كـتـاب ألموقع

• الشهادة من اجل الوطن لا تعـّوض بالمال -//- كمال يلدو

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الشهادة من اجل الوطن لا تعـّوض بالمال

كمال يلدو

ثلاث مرات خلال 34 عاما ، التقيت الشـــهيد "عبد حبيب" ، طالب قسم البايولوجي في كلية العلوم ، جامعة بغداد . الأولى كانت في كانون ثان 1979 ، في شارع الجمهورية قرب بداية نفق التحرير عشـــية ركوبي رحلة الغربة ، والثانية حينما قرأت إســـمه من بين شهداء الحزب الشيوعي العراقي في القائمة التي ظهرت بتموز 2003 ، اما الأخيرة فكانت عام 2012 عندما نشــر الزميل طالب الداوود صورة جمعتهما في نادي كلية العلوم .

لا يختلف اثنان بالحديث عن الراحل ، في وداعته او بساطته ، في الفته او احلامه ، في صبره او اصراره . ولأنه هكذا كان ، ربما عجـّل في مشروع شهادته . لم نسمع الكثير عنه بعد الأعتقال ، ولا حتى وضعه هناك. كلمتان ربما تختصر آخر مشوار مسيرته : ( اعتقل ، اعدم) اما العالم الواسع والشاسع الذي يفصل هاتان الكلمتان ، بقى ، وربما سيبقى مجهولا للأبد ، فأنى للشهداء ان يعودوا ثانية ويحكوا لنا القصة منذ البداية؟

لم يكن مغاليا بأحلامه ، فكل من عرفه عن قرب ، كان يتلمس البيئة الفقيرة التي انحدر منها ، والمدينة البائسة بخدماتها التي كان يسافر منها صباح كل يوم دراسي ، مدينة الثورة، كل ما كان يتمناه ان يعيش اقرانه العراقيين حياة حرة نزيهة وهانئة ( بعد كل تلك السنين ...مازالت الناس تحلم بتلك الأحلام البسيطة التي كانت تعرض حاملها للأعدام) . لم يرفع السلاح او يحمل الأحزمة الناسفة . كان يتأبط كتبا وجريدة .

دار الزمن دورته الطويلة والقاسية ، وصعد الى دفة السفينة اناس جدد!

رغم صدور بعض القوانين لتكريم الشهداء ، الا انها بقت قاصرة عن النظر الى " الشهادة" كفعل انساني مجرد كل التجريد ومرتفع اعلى من الطائفية او التحزب ، جاءت قاصرة ببعض بنودها في التمييز في فعل " الشهادة " مع ان الفعل حدث بيـد ذات الجلاد ! ثم جاء ليستبدل الموقف الوطني بحفنة من ( الدولارات) او بقطعة ارض ! وكأن كـل من شبع ضربا وتعذيبا وأهانة ، كان يوما ينظر لهذه "المكرمات" على انها الثمن المقابل . هذا القصور في الفعل هو الذي يقتل فكرة " الشهادة" من اجل الوطن او المبادئ ، ليستعيض عنها بالمال ، او بمزايا زائلة ، غير ذات قيمة او هدف .

في عراق اليوم ، هناك جهات ومنظمات وجمعيات ، تستطيع ان تجعل من فكرة " الشهادة" كفعل انساني ، اداة تثقيفية لهذه الأجيال ، وفكرة تبجل وتحترم من ولج هذا الطريق ، وحرمت عائلته وأهله من الأحتفاء بها طوال سني حكم الدكتاتورية ، هناك طرقا ، ربما يكون المال احدها وليس كلها ، منها تكريم الأفكار التي ضحى من اجلها هؤلاء ،كوضع نصب تذكارية ، او الواح نحاسية تعريفية أو حتى وضع اسمائهم كعلامات في الأماكن العامة او الشوارع او المؤسسات . ماذا لو حملت بعض صفوف الثانويات او القاعات الجامعية، او اماكن عملهم. ماذا لو قامت الثانوية التي تخرج منها الراحل " عبد حبيب" بذلك ، او عمادة كلية العلوم في جامعة بغداد ...ماذا لو ؟ اذ لطاما تحججنا اما العالم بأننا اصحاب اقدم الحضارات وأننا اعطينا للأنسانية الكثير ، تعالوا اذن نكون قدوة للآخرين!

يقينا ، ان مجتمعنا ، ونخبه الوطنية والمثقفة بحاجة للتصالح مع نفسها ، بحاجة للأقرار ، بأن هذه المسيرة التي قطعها هذا الشعب ، بكل تعرجاتها وأخفاقاتها ، وحتى " نجاحاتها" النسبية ، لم تكن سهلة . فقد كانت مخضبة بالدماء والتضحيات ، ليس فقط من الشهيد الذي دفع اغلى الأثمان ، بل حتى ممن اعتقلوا أو طوردوا او لوحقوا او حوربوا أو حتى من اضطرتهم الحياة لأن يتركوا ويهاجروا ، او حتى اهاليهم التي احيلت حياتهم الى جحيم بجريرة ابنائهم وبناتهم .

ان الأحتفاء بالشهداء ، وبما يليق بهم ، بعيدا عن العنصرية والتخندق والتحزب الضيق الأفق ، ليس كثيرا على هذا الوطنالذي يريد ان ينهض ليبني دولة تقوم على اساس العدالة الأنسانية والمواطنة والمساوات والعيش المشترك.

يحق لنا ، ونحن ( بعض) من الشهود على جرائم النظام المقبور ، ان نطالب بأنصاف الشهداء ، كل الشهداء ، ومنهم شهداء كلية العلوم ، فريال عباس السامرائي ، انتصار جميل عاكف الآلوسي ، نصير الصباغ ، صـبّار نعيم ، اكرام عـواد ســعدون ، وطيب الذكر ، الغالي ، عبد حبيب ، طالب البايولوجي في كلية العلوم ، جامعة بغداد ، من مدينة الثورة.

كمال يلدو

كانون ثان 2013