اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• موضوع للمناقشـــة : مـن يوقـظ عصر السـبعينات الذهبي من ســـباته؟

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كمـال يلـدو

 

 موضوع للمناقشـــة :

                         مـن يوقـظ عصر السـبعينات الذهبي من ســـباته؟

 

   لم يكن هذا العنوان ما افكر به لوحدي بل وجدت  صـداه يتردد كثيرا من خلال متابعتي للكثير من النقاشات و الكتابات التي تهتم بالثقافة العراقية ، اذ يجنح معظم المعنيين بوصـف ســني السبيعنات علـى أنها كانت تمثل "العصر الذهبي"  للثقافة العراقية ، ان كان في الفن التشكيلي ،  المسرح ،  النشـــر ، القصة بأشكالها والرواية،  الشـــعر بأنواعـه ، الموســـيقى بألوانها المتعددة،  والغناء  الوجداني والسياسي .

و قـديعود الســـبب بذلك الى المقارنة بين المراحل والمنعطفات التي مرت على العراق الحديث . فمنذ افـول ضوء الثقافة العراقية مطلع الثمانينات وحتى يومنا هذا ،  اذ ان المرحلة الاولى تمثلت بأستيلاء صدام على الحكم ، وشنه حربا دموية على الشيوعيين والديمقراطيين والحركة الكردية وكل المعارضة وكان من نتائجها هجرة آلاف المثقفين ، ثم دخوله بالحرب مع ايران ، فأحتلاله للكويت ، وحرب الولايات المتحدة والحصار وصولا الى سقوط النظام في 9/4/2003 ، اما المرحلة الثانية فهي  مرحلة ما بعد الاحتلال وصعود التيارات الدينية  وتملكها القرار السياسي وقيادتها للدولة  في ظل اوضاعا استثنائية عاشها العراق  ابتداءا بعدم استقرار العملية السياسية ومرورا بلأرهاب  وصولا الى حالة اليأس التي يعيشها المواطن جراء تفاقم الاوضاع المعيشية والخدمات وانتشار الفساد الاداري .

 

بلا شــك ان جملة من العوامل الذاتية والموضوعية  وتراكماتها هي التي ســـاهمت بتلك النتيجة ، ويمكن الاستنتاج موضوعيا بأن الانفراج السياسي( النسبي)  الذي شهدته الساحة العراقية مع مطلع السبعينات ، وثقل الحزب الشيوعي ومثقفيه وأصدقائه والمتأثرين بالأفكار اليسارية والعلمانية كانت العوامل الحاســـمة في ذلك الصعود، والذي كان ثمرة لأحتضان الشيوعيين للحلقات والمنتديات الثقافية ودعمهم اللامحدود للثقافة الوطنية في عقدي الخمسينات والستينات ، رغم عدم امتلاك الحزب (آنذاك) لمحطة فضائية او تلفزيونية او اذاعية او حتى دارا للنشر ، بل  ان  معظم الادبيات كانت  تطبع بآلة الرونيو ، وان اغلب  الكوادر اما كانت مـتخفية او ملاحقة ، لكن مع هذا كانت الحياة التشكيلية والأدبية والفنية والثقافية عموما تنبئ بولادة جديدة انطلقت حالما توفرت  لها فســـحة بسيطة من الحرية ، وهذا بالضبط ما شهدته فترة السبعينات .

وربما يكون سرد بعض تلك الانطلاقات فرصـة لتوفير الارضية المناسبة للمقارنة ، بدءا بالنشاطات الثقافية في الاعداديات والجامعات ، اكاديمية ومعهد الفنون الجميلة ، الفرق المسرحية ( الفني الحديث، الشعبي، الستين كرسي، اليوم ومسرح الصداقة) ، جلسات اتحاد الادباء ، انطلاقة النوادي الاجتماعية والمهرجانات الثقافية التي شهدتها ، معارض الصور والبوسترات ورسوم الاطفال في الهواء الطلق ،المعارض الفنية في  قاعة مركز كولبنكيان والقاعات الاخرى، الفرقة السمفونية ومدرسة الباليه والمعهد النغمي ، برامج تلفزيونية  ثقافية متميزة  مثل – السينما والناس - وحواراته الراقية ، صالات سينما عائلية وافلام من الطراز الاول مصحوبة  بنقد سينمائي متقدم ، صعود نجوم من المغنين  الشباب الذين صاروا رواد الاغنية العراقية الحديثة لاحقا ، ازدهار في الصحافة والمجلات الثقافية  وتنوعها – طريق الشعب ، الثقافة الجديدة ومجلة الاذاعة والتلفزيون مثلا- ازدهار بالأندية الثقافية في المحافظات  وضخها العاصمة بغداد  بمئات المثقفين – البصرة، الناصرية ،العمارة،النجف، كربلاء، الحلة ، الديوانية ، اربيل وديالى -   اضـافة الى  ظواهر اخرى كثيرة قـد يذكرها المتابعون لهذا الموضوع .

 

اذن الســؤال الذي يطرح نفســه الآن : اين تقف الثقافة العراقية  والمثقف العراقي في ظل الظروف الحالية ؟ والى اين تمضي هذه الثقافة وما هو مستقبلها ؟

هذه الاسئلة لا تعفينا من تذكر المراحل التي تلت السبعينات ونتائجها الكارثية التي نتعامل معها اليوم ، لابل يجب ان تكون هي الدافع للخوف والقلق على الثقافة العراقية ، لأن التغيير الذي حصل ، لم يوفر اية ارضية تذكر لأعادة البناء الصحيح للأنسان العراقي ، ناهيك عن اعادة بناء الوطن !  فقـد عمل النظام البائد بكل جدية  على تدمير الثقافة العراقية بغية تجهيل المواطن كي تكون عملية قيادته اسهل ، وهذا ما كرست له سلطة البعث مليارات الدولارات اولا عبر شراء ذمم العديد من رموز الثقافة العراقة من  كتاب ، فنانين ، رسامين ، شعراء  ومغنيين ...الخ ، اذ ابتدات بتسويق الخطاب القومي العروبي البعثي  ثم جاءت مرحلة الحرب ، اعقبتها مرحلة تأليه القائد، ثم مرحلة ما يسمى – الحملة الايمانية – التي ارست للتطرف الديني والاحقاد الطائفية ،  وصولا الى سنوات الحصار حتى مرحلة الانحطاط التام وغزو الثقافة المنحلة لمعظم جوانب الحياة.

 

 لا يختلف اثنان من القول بأن هذه الغمامة السوداء التي تلف الوطن ، و الانحدار الثقافي الذي لم يتوقف منذ حوالي 30 عاما ، هو حالة شـاذة ناتجة عن ظرف استثنائي قد يطول او يقصر بحسب توازن القوى الفاعلة ودور الناس في التغيير  ، وأن طائر العنقاء سينهض من كـبوته مجددا ليشـــّرع  للثقافة الوطنية ويعيد اليها امجادها وعصورها الذهبية ، لكن  وبالرغم من هذه النظرة التفاؤلية ، الا ان  استمرار الاوضاع على ما هي عليه ينذر بخطر كبير ، ليس على مستوى الثقافة فحسب ، انما على الهوية الوطنية العراقية بصورة عامة . فبعض العقليات المتنفذة والمتحكمة بالقرار السياسي تعمل على نسف الهوية العراقية واستبدالها بالهوية الطائفية ، وهي لذلك تغيّر القوانين والانظمة ، وتستبدل المناهج الدراسية ، وتســد الطريق على الثقافة والمثقفين العراقيين ، عبر تنشيط العصابات الارهابية والميليشات مرة ، او عبر الميزانيات والصرف الضعيف للمشاريع الثقافية مرة اخرى ، فيما تصرف مليارات الدولارات لأعادة وترميم بعض العتبات المقدســة (شكلية او جوهرية) وتهيئتها على افـضل وجـه بغية جني الارباح الطائلة من الزوار ، ومن تكرار المناسبات الدينية والترويج لها وتسـخير  اجهزة الدولة  الامنية لحمايتها .

 

 وبالعودة مرة اخرى لمحور النقاش الرئيسي ، من صنع ذلك  التأريخ ؟ ومن ســـيصنع للمســتقبل ؟ وما هي خطط المثقفين  لذلك ؟

 

  ان المهمة التي تنتظر الحل اليوم ليست هينة اذا اخذنا بنظر الاعتبار الظواهر السلبية التي انغرست في المجتمع العراقي على مدى ثلاثة عقود رافقها بذلك هجرة آلاف المثقفين وحرمانهم لليوم من المشاركة الفعلية والحقيقية بأعادة الحياة لجسد الثقافة العراقية المتهاوي ، ومن هنا تتأتى  ضرورة تحمل الوســط الثقافي لمسؤلياته التأريخية في مواجهة الانحدار الجاري ، هذا الوسط المتمثل بكل قوى التيار اليساري والعلمانـــي والوطني والتحرري الكردي  والشـــيوعي على وجه الخصوص ، لوضع البرامج الرديفة والبديلة  للبرامج الحكومـية ( ان وجدت) بغية  النهوض بواقع الثقافة العراقية في كل جوانبها ، والتهيئة حتى تعود بعد  سنين،  مزدهرة وضّاءة ، تنشــد للخير والعطاء ، لغد افضل للأنســـان العراقي ، وهذه تحتاج الى آليات ورؤى يمكن ان تبدأ  من  خلال تفعيل اللقاءات والتجمعات الفنية والادبية ، والعودة للأماســـي الشعرية ، والنقدية ، والدعوة لأحتضان المسرح العراقي المعاصر  والفرق المسرحية الشابة ، عبر المساهمة بدعم الفنانين الجدد ومساعدتهم بعرض نتاجاتهم ، عبر المطالبات الجماهيرية الواســـعة بتخصيص مبالغ مالية منصفة للمشاريع الثقافية وحماية الآثار العراقية من العصابات ، واعادة تهيئة المتاحف وغرس روح حب الوطن والمواطنة عند الاجيال الناشئة ، وتشكيل لجان مستقلة لأعادة النظر بالمناهج الدراسية والأساليب التربوية والمدارس ،  واعتماد معيار الوطنية اساسا في التعامل ، بعيدا عن التصنيفات الطائفية والدينية أو القومية التي ابتلى بها العراق ، ليس في بغداد فحسب ، بل بمشاركة كل المحافظات العراقية والتي لاتقل بمعاناتها عن العاصمة .

ورغـم الجهود الطيبة التي تبذل هنا وهناك لأنتشال هذا الواقع المحزن ، الا  ان ما يواخذ عليه والحديث عن المثقفين العراقيين في داخل العراق او خارجه ، ان عملهم لم يرتق الى حجم المأساة ، ومازالت الكثير من هذه الجهود مبعثرة وتخضع احيانا لنرجسية المثقف او ذاتيته، وهذه بحد ذاتها مصيبة لا تقل عن المصيبة الام! فيما الحاجة تدعونا حقا للتفكير  بالعمل الجماعي ووجود ســـقف مشترك حتى يعطي هذا العمل  ثماره، وعند ذاك نســتطيع ان نراكم هذه النتاجات والجهود ، مهما كانت متواضعة، لانها ستكون قادرة على احداث التغيير النوعي المنشود .

 

دعوة للنقاش وفتح هذا الملف المثخن بالجراح والآلام بغية  نفخ الروح به  مجددا ، ودعوة لنقل الحوار الى الصحافة العراقية والفضائيات بأمل الوصول لصيغ ترسي اللبنات  لأعادة الحياة لثقافتنا الوطنية ، وأعادة البسمة للأنســان العراقي المغلوب على امره ، من السياسة والسياسين الجدد .

 

فهل يمكن اعادة الروح للثقافة الانسانية العراقية  التقدمية من جديد؟

 

آب 2010

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.