كـتـاب ألموقع

• اليسار الديمقراطي العراقي بين آلام الماضي و صعوبات الحاضر و أفاق المستقبل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جاسم الحلفي

 

 مقالات اخرى للكاتب

·        اليسار الديمقراطي العراقي  بين آلام الماضي و صعوبات الحاضر و أفاق المستقبل

 

يشكل اليسار العراقي جزءا  أساسيا من التيار الديمقراطي في العراق، في قلب هذا التيار الحزب الشيوعي العراقي، حيث وضع  نصب عينه جدلية الكفاح ضد الاستعمار القديم والجديد، والاحتلال ومخلفاته، وفي نفس الوقت ضد الدكتاتورية والحروب والاستبداد، وسياسات العزل والتهميش، التي مارستها وتمارسها أنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق. كما وتبنى الديمقراطية بجانبيها: الديمقراطية السياسية، والديمقراطية الاجتماعية. فالحق بالتنظيم الحزبي، والنقابي، والتظاهر والاحتجاج، وحرية التعبير عن الرأي، الى جانب الانتخابات والمشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة والتعددية ، الى آخر ما تتطلبه الديمقراطية السياسية، هي عناوين كبيرة في نضال اليسار العراقي. ومن جهة أخرى كانت القضايا الاجتماعية ولازالت، محور نضال رئيسي لقوى اليسار العراقي وعناوينها :  تحقيق العدالة الاجتماعية وحق العمل، والتقاعد، وتوفير الضمانات الاجتماعية والطبابة والتعليم المجاني ومحاربة العوز والفقر والتهميش الى جانب المساواة على وفق مبدأ المواطنة، واحترام التنوع القومي وحرية المرأة وتوفير إمكانيات نهوضها، وتفعيل مشاركتها في المجتمع وفي السلطة السياسية، وتوفير الخدمات  وتقديمها،  سيما تلك التي تهم حياة ومعيشة المواطن. ان هذه القضايا ،وغيرها، التي يهتم بها اليسار تعد أولوية في برامجه، وفي حركته المطلبية التي شهدها تاريخ العراق المعاصر.   

 

دور اليسار في تاريخ العراق المعاصر

استنادا الى التجربة التاريخية الملموسة في بلادنا، هناك من يقرن جدية ومصداقية  الديمقراطية في العراق بعلنية الحزب الشيوعي العراقي، وباقي الأحزاب السياسية الديمقراطية، فكلما كانت هناك مساحة للديمقراطية نجد الأحزاب السياسية الديمقراطية تباشر فورا بنشاط وحضور علني، والعكس صحيح. فكلما تقلصت هذه المساحة ضاقت معها هذه العلنية، وغاب النشاط الديمقراطي. ومن المعروف، أيضا، ان اليسار لعب على الدوام دورا مهما في تاريخ العراق المعاصر، ويحسب له السعة والنفوذ، والتأثير على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.  وروجت القوى الديمقراطية واليسارية لمنظومة من القيم الديمقراطية وتركت تأثيرا واضحا في الوعي الجمعي، رغم السنوات العجاف الذي رزح شعبنا فيها تحت ظل النظام الدكتاتوري وأساليبه القمعية التي سعت بكل الأحوال إلى إبعاد اليسار والقوى الديمقراطية عن  التأثير في المجتمع. ونال اليسار وقواه وقياداته من النظام البائد التعذيب والتنكيل والإبعاد والاضطهاد المنظم الجسدي والفكري والنفسي وصولا الى إطلاق ما سمي في حينه بـ " الحملة الإيمانية " التي أريد منها إبعاد كل اثر للفكر اليساري الديمقراطي في البلاد. ولكن رغم ذلك ظلت مفاهيم الديمقراطية التي تبناها اليسار عنوانا للكفاح من اجل تحقيها. ولم تفلح قوى الإرهاب والإقصاء في  تغييب الدور الريادي الذي لعبه اليسار العراقي، في الترويج للديمقراطية كقيمة إنسانية غير قابلة للتجزئة. لذا فان واحة الديمقراطية هي متنفسنا، وعليه نحن من اشد الحريصين عليها وعلى اعلاء قيمها. ومن هنا نحمل أنفسنا، سوية،  مع كل الحريصين على راهن ومستقبل التيار الديمقراطي مسؤولية لمِّ شمل هذا التيار والعمل على وحدة قواه وتنسيق جهوده.

       

التغيير ... الاحتلال.. استرجاع السيادة وانجاز الاستقلال

كان، ومازال، موقف اليسار واضحا من المشاريع الأجنبية في البلاد، فقد وقف ضد الحصار الاقتصادي الظالم على العراق في أوائل التسعينات، وكذلك ضد الحرب والاحتلال، وكان قد أكد مرارا بأنه يرفض الحرب كخيار لإزاحة الدكتاتورية، ووضع مهمة الخلاص منها بيد أبناء الشعب العراقي وقواه الوطنية. وقد أجاب على الذين راهنوا على الحرب كونها الوسيلة الممكنة للتغيير، بشكل واضح لا لبس فيه ،مبينا انها – أي الحرب - ليست الطريق الناجع لإحلال الديمقراطية في البلاد، وعلى العكس باندلاعها سيدخل البلد في دوامة الفوضى والعنف، و لن تفضي سوى الى الدمار والخراب، فضلا عن التفريط بالسيادة الوطنية.

وحين اندلعت الحرب، وتم احتلال العراق، وشرعنته بموجب قرارات الأمم المتحدة، وبدون إرادة العراقيين، تبيّنت صحة موقف اليسار والحزب الشيوعي العراقي وصواب شعاره: ( لا للحرب ...لا للدكتاتورية ... نعم للبديل الديمقراطي) فلم يترحم المواطنون في حينه على الدكتاتورية وفي نفس الوقت لم يستقبلوا المحتلين بالزهور.

ولم يفت اليسار فرصة تبنى المقاومة السلمية، وذلك بتحشيد الرأي العام الشعبي، نحو إنهاء الاحتلال واسترجاع السيادة الوطنية غير منقوصة، وقدم جراء ذلك الكثير من التضحيات، وفقد شهداء أعزاء، على يد قوى الاحتلال، والقوى الإرهابية، والمليشيات الطائفية. فهذه القوى هي التي شوهت المعنى الحقيقي للمقاومة بعد ان أصبح المدنيون والمناطق السكنية، والأسواق والتجمعات العمالية، والمراكز الثقافية،وغيرها، ميادين وساحات أفعالها الشنيعة، وأصبح القتل على الهوية سمة الصراع الطائفي في العراق. وهذا ما أضاف صعوبات عدة لنهج إنهاء الاحتلال بأقل الخسائر. ورغم ذلك فان الأمر الذي يدعو الى الفخر هو النجاح الذي تحقق في حشد الرأي العام العراقي وكسب الرأي العام الدولي الشعبي والرسمي بهدف إنهاء الاحتلال واسترجاع السيادة

 

        استحقاقات الوضع الراهن

تحتاج بلادنا من اجل أن تتجاوز المأزق الراهن جذريا، وليس شكليا، الى بناء مشروع وطني ديمقراطي قادر على توحيد المجتمع العراقي في إطار تنوعه الثري، بما يساعد في خلق الشروط الحقيقية لبناء دولة متحضرة ديمقراطية تعني بشؤون العراقيين والعراقيات جميعا دون تمييز وتسود فيها روح المواطنة. ولوضع المشروع الوطني الديمقراطي موضع التنفيذ وجعله بديلا حقيقيا لكل الخيارات الطائفية ونظام المحاصصات، يتعين على قوى التيار الديمقراطي اليوم، بتنوع مرجعياتها الفكرية والسياسية، ان تجمع قواها وتواجه بشجاعة، وبمسؤولية عالية، متطلبات اللحظة الراهنة وما تحمله من تحديات واستحقاقات ومخاطر في ذات الوقت.

        وانطلاقا من تجربة اليسار العراقي الكفاحية، واستنادا الى تحليل علمي لظروف العراق الملموسة اليوم، فانه يمكن القول انها تتصف بالخطورة والتشابك والتعقيد، سيما وتمر على بلدنا في هذه الفترة، أيام ثقيلة جراء استعصاء تشكيل الحكومة رغم مرور أكثر من سبعة شهور ونصف على إجراء الانتخابات البرلمانية. على ان أسباب هذا الاستعصاء عديدة، لكن عامل الصراع على السلطة والنفوذ وتحقيق الهيمنة هو أكثر مفاعيل الأزمة. فلازال البلد يعيش تداعيات الحرب والاحتلال ولم يتخلص بعدُ من مخلفات الدكتاتورية وسياساتها، فيما أضيفت عوامل أخرى من بينها الطائفية السياسية والتي اتخذتها بعض القوى شعارا سياسيا، مرة بشكل مكشوف وأخرى بشكل مستتر. ويؤشر الصراع المحموم الذي يدور في بلدنا على السلطة وامتيازاتها، بين مختلف المتنافسين المتنفذين، دون التفكير بإخراج العراق من أزمته المستفحلة، الى تهديد جدي لحاضر ومستقبل العملية السياسية الجارية ويضفي عليها المزيد من التعقيد والمخاطر. لذا يمكن القول ان المخاطر التي تهدد بلدنا ومجتمعنا، تحتم علينا – كوطنيين وديمقراطيين ويساريين -  تحمل مسؤوليتنا الوطنية، انطلاقا من الإدراك بعدم قدرة إي طرف، لوحده، مهما امتلك من إمكانيات، على حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية الخطيرة التي يعاني منها الشعب العراقي، جراء سياسات النظام المقبور وحروبه، والاحتلال وأثاره، وسوء الإدارة والممارسات الخاطئة  من قبل الحكومات التي أعقبت انهيار النظام البائد.

ومن الواقعية الإقرار بتواضع دور التيار الديمقراطي في الحياة السياسية الآن. ومن البديهي ان هناك أسبابا موضوعية، خارجة عن إرادة القوى الديمقراطية، عملت على إضعافها. فالنظام المباد هو من مارس سياسة مدروسة لتحطيم البنية التحتية التي تستند عليها هذه القوى، واضعف الطبقة الوسطى التي تعد الحاضنة الأساسية للتيار الديمقراطي. وكان للمحتل، كذلك، دوره في إذكاء الطائفية السياسية المقيتة، والتقسيم الطائفي. ولابد من الإشارة أيضا الى الإرهاب والعنف الذي ولد حالة عدم الاستقرار وعطل الحياة الى حد كبير.

وبالمقابل هناك ايضا أسباب تتحملها القوى الديمقراطية ذاتها، فقد أسهمت بعضها في تشرذم التيار وعملت، بوعي او بدونه، على عدم وحدته وتعطيل إمكانياته. ويمكن الإشارة بهذا الصدد، الى بعض الظواهر السلبية مثل حب التزعم والمنافسات غير المبررة، والحساسيات، والتشنج، ونزعة استبعاد الآخر وتهميشه. وانطلاقا من ذلك نعتقد ان استنهاض قوى التيار الديمقراطي هو مسؤولية وطنية، تتطلب العمل الجاد، بصبر وسعة صدر، وبمواصلة ومثابرة،  لا مكان للكلل والضجر والتراخي والتهاون فيها. ويتطلب ذلك، من بين ما يتطلب، التأكيد على إقامة العلاقات وإدامتها وتنسيق الجهود وتنظيمها وحث الخطى نحو توحيد القوى الديمقراطية بإطار يتسع للجميع دون هيمنة او إقصاء او تهميش. وننطلق في ذلك من الحاجة الى كل الإمكانيات، للتصدي للتحديات التي تواجه عملنا المشترك. لذا ينبغي التفكير بعدد من القضايا المهمة والتي بدونها لا يمكن تصور انجاز عمل حقيقي في هذا الميدان. ونعرب عن الثقة  بإمكانية هذه القوى  للتقدم  بنجاح وان تشق طريقها الى أمام رغم كل الصعوبات.

      واهم ما يمكن تأكيده في هذا المجال هو ضرورة النظرة الواقعية الى المخاطر الكبيرة التي تواجه بلادنا وشعبنا؛ ومنها المخاطر الأمنية والإرهاب والميليشيات ودوامة العنف والصراع على شكل ومحتوى النظام السياسي ومستقبله، والصراع الدامي المكشوف بين الأطراف المتصارعة على السلطة ومكاسبها وامتيازاتها. وبسبب ذلك نؤكد على ضرورة الرؤية الواضحة لتعقد الوضع وتشابكه، والتخلص من النظرة التبسيطية للأمور، وعدم خلط الأمنيات الطيبة بالواقع الصعب والخطر الذي نعيشه. فالواقع لا يتغير بالأماني الجميلة،  بل بالعمل المشترك الدؤوب والمثابر والذي يعرف أهدافه بوضوح، فحاملي المشاريع الكبرى وسالكي الدروب الجديدة لا يستسلمون للصعوبات مهما كبرت.

 

 

 

 

 

موقع اليسار في اللحظة الراهنة

موقع اليسار هو وسط الناس، ويعمل معهم ويتبنى مطاليبهم، ويعبر عن مطامحهم، بالعمل الجاد، المتفاني والمتواصل بدون شعارات لا تمت للواقع بصلة. كما ان اليسار باعتباره جزءا أساسيا من التيار الديمقراطي ينصب عمله اليوم نحو الارتقاء بالجهود إلى مستوى المرحلة السياسية وما فيها من تحديات وما تحمله من مخاطر وصعوبات، نحو تحقيق مجموعة من  ألأهداف من بينها :

1-  العمل من اجل العراق المستقل وكامل السيادة، العراق الديمقراطي ألتعددي الفدرالي الموحد والمزدهر.

2- تطبيق المعاهدة العراقية الأمريكية، والالتزام بتنفيذ بنودها بانسحاب القوات الأجنبية من الأراضي العراقي في 31/12/2011، بدون تلكؤ او إبطاء مهما كانت الذرائع.

3- مواصلة الجهد من اجل بناء الجيش والشرطة العراقية والقوات الأمنية، وعلى وفق مبادئ الوطنية والكفاءة وبعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية.

4- إدانة الإرهاب وشجبه، ومساندة كل جهد يبذل من اجل توفير الأمن والآمان والاستقرار.

5- مكافحة الفساد السياسي والمالي والإداري، وفضح كل من يقف ورائه، ومعالجة تأثيراته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التدميرية، وتنمية البلد والنهوض بتقديم الخدمات الأساسية للشعب العراقي، التي تشهد تدهورا فظيعا، وكذلك الحفاظ على ثرواتنا الوطنية.

6- الوقوف بقوة ضد الطائفية وتوظيفها سياسيا، وتبشيع سياسية المحاصصة المقيتة بكل أشكالها التي أوصلت البلد إلى هذا الوضع الخطير. وعلينا ان نؤكد بأن المشروع الطائفي قد فشل في إدارة البلد، بل ان هذا النهج أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي وهو عامل مهدد للوحدة الوطنية.

7- الاهتمام المكثف بمعالجة القضايا المعيشية للجماهير، والدفاع عنها وتبني مطالبها وبلورة المشاريع الصحيحة لتحقيقها، وتوفير الخدمات.

 

إن التقدم على طريق انجاز مهمة استعادة السيادة والاستقلال وإنهاء الاحتلال من جهة، وبناء نظام ديمقراطي في أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، يتطلب، في المرحلة الراهنة، العمل الدؤوب من أجل تغيير موازين القوى لصالح القوى الاجتماعية والسياسية الراغبة في إجراء قطيعة حقيقية مع نظام المحاصصة الطائفية/الاثنية.

ولأجل ذلك تم إطلاق حوار ديمقراطي بين جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية الديمقراطية حول مختلف القضايا الوطنية والمجتمعية،  وأقيمت العديد من الندوات والملتقيات السياسية والفكرية والثقافية، هدفت الى نشر الثقافة الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات الأساسية، ولا سيما حرية الفكر والضمير وحرية الرأي والتعبير،  وصولا إلى بناء النظام الديمقراطي التعددي الفدرالي لعراق كامل السيادة، موحد حر ومزدهر.