اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (15)// كمـال يلـدو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (15)

كمـال يلـدو

 

هناك تحت سماء الوطن، فتحوا ابوابا، ورسـموا احلاما لأجيال كثيرة. وأضحى التعليم مع الوقت، ظلّهم الذي يلازمهم ويصاحبهم، فمنحوا هذه المهنة قلوبهم،  واجمل سنيّهم. ورغم مضي زمنا غير قليل منذ ان تركوا المهنة، او تقاعدوا منها، الا ان كلمة (سـت) أو (استاذ) مازالت حاضرة في وجدانهم، ومازالت قادرة على حملهم الى العالم الجميل الذي كان سائدا.

لست مبالغا لو قلت، ان الطريقة التي يمكن قياس رقي اي بلد، او مجتمع، هي من خلال الحكم على  سياسته التربوية، على اساليب التعليم، على المناهج والبنايات ومرافقها المهمة، على الفعاليات التي ينغمر فيها التلاميذ، وربما الأهم من كل هذا وذاك، هو الكادر التدريسي، ان كان  بواقعهم الأقتصادي أوحقوقهم ودور المؤسسات المعنية في رفع شأنهم ومستواهم. ورغم اننا نعيش في بلاد جديدة ، الا ان هذا لا يمنع ابدا من تكريم جيل المعلمين والتدريسيين الذين قدموا الكثير، فمسيرتهم  تلك تستحق منّا، نحن ابناء العراق الأوفياء، ان نشكرهم ونقدم لهم الأمتنان،  اينما كانوا منتشرين في بلاد الغربة، ان كان بالكتابة عنهم أو بنشر قصصهم وذكرياتهم، وآمل ان نقوم سوية بتكريس واقع جديد فيما بيننا، في الأحتفال والأفتخار والأعتزاز بكل مبدع، خدم بصدق وتفان، حتى وأن تجاهلت المؤسسات المعنية دورها في القيام بذلك!

وفي هذه المناسبة، ادعوكم  لرحلة قصيرة مع بعض الوجوه العراقية التي خدمت في سلك التدريس في عهود مختلفة. ويقينا ان في جعبة كل واحدا منهم قصصا كثيرة وحكايات وذكريات، وستسمعوهم سوية وهم يصبوها في مجرى واحد كبير، هو حب الأنسان ورفعته

*************** 

المدرسـة فريال حنا بطي – كَرمو

ولدت في العاصمة بغداد في العام 1939 وفي منطقة (السنك)، متزوجة من السيد روفائيل الياس كامل كَرمو، ولهم ولدان وبنتان و 8 أحفاد.

درسـت الأبتدائية  في،

1-(مدرسة راهبات الكلدان) التي كانت ملاصقة ل(كنيسة ام الأحزان) في عكَد النصارى ثم انتقلت الى،

2-(متوسطة البتاوين) وبعد ان انهتها انتظرت 9 سنوات حتى دخلت،

3-(نقابة المعلمين المسائية) لأكمال دراستها الثانوية وتخرجت منها في العام 1966 ثم انتسبت الى،

4-(جامعة بغداد – كلية التربية /فرع اللغة الأنكليزية)، وبعد تخرجها من هذا الفرع انتظرت سنتان لغرض التعيين حيث كان البلد يمر بمرحلة (التقشف) وكانت رواتب المعلمين والمدرسين غير مجزية (3 دنانير و 750 فلس شهريا)، تقدمت بعدها للتوظيف في حقل البنوك، وفعلا عملت لمدة 8 سنوات حتى جرى استدعائهم من قبل الحكومة بقرار عام 1982 اذ الزم جميع الدوائر الرسمية بفك العقود مع الموظفين  الذين درسوا لغرض التعليم. فأنتقلت الى

(ثانوية تجارة المنصور للبنات) والواقعة في مدينة المنصور، ودرسّت مادة اللغة الأنكليزية  والمراسلات، للصفوف المتقدمة ومن ضمنها مرحلة (البكلوريا) ولمدة 8 سنوات، حتى تقدمت للتقاعد عام 1990.

 

ويبقى لتلك السنين رغم قصرها وبعدها الزماني عطرها الخاص والمتميز تقول (ست فريال): كانت مصادفة جميلة حينما تقدمت بالطلب للتدريس في (ثانوية تجارة المنصور) اذ اتصلت بي المديرة (ست سالمة) مساء ذات اليوم وقالت (انك مقبولة للتدريس عندنا) وكنت سعيدة جدا لقرب المدرسة من بيتنا ايضا. اما المفاجأة الثانية فقد كانت، حينما اتصلت بي المديرة في احد المساءات بعد انتهاء الأمتحانات الوزارية، وقد ترددت كثيرا من تلك المكالمة، لكنها قالت لي: ( اني ازف لك خبرا طيبا، فقد بلغت نسبة النجاح في درسك للأمتحانات العامة 100%) وكان الخبر حقا مفرحا لي، وتتويجا لجهدي في التدريس، وربما اضيف ايضا، بأني كنت من ضمن الكادر التدريسي الذي كان يشرف على تصليح امتحانات البكلوريا في الدورين الأول والثاني. وفي رحلة الذكريات هذه تأخذني صفحات الأيام الى المربيات والمدرسات اللواتي مررن علّي وتعلمت منهن و (من المدرسين ايضا) دروسا كثيرة في المعرفة والعلم وطرق التدريس المتحضرة، والتي عملت جاهدة على وضعها موضع التطبيق مع تلميذاتي. ففي مدرسة الراهبات الأبتدائية تأثرت كثيرا  ب (ماسير فلومينا)، اما في متوسطة البتاوين فأذكر (ست رمزة – اللغة الأنكليزية) و (ست نورية عسكر – الرياضة) و مديرتنا العزيزة (ست فخرية ابو قلام)، ويستمر مسلسل الذكريات  الجميلة وأسماء التربوين اللامعة  في كلية التربية ومنهم: (استاذ نعيم صرافة –التعليم الثانوي/ استاذ طه الحاج الياس – طرق التدريس/ د.سلمان الواسطي – الرواية/ استاذ مالك ميري – النثر/ عبد المطلب عبد الرحمن – المسرحية/ ست ساجدة الجلبي –نثر/ سـت سـاهرة – استيعاب/ ست ايفلين حسيب كلّو – رواية، والأنكليزية مسـسز رحمة الله – الأنكليزي). وبعد رحلة الدراسة، جاءت الساعة لتوظيف كل تلك المعلومات وتقديمها للطالبات اللواتي كن يخطن السير للحياة القادمة، ومن المفرح ان أسرد  بعض ذكرياتي عن المدرسات اللواتي تقاسمت وأياهن السنين في (ثانوية تجارة المنصور)، اذ ربطتنا علاقات صداقية جميلة جدا، وكنا نلتقي عائليا بأستمرار، ونذهب للتسوق سوية ايضا وأذكر منهن: (مديرتنا ست سالمة، التي كانت "حقانية" بالتعامل مع الكادر التدريسي/ وداد العطار – العربية/ آمال العطار – اقتصاد/ هيفاء الدّرة – رياضيات/ سـعاد الدّرة – اقتصاد و إدارة/ و ست رجاء جورج – طابعة).

 

ان أحلى هدية اتلقاها تكون حينما اصادف واحدة من تلميذاتي وتناديني (ست فريال) وقد وجدت طريقها في سلم العلم والتقدم، وفي حقيقة الأمر فأن اخلاصي لمهنتي ولطالباتي كان منبعه التربية البيتية الصالحة وجملة المربين الذين مروا بحياتي، خاصة اولئك الذين تركوا أثرا وعطرا طيبا عندي. في سيرتي المهنية عملت ان لا اترك اي من الطالبات قبل ان اتأكد 100% من استيعابهن للدرس، وقد استخدمت طرقا كثيرة ووسائل ايضاح متنوعة للوصل الى هدفي، علما اني كنت اقوم بتدريس 7 شعب ، بينما المفروض ان ادرس 5 شعب فقط، وغالبا ما كنت استخدم الفرصة مابين درسين، لتقديم النصح او الأجابة على اسئلة التلميذات، ومن الطريف ان اذكر، بأن صفي قد خضع مرة ل (الأشراف) والذي غالبا ما يكون مفاجأ لنا، وكان المتبع ان يدوم 15 دقيقة، الا ان وقت الدرس انتهى، وعقب المشرف حول ذلك بالقول: (لقد نسيت الوقت، فقد كنت مستمتعا بالدرس) وهذا يكفيني فخرا.

غادرنا العراق عام 1992 وتوجهنا للعيش في ولاية (كاليفورنيا) الأمريكية، وبقينا هناك 7 سنوات امضيتها في العمل الطوعي لمساعدة الجالية في ملء الأستمارات، وتعليم اللغة الأنكليزية للقادمين الجدد اضافة لتطوعي للعمل في احدى الروضات. انتقلنا بعدها  للعيش في مدينة (ديترويت)  العام 1999، ومنذ بداية وصولي تقدمت للعمل في السلك التعليمي في قاطع (مدينة ساوثفيلد – مساعدة مدرس) اذ عملت في الروضة والتمهيدي ومراحل الأبتدائية والمتوسطة حتى العام 2009، حيث تقدمت بعدها للتقاعد النهائي،  تفرغت بعدها للعمل البيتي والعناية بالأولاد وألاحفاد الذين نقضي معهم انا وزوجي اجمل الأوقات. لقد حاولت جاهدة اثناء تدريسي برنامج (اللغة الأنكليزية كلغة ثانية) حيث نلتقي بأناس من مختلف الشعوب، ان اعرّفهم وأتحدث اليهم عن بلادي الغالية (العراق) وعن تأريخها . وبالمقارنة بين التدريس في هذه البلاد والعراق، فبالحقيقة لا توجد اية نسبة  لذلك، لكني اتصور بأن افضل طريقة لتعليم الأنكليزية في مدارس العراق هو اتباع مناهج دراسية متطورة وحديثة، مع وسائل ايضاح عصرية، والحديثفقط باللغة الأنكليزية اثناء الدرس.

امنيتي للوطن الغالي، ان يعيش اهله بالسلام والمحبة، التي هي اساس كل شئ بالحياة، ومتى ما اتبعنا هذه القيم الأنسانية، فأن كل الطرق تنفتح امام الشعب، ولن تكون هناك اية مشاكل، داخلية كانت ام مع الدول. أصلي وأبتهل ان يعم السلام وأن يعود العراق كما عهدناه، وطنا للجميع بلا تفرقة ولا عنصرية، وأحن لليوم الذي ازوره وأستمتع برؤية مرابع صباي والمدارس التي درست بها وكليتي العزيزة، وجميع الطالبات والمدرسات وجاراتي اللواتي تقاسمت معهن احلى الأيام.

***************      

المدرس ابلحـد خضر القس يوحنان

في العام 1946 ولد بمدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى وفي (محلة شنكَو)، متزوج من السيدة عامرة زيّا كثاوا، ولهم 3بنين وبنت واحدة مع 7 أحفاد.

درس الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس مدينة تلكيف منهيا تلك المرحلة عام 1964، ثم التحق ب (كلية الآداب – قسم التأريخ/ جامعة بغداد) ليتخرج منها عام 1968. وعقب خدمة العلم صدر تعينه الأول  مدرسا لمادة (التأريخ) في،

1-(متوسطة منصورية الجبل) التابعة لمحافظة ديالى ولمدة سنتان ثم الى،

2-(متوسطة الحساوية)  في المنطقة الواقعة بالقرب من مدينة شهربان ولمدة عام واحد اعقبها الى،

3-(ثانوية بعقوبة للبنين) ولمدة سنة واحدة ثم الى،

4-(اعدادية بعقوبة للبنين) ولمدة 3 سنوات، بعدها نقل الى

5-(متوسطة الرافدين) في مدينة الثورة ببغداد ولمدة سنتان حتى العام 1979

لم تمض تلك السنين بيسر على الكثير من المدرسين او التربوين، خاصة ممن لم ينتسب الى (حزب السلطة) ان كان مستقلا او يحمل فكرا ثانيا، فقد رافقت تلك الأيام سلكويات وسياسات من الصعب نسيانها خاصة بالملاحقة او التهديد بالنقل او حتى بالمصير المجهول، ولم يعد بالأمكان التركيز على التدريس والعناية بالتلاميذومستقبلهم، بقدر ما كان البحث عن اية وسيلة تقي شرور الجهات الأمنية المعروفة بسمعتها السيئة آنذاك. كل هذه الأجواء الملبدة دفعتني، مثلما دفعت الكثيرين للبحث عن ملاذ آمن، فكانت الوجهة الى الولايات المتحدة، وكنّا موفقين بالوصول الى مدينة ديترويت حيث الكثير من الأهل والأصدقاء وذلك عام 1980.

 

لقد كان للتربية البيتية، والبيئة الثقافية التي احاطتني في سني شبابي الأولى، اضافة الى ثقافتي الوطنية والسياسية والأدبية دورا في صياغة شخصيتي لاحقا، لابل حتى في تميزي بأسلوب طرح المادة التدريسية، فكانت معينا لي في ايصال المعلومة الجيدة والجديدة للتلاميذ، من اجل ان يكون لهم اعتزاز بماضيهم مثلما لديهم اعتزاز بحاضرهم. ولقد استمرت اهتمامتي الثقافية  في السياسة والفلسفة والأقتصاد، والتأريخ طبعا حتى الآن ، اذ الجأ للكتاب كلما كان عندي وقتا اضافيااحاول فيه الخروج من روتين الحياة والعمل والأخبار المشؤمة من العراق. ورغم مرور سنين طويلة منذ تركي مهنة التدريس ومغادرة العراق، الا ان صلاتي بالمدرسين والمعلمين الذين رافقوا تلك المرحلة ما زالت قائمة وأعتز بها، لكن هذه العلاقات تبقى مكملة لمرحلة الأعجاب والتقدير بالمربين والأساتذة الذين أخذوا بيدي وأشرفوا على منحي (بوصلة) الحياة، وأذكر منهم في الثانوية (استاذ كوركيس شمامي – اللغة الأنكليزية/ استاذ طالب – مدرس مادة التأريخ) اما في كلية الآداب فكان( الأستاذ جعفر خصباك – مادة الشرق الأوسط والدولة العثمانية/ الأستاذ محمود أمين – مادة التأريخ القديم)، على ان ذكريات العلاقة ببعض المدرسين اثناء فترة التدريس تبقى طرية وذات معاني لم تتمكن تقلبات الحياة ان تمحيها او تعطل نفحاتها ومنهم : (الأستاذ صلاح، مدير متوسطة الرافدين في مدينة الثورة، والأستاذ كليانا متي، وكذلك مدير مدرسة منصورية الجبل. وفي ثانوية  بعقوبة ومتوسطة الرافدين ايضا الأستاذ يوسف السندي المقيم الآن في استراليا).

 

يحزنني كثيرا المآل الذي وصل اليه الوطن، ومستوى ثقافة الناس ، والعلاقات بين مكونات البلد المختلفة، ورحلة العلم والمعرفة، اذ اني أشعر بأن أهم مقومات المواطنة وبناء الأوطان تتعرض الى خطر كبير نتيجة الجهل وأنتشار الأمية والأفكار التي تشجع على الأحقاد والأنتقام.  اني اتمنى من اعماق قلبي ان يرجع العراق الى سابق عهده، في تقلد صفات المحبة والتعاونوالأخاء، في الأنفتاح على ثقافة الآخر وقبوله دون ان تكون العوامل الثانوية اساسا للحكم ، بل ان تكون المواطنة وخدمة ورفعة الأنسان العراقي هي الأساس الذي تقوم عليه عملية التقييم. اتطلع لمستقبل مدني زاهر لهذا الوطن وللشعب الذي يستحق كل خير .

***************       

الأستاذ حبيب شـمعـون عوديش كينا

 من مواليد العام 1951 في مدينة باطنايا التابعة لمحافظة نينوى وفي منطقة (المحلة التحتانية). متزوج من السيدة رويدا بولص توما ولهم 3 بنين وبنت واحدة مع 5 احفاد لحد الآن.

في طفولتي ادخلوني  اهلي في العام 1957 اول الأمر الى،

1-(مدرسة باطنايا الأبتدائية المختلطة) وبعد مضي 4 سنوات، انتقلت العائلة الى بغداد وأكملت في،

2-(مدرسة الرشيد الأبتدائية للبنين) والتي كانت تقع في منطقة السنك، وبعد ان انهيتها انتقلت عام 1964 الى،

3-(متوسطة الرصافة للبنين) والتي كانت تقع قرب كنيسة (باتري بيير) في السنك ايضا، بعدها اكملت في،

4-(اعدادية النضال للبنين) والتي لم تكن تبتعد عن (متوسطة الرصافة) الا امتارا قليلة، وتخرجت منها في العام 1970،  وقبلت مباشرة  في،

5-(كلية العلوم – جامعة الموصل)، وأخترت بعد انهائي الصف الأول - كلية الزراعة والغابات / قسم تربية وتحسين الحيوان. وأنهيت هذه الكلية في العام 1976 حيث نلت تعيني الأول بدرجة (مدرس مساعد)  عن طريق  مؤسسة المعاهد الفنية اذ تم تنسيبي الى،

**(المعهد الزراعي الفني / مدينة كميت، محافظة ميسان)  وما زلت اتذكر ذلك اليوم الذي كان  16/10/1976

** في العام 1978 تم ترشيحي للدراسات العليا في جامعة الموصل، وفي العام 1981 نلت شهادة الماجستير، وبعدها عدت والتحقت  بالمعهد الزراعي في (كميت) .

**في عام 1985 تم الغاء المعهد،وجرى نقل خدماتي الى وزارة الزراعة/ دائرة البحوث التطبيقية في محافظة ميسان

**في عام 1986 تم انتخابي رئيسا لنقابة المهندسين الزراعين في محافظة ميسان

**في عام 1991 احلت على التقاعد، وأنتقل محل سكناي من ميسان الى بغداد.

 

لقد كان تعلقي بالقسم الذي اخترته (قسم تربية وتحسين الحيوان) كبيرا لدرجة اني قمت وبمساعدة بعض الطلاب عندما كنّا  طلابا في الصف الرابع بمشروع انتاجي استطعنا اشراك المدرسين فيه ايضا  عبر شراء الأسهم (دينارا واحدا للسهم) اذ قمنا بتربية (10 عجول ابقار، 15 خروفو 1000 فروج لحم) وقمنا بتسمينهم لمدة 90 يوم ، فكانت الحصيلة ان حققنا (نحن الطلبة) ارباحا تساوي  500% وجلب السهم الواحد 5 دنانير . مع تنسيبي للمعهد الزراعي في "كميت" عام 1976 لم يكن هناك سوى ارض جرداء، قمنا  نحن الطلبة وبمساعدة التدريسين بتهيئتها كحقول نموذجية، فيما قام المقاول ببناء العمادة والأقسام العلمية والمختبرات والأقسام الداخلية للطلاب والطالبات، ودورا للمتزوجين ومخزن كبير بالأضافة لتبليط الشوارع الداخلية للمعهد، وحقول الأنتاج الحيواني – ابقار اغنام ودواجن -. ان دوري لم يتوقف عند هذا الحد بل كلفت من قبل العمادة بترأس لجنة الأستيراد حيث أشرفت على استيراد: (مستلزمات نادي للطلبة، جهاز 35 ملم للعرض السينمائي،  حوالي 7000كتاب علمي ومجلات في الأختصاصات الزراعية، 106 دور سكنية جاهزة، و (اسالة للماء) جرى نصبها على نهر دجلة تغذي كل اقسام المعهد بالماء الصافي، حقول دواجن من هولندا لغرض البحث والأنتاج، استيراد كافة الأجهزة العلمية والزجاجات للمختبرات، بيت زجاجي لغرض الزراعة في الشتاء، وأخيرا تم استيراد كافة معدات الورش الميكانيكية والزراعية) . وأضافة لكل ذلك جرى انشاء منحل على شاطئ دجلة قدم انتاجا جيدا من العسل، وتم ايضا انشاء احواض لتربية الأسماك بمساحة 5 دونم.

لم تكن مهمتي في المعهد سهلة، لكني تقبلت كل المسؤليات التي عهدت اليّ رغم كثرتها، فقد قمت بتدريس المواد : (تربية وتحسين الحيوان/ تغذية الحيوان/ مادة وراثة الدواجن/ مادة التلقيح الأصطناعي) هذا اضافة للكثير من الألتزامات الأدارية ومنها رئيس قسم الأنتاج الحيواني، معاون العميد لشؤن الطلبة ومعاون العميد للشؤون المالية والأدارية، ولمدة 9 سنوات كلفت بأدراة ورئاسة الكثير من اللجان ومنها : (لجنة المشتريات/ لجنة الأستيراد/ انضباط الطلبة/ اللجنة التحقيقية/ اللجنة العلمية/ اسكان التدريسين/ مكتب التدريب الصيفي) ، فلقد اصبح المعهد كل شئ في حياتي تقريبا!

يحزنني ان أقول بأن ما بنيناه وعملنا له في المعهد قد ذهب ادراج الريح حينما تم الغاء المعهد عام 1985، وتم نقل خدماتي لوزارة الزراعة، وعملت في دائرة البحوث التطبيقية في محافظة ميسان، والتي كانت تشرف على العديد من الحقول ، وهذه الأخيرة بيعت ايضا الى (كلية الزراعة التابعة لجامعة البصرة). لكن واحدة من اجمل محطات عملي هناك كانت انتخابي رئيس نقابة المهندسين الزراعيين في محافظة ميسان عام 1986، اذ تمكنت من ضم حوالي 160 مهندس زراعي اليها ، وعملت على تحقيق الكثير من المكتسبات للمنتسبين لفترة 6 سنوات، وخاصة حصولهم على قطعة ارض للسكن وبناء نادي وجمعية تسويقية.لقد أستمر عملي هناك حتى  استحقاقي للتقاعد الذي حصلت عليه في ايلول 1991، وأنتقلنا بعد ذلك لبغداد، ولم يمض شهر حتى كان لي مشروعي الخاص للدواجن، اذ استأجرت مزرعة، وكنت قد تعاقدت مع الدولة بتجهيزها ثلاث وجبات سنويا، استمر الحال لغاية عام 2000، ومن بعد ذلك تركت العمل نهائيا، على ان الأمور لم تمض بشكل جيد بعد العام 2003، فقد مضت حياتنا من سئ الى اسوء للأسف، مما دفعني انا وعائلتي لمغادرة البلاد وطلب اللجوء للولايات المتحدة التي اسكنها منذ العام 2010.

 

لابد لي من التوقف قليلا امام بعض الأسماء التي أثرت حياتي ونورتها، وكانت حقا نبراسا  لم تتمكن زحمة الأحداث من الأتيان عليها او نسيانها ومنهم:  في مدرسة باطنايا الأبتدائية (المعلم قرياقوس)  والذي رسم كاهنا بعد فترة، وفي مدرسة الرشيد (استاذ نجيب)  معلم اللغة الأنكليزية، اما في متوسطة الرصافة فكان (الأستاذ حازم) مدرس مادتي الرياضيات والفيزياء، وأستاذ (عاكف حمودي) مدرس مادة التأريخ الشهير، وفي اعدادية النضال كان الأستاذ (سامي سفر) مدرس مادة علم الحيوان. ومن المشرفين في البكالوريوس والماجستير الأستاذ (اسماعيل السنجري)، وعميد الكلية الأستاذ (حسن فهمي جمعة)، مدير قسم الزراعة والغابات  والذي استوزر لاحقا، ولابد لي من ذكر الأستاذ (هاشم محمد سعيد) – رئيس مؤسسة المعاهد الفنية، وكان مهندسا كهربائيا، اذ كان يرفع شعارا مع كل الموظفين والعاملين مازال يرن صداه في اذني يقول فيه : ((اغلط ....بس لا تبوك!)).

ليس سهلا علي اليوم وأنا اقف ناظرا الى سني العطاء والعمل والخدمة والأخلاص للوطن والأنسان ان يصبح مصيرنا العيش في بلاد الغربة بعيدين عن الوطن، ليس لذنب اقترفناه، الا لأن معالم هذه المرحلة تؤشر الى صعود نجوم الحكام الجهلة، غير المخلصين، والذين سمحوا لأصحاب الشهادات المزورة ان يكونوا اسيادا للوطن، فأي وطن سيبنون وأي أمن سيحققون؟

لكن، مهما تكن الأحزان ، فأني اتمنى على ابناء بلدي ان يتوحدوا من اجل ازالة هذه الغمة، من اجل الخلاص من انظمة التفرقة والعنصرية والشعوذة، و من مجرمي (داعش) وأعوانهم.

 

كمـال يلـدو

 

تشرين أول 2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.