كـتـاب ألموقع

كمال يلدو: مربون في الذاكرة الحلقة (١٩)

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

كمال يلدو: مربون في الذاكرة الحلقة (١٩)

 

رغم ان سنينا طوال تفصل لحظات الزمن، وأميالا اكثر تبعدهم عن تلك الروابي والبلدات والمدارس، لكن يبقى للحنين والوجوه والناس والذكريات أريجها وطعمها المتميز، خاصة تلك التي اقترنت بأولى ايام شبابهم وإنطلاقتهم للعمل والحياة وزرع الأمل  في نفوس التلاميذ والطلبة. ان أحلى اللحظات تبقى تلك التي تأتيهم فيها صدى الكلمات من احدهم او احداهن : ( مرحبه استاذ.أو مرحبه ست) هذه العبارات التي تعيد عالما جميلا الى الحياة بعد ان يكون النسيان والتقاعد قد طواه طويلا.

ادعوكم لرحلة جميلة مع مربين جدد، آمل ان تروق لكم.

****      ****      ******

رحلة مع بناة الأنســان العراقي

 

المربي خوشـو حنا شـميّكا

ولد عام ١٩٤١ في مدينة (مانكيش)، في المحلة العليا (محلة اليثا). متزوج من السيدة تيريزا هرمز ميخـو، ولهما ٣ بنين و بنتان مع ٦ أحفاد للآن.

منذ نعومة اظفاره أخذته العائلة للمدرسة، من اجل ان يكون له مستقبلا يختلف عن حياة الفلاحين، وأولى خطواته كانت في،

١ـ (مدرسة مانكيش الأبتدائية) ثم اكمل المتوسطة في

٢ـ (ثانوية دهوك) تلاها الأنتقال الى بغداد وأكمل في

٣ـ (ثانوية المعهد العلمي) حيث انهى الصف الخامس ثانوي، وتخرج عام ١٩٦٢ وقُبل بعدها في

٤ـ (كلية الحقوق / جامعة بغداد) ولم ينهي سنته الأولى حتى حدث انقلاب ٨ شباط، إذ فُصلَ من الجامعة وتعرض للأعتقالوالتعذيب لمدة ٦ أشهر لنشاطاتهولأنه من حملة الأفكار اليسارية ، فأنقلبت حياته رأسا على عقب. أُفرج عنه لاحقا فأنظم الى

٥ـ (الدورة التربوية) ذات السنة الواحدة لأعداد المعلمين، وذلك في بنايتها بمدينة الأعظمية وتخرج معلما عام ١٩٦٤.

تقدم للعمل في اختصاصه الجديد وكان أول تعين له،

١ـ (إبتدائية المعارف) في مدينة الزعفرانية/ بغداد ، وأستمر بها لمدة ستة سنوات، طلب بعدها نقله الى،

٢ـ (مدرسة ديره كَشنكَ) في ناحية مانكيش والتي كانت تابعة اصلا الى مدينة دهوك، وأستمر بها سنة واحدة ثم الى،

٣ـ (إبتدائية مانكيش للبنين) وأستمر بها سنتان حتى العام ١٩٧٤ حيث نقل الى،

٤ـ (مدرسة إبتدائية..) في مركز مدينة دهوك ونقل بعدها الى،

٥ـ (إبتدائية ١١ آذار) في منطقة سـميل ولمدة سنة ثم الى،

٦ـ (إبتدائية بروشكي / سعدون) والتابعة لقضاء مانكيش ولمدة سنةحتى العام ١٩٧٧ ثم نقل الى،

٧ـ (مدرسة دوليا) والتي كانت فتح جديد، وهي تابعة ايضا لقضاء مانكيش ولمدة سنة ثم الى

٨ـ (إبتدائية مانكيش) حتى العام ١٩٨٦ وبعدها نقل الى،

٩ـ (مدرسة إبتدائية المظفرية) في مركز مدينة أربيل ، قرب القلعة ولمدة سنة واحدة  بعدها نقل الى،

١٠ـ (مدرسة الثورة العراقية) في مدينة أربيل ايضا ولمدة سنة واحدة، حيث إستحق التقاعد في العام ١٩٩٠.-

لم تكن السنين التي تلت التقاعد سني راحة واستجمام، بل كانت سني عمل متواصل من اجل توفير المال اللازم لأعالة العائلة، وبقيت في اقليم كردستان إذ عملت مع منظمة (Care) الأنسانية لثلاثة سنوات ثم في منظمة النفط مقابل الغذاء (WFP) والتي كانت تهتم بتوزيع المواد الغذائية على المواطنين. ونظرا لتدهور اوضاع العراق آنذاك ، فلم يعد البقاء ممكنا طالما فقدنا الأمل، فأضطررت للهجرة، وقصدت الولايات المتحدة اذ سكنت فيشيكاغو اول الأمر ثم انتقلت الى ديترويت حيث الأهل والأصدقاء، وطوال سنين (حتى شباط ٢٠١٤) عملت عاملا في شركات السيارات.

 

ومن الأسماء التي صارعت النسيان وبقت شاخصة في الذاكرة اناسا كان لهم الأثر الطيب في تعليمي، او بصحبتهم ايام التدريس وأذكر من تسعفني الذاكرة بهم،وأترحم على الراحلين وأتمنى السعادة دائما لمن ما زال في مشوار الحياة معنا: ( في الأبتدائية نبي سليم، عبد الرحمن ، إيشو شابو، يوسف جركَو و إبراهيم ججو. اما الذين شاركتهم مهنة التعليم: بولص ميّا، اندراوس ميخو، مرقس إيشو شيلّي، توما هرمز، زيا شيبا ، إسبنيا، حنا رحيم ، بولا  و سعيد متي).

ان اخلاصي لمهنتي ولعملية التربية والتعليم والأخذ بيد الطلاب الصغار نحو عالم العلم والمعرفة كانت في مقدمة اهتماماتي، اضافة لقناعاتي السياسية والوطنية، ورغم اني كنت ادرس اللغة العربية بأستمرار، الا اني درست العلوم والأنكليزية حيثما كانت الحاجة مطلوبة، وقد حصلت على كتب تثمين وشكر من تربية بغداد نتيجة لأخلاصي، وما زلتُ اتذكر كيف كنت اقدم الدروس الأضافية للتلاميذ كلما اقترب موعد امتحانات البكلوريا من اجل ان يحصلوا على اعلى الدرجات، وكنا نتيجة لذلك نحوز على احترام وتقدير أهالي الطلبة. ان هذا الأخلاص بالعمل ، قابلته الجهات (الرسمية والحزبية البعثية) بموقف معاكس تماما، وهو النقل من مدرسة الى اخرى، في كل عام او عامان، مما عرّض حياتي الخاصة للصعوبات، وحرم ابنائي من الأستمرار بصداقاتهم مع اقرانهملفترات أطول، وكنت دائما أشعر، بأن عملية النقل هي (انتقام) لمواقفي ومعتقداتي السياسية، وهي لم تكن بتلك الخطورة عليهم خاصة وأنهم يملكون الدولة والجيش والشرطة وكل شئ، الا ان رعبهم كان سيد الموقف في محاربتهم لأي انسان لم يدين لهم بالطاعة والولاء!

بالحقيقة (يقول المربي خوشو)، بأن تربية البيت وحرص الوالدين كانا مهمين لي، لكن أكبر التأثيرات  اتت من أخي الكبير (شمعون حنا) الذي كان لي بمثابة الأب والأخ الكبير والصديق والمربي الذي زرع في الأفكار الأنسانية والوطنية التي اعتز بها لليوم، وهي ايضا التي تمنحني الطاقة لكي اقرأ وأتابع في كتب التأريخ والعلم والفلسفة، إذ تكشف كل الأحداث صحة ما ذهبت اليه النظرية  الأشتراكية العلميةالعلمية. لقد حاولت طوال سني وجودي في هذه البلاد على المشاركة في معظم النشاطات والأحتفالات الوطنية، من اجل دعمها ودعم القوى الوطنية والديمقراطية العراقية، وكنت ومازلت مؤمنا بأن الطريق لخلاص وطننا من مشاكله هو في قيام النظام المدني الديمقراطي وفصل الدين عن الدولة وتحريم عمل الأحزاب على اساس ديني، بل على اساس المشاريع الوطنية الخالصة، وأن تعمل تلك الأحزاب لكل العراقيين وليس لفئة واحدة.

أما امنياتي للعراق العزيز، بأن يعود وطناً لكل العراقيين ودون تفرقة، وأن يحل به السلام والأمن والطمأنينة، والأجواء المناسبة لعودة من يريد العودة.وأملي بأن تحكم البلد حكومة غير طائفية، تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبارمن اجل خير الناس وإعلاء شأنهم ومستوى حياتهم، وأن تعمل الدولة بكل طاقتها على طرد مجرمي (داعش) من كل مناطق العراق وأن تعود العوائل المسيحية والأزيدية والعربية الى بلداتها معززة مكرمة ومحمية من قبل الدولة وليس من اية جهة اخرى.

****      ****      ******

المربية غنيمة زيّا عتيشـاـ دكّي

في العام ١٩٤٢ ولدت في مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى، وفي (محلة عبرو). متزوجة من السيد كَوركَيس توما دكّي، ولهما ٤ بنات وولد واحد مع ١٠ أحفاد للآن.

مثلها مثل الكثير من البنات في عمرها، كان اهاليهم حريصين على ادخالهم المدارس ودفعهم للعلم والمعرفة فكانت أول خطوة

١ـ (مدرسة الراهبات الأبتدائية في تلكيف) إذ أكملت الصفوف الثلاث الأولى ثم انتقلت بعدها الى،

٢ـ (مدرسة الفيحاء لراهبات الكلدان في العشار) والتي كانت تابعة لكنيسة العشار حيث انهت الأبتدائية وأنتقلت بعدها الى،

٣ـ (مدرسة متوسطة في منطقة  البريهة) في البصرة ودرست ٣ سنوات ثم تقدمت الى،

٤ـ (دار المعلمات الأبتدائية في البريهة) حيث اكملت السنة الأولى، وأقترنت تلك الفترة بزوجها، فأنتقلت الى بغداد وأكملت،

٥ـ (دار المعلمات في بغداد) في بنايتها الكائنة بشارع الكفاح، وتخرجت في العام ١٩٦٤.

بعد حصولها على شهادة التعليم تقدمت للعمل فكان توظيفها الأول في:

١ـ (مدرسة الأعتدال) في منطقة الدورة/ بغداد ، والتي كانت مجاورة ل (السمنير) ولمدة ٣ سنوات، ودرسّت فيها مادة اللغة الأنكليزية للصفوف الخامس والسادس إبتدائي، اعقبها الأنتقال الى مدرسة تقع بالقرب من مسكنها  بالمنصور فكانت،

٢ـ (مدرسـة المسّرة) في منطقة حي دراغ، مجاور مدينة المنصور، وأستمرت هناك لمدة (٢٠) سنة وقد أختصّت بتدريس (الصف الأول) وهذا جعلها أن تكون أول من يتعلق الطفل به عند دخوله عالم الدراسة والمدارس والتعليم.

مع حلول العام ١٩٨٧ تقدمت للأحالة على التقاعد من التدريس، وعملت في بعض الأعمال الحرة، وتوجهت للعيش  في الولايات المتحدة عام ١٩٩٤، وعملت سنتان في احدى دور حضانة الأطفال، ثم انتقلت للأعمالالحرة، ومنذ العام ٢٠٠٩ توقفت عن العمل  وأنصرفت للمساعدة في تربية الأحفاد.

 

وعندما ارادت الست غنيمة ان تتحدث عن حبها للتدريس قالت: لقد احببتها منذ طفولتي، وعندما تقدم زوجي (كَوركَيس) للزواج، كان شرطي وشرط عائلتي أن اكمل تعليمي وأحصل على الشهادة وهذا ما تم فعلا، ولعل الفضل  يعود لأخي الأكبر (صبري عتيشا) الذي كان مثلنا الأكبر في الألتزام بالمدرسة والتعلم، ووضع شرط الزواج ايضا!

وبالعودة لمدرسة (المسّرة)، فهناك صور لا تنسى عن تلك الأيام الحلوة، فقد كانت مديرتنا (فرحانة) بعملي، وكنت اقدم دروسا نموذجية للتلاميذ، وصار اختصاصي الصف الأول، وكانت غرفة المديرة تزدحم بالأهالي الذين كانوا يطلبون أن يكون أبنائهم (في صف الست غنيمة) حتى وصلت صفوفي لحد التخمة (حوالي ٦٠ طالب) في الشعبة الواحدة،ورافق عملي الكثير من كتب الشكر والتقدير من المشرفات ومن الوزارة ايضا، وبالحقيقة أشعر براحة الضمير لعملي التدريسي، إذ اني أقمتُ افضل العلاقات مع عوائل التلاميذ، وكنت أتحدث اليهم بإستمرار، وأطلبُ منهم ان يأتوا للصفوف ويجلسوا ويشاهدوا ابنائهم، على أن المؤلم هو عدم وجود الوعي الكافي لدى الأهل في اهمية دورهم في حياة التلاميذ، ولهذا كان اهتمامهم ضعيف جدا في اجتماعات مجالس الآباء والأمهات.اما طعم تلك الأيام فلايمكن له ان يكتمل الا بتذكّر تلك الوجوه الطيبة التي عملتُ معها: ( مديرتنا العزيزة ست خيرية ، ست زاهدة الربيعي، ست سهيلة، ست آنجيل حنا، ست ابتهاج، ست ســمر، ست أميرة فروجي وست أديبة بطي) إذ لازلت اتواصل مع بعضهن بالتلفون، ودائما ما نعيد ذكرياتنا عن تلك الأيام التي لم نسأل عن دين ايّ من المعلمات او قومايتهن او طوائفهن، فقد كنا مثل الأخوات، نتزاور عائليا فيما بيننا ونقوم بالسفرات والجلسات الجميلة. وأرتباطا بتلك الأسماء لا يفوتنيان اذكر بعض الأسماء التي كانت اعلاما في ايام دراستي الأولى: (الأبتدائية، استاذ عبد ججو ختاري للرياضيات، القس ابلحد حجار، والمطران كَوكَي لمادة درس الدين. اما في المتوسطة فأتذكر المدرسات تماضر بركات وكميلة طوبيا حكيم).

 

وللطرفة اذكر واحدة من الحوادث التي حصلت لي اثناء طفولتي ( كنت تلميذة في الصف الثاني) وكما روتها لي شقيقتي الكبرى "ماركريت" ولا انساها أبدا، فقد حدث في يوم ١ نيسان ١٩٤٩ ان كانت والدتي مريضة، وحينما عدت من الدوام الصباحي للمدرسة، لم أرغب الذهاب للدوام الثاني ، بينما هي كانت تلّح علي بالذهاب، فتدخلت أختي الكبيرة وأقنعت والدتي ببقائي في البيت وعدم الذهاب وخاصة ان ذلك اليوم  أقترن بسماء ملبدة بالغيوم وتعد بمطرا غزيرا، وهكذا جرى إذ كتب لي في ذلك اليوم عمرا جديدا، حيث تعرضت طالبات( مدرسة تلكيف) لتلك الحادثة المفجعة التي جرت نتيجة مرور سيل الماء الجارف في المدينة فحصد معه ارواح ٤٩ طالبة مع بعض الشباب، وكان من الممكن ان اكون واحدة منهن!

مع ان الحياة تسير سريعة للأمام، لكني اتألم كثيرا لحال مدارسنا في العراق وتلاميذنا من باب المقارنة (على الأقل في الفترة التي كنت فيها معلمة) فقد كانت صفوفنا مزدحمة بالطلاب كثيرا مما يحرم المعلم من فرص التواصل الشخصي مع التلاميذ، أضف لذلك قلة وسائل الأيضاح والملاعب والمراسم والألعاب لهذه الأعمار اليافعة، إذ ان هذه الأمور هي التي تحبب المدرسىة الى قلب الطفل، لكن مع هذا اتمنى ان يستفيد المسؤلون  هناك من تجارب الشعوب الأخرى وينقلوها للعراق، فأن اهله يستحقون!

وفي الختام، أمنيتي للوطن، لاتحتلف كثيرا عن امنيات كل الناس، وهو أن يرجع العراق كما كان، وطنا للكل، ولا تفرقة بين ابنائه وأن يعم الامنوالأمان ربوعه وناسه، وأن يعود اهله الذين نزحوا من مدنهم وبلداتهم وأن يقضوا على ارهاب داعش.

****      ****      ******

المدرس فاروق داود سـامونا

تمن مواليد مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى في العام ١٩٤٧ وبمحلة (سامونا). متزوج من السيدة بتول إيليا عطالله، ولهم ٤ ابناء وحفيدانإثنان.

لقد اثبتت الحياة صحة تلك الحكمة التي سار عليها آبائنا، بأن العلم والمعرفة هما افضل وأقصر السبل لتقدم الأنسان، على الرغم من ان نسبة كبيرة منهم حرموا من تلك النعمة، لكنهم وبفطرتهم عرفوها، ولهذا ارادوها لأبنائهم وبناتهم، وهكذا كان الأمر مع (فاروق) حينما اخذه اهله الى (بيت العلم والمعرفة) فكانت اولى خطواته،

١ـ (مدرسة العرفان الأبتدائية) في مدينة تلكيف وحتى الصف الخامس، ثم اكل السادس في

٢ـ (مدرسة الطاهرة / بغداد) إذ انجز فيها الأمتحان الوزاري للمرحلة الأبتدائية، بعدها  عاد الى

٣ـ (ثانوية تلكيف) حيث درس الصف الأول متوسط ثم رجع وأنتقل من جديد الى بغداد ودخل

٤ـ (المتوسطة النظامية) فدرس الثاني والثالث متوسطة بعدها انتقل الى

٥ـ (الأعدادية الشرقية للبنين) في منطقة الكرادة حيث انهى دراسته الثانوية عام ١٩٦٥ ثم انتسب الى

٦ـ (جامعة بغداد ـ كلية التربية / قسم الرياضيات) وحصل على شهادة التخرج عام ١٩٧٠.

كما لكل الخريجين، كان طموحه كبيرا بالتعيين وتحويل العلوم التي اكتسبها الى واقع عملي مع التلاميذ فكان أول تعينه في

١ـ (متوسطة القادسية) في حي جميلة ـ مدينة الثورة، إذ درّس هناك لسنة واحدة ونقل بعدها الى

٢ـ (ثانوية العزيزية) في منطقة العزيزية، ودرّس فيها سنتان ايضا،  وكان هذا آخر مشواره في التدريس بمدارس العراق،  حيث قررت العائلة الرحيل الى الولايات المتحدة والأستقرار هناك.

منذ وصوله مدينة ديترويت عام ١٩٧٣ عمل في الأعمال الحرة لأعالة العائلة، لكن طموحه لم يتوقف، فقرر في العام ١٩٧٦ معادلة شهادته (التدريسية) فتم له ذلك، لكنه استمر في الأعمال الحرة حتى العام ١٩٩٤، إذ قرر العودة الى التدريس، ولكن هذه المرة في مدارس ديترويت الحكومية، فعمل مدرسا لمادة الرياضيات في ثانوياتها:

١ـ اولد ريد فورد هاي سكول ٢ـ ساوث ايسترن هاي سكول ٣ـ ساوث ويسترن هاي سكول

٤ـ آز بورن هاي سكول            ٥ـ سي إم آي هاي سكول

ومنذ العام ٢٠٠٤ صار يقدم المحاضرات في مادة (الرياضيات ـ الجبر بمراحل متعددة ـ الرياضيات التجارية) في كلية (اوكلاند كوميونتي كوولج) ولعدة عدة فروع دراسية.  وما ان حل العام ٢٠١٢ حتى حل معه التقاعد الرسمي من مهنة التعليم، لكنه مازال يعمل (استاذا محاضرا في جامعة اوكلاند يونيفيرستي) هذه المرة ولمادة الرياضيات ايضا.ومع كل ما تعني له شهادة جامعة بغداد من فخر في الرياضيات الا انه اضاف لها شهادة الماجستير في الرياضيات ايضا ومن (جامعة ديترويت اليسوعية) عام ٢٠٠٠ بالأضافة الى شهادة ماجستير في المحاسبة قبلها بسنتين، عام ١٩٩٨ من كلية (ولش كولدج).

 

لايخفي المدرس (فاروق) شكرهوتقديره للعديد من المربين والمدرسين الذين مروا بحياته وتركوا بصمات طيبة كانلها الأثر فيما نشأ عليه لاحقا حينما اصبح مدرسا. ولأنهم ثمينين، فقد احتفظت بهم الذاكرة، وهو دائم الدعاء بالرحمة للذين رحلوا وبالصحة للذين مازالوا احياء: (في مدارس تلكيف ، هرمز طليا، شـمّو كاتي، ميخائيل شينا، بهنام عفاص وحكمت زوما، وفي مدارس بغداد، يوسف ميري ، فضيل نقاش، كارنيك،طاهر البياتي، سعيد ألبير، انور عبد السادة، انطوان القس، نجيب خضر اما في الجامعة فكان الأستاذ المصري العطروني والمدرسة رينه سرسم). اما تربيتي البيتية فقد كانت الجزء المكمل لشخصيتي وعلاقاتي، إذ نشأت في وسط ابوين اعتادا طريق التقوى والصلاة ومساعدة الآخرين حيث غرسوا فينا لعمل الخّير، ولأن اجواء البيت كانت هكذا فقد اندفعت للخدمة في الكنيسة، وأتقنت الصلوات جيدا، وصرت أخدم كشماس في القداديس، حتى اصبحت شماسا بشكل رسمي، وهذا بالحقيقة يبعث في نفسي الكثير من الفرح والراحة.

عن تعلقه بالتدريس يقول المدرس فاروق سامونا: إن حبي لمادة الرياضيات كان الدافع الكبير لأختيار سلك التدريس، وهذا الحب والفهم للمادة منحني امكانية جيدة لأبتكار طرقا جديدة في التدريس، فأتبعت مثلا (الطريقة الأستنتاجية، والطريقة الأستقرائية) وهي طرق تدفع الطالب للتفكير والأستنتاج في البداية مما يسهل امر فهم اعقد المعادلات لاحقا. ومن الطريف ان اذكر بأني وأثناء تدريسي في (ثانوية العزيزية) فقد  صادف ان كنت مدرس الرياضيات الوحيد فيها لتلك السنة ، فقمت بتدريس كل المراحل، ومنضمنها صفوف الثالث متوسط والسادس ثانوي اللذان كان خاضعين للأمتحانات الوزارية، وحصلت على نتائج جيدة جدا، رغم اني كنت حديث العهد بالتدريس. وللمقارنة أقول بأن منهج تدريس مادة الرياضيات في العراق اعتبره راقيا جدا، قياسا بالمنهج المعمول في ولاية مشيكان على الأقل، لكن يبقى الفرق كبير في طرق التدريس والصفوف والمدارس وأستخدام التكنلوجيا التي يتفوقون فيها على العراق بأشواط كثيرة. ويمكن لي القول بأن تنوع هواياتي وأهتماماتي قد ساعداني في فهم التلاميذ اكثر والتقرب منهم،  إذ اني اهتم الآن بقرأة تأريخ العراق القديم، وخاصة ما يتعلق بالكلدان، كما اقرأ الروايات العالمية والقصص والشعر، كما اتابع الأحداث  والمسابقات الرياضية.

 

امنيتي لوطني الغالي، ان يعود السلام الى ربوعه وينعم اهله بالرفاهية، وبالأخص ابناء الشعب المسيحي، ابناء الوطن الأصليين.وأتمنى ايضا ان ينتهي عهد الأرهاب، وتعود الناس المهجّرة الى بيوتها ومدنها وقراها، ويجري تعويضهم ، من اجل ان يبنوا حياتهم من جديد، وأن يتحقق الأمن والأمان وأن يُعامل كل العراقيين على قدم المساوات والعدالة، وأتمنى ان يعود العراق ويحتل مكانه الصحيح بين الأمم المتقدمة.

 

كمال يلدو

 

كانون ثان ٢٠١٥