اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

خيمة "طريق الشعب" في مهرجان اللومانتيه2013: أريج الآس والذكرى// كمال يلدو

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

خيمة "طريق الشعب" في مهرجان اللومانتيه2013: أريج الآس والذكرى

 


 كمال يلدو

كانون اول 2013

 

 

تصف الروائية الأمريكية (ايملي كيفن) الذكريات بالقول:" الأغاني وعطر المكان، سـتعود بك الى لحظات من الزمن، أكثر من اي شئ آخر بالحياة. انه لمن المدهش، كيف يمكن لهاذان الشيئان ان يفعلا فعلهما في الناس. تلك الأغنية التي لم تعرها اهتماما في زمن ما، وذلك المكان الذي لم تشعر ابدا بأن له رائحة متميزة".

نعم، في كل عام تورق الأشجاروتثمر وتزهو، ثم تلقي بما حملته متهيأة للشتاء، ثم الفصول الأخرى، هكذا تبدو الحياة احيانا، حزمة من الذكريات تترك الوانها وبصماتها على حياتنا، تزهـر مرة، وتغفو مرة!

 

قبل 40 قمرا

تبدأ الرحلة في خريف العام 1973، حيث لم يمض وقت طويل على صدور جريدة "طريق الشعب" بشكلها العلني، وأفتتاح مقرها  في شارع السعدون، على مرمى البصر من سينمتا بابل والنصر. كنّا مانزال شبابا يافعين، تطوعنا للعمل في الجريدة، وعملت حينها في "قسم الآرشيف" حديث العهد، حيث كانت المهمة تبدو شبه مستحيلة في الأنتقال من الصحافة السرية (حيث تنعدم المستمسكات) الى الصحافة العلنية والحاجة لكل شيئ. مع الوقت تعلمنا اهمية  تنظيم وحيازة الأرشيف، خاصة للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية. كان في القسم اناس يبدو انهم كانوا موظفين، اذكر منهم رفيقة ربما كان اسمها (سهام الظاهر) ورفيق  ربما اسمه (امير او عبد الأمير)، اخذوا  بيدنا وعلمـونافـن الأرشفة  وتقطيع الأخبار  والمواد المؤشرة، ووضع الأسم والمصدر والتأريخ، وكانت تأخذنا الحماسة لساعات في هذا العمل، الذي يبدو للبعض جافا وجامدا، لكن بالنسبة لي كان غاية في السحر والأستمتاع، خاصة بالعمل في الجريدة المركزية، ومع رفاق يكبروننا سنا، وأمام اعين المخابرات! ليس هذا فحسب، فقد كانت هذه اولى تجاربي  على هذا النحو، ولأول  مرة نأكل في مطعم الجريدة، الكل، من نفس القدر (الجدر) وبنفس الصحون وفي ذات المكان ، ومن تلك اليد الحنونة، يد سيدة كان يبدو من ملابسها انها جنوبية وربما كان اسمها (ام علي). في تلك الأيام القليلةتعلمت  معنى العمل الرفاقي، والطوعي، وعلمت ايضا ان طريقنا فيه الكثير من الناس الطيبين، من كل الأعمار والأشكال والأجناس والأقوام، خليط عجيب غريب، لكنه جميل، شيوعي.

 

المرة الأولى

كانت المواد المتراكمة على الطاولات عبارة عن صحف ومجلات وجرائد وقصاصات لا تعد ولا تحصى، كانت بحاجة للتنظيم كي تعين اي باحث او كاتب وتقدم المصادر المطلوبة. قليلا قليلا صارت الصحف العالمية تحت ايدينا، ولأول مرة تقع عيني على جريدة الحزب الشيوعي الكوبي "الغرانما" والأمريكي"ديلي وورلد" والفرنسي "اللومانتيه"، ولا ادري ما الذي شـدني لأسم اللومانتيه، هل هي موسيقية الكلمة، ام معناها ام الأبحار في عالم الخيال ، وقد يكون الكل مجتمعا.  ففي لحظة مسروقة من الزمن يمكننك ان تتخيل بأنك تمسك جريدة، كتبها وطبعها ووزعها اناس فرنسيون، انت تجلس في شارع السعدون وآخرون في الحي اللاتيني او معمل فرنسي يتطلعون على ذات الجريدة، عالم بلا حدود من الفنطازيا الشبابية بقى عالقا دونما امل! تمر السنين بعد تلك التجربة القصيرة في الجريدة، وهذه المرة نسمع عن مهرجان جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي "اللومانتيه" وخيمة جريدتنا هناك، وتجمّع العراقيين ، وأهازيجهم وزوارهم ومعها تكبر الأحلام.

تطبق الدكتاتورية على انفاس الناس، ويكبر مشهد اللومانتيه بالتحدي للطغمة وعملاء السلطة، تزاح الدكتاتورية عن صدر الناس، وتبقى "الخيمة" و "اللومانتيه" شاخصة في سماء السنين والأحداث. لا شئ اكثر من قرأة الخبر وأستحضار الذكرى، اما التوقيت والزمن فبقى رهين صدفة ستأتي يوما ما!

 

تبتدي منين الحكاية

حذفتنا امواج الغربة لشواطئ عدة، وأستقرينا في ديترويت، المدينة الأكثر شهرة في الولايات المتحدة بعدد عراقييها! جمعتنا ايضا بصحبة جميلة من ايام الجامعة "كلية العلوم/جامعة بغداد" عـامل  و نشأت، وكلما شاءت الصدف، جلسنا وتسامرنا وتحدثنا عن العلوم. وللحق  اقول،فأن زميلا علوميا غاليا (خضر العميدي) من كربلاء كان له الفضل في ايقاض الكثير من الأحاسيس التي دخلت عهد الموت السريري نتيجة الغربة وأوضاع العراق المزرية.  فقد كان لأتصاله (الغير متوقع بالمرة) بعد سقوط صدام،  ان يعيد الحياة لشريط من الذكريات العلومية الجميلة، قررت بعدها البحث عمن تسعـفني الذاكرة بهم، وأعلم انهم من ذات المنبع الطيب الذي ســقينا منه في الكلية. كبرت الدائرة وتوسعت، وعادة الأواصر من جديد وبعد فترة  تجاوز عددنا العشرين، موزعين في اركان الدنيا وقاراته، وشكرا للتلفون والأنترنيت الذي يساعدنا. ويمضي طموحنا حتى حققنا صفحة متواضعة في الفيس بوك لزملاء العلوم نتواصل من خلالها باستمرار.  لم تخلو هذه الصلات من الزيارات الثنائية على مدى السنين، خاصة للذين يسكنون خارج العراق، وبقى امل اللقاء الجماعي امنية لا نعرف حجم نجاحها، حتى تقدمت بها الغالية انتصار وأقترحت، ان نلتقي  كمجموعة علومية  (ولو مرة في العمر) ولكن هذه المرة في باريس، وفي ايام اللومانتيه.

 

الحلم يجد ملاذه

كان هذا المقترح مثل نيزكا انار سماءا ظلت لفترة طويلة دون نور. فكم عصفورا يمكن ان يصيب هذا الحجر،  زيارة اوربا، المشاركة في الخيمة والمهرجان، زيارة باريس واللوفر، شريعة حمورابي والموناليزا ثم الألتقاء بصفوة جميلة من المثقفين والوطنين العراقيين في المهرجان،  هذا اضافة ل "اللمة العلومية" ولمن سـيتمكن من المجئ. في الحقيقة كان العرض مغريا وغير قابل للتأجيل. عملنا سوية نحن معشر العلوم على تشجيع الكل للحضور، ورغم المعوقات  واختلاف ظروف وألتزامات الآخرين، فقد تحقق حلم (6) من طلبة كلية العلوم للقاء  تحت سماء باريس بعد اكثر من 35 عاما من الصحبة والزمالة  في الكلية التي تقاسم فيها الكثير، من احلام وأماني وذكريات، وربما مازال بعضها  شاخصا  لليوم.

 

تحت سماء باريس

وليس بعيدا عن فضاء الكون، تلتقي  مجموعة صغيرة من طالبات وطلبة كلية العلوم لدورات مختلفة في اعوام السبعينات، من اركان مختلفة من الكرة الأرضية ( ليلى وأنتصار من السويد، عدنان من الدنمارك، ممتاز من استراليا،  كمال ونشأت من الولايات المتحدة) كانت تجمعهم لازمة واحدة هي تجسيد لكلمات الشاعر الغنائي الرائع زهير الدجيلي:

عشاك هاي الكاع لو شحوا نظل عشاك

نتبادل وياها العمر واشواك وي اشواك

تعطش ايلمنه الليل عطشانين

تخضر ايلمنه الصبح فرحانين

عشاك ياخذنا العمر عشاك

وأحباب علمنه الوطن شنحب

تدرون، تدرون، تدرون ليش انحب؟

نلتقي كلنا بهذا الحجم لأول مرة، نجتمع، نتسامر ونغني. نفرح ونحزن، نتذكر ونستذكر. تعود العلوم بكل تداعياتها شــاخصة، قوية وثابتة، بقصصها الأنسانية، بناسها ، برفاقها وشهدائها، بغرامياتها واحداثها الجميلة. نعود كما كنا، بقلوب صافية كقلوب الأطفال، وروح مرحة وثابة ومتطلعة، نستذكر ما علق في الذاكرة، نعيدها للحياة من جديد وكأننا في سفر يأبى ان يستسلم للزمن وسنيه، للحياة ومصاعبها. يجزم الكل بأننا في تلك الأيام المعدودات (خمسة) كنّا خارج المنظومة الشمسية بحساب الزمن، ولم تنطبق علينا قوانين الرياضيات والفيزياء، وتحدينا بالروح الكيمياوية كل قوانين البايولوجي، وحتى الجيولجيا، وقفت بعيدا مترصدة للموقف، ومترددة من النتائج! هكذا عدنا في اقسامها، وعند ساحة التنس او بالقرب من (النبكة)، في النادي او في الكافيتريا المجاورة لها، مع اساتذتها وطلابها، ذكريات لأيام جميلة،  وجد بعض مرضى العقل انها كبيرة على ذاك الجيل، فعملوا جاهدين على قتلها، ولم يعلموا بأنهم يقتلون كل العراق، ويقتلون انفسهم ايضا، غباء بعثي بأمتياز.

 

في المهرجان وبخيمة "الطريق"

رغم ان ليالي باريس لم تسعفنا لتلك الأيام القلية، فأمطرتها علينا، لكن خيمتنا كانت عامرة بالمحبة والدفء بمن حضرها من زملائنا في فرنسا او الدول الأوربية الأخرى، وربما اخص بالذكر من السويد التي شاركت بحجم متميز. لا يمكن ان توصف الخيمة بأقل من عرس عراقي بكل المقايس، في العمل الطوعيوالرفقة، الأعتزاز، التعارف، الألحان والغناء، الذكريات والناس. بأختصار، كل ما يمكن ان يمنح هذه المناسبة  طعمها الحلو ومذاقها الخاص. المشاركة الفنية للفرقتين القادمتين من الحلة ومن السويد اضافتا بهجة متميزة.الشاي المهيّل،الأكلات ، وروح التعاون بتهيئتها وتقديمها، طاولة الكتب والتحفيات، الأزياء والغناء والرقص الفلكلوري، كلها عناصر اضفت بهجة متميزة لعمل الخيمة. اما وفد "كلية العلوم" فكان لهم صولتهم في المهرجان، حيث علقوا صورة كبيرة من احدى صور التخرج على احد جدران الخيمة والتقطوا معها صورا تذكارية، تعيد ترتيب خارطة الزمان والمكان وتختزل الأعوام والأميال ، لتعود الى احياء الأعظمية الجميلة وساحة عنتر وعالم "كلية العلوم" الجميل.

 

فرحة تمنيناها للكل

في عالم اليوم، لم يعد التواصل مشكلة ولا حتى السفر، وقد يستغرب البعض بأن هناك اناسا مازالوا مصرين على التمسك بعلاقات جميلة، انسانية وبريئة، صادقة ومحبة، جمعتهم مع اناس قبل اكثر من 30 عاما، لماذا كتب لها البقاء؟ اليس لسبب معقول. نعم، قد نقف امام الكثير من الأحداث متسائلين، وربما نجد الأجوبة. الا ان حدثا بهذا المستوى سيظل عالقا لسنين قادمة، بأن مجموعة من الأصدقاء، التقت في الكلية لعدة سنين،  وافترقت لعشرات السنين، تلتقي من جديد ، وتعيد رسم الصورة الجميلة دون تردد، انه امتحان الزمن للود والعلاقات الصادقة.كانت جميلة تلك الليالي في الخيمة وناسها، وألاجمل كانت في زياراتنا الجماعية لمتحف اللوفر والتصوير مع الآثار العراقية والموناليزا، في زيارة البرج وكاتدرائية نوتدردام، في استخدام جميع وسائط النقل الباريسية من القطار الى الترام الى الباص الى التكسي والى المشي على الأقدام، كانت حقا ايام جميلة تمنيناها لكل مجموعتنا الجميلة والمتميزة.

 

للعام القادم

لا اعرف في اية سنة بدأت مشاركتنا في المهرجان ، الا اني متيقن انها كانت مشاركة تضامنية مع نضال الجريدة والحزب الشيوعي والشعب العراقي. حتما ان شعارات المهرجان ونشاطاته كانت تختلف بأختلاف الأزمنة والأوضاع، واليوم تقف شاخصة حاجتنا للتضامن الأممي. قد نكون اليوم بأمس الحاجة لتضامن الشغيلة الفرنسية والأوربية مع نضال "طريق الشعب" والقوى الديمقراطية العراقية ، في دفاعها عن الحقوق المدنية للمواطنين، عن حقوق العمال  والصحفين والنساء، عن الطفولة ، ضد الأرهاب  والتزوير والحقن الطائفي وأستهداف المكونات الصغيرة للشعب العراقي. في المهرجان امكانيات كبيرة وهائلة للتضامن، الذي نحن بأمس الحاجة له. آمل ان تكون مشاركة خيمتنا الغالية "خيمة طريق الشعب" وأحبتنا في فرنسا لمهرجان العام القادم مثل توصيف  قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين لصحيفة الأيسكرا: "مثل منفاخ حدادة هائل، ينفخ في كل اركان المجتمع". هكذا نأمل ان تكون مشاركتنا للعام القادم، نشطاء مثل منفاخ حدادة هائل في كل ارجاء المهرجان، وأن نستثمر كل طاقات المتطوعين والمشاركين والوفود وحتى زوار الخيمة العراقيين، وأن يكون هناك كاتلوك للخيم في القرية الأممية والأولوية في الزيارات او حتى جمع التواقيع التضامنية ان اقتضت الضرورة.

تحية للجهود الطيبة، للمتطوعين والعاملين خلف الستار، ولكل من ساهم حتى تبقى خيمتنا زاهية بناسها وعلمها وشعارها العتيد: وطن حر وشعب سعيد.

 

كمال يلدو

كانون اول 2013

 




 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.