كـتـاب ألموقع

مارتن لوثر كنج، قائد في الوقت المناسب! -//- كمال يلدو

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

كمال يلدو

50 عاما على خطابه الشهير"عندي حلم"

مارتن لوثر كنج، قائد في الوقت المناسب!

ما كان لحركة «الحقوق المدنية» التي انتشرت في الولايات المتحدة منذ مطلع القرن العشرين، متمثلة بالحركات الأشتراكية و النقابية العمالية وحركات السود والملونين من القوميات الأخرى، والتي تأثرت كثيرا بأنتصار ثورة اكتوبر الروسية والحركات العمالية في اوربا، ووصول المهاجرين الجدد من تلك الدول، ما كان لها ان تنتصر في مسعاها لولا وجود القيادة المناسبة في الوقت المناسب.

الطابع السلمي

فمنذ ايام شبابه الأولى، انخرط في الحركة المدنية للزنوج، وكان اول ظهور رسمي له كقائد منظم عا م1955 الى جانب المناضلة المدنية السوداء- روزا باركس- التي رفضت اخلاء كرسيها في الباص للرجل الأبيض كما كانت تقتضية قوانين الفصل العنصري.

وكان لدراسته اللاهوت المسيحي ورسامته قسا، ومن ثم تتويج دراسته بدرجة الدكتوراه، أثره البالغ في بناء شخصيته التي طغى عليها الطابع السلمي البعيد عن العنف، اذ كانت بصماته واضحة فيما لحق. وقد ادى ذلك الى ازدياد شعبية الحركات الأحتجاجية على سياسة الفصل العنصري ضد السود، وأنخراط قطاعات جديدة من الشعب الأمريكي وخاصة من البيض ومن العمال، متحدين القرارات والأحكام التعسفية للعديد من الولايات الجنوبية الزراعية والتي ينتشر فيها السود بكثافة، وازدياد نشاط المنظمات العنصرية البيضاء وخاصة عصابات الكو كلاس كلان وجرائمها المنظمة ضد النشطاء من السود، او بحرق منازلهم، وحتى بسياسة الشرطة الرعناء ومواجهة المتظاهرين بالكلاب البوليسية وخراطيم الماء والعصي، لكن عدم انجرار القيادات الواعية للعنف المتبادل، وأصرارهم على السلمية، فوّت الفرصة لضربهم اكثر.

اما أشتراك النساء والأطفال في الأحتجاجات، فقد جعلها ذات بعد اكبر وبمحتوى انساني وأجتماعي متجدد.

مارتن لوثر وغاندي

لم يخف القس مارتن لوثر كنج اعجابه الشديد بالزعيم الوطني الهندي(غاندي) و بحركته السلمية ، وتحقق حلمه بزيارة الهند عام 1959 ليقف على تجربة هذا الشعب عن قرب، كما كان يضمر اعجابا شديدا بالكاتب الروسي العملاق- ليون تولستوي- ورائعته الأدبية» الحرب والسلم»، تماما مثل الزعيم الهندي الراحل غاندي. اما ملهمه الأكبر فقد كانت شخصية (يسوع المسيح)، الذي كان يدعو للتسامح والسلم والتعامل الأنساني حتى مع الأعداء أو الخصوم، كما شدد على عدم اتباع الأساليب العنفية للوصول الى الهدف بل عن طريق الصبر وتحمل الألم، رغم وحشية خصومه آنذاك واليوم! هذه الأرهاصات ســاهمت بتعمق شخصية القس، القائد مارتن لوثر كنج وعمقت مسار خطه السلمي لاحقا، والتي منحته ثقة اكثرية الجماهير السوداء المضطهدة، على الرغم من وجود تنافس مع حركات سوداء كان لا تمانع من استعمال العنف للأنتقام من البيض بغية الوصول للحرية والأنعتاق.

من مدينة اطلانطا

ولد مارتن لوثر كنج يوم 15 كانون ثان عام 1929 في مدينة اطلانطا/جورجيا، وكان الأبن الأوسط لشقيقيه في العائلة. بعد ان انهى دراسته الأبتدائية، اختزل دراسته الثانوية وعبر الصفين التاسع وألثاني عشر، وبعمر 15 عاما دخل كلية(مور هاوس كولج) عام 1948، وتخرج بمعدل جيد جدا/ممتاز في مادة علم الأجتماع.

اقترن مارتن لوثر كنج من السيدة كوريتا سكوت- عام 1953، وأنجب منها 4 ابناء، بنتين وولدين. تقلد مارتن لوثر سلك الكهنوت بعمر 25 عاما، وفي عام 1954 بدأ دراسته للدكتوراه التي انجزها في حزيران من عام 1955في مادة علوم الدين- من جامعة بوسطن.

كان المسيح، وسيرة المسيح، حاضرة في معظم خطبه وكتاباته ، اما مثله الأعلى من سيرة يسوع فكان (احب جارك كما تحب نفسك).

ابداع في اساليب النضال

كان اول من ابتدع اسلوب (الجلوس السلمي) كنوع من انواع الأحتجاجات، اما تمرينه النضالي الأول فكان في العام 1955، عندما نظم التظاهرات السلمية ، ومقاطعة شركة الباصات احتجاجا على القوانين العنصرية التي كانت تستهدف السود، والتي ادت الى توقيف السيدة(روزا باركس) في حادثة الباص الشهيرة، وأدت مشاركته تلك الى تعرضه للأعتقال بعد هذه الحادثة، وقدساهمت المقاطعة والمحاكمات في الغاء الفصل العنصري في باصات (مونتغمري) والذي كان يعتبر انتصارا باهرا للحركة المدنية للشعب الأسود، وسطوع نجم مارتن لوثر كنج كزعيم وطني على عموم الولايات المتحدة. وعقب هذا النصر وأستمرار التظاهرات الكثيرة، تمكنت الحركة المدنية السلمية للشعب الأسود، وبدعم من الحركة اليسارية والمواطنين البيض، وتضامن الشعوب من ان يتكلل هذا النضال بأنتصارات باهرة سنت على أثرها قوانين مهمة في عامي 1964 و 1965 مثل حقل الأنتخاب للسود، منع سياسة الفصل العنصري، تساوي الحقوق في العمل، الأمر الذي تطور مع السنين حتى اصبح التمييز على اساس العرق او اللون جريمة يحاكم فيها المتورطون، اشخاصا كانوا او مؤسسات او حتى جهات رسمية، وهذا ما يستفيد منه ليس الشعب الأسود فحسب، بل كل الأديان والقوميات والأجناس الموجودة في الولايات المتحدة.

قيادة متميزة

لم ينجر مارتن لوثر كنج يوما للخطاب العنصري، ولم يدع ابدا لأعمال العنف او الأنتقام من البيض، رغم انه أسود ويعمل في منظمات وجمعيات للشعب الأسود. لقد كان خطابه وطنيا بأمتياز، وعرف حق المعرفة من ان عدم مساواة الزنوج مع البيض انما هي خسارة للوطن الأمريكي ككل، وأن الطريق الأمثل لتحقيق احلام كل الأمريكان، هي في الغاء قوانين الفصل العنصري وتحقيق العدالة والمساواة، ولهذا فقد حازت نضالاته على دعم وأسناد فئات كبيرة وكثيرة من الشعب الأمريكي حتي من ذوي الأصول البيضاء. هذا الأمر، وخشية الجهات الأمنية من صعود نجم القائد مارتن لوثر، دفع السنتور روبرت كندي في خريف عام 1963 وعندما كان يشغل منصب المدعي العام الى توجيه الأمر للمخابرات و (اف بي آي) للتنصت على مكالماته الهاتفية، والى زرع السماعات والكاميرات في غرف الأجتماعات التي كان يرتادها كنج في مســـعى للأيقاع به وتلفيق تهمة انتمائه للحزب الشيوعي (المحظور)، او بدعوى صلاته مع الشيوعيين.وقد فشلوا في هذا المسعى، فالسيد مارتن لوثر لم يكن شيوعيا، لكن افكاره وشعاراته ونضالته كان تحظى بدعم وتأييد الحركات اليسارية والأشتراكية ليس في امريكا فحسب، بل في دول كثيرة من العالم المتحضر، وعندما فشلوا في هذا المسعى، حاولوا تلفيق تهم (الأنحراف الجنسي) وأقامة علاقات مشبوهة مع نساء أخريات دون علم زوجته، من اجل تحطيم عائلته وتحطيمه نفسيا، وفشلوا في ذلك ايضا.

نضال بلا كلل او ملل

لم تكن الأعتصامات والمسيرات والأضرابات التي دعا اليها مارتن لوثر ومعظم الجمعيات والحركات التي كانت تنشط وسط الشعب الأسود موسمية او خاضعة لمزاج هذا القائد او ذاك، لقد كانت حاجة ماسة لأيصال صوت الناس المظلومة الى اسماع المسؤولين، وكانت هذه الفعاليات تجري في معظم الأحيان في الولايات(الجنوبية)التي يكثر فيها السود، وربما تكون المسيرة السلمية الأحتجاجية التي جرت عام 1962 في مدينة برمنغهام/آلاباما، واحدة من المحطات المهمة نتيجة لأستخدام الشرطة الأساليب القمعية لمواجهة التظاهرة وأطلاق يد الكلاب البوليسية التي فتكت بالمتظاهرات والمتظاهرين، هذه التظاهرة حازت على تضامن من كل اطراف البلاد لأنها نشرت في محطات التلفزة لعموم امريكا. ان هذا الخزين الكبير من العمل النضالي الذي كان يجري على المستوى المحلي، دفع مجموعة (الستةالكبار) وهي اكبر 6 منظمات للأمريكان السود لنقل نضالاتها هذه المرة الى العاصمة الأمريكية واشنطن.

فبالرغم من ان الرئيس الأمريكي جون كندي- كان متضامنا مع مطالب الشعب الأسود الا انه لم يشجع القادة السود على القيام بالتظاهرة المزمع انطلاقها في آب 1963، وكان يتحجج بأن الجماهير لن تشارك وأن العدد القليل سيؤثر على شعبية اهدافكم، والخشية ايضا من اعمال الشغب والعنف او الأعتداء من قبل العنصريين البيض. الا ان احدا من قادة التظاهرة لم يشارك الرئيس كندي رأيه ، ومضى المنظمون في خططهم، فما كان من الرئيس الا ان يدفع بأعداد اضافية من الشرطة لحماية التظاهرة والمتظاهرين، كما اوصى على النقابات العمالية للمشاركة الفعالة في انجاحها ايضا.

جاء اليوم الموعود، 28 آب 1963 وأنطلقت التظاهرة، وحضرها بحدود 250 ألف مواطن، من كل الألوان والأجناس، من النساء والرجال، وأوصلت الرسالة واضحة الى صانعي القرار في البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي، ان كان بالشعارات المرفوعة او بالحناجر او بالخطاب التأريخي الذي القاه مارتن لوثر كنج، فقد كانت اكبر تظاهرة احتجاجية في تأريخ الولايات المتحدة، وأفترشت المنطقة ابتداء من عند عتبات النصب التذكاري للزعيم الراحل ابراهام لنكولن- مرورا بالبحيرة قبالة النصب ووصولا حتى السوق الوطني في قلب العاصمة واشنطن، مطالبة بأنهاء الفصل العنصري في الحياة العامة والمدارس، ومنع التمييز في العمل، ضمان حقوق السود عندما يكونون بعهدة الشرطة، وتحديد الحد الأدنى لاجر ساعة العمل بـ دولارين.

حدثهم عن «حلمك»!

نظرا لأزدياد شعبية مارتن لوثر وبروزه كقائد وطني، وتصاعد المد في الحركة السلمية لتحقيق الحقوق المدنية، فأن مسؤولياته قد تضاعفت، وتمثلت في الدقة بأنتقاء الكلمات والعبارات أو الجمل. تلك التي كان من الممكن ان تلقيه في السجن او ان تكون سببا في ارتكاب الشرطة لمجازر بحق المتظاهرين، خاصة وأن الأجواء كانت مشحونة، والخصوم من كلا الطرفين متربصين احدهم بالآخر. لقد كانت مواقفه قمة في الرقي والأنسانية حتى عندما كانت الشرطة تسحبه الى سياراتها وتلقيه في السجن، فقد كان يعاملهم بأحترام وأدب!

عندما قررت القيادات الوطنية نقل التظاهرة الى واشنطن، فأن مسؤولية اكبر كانت عليه في كتابته لهذا الخطاب (كما في خطاباته السابقة)، فالدقة والحكمة مطلوبة اكثر من اي وقت.

ولمن يراقب الخطاب، فأن مارتن لوثر كان يقرأ من الخطاب الموضوع على منصة الخطابة، ولمن ينتبه اكثر فأن اصواتا كانت تأتي من خلفه، تشجعه وتبعث به الأمل، وكان احد هذه الأصوات صوت نسائي ايضا، تبين لاحقا بأنها كانت «ماهاليا جاكسون» اشهر المرنمات الكنسيات في الولايات المتحدة بلا منازع آنذاك والملقبة ب ملكة الترنيم - وكانت تقف بكل شجاعة خلفه على منصة الخطابة.

بعد الدقيقة 12 يهمس هذا الصوت النسائي عاليا فيه (حدثهم عن حلمك، حدثهم عن حلمك، حدثهم عن حلمك)، وفي خضم الخطاب الناري الذي كان يلقيه، يبدا بالنظر عاليا، بأتجاه السماء وبأتجاه البيت الأبيض، ودون النظر الى الخطاب ويبدأ بالقول: عندي حلم ، ويكررها 11 مرة في هذا الخطاب، ولتأخذ هذه العبارة الصدارة في التعريف بهذا الخطاب الذي يعتبر لليوم، من اعظم الخطابات السياسية على الأطلاق، اداء وصياغة . ان ترديده عبارة «عندي حلم» عبرت ومازالت لليوم عن آمال الملايين في العالم من الذين ما زالوا يرزحون تحت انظمة قمعية او عنصرية، عبرت آنذاك عن احلام الملايين من السود والبيض، وكانت ادانة لسياسة التميز العنصري، وصارت جسرا للعبور نحو عصر العدالة والمساواة. استغرق الخطاب حوالي 17 دقيقة، ولليوم يعتبر قطعة نفيسة في العمل والنضال الأنساني لشعوب الأرض التواقة للحرية، ويمكن تلمس ذلك في ابلغ الصور عن نضال الشعب الأسود في جنوب افريقيا وأنعتاقه من نظام التمييز العنصري (الأبارتايد) والشعوب الأخرى التي كانت تنشد التحرر والأستقلال، وأنتشرت صور مارتن لوثر في كل العالم مثلما انتشرت صور جيفارا الثائر.

ما زلنا في بداية الطريق

رغم الأنتصارات (الكبيرة أو الصغيرة) التي حققتها الحركة السلمية من خلال تشريع بعض القوانين لتحقيق المساواة، فأن عملا كبيرا كان ينتظرهم، على ان اهمهم كان تحقيق العدالة الأجتماعية على ارض الواقع، ومناهضة الحرب على فيتنام. هذه الحرب التي كان وقودها المواطنين في كلا البلدين،بينما تجار السلاح يرفلون بالنوم الهادئ! قاد وشارك في عشرات التظاهرات، وصار حضوره ملفتا للأنظار ولكل وسائل الأعلام، وصارت العديد من الجهات(التي مازالت غارقة في عنصريتها) تخشاه وتخشى شعبيته، مع الطروحات الليبرالية التي كان يطلقها.

منحت لجنة جائزة نوبل الدكتور مارتن لوثر كنج يوم 14 تشرين الاول عام 1964 وسام وجائزة نوبل للسلام تثمينا لدوره الكبير في النضال السلمي للشعب الأمريكي الأسود ومن اجل تحقيق العدالة والمساواة.

هذه الجائزة منحته حصانة جيدة وحشرت خصومه (وخصوم اهدافه الأنسانية) في زاوية حرجة، ورغم ذلك فقد تعرض للمضايقات والأعتقال من قبل الشرطة والمخابرات (اف بي آي) اثناء مشاركاته في النضالات السلمية لاحقا.

الرحلة الأخيرة

في يوم 29آذار من عام 1968 توجه كنج بصحبة مجموعة من القيادات الوطنية الى مدينة ممفيس في ولاية تنسي الجنوبية، للتضامن مع عمال (تنظيف المرافق) السود، والذين كانوا قد دخلوا في اضراب عمالي منذ 12 آذار، مطالبين بتحسين ظروف العمل ورفع الأجور ومعاملة افضل من قبل الأدارة تجاههم. تعـّود مارتن لوثر النزول في ذات الفندق كلما اتى الى هذه المدينة، ووقتها كان صاحب الفندق قد خصص جناحا كاملا للوفد في الطابق الثاني. وفي يوم 4 نيسان وفي الساعة 6,01 وبينما كان مارتن لوثر واقفا في البلكونة، انطلقت رصاصة نحوه مخترقة خده الأيمن والفك ومارة خلال الحبل الشوكي لتستقر في كتفه، ولم تمهله كثيرا حيث فارق الحياة.

ادى هذا الأغتيال الى اعمال عنف كبيرة في كل ارجاء الولايات المتحدة، والى خيبة امل كبرى في صفوف الحركة المدنية للحقوق ومناهضة الحرب الفيتنامية، بينما اعلن الرئيس الأمريكي لندن جونسون- يوم السابع من نيسان عام 1968 يوم حداد وطني فيما اناب (نائبه) لحضور مراسم التشييع الرسمي للراحل الدكتور مارتن لوثر كنج.

ماذا يقولون عنك؟

ســئل مارتن لوثر كنج مرة اثناء وجوده عام 1968 في الكنيسة المعمدانية ب اتلانتا عن الكيفية التي يرغب ان تتذكره الأجيال بعد رحيله فقال: بأن مارتن لوثر كنج قد حاول منح كل امكانياته للآخرين، وأنه حاول ان يحب الناس.

وأتمنى ان يتذكر الناس بأن موقفي الرافض للحرب كان صائبا، وأني حاولت اطعام الجوعى، وحاولت اكساء العريانين، كما اتمنى ان يقال عني ايضا بأني كنت ازور المسجونين وبأني منحت حبي للأنسانية. نعم، ان اردتم القول بأني كنت قارعا للطبول فلابأس من ذلك، كنت قارعا للطبول من اجل العدالة والسلام وما تبقى سيكون ثانويا امام هذا الأمر العظيم.

مسيرة مستمرة

نال مارتن لوثر جائزة نوبل للسلام بأمتياز وكانت نقطة تحول عالمي مهمة ان ينال شخص(اسود) هذه الجائزة المهمة وكان اصغر شخص يحصل عليها آنذاك، وبعد اغتياله المريع، فقد فرضت شخصيته نفسها على كل من جلس في البيت الأبيض. ففي يوم 2 تشرين الثاني من عام 1983 سن الرئيس الأمريكي رونالد ريغن مرسوما بأعتبار (عيد ميلاد) مارتن لوثر عطلة رسمية، وفي العام 1986، اعتبر (ثالث) أثنين من شهر كانون ثان من كل عام، عيدا وطنيا للأحتفال بميلاد القائد الوطني مارتن لوثر. كما ان مؤسسات وجمعيات كثيرة تتنافس في هذا اليوم للأحتفال بميلاد رمز الحركة المدنية السلمية للتحرر، والتي تلقي شعبية كبيرة سنة بعد سنة.سميت مئات الشوارع بأسمه، وافتتح النصب الرمزي له، ويؤم قبره زوار كثر ومن كل العالم احتراما لمسيرته الأنسانية وأثرها البالغ في حياة الشعب الأمريكي وشعوب العالم.

وفي سجله (القصير) ما لا يقل عن 50 شهادة تقديرية، محلية وعالمية تقديرا وتثمينا لدوره في النضال السلمي.

ليست مصادفة

حينما اطلق مارتن لوثر كنج عبارته الشهيرة «لدي حلم» يوم 28آب من عام 1963، لم يكن واهما. بل اطلقها بعقلية وقلب قائد ميداني محنك، ينظر ويستشرف المستقبل الذي لم يتمكن عامة الناس من مشاهدته او التنبؤ به، هذا الحس المرهف والثقة العظيمة بقدرة الشعب الأمريكي، وبمفكريه ومثقفيه وشعرائه وأبنائه المخلصين من وعيهم لحقيقة، ان هذا الوطن لن يبنى الا بجهود الكل، وأن لا عدالة حقيقية دون ان تكون العدالة حقا للكل. ويقينا ان الزمن لم يتأخر كثيرا حتى يجســـد «حلم» الراحل مارتن لوثر كنج، فعلى بعد عشرات الأمتار فقط في العاصمة واشنطن، يفصل الزمن حدثان مهمان في تأريخ الولايات المتحدة. ففي العاصمة واشنطن ومن امام نصب الزعيم ابراهام لنكولن اطلق القائد الأسود مارتن لوثر كنج نداءه الشهير»لدي حلم»يوم 28 آب عام 1963، وفي يوم 23 كانون ثان عام 2008 وعلى بعد امتار من منصة الراحل مارتن لوثر، اقسم السيد باراك اوباما، الرئيس 44 للولايات المتحدة، اول رئيس من اصول سوداء في سابقة تأريخية قلما تتكرر في حياة الشعوب! هذا هو ثمن التضحية والنضال، وهذا هو ثمن الأستمرار بهذه التضحية وهذا النضال.

لمن تقرع الأجراس؟

قد يدعي البعض بأن التجارب يصعب نسخها او تكرارها، وبقدر ما يحمل هذا الرأي من صحة وصواب لكنه يفتقر الى اهم المعطيات، الثقة بقدرة الأنسان، صانع المعجزات! فالسيد مارتن لوثر كنج لم يكن مثل (كلكامش) ثلثه بشر وثلثاه آله! لقد كان انسانا نشأ في بيئة كانت تمزقها القوانين العنصرية والظلم والحيف والقهر، لم يستكن، ولم يتطرف بل ايقن بحقيقة النضال المشترك للشعب وبسلمية هذا النضال. وبنظرة فاحصة وثاقبة للشأن العراقي، لن يحتاج المتصفح لهذا الملف طويلا ليعي حاجة العراق الى شخصية وطنية بمواصفات القائد «مارتن لوثر كنج» ليأخذ بالمركب العراقي من امواج الطائفية والحقد والسرقات، نحو بر الأمن والأمان والتقدم والسعادة لأبناء الوطن.

انا ادعو الأخوات والأخوة في البرلمان العراقي وبرلمان كردستان، في الوزارات وفي الأحزاب الدينية والسياسية العراقية، ادعو النخب العراقية والمثقفين والشباب الطموح والمتوثب لبناء الحياة الجديدة في العراق، الى قراءة خطاب مارتن لوثر، الى التأمل فيه، الى دراسته والتعمق فيه، فأني على يقين من ان بعضهم سيعي ان الطائفية والتخندق القومي والتعصب لن يقودا البلد الا الى الخراب، وأن العراق اليوم بأمس الحاجة الى قائد انساني، عابر للقوميات والديانات والطوائف، قائد لا يعرف الا حقيقة واحدة في حياته، حب وخدمة هذا الشعب من اجل الأفضل.

ويقينا سنعلم لاحقا بأن استعمال القوة او التهديدات او الحلول العسكرية لا يمكن ان تكون بديلا، لأنها فشلت قبلا وستفشل لاحقا، ولأن هذا الوطن متعدد القوميات والأثنيات والديانات، فلا قومية افضل من اخرى ولا دين افضل من آخر، فأذا كان العراق قد جمعنا لآلاف السنين، فليكن خيمتنا التي نحتمي بظلالها.اما الطارئون الذين اتت بهم الصدف ودبابات المحتل الأمريكي، فهي دعوة للعراقيين للتيقن من ان هذه النماذج لن تقدم الا البديل الفاشل، وهذا ما كشفته العشر سنوات الأخيرة من حكم قادة (الصدفة) .

يستحق العراق حكاما اوفياء ومخلصين وعادلين، يستحق ان يعيش بالأمن والأمان وأن ينعم ابناؤه وبناته بخيرات وطنهم التي تذهب سدى بعقود وسرقات صارت معروفة للكل، بينما اكثر من ربع السكان يعيشون تحت خط الفقر.اتمنى ان تكون ذكرى الزعيم الراحل «مارتن لوثر كنج»ومأثرته في خطابه الشهير «عندي حلم» فرصة للحالمين العراقيين، فرصة لأنتقاء الأفضل والتخلص من النفايات التي دمرت البلد وتستمر في تدميره!

ـــ

المصادر: ويكيبيديا: الأنسكلوبيديا الحرة، مركز كنج للمعلومات، وزارة الخارجية الأمريكية