبانجي ووارثوهما المهمُّون مثل حسقيل قصاب وعبدالقادر حسون واحمد موسى وشهاب الاعظمي ورشيد الفضلي وسليم شبث والحاج هاشم الرجب وحسن خيوكة وعبدالهادي البياتي وفلفل كرجي ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي وعبدالرحمن خضر وعبدالجبار العباسي وحمزة الســعداوي وعبد الرحيم الاعظمي وغيرهم الكثير. أدركوا هذه الحقائق الفنية في الغناء المقامي وما وصل به سابقوهم من المغنين.

 

      ذكرتُ مرَّة في إحدى محاضراتي، ان القبانجي ومن امثاله في المستوى يصورون التطور التاريخي والتحولات الكبيرة في مسيرة غناء وموسيقى المقام العراقي. بوصفها تحولات الحياة العامة للناس والحياة الشعبية للمجتمع، وهم يكشفون دائماً كيف تؤثر هذه التطورات والتحولات في الحياة اليومية. وعلى ذلك فإن الطابع الشعبي المقصود لهؤلاء المغنين الكبار، لا يكمن في تصوير خاص بالفئات الاجتماعية البسيطة دون غيرها من الفئات. إن هذا التفسير يُعد تفسيراً ضيقاً، وكأي فنان شعبي كبير، يهدف هؤلاء المغنون الكبار الى التعبير عن عواطف ومشاكل وشجون مجموع المجتمع ومجموع الحياة القومية والوطنية او الحياة العامة للشعب، في تفاعلها المعقد بين مختلف الطبقات العليا والسفلى.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

محمد القبانجي مقام المثنوي

https://www.youtube.com/watch?v=kPtYZfxVx2o

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.