كـتـاب ألموقع

• احذروا ما يؤسس دكتاتورية جديدة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كمال يلدو

مقالات اخرى للكاتب

احذروا ما يؤسس دكتاتورية جديدة

 

كشــفت السلطتان التنفيذية والتشريعة عن قابليات خارقة في تقديمها الدعاوى واصدار الأوامر القضائية  على عكس ما الفه المواطن العراقي في السنين التي خلت حيث تأخذ القوانين والتشريعات شهورا وسنينا قبل ان تجد طريقها للنور ، بينما في هذه المرة  لم تستغرق الا اياما معدودات . وهذا ما جرى  عقب التصريح  المثير الذي ادلى به النائب ( المستقل) صباح الساعدي       في القاعة الأعلامية للبرلمان  وعلى مرأى ومسمع من اجهزة الاعلام  ، حيث اتهم فيه رئيس الوزراء بأنه يتحمل مسؤلية اغتيال الصحفي هادي المهدي ، وأنه  يتستر على الوزراء والمسؤلين المفسدين ، وأنه وراء استقالة السيد  رحيم العكيلي – رئيس هيئة النزاهة – نتيجة الضغوط التي مورست عليه ، وأنه يمارس التفرد في القرارات مما يؤسس الى دكتاتورية جديدة ، مما حدا برئيس الوزراء الى تقديم شكوى على النائب ، تتطلب قرارا يقدم للبرلمان لرفع الحصانة عنه ، ومن ثم تقديمه للقضاء بتهمة " القذف" و " تعريض الأمن الوطني للخطر" !

هكذا تجري الأمور حينما يرغب الحاكم بها ! اما دونها ، فهي ليست الا ملفات مركونة في زاوية ما من مكاتبهم الفخمة ، بانتظار الفرج القادم .

 

  لم يكن النائب " صباح الساعدي" بالشخصية البعيدة عن دائرة المعرفة والأطلاع على ملفات الفساد ، والجهات التي تتستر عليها ، فقد كان رئيسا لهيئة النزاهة البرلمانية للدورة السابقة، وخرج كثيرا عن المألوف في المطالبة بمكافحة الفساد وتقديم المتورطين بـه  للعدالة ، لكن طلباته  قوبلت بالأهمال والتلكؤ حتى طفح الكيل كما يبدو ، اذ ان الحديث المستمر عن الفساد ، ودون نتيجة ملموسة  دفعـه آخر الأمر ليعلنها بصوت عال وأمام الملء ، بأن هناك "رأس" كبير يتستر على الســـّراق ويمنع القضاء من اداء واجبه تجاههم .لا بل ان هذا "الرأس"  لا يمانع بأن يطيح كل من يعترض طريقه ، تماما كما حدث مع الشخصية المرموقة  السيد " رحيم العكيلي" رئيس هيئة النزاهة المستقلة ، الذي واجه صعوبات جمة في تأدية مهامه ، اما بتهديده مباشرة ، او بأصدار  قرارات من جهات رسمية " عليا" تمنع استجواب الوزراء  والمسؤلين الكبار  ، وهذا بحد ذاته يعتبر تدخلا في شؤون القضاء  ، ناهيك عن منع  الهيئة من تأدية مهامها ، وبالتالي فسح الطريق واسعا امام السراق ودون حساب .

 

  لقد قالها النائب " صباح الساعدي" بصوت عال ، ان رأس الحكومة  ، ومن من حوله في قيادات حزبه ، يترصدون لكل من ينتقد سياسة الحكومة ، وتلكئها في الخدمات  أو اهدارها للمال العام ، ان كان بالعقود الوهمية  أو السرقة في وضح النهار ، وأن  هذا " المسؤول"  لا يمانع  اتباع كل الوسائل بغية اسكات الأصوات التي تنتقده .ومن اللافت ان تجري عملية رفع الدعوى ، واصدار القرار، ووصوله الى مجلس النواب بهذه السرعة ( رغم استناده الى مادة ملغية من قانون العقوبات) ، بينما ملفات الفساد الكبرى  ، والسرقات العملاقة ، والشهادات المزورة ، والمشمول بها العديد من الوزراء وأعضاء في البرلمان  - سابقين وحاليين -  بقت هذه الملفات دون تفعيل ، مما ادى الى استفحال هذه الظاهرة التي وضعت العراق ضمن اسوأ اربع دول ، وأقربها لنا  ، الصومال!

 

  جدير بنا ، وبالساسة والمثقفين وكل الحريصين على ما تبقى من العراق ان ينتبهوا الى اسلوب الحكومة والقادة السياسيين في التجاوب مع منتقديهم ، فهي تبداء بأمور صغيرة ، وربما مع شخص او مجموعة صغيرة ، وما ان تجد ردود الافعال هذه طريقها للمرور دون حساب ، فأنها حين ذاك تتحول الى ظاهرة . ومن المفيد جدا ان نتذكر طريقة صدام حسين في الصعود نحو قمة الهرم الذي امتشقه لحوالي ربع قرن ، الم يكن على حساب منافسيه ومنتقديه؟ اذن ما المانع ان تستنسخ تجربة صدام مع القادة الجدد ؟ الم يلجأوا الى نفس اساليب التخوين ، والعمالة ، والأندساس  ، ومحاربة " تجربة" العراق الجديد ، والتهيئة لعودة البعث ، والهويات المزورة ، واليوم تأتينا التهمة الجديدة  في " تعريض أمن الوطن للخطر"!! – رغم وجود قوات المحتل وكل انواع المليشيات - .

 

ان كان التهديد قد سيق للنائب صباح الساعدي ، وقبلها نفذ التهيد بالأعلامي هادي المهدي ، وربما يكون آخرون على الخط ، فأن ملامح التبرم من النقد والتطير تجاه المنتقدين ، والمتظاهرين ، تعني فيما تعنيه ، بأن هذه القوى التي قفزت لمركز القرار عبر " صناديق الأقتراع " تهيئ لأمر خطير ، وأنها لا تأبه ، لا بالأنتخابات ولا بصناديق الاقتراع ولا بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، وأنما تتخذ منه شـــعارا لأمرار مخطاطاتها ، وقوانينها التي تتيح لها البقاء في السلطة لأطول فترة ، ان كان بأقصاء الخصوم ، او تكميم الأفواه او التخوين ..وأن لم تنفع فهناك " كواتم" الاصوات مستعدة لأنهاء جولات الصراع .

لا بد لي ان اشير اعجابا بموقف السيد مقتدى الصدر من هذه القضية وأصداره بيانا يستنكر فيه أمر " نزع الحصانة" عن الساعدي ، وهو بهذا انما اجهض مشروع المالكي وحزبه ، اما موقف " العراقية" فيبدو انه مكملا لموقف الصدريين ، حينما صرح السيد حيدر الملا  قائلا : ان القائمة العراقية سوف لن تصوت لصالح رفع الحصانة عن النائب ، هذان الموقفان المهمان الآن ، ومواقف بعض الساسة ، والعديد من الكتابات ربما تساعد على التوقف بجدية امام هذه العقليات ، والتصرفات البعيدة كثيرا عن الممارسات الديمقراطية ، وتقبل الآراء المخالفة ، دون الحاجة الى الاستعانة بقوانين العصرين الحجري والصدامي ، في الانتقام من الخصوم  ، وأنهاء وجودهم ، أو مسحهم من الأرض اذا اقتضت الحاجة .

تحية للنائب ، الشيخ صباح الساعدي في موقفه الشجاع ، وتحية لكل من دافع عن حق المواطنين في نقد المظاهر السلبية بأداء الحكومة ، او للمطالبة بتقديم السراق للعدالة ، لكي يقتص القضاء منهم ، ومن الذين يتسترون عليهم  .

 

 

 

** وللمزيد يمكن مشاهدة تصريح النائب الساعدي عبر الرابط :

http://www.youtube.com/watch?v=WXOcfhgpsVo

 

أيلول 2011